All Writings
فبراير 20, 2007

لا غنىً عن سـوريــا

بقلم: أ.د. ألون بن مئيـــــــــــــــــــر
أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية
بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط
بمعهد السياسة الدوليـــــــــــــــــة

يتحدّث الآن موظفو الإدارة الأمريكية بازدياد حول الحكمة الكامنة وراء إشراك سوريا لمحاولة كسب تأييدها ومساهمتها في الجهود الرامية لإيقاف الوضع الفوضوي السائد في الشرق الأوسط من الاستمرار في التدهور. وكان الأجدر منذ البداية إشراك سوريا والتحدث مباشرة معها عند هذه المرحلة لما لهذا الأمر من عجلة كبيرة وأهمية قصوى بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة. وإذا رغبت واشنطن بذلك أم لم ترغب, لا غنى عن سوريا ولذا من الضروري جداً أن تنسى الإدارة فكرة تغيير النظام في دمشق والنظر لسوريا كدولة صديقة في المستقبل بدلاً من اعتبارها عدوة.

سوريا مهمة لأنها قلب الشرق الأوسط ومفتاح للسلام العربي الإسرائيلي الشامل. وسوريا مهمّة أيضا بالنسبة للبنان لأنّ مصالحها مزروعة في كيان لبنان الاجتماعي والاقتصادي والسياسي ولأنها ما زالت تمارس نفوذاً هائلاً على حزب الله. وكدولة غالبة مواطنيها من السنّة, لا غنى عنها لأنها تستطيع أن تؤثر في ديناميكية الصراع السني – الشيعي بحيث لا يشكّل تهديداً خطيراً على المنطقة بأكملها. إضافة إلى ذلك فإن سوريا ستلعب دوراً مهماً في أي جهد لاحتواء الطموحات النووية الإيرانية لأن إغراء سوريا للخروج من المدار الإيراني سيعزل إيران. لا غنى عن سوريا أيضاً في الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني لأنها توفّر أكثر من أية دولة عربية أخرى ليس فقط ملاذاً للزعماء الفلسطينيين المتطرفين ولكنها أيضاً حامية شعلة الحركة الوطنية الفلسطينية. وفي العراق تلعب سوريا دوراً مهماً أكثر من أي وقت مضى لأن إدارة بوش تريد يائسة أن تنجح هناك وبإمكان سوريا أن تساعد إلى أبعد الحدود في أية حملة لتثبيت هذا البلد المحطم من جراء الحرب. وبالنسبة للإسرائيليين أيضاً لا غنى عن سوريا لأن إسرائيل بدون سلام بينها وبين سوريا ستبقى دوماً غير آمنة عند حدودها الشمالية. وأخيراً, سوريا بلد مهم في ما يسمى الحرب على الإرهاب لأن لديها القدرة أن تساعد في جمع شمل المثقفين الإسلاميين والسيطرة على العديد من العناصر الإسلامية المتطرفة.

قد يكون هناك جدال حول مدى أهمية دور سوريا في البحث عن حلول للعديد من هذه الصراعات والنزاعات التي عصفت بالشرق الأوسط ويبدو أنها ستقضي عليه. غير أن لا أحد يستطيع أن يشكك بأن سوريا تؤثر بطريقة مباشرة

وغير مباشرة على جميع القضايا الرئيسية والمهمة في المنطقة ولذا فإن إشراكها البنّاء له القدرة على إعادة دمج القوى بصورة فعّالة لحل الكثير من مشاكل المنطقة.

يصرّ المسئولون في الإدارة الأمريكية بأن التعامل مع سوريا في الوقت الحاضر يعني مكافأة دمشق على سلوكها المزعج وانتهاكاتها. أنا لا أستطيع القول بأن سوريا بريئة تماماً, ولكن حتى لو افترضنا بأن هذه الاتهامات بالحدّ الأدنى في محلّها, أيمنع ذلك من الجلوس مع المسئولين السوريين والتباحث حول هذه الشكاوي؟ وأمّا قول وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس حديثاً" بأن سوريا تعلم ما يمكن أن تفعل لتتأهل لحوار مباشر مع الولايات المتحدة" يعني تماماً الطلب من سوريا أن تعترف أولاً للعالم أجمع بأنها مذنبة بما نسب إليها من اتهامات وثمّ قبول شروط الرئيس بوش للحوار. وبغض النظر عما اقترفته سوريا من "خطايا", فإنها سترفض هذه الشروط لأنّها تشكّل بالنسبة إليها نوعاً من الخضوع والإذلال الذي
– إضافة إلى أمور كثيرة – من شأنه أن يضعف موقفها التفاوضي بصورة جسيمة. صحيح أن سوريا بحاجة إلى دعم اقتصادي وإلى تقنية حديثة وفوائد أخرى كثيرة قد يقدّمها لها تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة. ولكن من الصحيح أيضاً أن الولايات المتحدة بحاجة مماثلة إلى دعم سوريا. والسيد بوش – بالنظر إلى الوضع المتدهور باستمرار في المنطقة – بحاجة فعلية لسوريا أكثر من حاجة سوريا إليه.

إن رفض إدارة بوش التفاوض مع إيران وكوريا الشمالية لأكثر من ستة أعوام لم يفعل شيئاً سوى تشجيع هاتين الدولتين على تحدي الولايات المتحدة وفعل ذلك بدون أي عقاب. وستة أعوام أيضاً من الجهود المركّزة والمنسّقة لعزل سوريا لم تجدي شيئاً سوى أنّها فقط دفعت بسوريا إلى أحضان إيران. فبدلاً من تقليص دور سوريا الإقليمي جعلته أكثر أهمية في السعي وراء الحلول. يجب الآن إعادة تقييم السياسة تجاه سوريا وعلى الرئيس بوش النظر إلى سوريا كجزء من الحلّ لا كجزء من المشكلة, وإلاّ فإنّه سيزيد بصورة جسيمة من مشاكل المنطقة. وأود هنا أن أذكّر بأنّ إدارة بوش قد تعاونت فعلاً في أكثر من مناسبة مع مسئولين سوريين, خصوصاً في الفترة اللاحقة مباشرة لاعتداءات الحادي عشر من أيلول, وذلك من الناحية الاستخباراتية وملاحقة نشطاء القاعدة. لا يوجد سبب يمنع استئناف التعاون ما بين الدولتين بدون أية شروط, خصوصاً وأن الشرق الأوسط ينزلق الآن في دوامة من الاضطرابات والعنف أكبر وأشد من أي وقت مضى وتعاون سوريا البنّاء قد أصبح أكثر ضرورة. لن تقطع سوريا بالطبع فوراً علاقتها مع طهران أو مع حزب الله عند شروع الولايات المتحدة بمباحثات مباشرة معها, ولكن تعاون

سوريا الجدّي سيكون له تأثير جذري على الاتجاه السياسي الذي ستسلكه المنطقة بأكملها.

 

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE