All Writings
مايو 11, 2010

مصالح استراتيجية مشتركة موازنة الدعم لإس&#15

بقلم: : أ.د. ألون بن مئيـــــــــــــــــــر

أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية

بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط

بمعهد السياسة الدوليـــــــــــــــــة

 

حيث أنّ إدارة أوباما تعيد النظر الآن في كيفية استئناف المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية وعمق إشراكها في العملية السلمية، تلتفت الأطراف على جميع جوانب الصراع لترى الطبيعة الحقيقية للعلاقة الأمريكية – الإسرائيلية وعمّا إذا كانت التوترات الحالية أعمق ممّا تبدو عليه أم لا . وبالرّغم من أن المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة وإسرائيل تبدو وكأنها انحرفت عن مسارها وتباعدت في الأسابيع القليلة الماضية، غير أنه ليس من المشكوك فيه بأن أهدافها النهائية بالنسبة للمنطقة مترابطة ومتمّمة لبعضها البعض. وفي حين يرغب كلا البلدين في رؤية نهاية للصراع العربي – الإسرائيلي ولهما مصلحة كبيرة في منع إيران من حيازة أسلحة نووية، إلاّ أن مشاكلهما تنبع على الأرجح من سوء تقدير كل منهما لمخاوف وأولويات الطرف الآخر. ولكن بما أنه من غير الممكن إحراز تقدم بسيط جداً لحل المعضلة العربية – الإسرائيلية بدون تدخّل أمريكي مباشر وفعّال وبدون حكومة إسرائيلية راغبة في ذلك، على إدارتي أوباما ونتنياهو أن يبرهنا على تقدير أفضل لأولويات كلّ منهما الاستراتيجية المتغيّرة. عليهما الآن إيجاد طريقة للإتفاق على أسلوب العمل لإنهاء الصراع العربي – الإسرائيلي المزمن وكبح جماح الخطر النووي الإيراني آخذين بعين الاعتبار أن عامل الوقت عنصر جوهري.

إن لدى إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية عدداً من المخاوف المشروعة التي يجب تصريفها، وعلى كلا الطرفين ألاّ يسلّما فقط بهذه المخاوف بل العمل بالتنسيق التام مع بعضهما البعض لمعالجة هذه المخاوف. هذا لن يبدأ فقط بتلطيف التوترات بشأن قضايا أساسية بين الجانبين، بل وسيوحي أيضاً للفلسطينيين والسوريين ودول عربية أخرى مهمّة

 

– 2 –

 

بأن التعاون الأمريكي – الإسرائيلي الأهمّ سيكون عندما تشعر إسرائيل بأمن أكبر في القيام بالتنازلات الضرورية. وقد أظهرت مدة الستة عشر شهراً الأخيرة بوضوح بأن العجز في التنسيق ووجود علاقات متوترة بين الحليفين ستحبط فقط المفاوضات المستأنفة بما يعود بالضرر على جميع الأطراف المعنية بالصراع.

 

المخاوف الإسرائيلية

تتركّز المخاوف الإسرائيلية في ثلاث قضايا تبدو لأغلبية الإسرائيليين وللترابط العميق الجذور ببيت المقدس بأنها مهمّة جداً. وقلق إسرائيل الأوّل والمباشر هو عدم قدرة الفلسطينيين تحمّل مسئولية الأمن طويل الأمد. وحيث أن معظم الإسرائيليين يدركون حتميّة حلّ الدولتين ويفهمون مشاعر الفلسطينيين والروابط التاريخية الإسلامية القويّة للقدس الشرقية، فهم غير مقتنعون بأن هناك أية حكومة فلسطينية قادرة في الوقت الحاضر على منع خروقات أمنية كبيرة ما دام هناك مجموعات فلسطينية تنادي بالتحررية الوحدوية مثل حماس والجهاد الإسلامي مستمرة في القتال وإنكار حق إسرائيل في الوجود.

وعلى الرّغم من التقدم المثير للإعجاب في موضوع الأمن الذي أحرزته السلطة الفلسطينية مؤخراً في الضفة الغربية، إلاّ أنّ الإسرائيليين ما زالوا يتذكرون بذعرٍ عميق استيلاء حماس على السلطة في قطاع غزة بعد انسحاب رئيس الوزراء الإسرائيلي آرئيل شارون منه مستخدمة المناطق التي انسحبت منها القوات الإسرائيلية كقواعد لمهاجمة إسرائيل، ولذا فإن إسرائيل متخوفة كثيراً أن يحدث سيناريو مشابه في الضفة الغربية، أكان ذلك من خلال استعمال القوة أو من خلال انتخابات ديمقراطية حيث تتمتّع فيها حماس بشعبية واسعة. أضف إلى ذلك، وبالرّغم من أن الإسرائيليين لا يشكّون بالتزام أمريكا بأمن بلادهم القومي، لا تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية من الناحية العملية أن تفعل شيئاً لمنع مثلاً إطلاق الصواريخ على إسرائيل من قطاع غزة أكثر من إدانة استفزازات حماس. ولا يستطيع أحد تحت الظروف الحالية أن يستبعد هذا الاحتمال. وهذا يفسّر إصرار الإسرائيليين على

 

– 3 –

 

السّماح لقواتهم العسكرية بموجب أية اتفاقية سلام بالاحتفاظ ببعض القوات على طول غور الأردن ليس فقط لمنع حماس من الإستيلاء على السلطة في الضفة الغربية، بل أيضاً للحيلولة دون القيام بعمليّات تسلّل للمتطرفين وتهريب الأسلحة إلى مناطق الضفة الغربية عبر الحدود الطويلة والغير محكمة الإغلاق مع الأردن.

وقلق إسرائيل الثاني هو طموح إيران لحيازة أسلحة نووية وتهديداتها المتكررة ضد حق إسرائيل بالوجود في المنطقة. وتأخذ إدارة أوباما التهديدات الإيرانية والطموح الإقليمي الإيراني بمنتهى الجديّة وتتعاون مع إسرائيل بهذا الشأن. غير أن الحليفين ما زالا مختلفين كثيراً في تقديرات أجهزة استخباراتهما حول متى تصل إيران في المجال النووي إلى قدرة "تحررية" تعتمد فيها فقط على نفسها. وتختلف في هذا السياق أيضاً الولايات المتحدة مع إسرائيل حول موضوع الاستعجال في التعامل مع المشكلة الفلسطينية ومدى تأثير ذلك على السلوك الإيراني. ففي حين تعتقد إدارة أوباما بأن إيجاد حلّ للصراع الفلسطيني قد يغيّر جذرياً الديناميكيات السياسيّة في المنطقة ويضعف شوكة إيران، تشعر حكومة نتنياهو بأن التركيز يجب أن يكون أولاً على سباق إيران لحيازة الأسلحة النووية.

وممّا زاد أيضاً في تفاقم العلاقة بين الطرفين هو ربط واشنطن أحياناً جهودها لاحتواء طموحات إيران النووية بالتقدم على المسار الفلسطيني. علاوة على ذلك إسرائيل غير سعيدة أبداً بوتيرة حشد مجموعة جديدة من العقوبات الدولية منذ أن فشلت المفاوضات مع إيران للوصول إلى الهدف المرجو حتى نهاية 2009. ويقول بعض مسئولي وكالة الاستخبارات الإسرائيلية بأن النظام الإيراني لن يعاني بشدة بمقتضى العقوبات الجديدة، وبالأخصّ أنه تحت أفضل الأحوال ستُخفّف العقوبات الجديدة لتلبية المطالب الروسية والصينية كشرط مسبق لتأييد هاتين الدولتين. وقد عبّر بعض الإسرائيليين حتّى عن قلقٍ أعمق مفاده أنه بالرّغم من أن إدارة أوباما لم تسقط رسمياً الخيار العسكري من الطاولة لإجبار إيران على الانصياع لإرادة المجتمع الدولي. فإن الحرب الدائرة في أفغانستان واستمرار حالة عدم الاستقرار في العراق قد جعلت من المستحيل تقريباً على إدارة أوباما التفكير بضربة عسكرية ضد إيران في حالة فشل مجموعة العقوبات الجديدة. وفي مذكرة سرية بعث بها وزير الدفاع الأمريكي

 

– 4 –

 

روبرت غيتس إلى كبار المسئولين في الإدارة الأمريكية أشار فيها غيتس بأن ليس لدى الولايات المتحدة سياسة فعّالة طويلة الأمد للتعامل مع التقدّم الإيراني المتواصل والثابت على موقفه لحيازة السلاح النووي. وبالرّغم من تصريح مستشار الأمن القومي، الجنرال جونز، بقوله:"بالنسبة لإيران، نحن نفعل الآن ما قلنا سنفعله منذ مدة. وأننا لا نعلن على الملأ عن كامل استراتيجيتنا لكي يراها كلّ العالم لا يعني أبداً بأنه ليس لدينا استراتيجية تتقدّم جميع أنواع الاحتمالات أو حالات الطوارىء – بل لدينا بالفعل"، إلاّ أنه ما زال على الجانب الإسرائلي قلق شديد لأن وزير الدفاع غيتس كتب مذكرته قبل هذا التصريح.

الوقت ينفذ من وجهة النظر الإسرائيلية وقد تُواجه إسرائيل عاجلاً بدل آجلاً بأحد هذين الخيارين المروّعين: إمّا إيران مجهزة بأسلحة نووية تشكّل تهديداً لوجود إسرائيل وتغييراً جذرياً في ميزان القوى في الشرق الأوسط، أو القيام بضربة عسكرية ضد منشآت إيران النووية والتي ستطلق بالتأكيد سلسلة من التطورات المأساوية وتجرّ الولايات المتحدة لصراعٍ آخر عنيف لا يمكن التنبؤ بعواقبه.

والإسرائيليون منزعجون بشكل خاص من قضية ثالثة يزعمون فيها بأن إدارة أوباما هي التي جعلت من قضية المستوطنات – خصوصاً في القدس الشرقية – "لعبة الصفر" خالقةً عقبات لا وجود لها حتى الآن. وعلى الرّغم من أن الرئيس أوباما محقّ في فرضيته بأن حل القضية الفلسطينية يساعد على تخفيف التهديد الإيراني، غير أنه تناول الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني بطريقة نفر منها العديد من الإسرائيليين لأنهم يعتبرون ذلك تركيزاً خاطئاً. ومن وجهة النظر الإسرائيلية كان الفلسطينيون تاريخياً يتفاوضون دائماً مع الإسرائيليين في الوقت الذي كان فيه النشاط الاستيطاني مستمراً، لا بل يتوسّع، وحلّ مشكلة الحدود قد يقدّم بصورة آليّة جواباً لمستقبل المستوطنات. ويتفق العديد من مستشاري أوباما السياسيين في الرأي بأن إعطاء إسرائيل في الماضي سلطة مطلقة قد ساعد بصورة جذرية في تحصين موقع إسرائيل في المناطق المحتلة. لربّما لغير مصلحتها. وحيث أن حركة

 

 

 

– 5 –

المستوطنات ازدادت قوّة وعدد المستوطنين تضاعف تقريباً في السنوات العشر الماضية، أصبح من الصعب جداً الآن ترجيع عجلة التروس إلى الخلف. والجدل بأنه لم يسبق لأية حكومة إسرائيلية أن قامت بإيقاف النشاط الاستيطاني خلال المفاوضات السابقة مع الفلسطينيين لا يقدّم بحدّ ذاته مبرراً حيث أنه يناقض الفكرة الكليّة لحلّ الدولتين، وتبقى حقيقة أن هذه المفاوضات السابقة التي أُجريت في عام 2000 وفي عام 2008 لم تؤدي إلى أية اتفاقية. والآن وبعد أن أصبح عدد المستوطنين يفوق نصف مليون مستوطن في الضفة الغربية والقدس الشرقية، أصبحت المشكلة أكثر تعقيداً. ونتيجة لذلك، فقد فقدت إسرائيل مصداقيتها في العالم، فلم يعد لا الأصدقاء ولا الأعداء يعتقدون بأنها جادة في التّوصل إلى اتفاقية.

وفي هذا السياق، فإن أكثر ما يضايق الإسرائيليين هو التركيز على القدس المرتبطين بها روحياً بشدّة لآلاف من السنين. وبالرّغم أنّ العديد من الإسرائيليين يدرك بأن القدس الشرقية ستكون في نهاية المطاف عاصمة للدولة الفلسطينية، إلاّ أنهم لا يتقبّلون فكرة أن مثل هذا الاحتمال سيمنعهم بالضرورة من ممارسة حقوقهم الدينية والمقدّسة تجاه المدينة. فبالنسبة لهم يعتبر التعايش في القدس الشرقية شرطاً أساسياً للتوصل لتسوية نهائية بخصوص مستقبل المدينة. تمثّل القدس، من وجهة النظر الإسرائيلية، تجسيداً للوجود اليهودي من النواحي التاريخية والدينية والعاطفية والنفسية والحضارية وهي بذلك تحتلّ مكانةًً لا يضاهيها شيء في الحياة اليهودية. ويصرّ الكثير من الإسرائيليين بأنّ مطالبة إسرائيل بوقف توسّع مستوطنة معيّنة في القدس الشرقية – بصرف النظر عن مدى استفزاز مثل هذه المطالبة وطرحها في وقتٍ غير مناسب بالنسبة للجانب الإسرائيلي – قد حوّلت بؤرة الاهتمام عن قضايا أخرى تعتبر أكثر أهمية وإلحاحاً مثل قضية الحدود التي قد تسهّل إيجاد حلّ لمستقبل القدس. لقد اتفق الطرفان الإسرائيلي والفلسطيني من حيث المبدأ في مفاوضات سابقة في كامب ديفيد عام 2000 وفي عام 2008 على حلّ لمدينة القدس، هذا إضافة إلى إدارة الأماكن المقدسة اليهودية والإسلامية.

 

 

 

– 6 –

 

وأخيراً نقطة أخرى مهمّة يجب التأكيد عليها هنا هي أن الإدراك الحسّي يلعب دوراً مهمّاً كحقيقة بحد ذاتها في هذه المنطقة. فالمَيل مثلاً لرفض أو تجاهل مخاوف إسرائيل الأمنية بخصوص طموحات إيران الإقليمية وبرنامجها النووي على أنّه جنون ارتياب حول الأمن القومي لا يأتي بنتائج عكسيّة بل قد يجبر الإسرائيليين المهدّدين وجودياً من قبل إيران للإلتجاء لعمل أحادي الجانب. وفي نفس الشيء ينطبق أيضاً على الإدراك الحسّي للفلسطينيين بشأن تصرّف إسرائيل داخل وخارج المناطق المحتلّة، معتقدين بأن إسرائيل بطبيعتها دولة توسعيّة تذلّ وتستعبد عمداً الشعب الفلسطيني. ويبدو أيضاً أن الإسرائيليين ليسوا أحراراً من بعض المدركات الحسية. أو الأحكام المسبقة حول الفلسطينيين مثلاً كونهم غير جديرين بالثقة إلى حدٍ بعيد وأنهم يضمرون في أنفسهم نوايا سيئة أو كشعب لن يقبل أبداً وجود إسرائيل حتى ولو أعلنوا أو ادّعوا عكس ذلك الآن. لقد أخذ ما يزيد عن ستة عقود من الصراع المسلّح ضريبة عالية من الأرواح والخسائر المادية وترك ندبات عميقة من الجروح وخلق في نفس الوقت إحساساً عميقاً من الشكيّة المتبادلة والسخرية والازدراء.

 

موازنة المصالح الأمريكية الإستراتيجية

يجد الإسرائيليون اليوم أنفسهم – وهم الذين اعتادوا دوماً أن يحظوا بدعم أمريكي غير مشروط – على خلافٍ مع إدارة جديدة، ليس لأنّ إدارة أوباما أقلّ ميولاً لدعم إسرائيل، ولكن بسبب الظروف الجيوسياسية الإقليمية المتغيّرة التي يجب الآن وضعها في الميزان. يبدو أن حكومة نتنياهو تسيء تقدير المصالح الاستراتيجية المتغيّرة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وبالأخصّ في صحوة الحربين في أفغانستان والعراق. يجب على إسرائيل أن تفهم أنه بالرغم من التزام الولايات المتحدة الأمريكيّة تجاه أمن إسرائيل القومي، وهو التزام لا يتزعزع، فإن إدارة أوباما لا تشعر بأن مثل هذا الالتزام منعزلٌ أو متناقضٌ بأي شكل من الأشكال مع المصالح الأمريكية الحيوية الأخرى في المنطقة وما وراء المنطقة أيضاً. وفي المؤتمر الصحفي الذي أجراه في منتصف شهر نيسان (أبريل) في أعقاب مؤتمر القمة النووي صرّح الرئيس أوباما بأن حل صراع الشرق الأوسط الذي طال أمده يعتبر "مصلحة حيوية للأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية". وعرض الرئيس الأمريكي تقييماً بعيد

-7-

 

المدى حول الوضع في الشرق الأوسط عندما أعلن بأن الصراع في الشرق الأوسط "يكلفنا قدراً هائلاً من الدماء والأموال". وكان الرئيس يدعم في الواقع تصريح الجنرال بتريوس، آمر القيادة المركزية، الذي أدلى به في شهادته الأخيرة أمام الكونغرس الأمريكي حين قال &

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE