All Writings
مارس 27, 2007

دعــوة إسـرائيـــل

26 مارس (آذار)2007

بقلم: أ.د. ألون بن مئيـــــــــــــــــــر
أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية
بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط
بمعهد السياسة الدوليـــــــــــــــــة

من الحكمة أن تقبل الحكومة الإسرائيلية بالمبادرة العربية لأنّ عليها التزام مقدّس لسبر أية إمكانية, مهما كانت بعيدة, قد تؤدي إلى نهاية سلميّة للنزاع العربي – الإسرائيلي. بإمكان إسرائيل قبول المبادرة العربية من حيث المبدأ وطالما هي تفاوض بجدية سيسمع العالم بأسره لمطالبها الوطنية الشرعية. ولكن مهما كانت المفاوضات التي تجريها الحكومة واتفاقية السلام التي قد تتوصل إليها, يجب ألاّ تغرّر هذه بمتطلبات إسرائيل الأساسية الثلاث وهي: 1) الاحتفاظ بصورة مطلقة بالهوية الوطنية اليهودية للدولة 2) ضمان أمنها القومي ووحدة أراضيها و 3) إنهاء حالة الحرب الفعليّة من خلال إقامة علاقات طبيعية مع كامل العالم العربي. ليس هناك دولة عربيّة أو أية قوة عالمية أخرى تتوقع يوماً ما أن تساوم إسرائيل على هذه المبادئ الثلاثة لأنها تشكل جوهر كيانها.

لا يعتبر قبول المبادرة العربية علامة ضعف, بل عكس ذلك, إنّها علامة القوّة. لم تكن إسرائيل يوماً ما عسكرياً واقتصادياً أقوى مما هي عليه الآن. بإمكان إسرائيل قبول المبادرة بكل صراحة وشجاعة معلنة عن مبادئها الأساسية الثلاثة والتي لا يمكن لأية حكومة إسرائيلية أن تتخلى عنها أو أي مفاوض جاد أن ينكرها.

أولاً, الاحتفاظ بالهوية اليهودية: أعتقد بأنّ العالم العربي يقبل الآن بمبدأ أن إسرائيل لن تفعل أو تقبل طوعاً أي شيء من شأنه أن يعرّض بأي شكل من الأشكال الهوية الوطنية اليهودية للدولة للمساومة أو التسوية. ولهذا السبب, لا تستطيع إسرائيل بكل بساطة أن توافق حرفياً على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (194) لعام 1948 المعروف عامة "بحق العودة" للاجئين الفلسطينيين. وبالرّغم من أن بعض الدول أو المنظمات العربية ما زالت تصر على ضرورة قبول إسرائيل مبدأ العودة, غير أنّ الأغلبية العظمى اليوم تتكلّم حول إيجاد حلّ عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين كما تقترح المبادرة وكما هو وارد أيضاً في سياق القرار (194) وأيضاً القرار (242). وفي هذا السياق, فإن اعتراف إسرائيل بحالة اللاجئين المزرية واشتراكها في إيجاد حل عادل لها, بما في ذلك إعادة توطينهم داخل أو خارج إطار الدولة الفلسطينية المستقبليّة وتعويضهم بشكل أو بآخر سيقدم في النهاية تسوية مقبولة لكلا الطرفين. وفي حين أن على إسرائيل الاعتراف بالمشكلة القائمة للاجئين الفلسطينيين, غير أنّه لا يستطيع أحد إجبار إسرائيل على أن تنتحر سياسياً عن طريق تغيير النسيج الديمغرافي للدولة بالقوة بتنفيذ القرار

(194). وبصرف النظر عن مدى حساسيّة هذه القضية بالنسبة للفلسطينيين, فإن وجود إسرائيل كالملاذ الأخير للشعب اليهودي يعتمد كلياً على ضمان أغلبية يهودية دائمة داخل الدولة.

ثانياً, ضمان أمن إسرائيل القومي ووحدة أراضيها: قبول المبادرة العربية من قبل إسرائيل يعني أيضاً أن تقوم إسرائيل بالتخلي عن أراضي تعادل 100% من الأراضي التي احتلتها عام 1967. وأنا أستعمل هذا الاصطلاح "تعادل 100%" لأنه ومن أجل التوصل إلى حدود آمنة وبسبب بعض المعطيات القاسية الموجودة على الطبيعة ستضطر إسرائيل إلى مقايضة بعض الأراضي. ما زال هناك الكثير من الإسرائيليين, ولربما أكثر من مؤيدي إسرائيل في الولايات المتحدة وفي أماكن أخرى من العالم, يعادلون الأراضي بالأمن الوطني. ولقد أثبت التاريخ بأن هذه الفكرة خاطئة تماماً. أربعون عاماً من الاحتلال لم تحسّن من وضع إسرائيل الأمني شيئاً أبداً قطعياً. وأولئك الذين يدّعون بأن انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان ومن غزّة قد حوّل هذه المناطق إلى محطات جديدة من العنف ضد إسرائيل, هم في أحسن الأحوال مخادعون. لم يكن الانسحاب كاملاً ولم ينفّذ بطريقة قد تربّي علاقات أفضل. أضف إلى ذلك, فإن الانسحاب من كلا المنطقتين (جنوب لبنان وغزة) لم يكن طوعياً بالنسبة لإسرائيل. لقد أصبح جنوب لبنان ميدان قتل للإسرائيليين, والانسحاب من غزّة كان بسبب الكابوس الديمغرافي الذي كان يحلم به معظم الإسرائيليين. لا أحد نيّر العقل ممكن أن يعتقد بأن الدول العربية قد تبرم يوماً ما سلاماً مع إسرائيل بدون استرجاع الأراضي. إنّ إسرائيل بحاجة للسلام أكثر من الدول العربية أو حتى الفلسطينيين أنفسهم. بإمكان هؤلاء أن ينتظروا مائة عام أخرى, غير أن الإسرائيليين لا يستطيعون ذلك. وفي النهاية, على الإسرائيليين الاختيار بين السلام والأراضي, فهم لا يستطيعون الاحتفاظ بالاثنين معاً.

ثالثاً, تطبيع العلاقات مع الدول العربية وإنهاء حالة الحرب: هذا المطلب الرئيسي الثالث هو في غاية الأهمية القصوى بالنسبة لإسرائيل لأن أي أمل في استقرار أو ازدهار أو تقدم مستقبلاً يعتمد عليه. وللتأكيد, لن يعطي إسرائيل الأمن التام والنهائي الذي تبحث عنه سوى السلام الشامل والتوقف التام عن الأعمال العدائية. وبما أن المبادرة تعد بذلك, يجب على إسرائيل أن تكون قادرة على ترجمة السلام بين الحكومات إلى سلام من شعب لشعب. أجل, سلام يكون للشعوب العربية مصلحة فيه بحيث يتشجعون للاحتفاظ به وحمايته. وللارتقاء لمثل هذا الوضع الإيجابي, على الدول العربية أن تبرهن بأنّ لديها القدرة والإرادة السياسية أن تكبح جماح المجموعات المتطرفة مثل حماس وحزب الله.

على إسرائيل أن تدرك أنّه نتيجة للحرب في العراق فقد تغيّرت الظروف السياسية والأمنية في الشرق الأوسط جذريّاً, وهي تشكّل الآن تحدياً جاداً للنظام الجيوسياسي القديم للمنطقة. طموحات إيران الإقليميّة تنذر كلا الجانبين, الدول العربية السنية وإسرائيل على حدّ سواء, الأمر الذي قد يخلق إمكانية لتحالف الحاجة. وإعادة طرح المبادرة العربية في هذا الوقت بالذات ليس من قبيل الصدفة. إنّه مصمّم مبدئيّاً لتغيير الديناميكية السيّاسية الجديدة في المنطقة بطريقة مركزية, وذلك بإنهاء الصراع العربي – الإسرائيلي. ويعطي هذا الحشد من الأحداث مجتمعة في وقت واحد إسرائيل فرصة لا تستطيع تفويتها.

يعتمد أمن إسرائيل القومي على شجاعتها العسكرية وقوتها الاقتصادية, غير أن وجود إسرائيل وبقائها كأمة مستقلة وآمنة وحرة سيعتمد على براعة ودهاء شعبها وقادتها وكذلك على الركائز الأخلاقية التي تقف عليها مؤسساتها. الاحتلال يحطّ من كرامة المحتلّ وينزع إنسانية قوى الاحتلال نفسها. وإسرائيل لن تتوصّل أبداً لجهدها الحقيقي ما دامت باقية قوّة احتلال. فقط بإنهاء الاحتلال ستفي إسرائيل حق قدرها وتصبح "النور الذي يضيء على الأمم والشعوب الأخرى".

 

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE