All Writings
أغسطس 23, 2006

مرحلة جديدة من الإرهاب

 بقلم: أ.د. ألون بن مئيــــــــــــــــــــــــــــر

                أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية بجامعة نيويورك

            ومدير مشروع الشرق الأوسط بمعهد السياسة الدولية.

 

        تعوّد العالم حتى الآن على أن يقوم المسئولون عقب أي هجوم إرهابي فظيع، أكان في اندونيسيا أم في المملكة العربية السعودية أم في مصر أو لندن ، بإصدار أوّلا جملة من تصريحات الاستنكار . يلي  ذلك تبني بعض الاحتياطات الأمنية الجديدة حيث يظهر "خبراء" الإرهاب في وسائل الإعلام بتحاليلهم وتظهر فجأة على السطح نظريات التآمر المتنوعة  ولربما بعض عمليات إلقاء القبض ، ثم يعود الكل بعد فترة قصيرة إلى عمله المعهود كالعادة . والرد على عمليات التفجير الانتحارية الثلاث المتزامنة في ﺁن واحد والتي هزﱠت الأردن في أوائل شهر تشرين  الثاني   (نوفمبر ) لم يخرج من حيث المبدأ عن السيناريو المعروف لدينا حتى الآن . وكالعادة ، لم يقترح بعد ذلك أي مسئول من الولايات المتحدة أو أوروبا أو الشرق الأوسط أي نهج جديد عدا استخدام وسائل أكثر عنفا لمحاربة الإرهاب ، وهذا هو سبب عدم قيام أمريكا بأي تقدم في محاربته .

 

          وبصرف النظر عن شدّة الأساليب المستخدمة لمكافحة الإرهاب ، فالقوة والعنف وحدهما لن يقهران الإرهاب طالما أن القاعدة ومجموعات أخرى مسلحة تتمتع بمساندة شعبيّة . إنﱠ ما يسمّى بالحرب على الإرهاب هي حرب أيديولوجيّة بين كتلتين من المعتقدات لا يمكن إجراء مصالحة بينهما تحت الشروط والأوضاع الحالية التي تعتمد أساساً على الالتجاء للقوة . لقد قدّم العراق ملجأ للقاعدة ونشطاها بسبب مستوى العنف الذي يزيد يوما بعد يوم والذي تقف الولايات المتحدة عاجزة عن السيطرة عليه . القاعدة تنمو وتزدهر على الفوضى ، وفي العراق قدّمت إدارة بوش أم جميع حالات الفوضى على طبق من فضة . ويبدو أن الإدارة الأمريكية لم تفهم يوماً تفكير القاعدة أو إستراتيجيتها للفوز على المدى البعيد . ففي حين تبقى الولايات المتحدة نفسها هدفاً أولياً ، تعتقد القاعدة أنه بإمكانها أن تلتقط وتختار أيّاً تريد استهدافه من مجموعة حلفاء الأمريكيين ، خصوصاً أولئك ، كالأردن مثلاً ، الذي يدعم الوجود العسكري الأمريكي في العراق . وبضرب الدول العربية، تهدف القاعدة إلى زعزعة استقرار البنية السياسية الداخليّة في هذه الدول والرّفع من الحس الشعبي للخوف والفلتان الأمني لخلق جو من الفوضى يسمح للثوار المحليين المسلحين والمتعاطفين معهم لتحدي الأنظمة الحالية ولربّما السيطرة في النهاية على البلاد . ولتنجح في مساعيها هذه ، تحتاج القاعدة إلى قاعدة من الدعم الشعبي، وهم

 

في الأغلبية أناس طردوا من حكومات بلدانهم . بدون الوصول إلى هذه الغاية ، لا تستطيع المنظمات الإرهابية أو الثوار من العمل بفعالية . ومن السخرية في هذا السياق أن نقول بأنّه بدلاً من تشجيع دعم الشعب العراقي للمثل الأمريكية العليا والتعهد ببناء أمة حرة وديمقراطية ، تقوم إدارة بوش بطرد هؤلاء الناس من وظائفهم ، ليس فقط بسبب سياستها المتعنتة ، بل أيضاً بسبب فشلها في فهم نهج تحركات القاعدة .

 

          على الولايات المتحدة وحلفائها أن يتعلموا كيفية فصل القاعدة عن قاعدة دعمها . أنا أشير هنا إلى القاعدة الغير مكونة من الإرهابيين بل من ملايين المسلمين والعرب العاديين الذين يشعرون بأنّهم مهمّشون ومحرومون من الامتيازات والحقوق المدنية في مجتمعاتهم في حين تقوم الولايات المتحدة وبكل سرور بدعم مضطهديهم وعقد اتفاقيات معهم . إذا أرادت الإدارة الأمريكية فعلاً كسب هذه القاعدة الشعبية ، عليها أوّلاً تغيير شروط ارتباطاتها في العالم الإسلامي والشروع في حوار صادق . يجب على واشنطن أن تقوم بجهود مخلصة جادّة لتغيير النظرة العامّة من الاستغلال والاحتكار الأمريكيين الذين داما عقوداً طويلة . وبصرف النظر عن صحة هذا التصور لدى معظم العرب ، تحتاج الإدارة إلى فعل المزيد لمحاربة ذلك بدلاً من إرسال نائبة وزيرة الخارجية للدبلوماسية الشعبية السيدة كارن هوجس للمنطقة . ويشعر كثير من العرب بالاهانة البالغة بسبب جمود هذه الإدارة وسوء فهمها بصورة عامّة للمشاعر والمعتقدات العربية وقيمة الكفاح الإسلامي .

 

          على الولايات المتحدة أن تبدأ حواراً جديداً وأن تفتح قناة اتصال ، خصوصاً مع المثقفين العرب – الصحفيين والأكاديميين والشعراء وعلماء الدين والكتّاب – الذين يتطلعون أن يتم التعامل معهم باحترام وتقدير بغض النظر عن مواقفهم أو آرائهم . على أمريكا أن تصغي لهم وتري تفهماً واضحاً لقضاياهم وهمومهم . ولعل قيام الولايات المتحدة بدعم مراكز الأبحاث واستطلاعات الرأي في العالم العربي سيلعب دورا هاما في معرفة وتفهم توجهات الرأي العام العربي حول مختلف القضايا.  أجل، المثقفون العرب يؤثرون أكثر من أية مجموعة أخرى على تشكيل الرأي العام حتّى لو كانوا أدوات طيّعة لحكوماتهم . وهم كمجموعة أشد عداءً للولايات المتحدة من أية مجموعة أخرى ، باستثناء المتطرفين . ومن وجهة نظرهم أي شيء قد فعلته الإدارة الأمريكية منذ أحداث 11 أيلول ( سبتمبر) 2002 يعزز معتقداتهم السلبيّة عن أمريكا.  إنني أتساءل متى دعي الأكاديميون العرب آخر مرّة إلى الولايات المتحدة لإجراء حوار مفتوح حول كل ما يتعلق بأمريكا وحول نواياها الفعلية في المنطقة وللتباحث معهم عمّا تريد الشعوب العربية من أمريكا ؟ لماذا لا تبدأ إدارة بوش بمثل هذه الندوات ومباحثات الطاولة المستديرة في كل دولة عربية وفي الولايات المتحدة

 

نفسها على أساس منتظم ؟ حتى فيما يتعلق بمشكلة الإرهاب ، لماذا لا تبحث الإدارة عن طريق لتشجيع المزيد من الطلبة العرب والمسلمين للدراسة في الولايات المتحدة وإظهار وجه أمريكا الحقيقي لهم بدلاً من وضع العقبات أمامهم أو منعهم من ذلك؟ فبدلاً من الانفتاح على المثقفين العرب والوصول من خلالهم إلى الجماهير العربية ، تتمسك الإدارة الأمريكية بإستراتيجية الهزيمة التي تعتمد غالباً على القوة الفظة . ففي حين أن القوة ضرورية للتعامل مع الإرهابيين اللذين لا يفهمون سوى منطق القوة ، تجاهلت الإدارة بعواقب مريعة القوّة " اللينة " الناتجة عن الأفكار والتقنية لتغيير القلوب والعقول : وهذه هي بحد ذاتها الأسلحة النهائية لقطع المجموعات الإرهابية من قواعد دعمها .

 

          حتّى لو شرعت الإدارة الأمريكية الآن بالتركيز حقّاً على الدبلوماسية الشعبية بمحاولة إقحام المثقفين العرب والمسلمين في حوار صادق ، فإن احتلال العراق يظهر أيّاً من هذه الجهود وكأنّه نفاق واضح لا ريبة فيه . وبالفعل ، فإن احتلال العراق مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالهجمات الانتحارية التي جرت مؤخراً في الأردن وبكثير من الهجمات الأخرى ضد حلفاء أمريكا . وما حدث في الأردن قد تكون إشارة البداية لمرحلة جديدة في إستراتيجية القاعدة .

 

 إن الاحتلال إهانة لكل العرب ، بغض النظر عن ميولهم وتوجهاتهم السياسية . لقد أصبح الوضع أكثر مأساويّاً للشعب لأن الدول العربية تبدو عاجزة عن فعل أي شيء بشأنه . ويصبح الاحتلال بهذا المفهوم مفكرة تعيد للأذهان الوقائع المذلة المتكررة التي عانت منها الشعوب العربيّة على أيدي الغربيين ، وهو بذلك أفضل هدية ممكن أن تقدمها أمريكا لأبن لادن . فبدلاً من أن تقوم الإدارة الأمريكية بتصدير الديمقراطية لبقية الدول العربية ، سيسجل على حسابها تصدير العنف والفوضى إلى المنطقة . وبسبب ذلك ، فبدلاً من الثورة ضد الهجمات التي لا تميّز ولا معنى لها ، تجد الجماهير العربية قد أصيبت بالإحباط الذي يجعلها فريسة لمزيد من الاستغلال من قبل جلاّديها .

 

لقد تجاهلت الإدارة بصورة منهجيّة الأسباب الجذرية المتعددة للإرهاب ، ونتيجة لذلك ستنهي الولايات المتحدة تمديد الحرب بالتأكيد بتكلفة رهيبة ومضنية . ولهذا السبب يجب على الإدارة الأمريكية الشروع فوراً بحملة جادة ومكثفة لكسب قلوب الجماهير العربية التي تشكل الآن الدّعم الأساسي للقاعدة والمجموعات المتطرفة الأخرى . وعلى الإدارة أن تضع جدولاً زمنياً للانسحاب الكامل من العراق وتتخلّى بذلك عن الوهم  الذي تعيش فيه وهو أنه بإمكانها إعادة النظام والقانون للبلد والقضاء على أية مجموعات إرهابية تعمل في العراق قبل أن تغادره بصورة دائمة .

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE