All Writings
أكتوبر 23, 2009

إصلاح علاقة متوتّرة

بقلم: أ.د. ألون بن مئيـــــــــــــــــــر

أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية

بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط

بمعهد السياسة الدوليـــــــــــــــــة

 

          ما كان ينبغي أن يكون في وقت مبكر من هذا الشهر عرضاً لتعاونٍ عسكري من عدة دول ما بين القوات الجوية التركية ونظيراتها في الولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا وإسرائيل قد أصبح الآن مشكلة سياسية أخرى في الصّدع العلني المتنامي ما بين تركيا وإسرائيل. لقد ألغيت المناورة المشتركة التي كانت تجري كلّ بضعة أعوام إلى أجلٍ لم يحدّد بعد أن سحبت تركيا مشاركة إسرائيل، الأمر الذي جعل الولايات المتحدة وإيطاليا تلغيان المناورة رداً على ذلك. إن هذا الرفض العلني واحد من أحداث كثيرة في سلسلة من الأحداث التي أظهرت إحباط تركيا العميق في الطريقة التي تعاملت معها إسرائيل باجتياحها قطاع غزة العام الماضي.

 

          وفي الوقت الذي تستمر فيه تركيا وإسرائيل بالتمتع برابطة قوية وعلاقاتهما الاقتصادية والتجارية بقيت كما هي، غير أن الاستخفاف والازدراء العلنيين قد سبّبا بلا شك توتراً في علاقاتهما الثنائية، خصوصاً بعد أن اعتمدت تركيا بشدة على اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة لمنع تمرير مسودة قرار حول المذابح الأرمينية في مجلس الشيوخ الأمريكي قبل سنتين فقط. ولكن ماذا تجني تركيا من هذه الاحتجاجات العلنية؟ على تركيا الشروع في العمل بحكمة ودون تمييز كشريك لكلا الطرفين، إسرائيل والعالم العربي، هذا إلاّ إذا أرادت تقويض علاقاتها بشدّة مع إسرائيل وحلفائها الغربيين.

 

          إن قدرة تركيا في القيادة مستقبلاً سيعتمد على قدرتها في موازنة علاقاتها مع القوى المتواجدة في جوارها المتنوع: إيران، سوريا، إسرائيل، روسيا واليونان -وجميعها أقطار مجاورة لها مباشرةً – وذلك دون مقايضة علاقة ثنائية بأخرى. وتنظر تركيا لنفسها على أنها قوة إستراتيجية مع قوة للحفاظ على الاستقرار الإقليمي ليس فقط في منطقة الشرق الأوسط فحسب بل كجسرٍ ما بين الشرق والغرب. ولكن بعد الحادث المشين الذي جرى في مؤتمر دافوس في شهر كانون ثانٍ (يناير) من العام الجاري الذي خرج فيه رئيس الوزراء رجب أردوغان من القاعة خلال مشادّة كلامية مع رئيس دولة إسرائيل شمعون بيرس بعد قوله: "عندما يدور الحديث عن القتل، أنت تدري جيداً كيف تقتل" لم تبدو تركيا كوسيط دبلوماسي ماهر بل أكثر كمحرض.  

 

 

-2-

 

فبعد أن حصلت على ثناء المجتمع الدولي بجهودها كعضو في الناتو وفي مجموعة العشرين، تركيا في هذه المرحلة تخاطر بالشيء الكثير إن هي بدأت تلعب دور اللائم في هذا الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني الصعب المراس.

  

          قد يكون معظم عداء تركيا تجاه إسرائيل ناتجاً عن شعور بالإحباط، وذلك بعد فشل إسرائيل في التّوصل إلى اتفاقية أولية مع سوريا من خلال المفاوضات التي قامت تركيا بوساطتها خلال عام 2008 باذلةً غاية الكدّ والجهد فيها. أضف إلى ذلك، فقد رفض نتنياهو استئناف المفاوضات من النقطة التي تُركت فيها. ولكن على تركيا ألاّ تقلّل من شأن دورها كالحليف السياسي القوي والوحيد لإسرائيل وإيران والعالم العربي. وبغضّ النظر عن الحكومة والعلاقات الدبلوماسية، فتركيا الهدف السياحي رقم 1 للإسرائيليين والإيرانيين بالرّغم من أنّ هناك هبوط كبير جداً في عدد السياح الإسرائيليين منذ حادث شهر يناير (كانون ثانٍ). وأن تقوم تركيا الآن بنسف مكانتها الفريدة في هذا الترتيب الدولي الحسّاس وفي هذه المرحلة الزمنية الحرجة، لهو خطأ استراتيجي فادح. وعلى تركيا أن تدرك عاجلاً قبل آجلاً بأن ما حدث لا يستحق العراك في هذه المرحلة بالذات، وبالأخص عندما لاحظت إسرائيل زيادة في التعاون من طرف جيرانها العرب منذ حرب غزة.

 

          ما زال العديد من الناس يتذكرون شهر يناير (كانون ثانٍ) عام 2008 عندما جاء الرئيس السوداني عمر البشير إلى أنقرة كضيف على الحكومة التركية بعد اتهامه من قبل المحكمة الدولية للجنايات بارتكاب جرائم حرب شنيعة في دارفور. وبعد ذلك بأشهر فقط اشتركت تركيا في المناورات البحرية المشتركة مع إسرائيل وهذا تقليد استمر حتى بعد حرب غزة. والنقطة المهمة في الأمر أن تركيا قد اختارت طريقاً كحليف للعديد من الدول المعادية لبعضها البعض والتي تقع تركيا بينها. وقد رأت في السنوات الأخيرة سمعتها كشريك دولي ترتفع إلى السماء. لقد أقدمت حتى على الخطوة الأخيرة للمصالحة مع الأرمن هذا الشهر الجاري مقيمةً معهم روابط دبلوماسية وأعادت فتح الحدود المشتركة بينهم. فلماذا ترى الآن تركيا بأنه من الضروري تقويض علاقاتها التاريخية والقيّمة مع إسرائيل التي تعتبر تركيا كشريك له الأهمية القصوى منذ تأسيس إسرائيل كدولة؟ وكما لاحظت تركيا من خلال الانسحاب الفوري لمشاركة الولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا من المناورات العسكرية، أيّ صدعٍ مع إسرائيل قد يحدث مضاعفات مدمرة في علاقاتها مع الغرب. وعند هذه المرحلة الزمنية بالذات وفي اندفاعها للانضمام لعضوية الاتحاد الأوروبي وسعيها للعمل مع الولايات المتحدة لحل المشكلة الكردية، فإن أي شقاق علني مع إسرائيل

 

-3-

 

سيضعف فقط الموقف التركي. وحيث أن المجتمع الدولي – بما في ذلك الدول العربية- متّحد حول التهديد الإيراني النووي الذي يعتبر أيضاً مقلقاً لتركيا بنفس القدر، فإن مصلحة أنقرة أن تتعاون.

 

          وللتأكيد، لا يمكن التنويه بصورة كافية بأهمية العلاقات التركية – الإسرائيلية حيث أن تركيا وإسرائيل تشتركان ليس فقط بعلاقات إستراتيجية في غاية الأهمية بل بصلة عميقة تربط اليهود بالإمبراطورية العثمانية. وبالرّغم من أن العلاقات التجارية والعسكرية التركية – الإسرائيلية باقية مستمرة بدون انقطاع، فليس من المبكّر دقيقة واحدة على إنهاء الاتهامات والإدانات العلنية والشروع في إصلاح العلاقة بين الطرفين. لن يخدم أي مزيد من التدهور في العلاقات بينهما لا المصالح التركية ولا الإسرائيلية الآن أو في المستقبل. للإسرائيليين السبب الكافي لأن يشعروا بأنهم ساخطون، ولكن يجب ألاّ يسمحوا لحادث مؤسف أن يحجب مساهمة تركيا في السلام والازدهار الإقليميين. وعلى نحو مماثل، يجب على تركيا ألا تسمح بإفساد أو تشويه العلاقات الهامة مع إسرائيل بسلسلة مشئومة من الأحداث السياسية المؤسفة.

 

          يجب على أنقرة أن تظهر للعالم بمناسبة الذكرى السنوية السادسة والثمانين التي تعتز بها بأن بإمكانها أن تسمو لمستوى المناسبة والحدث وأن تري علناً بأنها تعطي وزناً لشراكتها مع الدولة اليهودية. وعلى الإسرائيليين الآن أن يظهروا شهامتهم بقبولهم هذه الدعوة لمشاركة أصدقائهم وحلفائهم الأتراك الاحتفال بالذكرى السنوية لإقامة الجمهورية التركية في التاسع والعشرين من شهر تشرين أوّل (أكتوبر) الحالي والاستفادة من هذه المناسبة كرمز لشراكة متجدّدة.

 

______________________________________________________   

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE