All Writings
أغسطس 23, 2006

على مصر أن تستلم زمام الأمور

بقلم:  أ.د.  ألون بن مئيرأستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسطبمعهد السياسة الدوليــــــــة عاد كاتب المقال منذ فترة قصيرة من رحلة ثانية مكثفة دامت عدة أشهر زار خلالها إسرائيل ومصر وفلسطين وقابل عدداً كبيراً من المسئولين الحكوميين وقادة الأحزاب السياسية وأكاديميين ومواطنين عاديين في هذه الدول. وهذه المقالة هي الأخيرة من سلسلة ثلاث مقالات تعكس بعض ما توصل إليه من انطباعات ونتائج.           ليس هناك بلد أفضل مركزاً من مصر في التأثير على حماس لنبذ العنف والاعتراف بإسرائيل والدخول معها في مفاوضات سلام. ولو تفحصنا بعناية علاقة مصر الخاصة بحماس وألقينا نظرة على مدى قدرة مصر التأثير على حماس، يتبين لنا بأنّ حركة حماس لا تستطيع بدون أن تضر نفسها تجاهل طلبات مصر كليًّا أو مقاومة الضغط الذي قد تضعه القاهرة على الحركة. إنّ الفلسطينيين ولعدّة أسباب بحاجة لمصر ويفضّلون الحفاظ على علاقات طيّبة مع أكبر الدول العربية من حيث الإمكانيات وعدد السّكان بدلاً من إقصاء دورها.           تشكّل مصر للفلسطينيين، على الأقل في الوقت الحاضر، البوابة الوحيدة للعالم الخارجي. لقد كانت أيضاً سبّاقة في مساعدة إسرائيل وحماس للتوصّل إلى اتفاق هدنة، وهي المسئولة عن معبر رفح وتبقى بالنسبة للفلسطينيين الشريك التجاري الأكثر قدرة وأهمية. إضافةً إلى ذلك، تربط مصر معاهدة سلام مع إسرائيل وتتمتع بنفوذٍ هائلٍ في جميع أنحاء العالم العربي. لهذه الأسباب ولأسباب أخرى كثيرة، وجه رئيس المخابرات المصرية، اللواء عمر سليمان، الرجل الثاني من حيث النفوذ في مصر بعد الرئيس حسني مبارك، ثلاث مطالباتٍ "شديدة"  لحماس: "الأولى، وقف العنف. الثانية، الالتزام بجميع الاتفاقيات الموقّعة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل. وثالثاً، الاعتراف بإسرائيل." وأضاف أنّه في حالة "عدم التزام حماس بهذه الشروط، لن يكون الرئيس الفلسطيني محمود عباس مجبراً للطلب من حماس تشكيل حكومة جديدة."           ستصغي حماس بالتأكيد لهذه المطالبات، غير أنّ الضغط الحقيقي سيأتي إذا شرعت الحكومة المصرية بتنفيذ ثلاثة إجراءات مهمة لا تستطيع سوى مصر القيام بها وباحتمالٍ كبيرٍ لنجاحها.             أولاً، عقد مؤتمر قمة عربي: يقوم الرئيس حسني مبارك بدعوة رؤساء الدول العربية، أو على الأقل وزراء خارجيتها، بعقد جلسة خاصة لجامعة الدول العربية لمناقشة صعود حماس للسلطة بشكل ديمقراطي وتنشيط قرار الجامعة العربية الصادر بتاريخ  27مارس (آذار) عام 2002 في بيروت، لبنان، الذي طرحه ولي العهد السعودي آنذاك، الملك الحالي عبد الله بن عبد العزيز. يدعو القرار المذكور لانسحاب إسرائيل من أراضٍ عربيّةٍ محتلّة، وقيام دولة فلسطينية وحل عادل لمشكلة اللاجئين على أساس قرار الأمم المتحدة رقم 194 مقابل ضمانات أمنية جماعية من كلّ دولة عربية في المنطقة لإسرائيل، والتوقيع على معاهدة سلام وتطبيع العلاقات بين جميع الدول العربية وإسرائيل. إنّ إعادة التأكيد على هذا القرار لن يضع فقط ضغطاًَ هائلاً على إسرائيل، بل وسيحمي أيضاً ماء وجه قادة حماس تجاه ناخبيهم الأصليين، وهي قد تكون طريقة للتوفيق ما بين هدفها المعلن في تدمير إسرائيل والضرورة الملحّة لنبذ العنف والاعتراف بإسرائيل. وعلى مصر أن تستلم زمام الأمور في الدعوة لمثل هذا المؤتمر.           ثانياً، التعاون بفعالية مع تنظيم الإخوان المسلمين:  يشكّل انتصار حماس في الانتخابات جزءاً من قوة الإخوان المسلمين، فقد جاء انتصار الحركة مباشرةً عقب المكاسب الملحوظة التي أحرزها الإخوان في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في مصر. ولذا، فإنّ من مصلحة الدول العربية، وبالأخص مصر بصفتها الدولة الأكثر احتمالاً للتأثر من القوة المتنامية للإخوان المسلمين، إتباع إستراتيجية تتوافق مع الموقف المصري تجاه إسرائيل والتزامها طويل الأمد بالبقاء دولة علمانية.  يشير انتصار حماس أخيراً في الانتخابات التشريعية ولأول مرة في التاريخ العربي إلى أنّ الإخوان المسلمين قد استلموا زمام الحكم في كيان عربي. وتدل ملاحظات اللواء عمر سليمان على أنّ مصر تريد التعامل مع هذه الظاهرة من موقف القوة، مصّرةً بأنّه لا يجوز لحزبٍ إسلاميٍّ أو مجموعة إسلامية أصولية داخل أو خارج مصر الالتجاء للعنف وخرق اتفاقيات دولية معترف بها دون عقاب. ومما يدل على التفاؤل في هذا السياق بالنسبة للمستقبل هو قيام الأردن بالتأكيد مجدداً على موقفه وطلبه من حماس اتخاذ نفس الخطوات التي طلبتها مصر منها، بشرط أن تبقى كلا الدولتين على نفس النهج وتقوم دول عربية أخرى بإتباع نهجهما هذا وتتصرف بثبات مماثل. ثالثاً، تأسيس لجنة رباعية من دول المنطقة: على مصر أن تدعو فوراً المملكة العربية السعودية والأردن وتركيا للانضمام إلى تشكيل لجنة رباعية   لتوجيه ومساعدة حماس في تعديل مواقفها. ولدى كل دولة  من هذه الدول شيء خاص لعرضه في هذا الظرف: مصر، بالنظر لجميع الأسباب التي ذكرت آنفاً، والمملكة العربية السعودية بسبب دورها كحارسة أقدس الأماكن الإسلامية، هذا إضافةً إلى تأثيرها الفريد في الدعم المالي وتبنيها قرار القمة العربية عام 2002، والأردن لكونه حارساً لثالث أقدس الأماكن الإسلامية في القدس (الحرم الشريف وقبة الصخرة) وتمتعه أيضاً بعلاقات فريدة مميّزة مع الشعب الفلسطيني (60% من سكان الأردن ينحدرون من أصلٍ فلسطينيٍّ). هذا إضافةً لكون الأردن مرتبطاً أيضاً بمعاهدة سلام مع إسرائيل وسيكون بالطبع جار "الباب على الباب" لدولةٍ فلسطينيةٍ في المستقبل وبوابتها باتجاه الشرق. أما بالنسبة لتركيا، فقد كانت دوماً دولةً داعمةً للفلسطينيين. وبالنظر لارتباطاتها وعلاقاتها الخاصة بمعظم دول العالم، فإنّها تلعب دوراً حيويّاً في عملية السلام وفي أيّ تطور فلسطيني مستقبلاً. وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ تركيا قد درّبت قوات الأمن الفلسطيني وزوّدتهم بالزي المطلوب، إضافةً إلى أنّها مشتركة في عدّة مشاريع تنموية، بما في ذلك منطقة آيريز الصناعية التي ستشغّل عند انتهاء تجهيزها ما يزيد عن عشرة آلاف عاملٍ فلسطينيّ، خصوصاً من العنصر النسائي.  أضف إلى ذلك أن تركيا بصفتها دولة ديمقراطية والأغلبية الساحقة من سكانها مسلمون وكأول دولة إسلامية تعقد صلحا مع إسرائيل تستطيع أن تقدم مثالا رائعا حول الانسجام بين مجموعات إسلامية وأخرى علمانية في حكومة ائتلافية.  وتجدر الإشارة هنا بأن الضغط الناتج عن دول إسلامية داخل المنطقة أكثر قبولا لحماس من ضغط يأتي من خارج المنطقة.    وأخيرا،  فان خلق مثل هذه اللجنة الرباعية والتزامها بالعمل تجاه اعتدال موقف حماس، مقترنا بإعادة التأكيد على القرار الصادر عن مؤتمر القمة العربية لعام 2002 سيعزز ثقة إسرائيل في نظرتها لحل سلمي.  وبالفعل،  فان مدى تعاون إسرائيل مع أية سلطة فلسطينية مستقبلية،  بما في ذلك عملية تحويل الضرائب المستحقة للفلسطينيين وحركة الناس والبضائع والصادرات ونقاط التفتيش ومجموعة أخرى من القيود التي بمقدور إسرائيل أن تفرضها على الشعب الفلسطيني، سيعتمد بدرجة كبيرة ليس على تصرفات "حماس" فحسب، بل أيضا على نواياها.  وحماس بحاجة إلى مثل هذا التعاون من طرف إسرائيل لتسيير شؤون الحياة اليومية للفلسطينيين. وعلاقات مصر الجيدة مع إسرائيل والفلسطينيين تمكنها من السير قدما في التوسط لخلق جو أفضل تحكم فيه "حماس".

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE