All Writings
أبريل 24, 2013

من سيفوز في لعبة الشّطرنج النوويّــة ؟

قد لا تكون لعبة الشّطرنج من اختراع إيران, غير أنّ إيران قد أثبتت على أيّة حال مهارات لا يمكن التفوّق عليها في لعبة الشّطرنج النوويّة ضدّ مجموعة الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدّولي (الولايات المتحدة, روسيا, الصين, بريطانيا وفرنسا) وألمانيا, وبالأخصّ ضدّ الولايات المتحدة الأمريكيّة. ومنذ الوقت الذي اكتشف فيه بأنّ إيران تنفّذ برنامجا ً سريّا ً لحيازة الأسلحة النوويّة منذ ما يقارب عقدين من الزّمن, أحبطت طهران بنجاح محاولات ومناورات الوكالة الدوليّة للطاقة الذريّة في الوقت الذي أحرزت فيه تقدّما ً هائلا ً في أبحاثها وتطويرها لبرنامجها النوويّ.

واستنادا ً إلى المعلومات الإستخباراتيّة الموثوق بها التي توصّلت اليها الولايات المتحدة وإسرائيل يُعتقد الآن بأن إيران على وشك حيازة التكنولوجيا لصنع أسلحة نوويّة خلال فترة قصيرة أو – بالمفهوم العلمي – على وشك “الوصول لنقطة اللآرجوع” خلال عام ٍ واحد حسب تقديرات الولايات المتحدة التي ُنشرت في مطلع شهر آذار (مارس) الماضي. لقد تمكّنت إيران من التقدّم حتى وصلت هذا المستوى بالرّغم من الضغط الدّولي المكثّف وتصعيد العقوبات ضدّها التي تسبّبت بدورها بأضرار ٍ اقتصاديّة محليّة ضخمة واضطرابات.

وللحيلولة دون امتلاك إيران أسلحة نوويّة, يجب أن يكون لدينا فهم أفضل للأسباب التي تحفّز إيران وتشجّعها على البرنامج النوويّ واستراتيجيّة التفاوض التي تتّبعها ببراعة حتّى الآن لتحقيق هدفها.

وبفعلها هذا, ستكون إدارة أوباما في وضع ٍ أفضل لتقدير ما تبقّى من تدابير قسريّة لديها قبل اللّجوء لاستعمال القوّة التي تعتبر أقلّ خيار مرغوب ٍ فيه. فهناك عدّة عوامل وراء طموحات إيران النوويّة أهمّها:

أنّ معظم الإيرانيين يعتبرون القدرة على امتلاك أسلحة نوويّة تعزيزا ً هائلا ً لكبريائهم وزهوهم الوطني. فإيران (بلاد الفرس) كانت من الناحية التاريخيّة قوّة عظمى والكثير من الإيرانيين ما زالوا يتوقون لأمجاد الماضي, وبالأخصّ الآن بعد سقوط منافسهم العراق (بابل سابقا ً) تحت نفوذ وسيطرة بلدهم إيران.

تقع إيران في منطقة جغرافيّة ساخنة, في جوار ٍ خطير غير مستقرّ. جاراتها باكستان والهند تمتلكان أسلحة نوويّة والجارة أفغانستان في اضطراب ٍ مستمرّ. فامتلاك إيران السّلاح النووي سيجعلها قوّة يوثق بها ويُحسب لها ألف حساب وتجبر دول أخرى على أخذ مصالحها الإستراتيجيّة بعين الإعتبار.

وبالنّظر لعدائها للولايات المتحدة وخوفها على مصالحها الإقليميّة تخلق مخاوف إيران الأمنيّة وشعورها أنّها مستهدفة ً حافزا ً قويّا ً لامتلاك السلاح النووي وردع دول أخرى عن تهديد أمنها القومي.

تدرك إيران تماما ً بأنّه نادرا ً ما يتمّ تحدّي القوى النوويّة وأنّ القوّة النوويّة تردع في نهاية المطاف حتّى الأعداء التقليديين اللذين يمتلكون أسلحة نوويّة, مثل الهند والباكستان, من الدّخول في مواجهات حربيّة بينهما. كما وتقدّم كوريا الشماليّة بهذا السياق مثالا ً آخرا ً.

سيعزّز تسلّح إيران النووي طموحها في أن تصبح القوّة المهيمنة في المنطقة وسيزيد بصورة جوهريّة من نفوذها على الدّول العربيّة المجاورة الأقلّ حجما ً منها وسيضاعف في نفس الوقت من قدرتها على تخويف جيرانها للتقيّد بإملاءاتها.

وإضافة ً لامتلاكها احتياطات نفطيّة هائلة فإن انضمامها لنادي القوى النوويّة سيجلب لإيران احتراما ً وهيبة ً دوليّة ويسمح لها أن تصبح لاعبا ً سياسيّا ً على الساحة الدوليّة في إطار ٍ يتجاوز قضايا الشرق الأوسط.

إيران مصمّمة على تحييد ميزة إسرائيل النوويّة وتنظر لامتلاك الأسلحة النوويّة بمثابة قضيّة مركزيّة لتحقيق هذا الهدف الإستراتيجي. وبصفتها الدولة الشيعيّة النوويّة الوحيدة قد يصبح لإيران ميزة حاسمة ضدّ منافسيها الألدّة وهم دول العالم العربي السنّي كما أظهرت ذلك في دعمها الغير مشروط لنظام الأسد في سوريا وذلك لحماية هلالها الشيعي الذي يمتدّ من البحر الأبيض المتوسّط وحتى الخليج العربي.

وأخيرا ً, فإن الإسلام الشيعي يلعب دورا ً مهمّا ً حيث يعتقد الكثير من الإيرانيين بأن عودة المهدي (المحبوكة في سياسة إيران الخارجيّة) ستتمّ فقط من خلال حدث رؤيوي سيؤدي إلى سيطرة الإسلام على العالم. ويُنظر بهذا الخصوص لتسليح إيران النووي على أنه شرط أساسي.

وأخذا ً بعين الإعتبار ما ذكر أعلاه, يصبح من الواضح دافع إيران لاتباع استراتيجيّة تفاوض تتماشى كليّا ً مع هدفها لحيازة أسلحة نوويّة وتقوم بذلك تحت ظروف ٍ صعبة للغاية, هذا في الوقت الذي تبيّن فيه مهارات تفاوضيّة لا يُعلى عليها.

اللعب من أجل كسب الوقت: من المعروف عن الإيرانيين مهارتهم في اللعب من أجل كسب الوقت, فقد فعلوا ذلك بنجاح لمدّة تزيد عن عقد ٍ من الزمن, وبالأخصّ لأنّ مجموعة الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن الدّولي وألمانيا (P5 + 1) – وبشكل ٍ خاصّ الولايات المتحدة الأمريكيّة – لم تضع حدّا ً زمنيّا ً فاصلا ً لعمليّة التفاوض.

فرّق تسد: بالرّغم من أنّ الدول الخمس الكبرى وألمانيا (P5 + 1) تريد منع إيران من حيازة أسلحة نوويّة, غير أنّ لروسيا مثلا ً التي تصدّر لإيران التكنولوجيا النوويّة وللصين التي تستورد من إيران النفط مصالح مختلفة في إيران عن بقيّة الأعضاء. ولذا تقوم طهران وبمهارة فائقة باستغلال هذه المصالح المختلفة للدّول الستّ العظمى لفائدتها القصوى.

القيام بتنازلات ٍ زائفة: غالبا ً ما يقدّم وفد إيران المفاوض تنازلات ٍ معيّنة ليلغيها بعد ذلك المرشد الروحي الأعلى, الإمام أية الله خمئيني,أو يتمّ سحب هذا التنازل من طاولة المفاوضات.

إرسال رسائل مبهمة: من المعروف عن ممثّل إيران المفاوض بأنه يبدي استعداده أو رغبته في الدّخول في مفاوضات ٍ جادّة ثمّ يأتي للمفاوضات بعروض ٍ لا شأن لها أو حتّى بدون عروض لكي يضلّل ويضفي غموضا ً بشكل ٍ مقصود على نوايا إيران الحقيقيّة.

المطالبة بتنازلات غير مقبولة: من المعروف عن الإيرانيين أنّهم يقدمون تنازلات مشروطة بمقابل, مثلا ً رفع العقوبات أولا ً مع علمهم المسبق بأن هذا المطلب سيُرفض ببساطة من قبل الولايات المتحدة. هذه تقنية تفاوضيّة تسمح لإيران بالإبقاء على أمل الحلّ الدوبلماسي في حين هي مستمرّة بدفع برنامجها النووي إلى الأمام.

المساومة على الموقف: أصرّت إيران على أنّ حقها في تخصيب اليورانيوم على أراضيها هو حقّ غير قابل للتفاوض بالرّغم من أنّ ذلك قضيّة ترفض الولايات المتحدة حتّى البحث فيها فهي مع إسرائيل تشكّك تماما ً بنوايا إيران الحقيقيّة والنهائيّة.

محاكاة كوريا الشّماليّة: بالرّغم من العقوبات الدوليّة القاسية تستمرّ إيران في تحدّي المجتمع الدولي بدون عقاب تقريبا ً وذلك باقتباس صفحة أو صفحتين من كتاب كوريا الشّماليّة لفرض حقيقة امتلاكها السلاح النووي في الوقت الذي تختبر فيه تصميم الولايات المتحدة.

ممارسة الخداع المنهجي: لقد مارست إيران في الماضي وبشكل ٍ منتظم الخداع, فهي – مثل الزئبق – من المستحيل أن تثبت على اقتراح ٍ يطرح على الطاولة. وهذا يفسّر رفض إيران السّماح للوكالة الدوليّة للطاقة الذريّة أن تقوم بتفتيش عدد من المنشآت النوويّة المشبوهة, بما فيها قاعدتي بارشين وفوردو العسكريتين.

التهديد بالإنتقام العنيف: وأخيرا ً, أتقنت إيران طريقة استخدام المفاوضات كأداة للتقدّم ببرنامجها النووي في الوقت الذي تهدّد فيه بالإنتقام من الولايات المتحدة وحلفائها محدثة ً شعورا ً عميقا ً بالقلق الدولي حول إمكانيّة تحوّل الصّراع لمواجهة عسكريّة.

على إدارة أوباما أن تدرك الآن بأنّ العقوبات المتصاعدة, مهما كانت مؤلمة, قد فشلت, وأنّ المحاولات الدوبلماسيّة ستنتهي عاجلا ً أم آجلا ً – إن لم تكن قد انتهت الآن – وأنّ البحث عن اختراق ٍ في المفاوضات عن طريق تقديم الحوافز قد أثبت عدم جدواه.

ستستمرّ إيران إبّان ذلك بالسير قدما ً في عمليّة تخصيب اليورانيوم وقد تصل إلى النقطة التي تقف عندها حاليّا ً كوريا الشماليّة, هذا بدون إلقاء تصريحات ٍ استفزازيّة أو تهديد جيرانها كما تفعل كوريا الشماليّة وذلك لعدم إعطاء الولايات المتحدة المبرّر لمهاجمة منشآتها النوويّة. ولمنع إيران من حيازة الأسلحة النوويّة ما زال هناك فرصة ضيّقة ولفترة ٍ قصيرة جدّا ً من الزمن ولكن بشرط أن تقوم الولايات المتحدة بأربع خطوات فوريّة في آن ٍ واحد:

أوّلا ً, فرض عقوبات فعليّة كاسحة مع منع إيران من استيراد منتجات النفط المكرّرة (التي يأتي 40 % منها من الهند) وبذلك خلق دمار اقتصادي واضطرابات شعبيّة. وثانيا ً, على الولايات المتحدة اتخاذ إجراءات إضافيّة وواضحة تماما ً تجاه استعدادها العسكري, مرسلة ً بذلك إشارة واضحة لطهران بأنّ الرئيس أوباما – كما قال ذلك هو شخصيّا ً وكما أكّد عليه نائبه جو بايدن – “رئيس الولايات المتحدة لا يخدع أو يبلف”.

ثالثا ً, على إدارة أوباما أن توضّح بأنها في الوقت الذي تتعاون فيه مع حليفتها إسرائيل على إيجاد حلّ دوبلماسي, فإنها لا تستطيع منع إسرائيل من القيام بضربة ٍ أحاديّة الجانب ضدّ إيران في حالة اقترابها كثيرا ً من “نقطة اللآرجوع”. هذا مع الأخذ بعين الإعتبار بأنّ طهران قلقة بشكل ٍ خاصّ من إسرائيل التوّاقة أكثر لمهاجمة منشآتها النوويّة وجرّ الولايات المتحدة لهذا الغزو العسكري.

وأخيرا ً, على إدارة أوباما أن تشرك إيران بشكل ٍ سرّي في مفاوضات ثنائيّة لإنهاء المأزق النووي الحالي. ويجب على إيران أن تفهم تماما ً بأن فشلها في التوصّل لاتفاقيّة في هذه المباحثات الثنائية سيكون له عواقب وخيمة, شاملة تغيير النظام في طهران, وهو القلق الوحيد الذي يتفوّق على رغبة إيران في امتلاك أسلحة نوويّة. هذا سيقدّم لإيران طريقة لحفظ ماء وجهها حيث أنّ إيران كانت دائما ً تنكر أية نيّة لها في امتلاك أسلحة نوويّة. وفي حالة التوصّل إلى مثل هذه الإتفاقيّة السريّة بين الولايات المتحدة وإيران سيعلن عنها عن طريق المفاوضات مع المجموعة المفاوضة (P5 + 1) أو الوكالة الدوليّة للطاقة الذريّة.

وعدا ذلك لن يُترك للولايات المتحدة سوى خياران سيّئان للغاية: أولهما, تستطيع الولايات المتحدة احتواء برنامج إيران للتسلّح النووي عن طريق تطوير مظلّة أمنيّة إقليميّة جديدة لردع إيران, الأمر الذي قد ترفضه إسرائيل. وثانيهما, سيقوم الرئيس أوباما بتنفيذ تهديده بضرب منشآت إيران النوويّة جوّا ً مهما كانت العواقب الغير منظورة والمتوقعة. وفي أيّ من السيناريوهين ستسحب الولايات المتحدة فقط الملكة, وسيبقى على الجانب الإيراني من طاولة الشطرنج النوويّة الملك واقفا ً.

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE