All Writings
أبريل 24, 2012

إلى شباب مصر: ما زالت الثورة ثورتكم لتصحيحها

إن أسوأ ما كان يتوقعه الشباب الثوري المصري حدث في الأسابيع القليلة الماضية: لقد وقعوا في شرك صراع ٍ رهيب ما بين النظام السابق والإسلاميين وسط فوضى من جميع نواحي الحياة المصرية. فجماعة الإخوان المسلمين والمجلس الأعلى للقوات المسلحة يتنازعان فيما بينهما خلال الفترة الانتقالية التي ستنتهي يوم 30 حزيران (يونيو) من هذه السنة على من سيكون له اليد العليا بعد المرحلة الانتقالية (وكان الاعتقاد في وقتٍ سابق بأنهما توصلا إلى تفاهم حول تقاسم السلطة). أمّا القوى المدنية فهي منقسمة حول كلّ قضية من العملية السياسية، وهذا كله وسط أزمة اقتصادية طاحنة تهدّد البلد بالإفلاس. إنّ وجود الثورة نفسها الآن في خطر، وعلى الشباب المصري أن يستلم مرّة أخرى زمام القيادة (كما فعلوا ببساطة في شهر يناير/ كانون ثانٍ من عام 2011) وتشكيل جبهة موحدة لنزع عملية الانتقال إلى الديمقراطية من أيدي السياسيين وضمان تحقيق الأهداف المركزيّة للثورة وهي:”خبز، حرية، عدالة الاجتماعية”.

على ما يبدو نقض – تحت تأثير نشوة انتصارهم الساحق في الانتخابات – الإخوان المسلمون وعدهم السابق بعدم احتكار العملية السياسية لأنفسهم وحاولوا إملاء كيفية تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور وقدموا مرشحاً رئاسياً في الانتخابات المقرر إجراؤها الشهر القادم. ولكن السلطة القضائية التي اشتبه بأنها تحت تأثير المجلس الأعلى للقوات المسلحة نزعت الأهلية من كلا الطرفين، الجمعية الدستورية والمرشح الرئيسي للرئاسة من طرف جماعة الإخوان المسلمين خيرت الشاطر مع آخرين غيره، بما فيهم أيضاً رئيس المخابرات الأسبق، اللواء عمر سليمان الذي كان ترشحه أمراً يمقته الإخوان المسلمين. وما زالت جماعة الإخوان المسلمين تحتفظ بمرشح بديل لخيرت الشاطر هو د. محمد مرسي ويبدو أنها مستعدة لتشويه سمعة فوز أي مرشح آخر على أنّه “تزوير”. أثناء ذلك يصرح المجلس الأعلى للقوات المسلحة ضمناً عن استعداده لحل البرلمان أو حتى تأخير الانتخابات الرئاسية إن لم يتم التوصل إلى اتفاقية حول وضع مسودّة للدستور الجديد الذي من شأنه أن يضمن استقلالية اتخاذ القرارات من طرف القوات المسلحة والميزانية.

وفي الوقت الذي يصطدم فيه العملاقان (الإخوان المسلمين والجيش) ببعضهما البعض، يبدو أن القوى المدنية في فوضى ومنقسمة على نفسها أكثر من أي وقتٍ مضى. لقد سحب مرشّح الليبراليين المفضّل، د. محمد البرادعي، ترشيحه للرئاسة، هذا وقد أخفقت أيضاً مساعي لجنة المائة (وهي مجموعة تألفت من شخصيات بارزة من نخبة مصر) في إقناع المنافسين الرئاسيين اللذين ليسوا من النظام السابق لتشكيل فريق موحد، هذا في الوقت الذي تدعو فيه حتّى عدة قوى ثورية لمقاطعة التصويت في انتخابات الرئاسة. لقد كان الانقسام هو الطابع الذي ميّز مليونية الجمعة الماضية في ميدان التحرير حيث سيطرت المطالبات المتناقضة على المنصّات المتعددة التي أقيمت في الميدان. والنتيجة الحتمية لهذه الإنقسامات مع ابتعاد الشباب الليبرالي والقوى المدنية عن بعضهم البعض وهم من كانوا وراء هذه الثورة الواعدة هي حالة مطوّلة من الشك وعدم اليقين موسومة بالفوضى والعنف.

ولتجنب هذه التطورات من أن تصبح قطرسا ً يخنق الثورة، هناك حاجة ماسة للشباب المصري أن يعيد أخذ زمام المبادرة بأيديهم وحشد جميع طاقاتهم ومواردهم لإقامة حزب واحد يتكون من ائتلاف جميع الأحزاب غير إسلامية والأحزاب غير المحسوبة على النظام السابق لتمثيل الشباب الثوريين وطموحاتهم. ويدرك القادة السياسيون الأحرار والمثقفون حقيقة أن ما يميّز القوى الثورية من غيرها هي الطبيعة الديمقراطية والمدنية للدولة وليس الدينية أو العسكرية. ولذا، بالقدر الذي يكون لديهم وحدة الهدف، هم بحاجة ماسة لوحدة سياسية سليمة البنية. وقد بان حديثاً بصيص من الأمل بالإعلان الذي أدلى به محمد البرادعي لتكوين حزب “الدستور” ليخدم ائتلاف يوحّد جميع التجمعات السياسية المدنية. فإذا لم ينضم القادة السياسيون الليبراليون لمثل هذه المساعي, فإنهم يخاطرون بتكبّد خسارة لربما آخر فرصة لاستعادة الأهداف الأولية الرئيسية للثورة المصرية. ويجب أن يحكم الثوريين المتنافسين على الرئاسة المصالح الوطنية ويعملوا بموجبها وأن يقوموا بحملة الانتخابات كفريق رئاسة (أي رئيس ونائب رئيس) يتم دعمه بكتلة التصويت المهمة التي يكوّنها الحزب الجديد.

وللتحضير لهذه الوحدة السياسية الطموحة، يجب على الشباب المصري تنظيم أنفسهم وحشد الجماهير (كما فعلوا في المراحل الأولى من الثورة) للخروج للشارع بالملايين تأييداً لشعارٍ واحد: إنقذوا الثورة! فإذا كان نظام مبارك المحصّن لم يستطع الصمود أمام احتجاجاً مليونياً لم يتجاوز (18) يوماً، فلن تستطيع أية حكومة أو حركة سياسية في مصر، مهما كانت قوتها، رفض المطالب الشرعية لاحتجاج ٍ جماهيري ضخم متشبّث بمطالبه فى إطار سلمى. هذا وعلى حركة الشباب أن تصرّ على ما يلي:

  • أن تمثّل اللجنة التأسيسية للدستور جميع ألأطياف السياسيّة المصريّة وألاّ يُملى عليها شيء ٌ من البرلمان حتّى وإن كان البرلمان مُنتخب ديمقراطيّا ً، أي بمعنى يجب ألاّ يكون هذا ديكتاتوريّة الأغلبيّة، وذلك ضمانا ً للطبيعة المدنيّة للدولة.
  • ولضمان نزاهة الإنتخابات، على المجلس الأعلى للقوّات المسلحة والحكومة تنفيذ موادّ الإعلان الدستوري الحالي الذي يحظّر استعمال الدعاية الدينيّة في الحملات الإنتخابيّة. ومن السّخرية أن يعلن المرشّح الرئاسي عن الإخوان المسلمين، د. محمد مرسي، بأنّه يقود الحملة الإنتخابيّة تحت شعار: الإسلام هو الحلّ.
  • عمليّة إعادة هيكلة وإصلاح وزارة الداخليّة وجهاز الأمن الوطنى التابع لها وذلك لضمان التقيّد الكامل بحقوق الإنسان والتركيز في نفس الوقت على التهديدات الجديّة للأمن القومي وليس مثلا ً على اجراءات تعزيز الديمقراطيّة أو على المنظمات الغير حكوميّة وحركات الشّباب.
  • وأخيرا ً، الإحترام التامّ لموعد انتهاء الفترة الإنتقاليّة التي تنتهي يوم 30 يونيو / حزيران 2012، الأمر الذي سيكفل ثقة العالم بالمسار الذي تتخذه مصر ويعيد لها الإستثمارات الأجنبيّة.

يقول البعض بأنّ الشباب قد لا يكون قادرا ً على القيام والتحكّم بمثل هذه الحملة لبعث الأهداف الرئيسيّة للثورة من جديد وحشد الشعب في وقت ٍ يعاني فيه المواطن المصري العادي ببساطة من إعياء ٍ شديد وأزمة اقتصاديّة خانقة ومن فراغ ٍ أمني وبطالة مستفحلة تصل الآن إلى 25 %. لا أحد يستطيع تجاهل هذه الحقيقة المؤلمة وإنكار هذه الصعوبات اليوميّة، ولكن دعوة الشباب الثائر للشعب الساخط لكي يصحو على واقعه المرّ قد تحدث صدى ً ما دام الشباب: أ) باقين مخلصين للطموحات الوطنيّة، ب) يسلّمون بحقيقة أنّ أيّة ثورة تواجه فترة انتقاليّة تتّسم بالفوضى ولكن تصبح فقط أسوأ إذا لم يحدث شيء لتوقيفها.

وحدة الهدف وبنية سياسيّة موحّدة وحشد الجماهير تمثّل جميعها المهامّ الفوريّة التي يجب تنفيذها. وعلى المدى البعيد، فالتحدّي الأكبر للشباب الثائر – على أية حال – هو التحوّل من حركة نخبوية إلى حركة شعبيّة. هذا هو الدّرس الذي يجب أن يتعلّموه من خطئهم الذي اقترفوه في الإنتخابات البرلمانيّة العام المنصرم (2011) والتي فازت بها الأحزاب الإسلاميّة. وبالرغم من أنّ جماعة الإخوان المسلمين كانوا أفضل وضعا ً من الناحيتين الماليّة والتنظيميّة، غير أنّهم – أهمّ من ذلك – كانوا يتكلمون لغة المواطن المصري العادي ويدركون أهميّة العمل حسب أولويّات المجتمعات المحليّة. فمدّ يد العون لفقراء مصر الذين يشكّلون 40 % تقريبا ً من الشعب المصري هو التحدي الرئيسي للشباب الثوري. وللعلم، معظم هولاء الشباب والشابات مؤهّلون جيدا ً لمواجهة مثل هذا التحدي، وكثير منهم مشترك حاليّا ً في عمل ٍ تطوّعي يمكن إعادة توجيهه للتركيز على معالجة الأميّة وتوفير الخدمات الصحيّة والتدريب على العمل وعرض منح قروض ٍ لتمويل المشاريع الصغيرة، وهذا كلّه يجب أن يكون ضمن إطار للتنمية المستدامة واللامركزية يضمن بالتأكيد للثوريين كتلة تصويت حاسمة في جميع الإنتخابات المستقبليّة.

الخاسر الوحيد من الصّراع القائم بين جماعة الإخوان المسلمين والمجلس الأعلى للقوات المسلّحة هم الشباب المصري والأهداف التي قامت لأجلها ثورتهم. القادة الثوريّون الأحرار والشباب مسئولون معا ً عن إنقاذ ما بقي من حماسهم الثوري عن طريق رصّ الصفوف واقتحام الحملات الإنتخابيّة موحّدين والشروع في حملة انتخابيّة ضخمة لحماية الطبيعة الديمقراطيّة والمدنيّة لمصر الجديدة وذلك عن طريق إشراك الأغلبيّة العظمى من الشعب المصري.

يا شباب أمّة مصر العظيمة ! تذكّروا بأنّكم لا تدافعون فقط عن بلدكم، بل عن العالم العربي بأكمله. ما ستقومون به، والكيفيّة التي ستواصلون بها العمليّة الثوريّة سيكون لها تأثير ٌ مباشر على كلّ دولة عربيّة وعلى طموحات جميع الشباب العربي. وما لم تتحمّلوا مسئوليّة هذه المهمّة المصيريّة وتبدأوا الآن بالتنفيذ، ستمرّ مصر بفترة ٍ لا تنتهي من الفوضى وعدم الإستقرار التي لن يخلفها سوى ديكتاتوريّة عسكريّة أو حكم ٍ استبدادي لزمرة ٍ دينيّة ويتحول حينئذ ٍ الربيع العربي ليصبح الشتاء الأقسى على الإطلاق.

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE