All Writings
مارس 11, 2016

دولة سنيّة عراقيّة مطلب ضروري لهزيمة “داعش”

إنّ أحد الشروط الرئيسية لهزيمة تنظيم الدولة الإسلاميّة “داعش” في العراق وتحقيق الإستقرار في البلاد هو إنشاء دولة عراقية سنية مستقلة جنباً إلى جنب مع الحكومة الشيعية الحالية وكيان كردي مستقل. وطالما أن العراقيين السنة لا يعرفون ما يخبئه لهم المستقبل، فإنهم سيكونون غير مستعدين لبذل التضحيات اللازمة لمحاربة “داعش” فقط لصالح الحكومة الشيعية في بغداد التي يحتقرونها أكثر من “داعش”. وبالتزامن مع مكافحة داعش، يجب على إدارة أوباما أن تبدأ في التفاوض مع الحكومة الشيعية في بغداد حول الوضع المستقبلي لأهل السنة في العراق.

واعتقاد البيت الأبيض أن العراق ما زال قادرا ً على تضميد جراحه ولمّ شمله مرّة أخرى بعد هزيمة “داعش” هو وهم كبير. فتقسيم العراق إلى ثلاثة كيانات أصبح بحكم الأمر الواقع حقيقة مباشرة بعد حرب العراق في عام 2003.

فبعد أن فقدوا هيمنتهم على العراق للشيعة في عام 2003 بعد 81 عاما من الحكم المتواصل، لا يزال السّنة يرفضون قبول ما يعتبرونه مهزلة تاريخية. وقد ازداد الأمر سوءا جراء ثماني سنوات من الحكومة الشيعية التي قادها نوري المالكي الذي أساء استخدام قوته وهمّش وأساء معاملة الطائفة السنية وجعلها ضحيّة.

والحقيقة هي أن تحالف يضم أكثر من اثني عشر بلداً بقيادة الولايات المتحدة لمحاربة “داعش” من الجو والأرض قد فشل حتى الآن بسبب 1) الإفتقار لوجود استراتيجية شاملة من شأنها أن تشمل، بالإضافة إلى العراقيين،عددا ً كبيراً من القوات البرية التي يتمّ حشدها من بعض دول الإتحاد الأوروبي، ولكن بالدرجة الأولى من الدول العربية وتحت قيادة الولايات المتحدة، و 2) عدم وجود استراتيجية حول مستقبل العراقيين السنة قبل أن يتم تجنيدهم بشكل كامل للقتال ضد “داعش”، الذي يحتل جزءا كبيرا من أراضي ثلاث محافظات عراقيّة هامّة.

يجد السنة أنفسهم عن غير قصد، وغالبا ً طوعا ً، يدعمون “داعش” لأنهم يتماشون دينياً مع “داعش” أكثر من الأغلبية الشيعية، الذين يبدو مصممين على السيطرة على مقاليد السلطة في جميع مناحي الحياة والإستمرار في إخضاع المجتمع السني.

وحكومة الوحدة المفترضة في العراق التي سعت الولايات المتحدة لتكوينها هي مهزلة. ليس هناك وحدة. رئيس الوزراء العبادي ضعيف ولم يفعل شيئا يذكر لتهدئة السنّة في بلاده. وإيران تمارس نفوذا سياسيا كبيرا في بغداد، وتشارك بنشاط في محاربة داعش، وهو أمر يبدو أن الولايات المتحدة قد قبلته بهدوء، خصوصا بعد اتفاق إيران.

لا ينظر العراقيون السنة إلى تورط إيران في بلدهم على أنه أمر عابر، وآخذين العبرة من تجاربهم الماضية، فإنهم تحت أي ظرف من الظروف لن يسلّموا مستقبلهم لأهواء طهران التي يعتبرونها عدواً لدوداً.

قال لي مسؤول عراقي كبير في الآونة الأخيرة إنه لا يرى كيف يمكن للعراق أن يعود الى وضع ما قبل 2003. “إنه أمر ٌ مؤلم، ولكن علينا الآن أن نقبل الواقع الجديد وأن نتحرّك فورا ً، فربما نستعيد بعض الكياسة، وأن نعمل جنبا إلى جنب مع الأكراد والسنة، حتّى ولو كان تحت حكم سياسي منفصل”.

السعوديون، الذين يشعرون بالقلق من طموحات إيران الإقليمية وتدخلها المنهجي العنيف في الشؤون الداخليّة للدول العربية – في سوريا، العراق، لبنان، اليمن، وفي دول أخرى كثيرة – يشعرون بشدّة أنه فقط من خلال السماح للعراقيين السنة بإقامة حكم ذاتي خاصّ بهم يمكنهم منع إيران من السيطرة على العراق تماماً.

أضف إلى ذلك، ونظرا لحقيقة أن أكراد العراق هم في طريقهم إلى الإستقلال التام، وهذه حقيقة تدركها الولايات المتحدة، فإنه سيكون من المستحيل إبقاء السنة في وضع ٍ هادىء. ففي اجتماع مايو 2015 في العاصمة واشنطن أعلن السيد مسعود بارزاني، رئيس اقليم كردستان العراقي،علنا عن عزمه على التحرك نحو الإستقلال، وهو ما أكده لاحقاً مسؤول أمريكي كبير باعتبار هذا الأمر شيء حتمي.

وعلى الرغم من أن الأكراد قد عانوا كثيراً في ظل نظام صدام حسين السنّي، فإنهم متفقون تماما ً مع أهل السنة، حيث أنّ كلاهما يعتبر على حدّ سواء الحكومة الشيعية عدائية وترفض فكرة الفيدرالية، بصرف النظر عن مدى مرونة الإرتباط الذي قد يربطهما مستقبلا ً بالحكومة المركزية في بغداد.

يجب أن تبدأ الولايات المتحدة الآن في حوار مع الحكومة العراقية والقيادات السنية لوضع إطار للحكم الذاتي السياسي السني العراقي على نمط النموذج الكردي العراقي، الأمر الذي سيؤدي في نهاية المطاف إلى الإستقلال التام.

ونظراً لعدم وجود النفط في المحافظات السنية الثلاث، فإنّ القضية المركزية التي يجب معالجتها في سياق استقلال السنّة هي التوزيع العادل لدخل البلاد من النفط. وهذا يتطلب آلية دقيقة، تحت رقابة دولية، وملزمة من طرف مجلس الأمن الدولي لضمان الإمتثال الدائم والكامل لها.

يحتاج أهل السنة في العراق ضماناً لا لبس فيه أنه لا يجوز لأية حكومة شيعيّة تحت أي ظرف من الظروف حجب توزيع الأموال وجعل الدولة السنيّة رهينة لها دون أن تتعرض لعواقب سياسية ومالية مباشرة تحدّد بصورة واضحة، بما في ذلك عقوبات كاسحة وتعليق أية مساعدات مالية وعسكرية.

وقد أنشأ الأكراد العراقيون بالفعل مثل هذه السابقة بقيامهم بتحويل الأموال من مبيعات النفط المستقلة للحكومة المركزية العراقية، هذا على الرغم من الخلاف الأخير مع بغداد حول دفع رواتب الأكراد مقابل النفط. وللتأكيد، يجب أن تضع الدول الثلاث المستقلّة صيغة تتوافق مع حصصها المشروعة من عائدات النفط.

أجل، من شأن اتفاق عادل في تقاسم عائدات النفط أن يمهد أيضا ً الطريق مع مرور الوقت إلى علاقات أفضل وأوثق بين الدول الثلاث، الأمر الذي سيؤدي إلى مزيد من التعاون في العديد من المجالات الأخرى، بما في ذلك برامج مشتركة للتنمية الإقتصادية، والتعاون الأمني، والتجارة، الخ..

يجب على إدارة أوباما الآن أن تفكر جديا في ضرورة تزويد السنة العراقية بأفق جديد ومستقبل واعد، ويجب أن يكون ذلك جزءاً لا يتجزأ من استراتيجية لهزيمة “داعش”.

وفي هذا الصدد، يجب على الولايات المتحدة أن توضح تماما لطهران أن الولايات المتحدة لن تتسامح مع أي نشاط تخريبي لتقويض رفاه واستقرار الدولة السنية حال إقامتها.

ولكي تأخذ إيران هذا التحذير على محمل الجد، قد تضطر الولايات المتحدة إلى تقديم ضمانات أمنية للكيان السنّي على غرار التزامها بأمن الحكم الذاتي لأكراد العراق.

وبعد إتمام رسم الخط الفاصل بين أهل السنة والأكراد والشيعة ومعرفة كلّ منهم ما له وما عليه، سوف يكون لكلّ ذلك أيضا تأثيراً إيجابيّا ً كبيراً على حرب الوكالة بين السنة والشيعة التي يتمّ خوضها الآن في كلّ من سوريا والعراق بين المملكة العربية السعودية وإيران للهيمنة الإقليمية والتي – إن لم تتوقّف – قد تستمر لعقود قادمة.

إنّ عدم وجود استراتيجية أمريكية واضحة في العراق، وهو ماٌ اعترف الرئيس اوباما به في يونيو 2015 بقوله: ( “لا توجد لدينا بعد استراتيجية كاملة لأنها تتطلب التزامات من جانب العراقيين”) هو بالفعل أمرٌ محيّر. أنه يثير مسألة كيف يمكن للولايات المتحدة الدخول في حرب من دون وجود استراتيجية واضحة لهزيمة العدو، وكيف ينبغي ان تكون النتيجة المرجوة.

إنّ عدم وجود استراتيجية سمح للجماعات المتطرفة من جميع الإتجاهات السياسية والدينية للتجمع في العراق وسوريا والإستفادة من حالة الفوضى التي اجتاحت كلا البلدين.

يجب الآن على إدارة أوباما، مع شركائها في التحالف، وضع استراتيجية لهزيمة “داعش”، وهو أمرٌ سيكون صعباً للغاية ما لم ينضم السنّة العراقيون لهذه المعركة ويتمّ التأكيد لهم بأن الإستقلال السياسي في المستقبل مضمون.

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE