All Writings
مايو 29, 2012

لا تدعوا الإنشقاق السنّي – الشيعي يختطف ربيعكم العربي !

كتبت في شهر أبريل (نيسان) من هذا العام بأن الثورة في سوريا (ثورة الأغلبية السنية ضد النظام الذي تسيطر عليه أغلبية علوية) قد تحوّلت إلى ساحة معركة بين المحور السني بقيادة تركيا والمملكة العربية السعودية من جهة والمحور الشيعي بقيادة إيران من جهة أخرى. وبما أن الأحداث تستمرّ في التصاعد في المنطقة، وبالأخص احتكار الإسلاميين السنيين العمليات السياسية في مصر الجديدة، ليبيا وتونس  فما يبدو الآن أكثر وضوحاٌ للعيان هو أن الربيع العربي الليبرالي والساعي وراء الديمقراطية يُختطف من قبل إسلاميين متطرفين على كلا الجانبين مخاطراً بذلك باندلاع "حريقٍ" هائل ما بين العقيدتين الإسلاميتين.

إن الصراع ما بين السنّة الذين يشكلون الأغلبيّة العظمى في العالم الإسلامي والشيعة ليس ذو طبيعة عقائدية بل بالأحرى ذو جوهرٍ سياسيٍ يدور حول كيفية تعيين الخليفة وطبيعة القوة السياسية التي يجب على العلماء الدينيين التحلي بها. فكما كان عليه الحال في أوروبا في الفترة مابين 1500 و 1600 ميلادية عندما كان الدين مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالسياسة، بقي الصراع مستمراً مدة ألف عام ٍ تقريباً من القرن السابع حتى القرن السابع عشر الميلادي وأبرزه الصراع ما بين سلالة سفافيد الشيعية الحاكمة في بلاد فارس والسلالة العثمانية السنية الحاكمة في تركيا. ووصل هذا الصراع ذروته في الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 والحرب العراقية الإيرانية (1980 – 1988) التي وصلت بدورها ذروتها في حرب العراق عام 2003، الأمر الذي أعاد هيكلة العلاقة ما بين العالم العربي وإيران في سياق الانشقاق السني – الشيعي. وبروز حكومة شيعية في العراق ما بعد عهد صدام أخذت تقوم بإجراءات تمييز ضد المواطنين السنيين ونشوء الثورة السنية نتيجة لذلك التي أخذت ترهب الأغلبية الشيعية لم تضف سوى زيتاً على النار. والآمال الكبيرة التي رافقت الفترة ما قبل الربيع العربي بأن ثورة الشباب ستسمح بانتقالٍ سلس لديمقراطية ليبرالية تتلاشى تدريجياً.

وبعد أن حقق الإخوان المسلمون في مصر انتصاراً حاسماً في أول انتخابات حرّة في البلاد، أنزلت للميدان مرشحاً رئاسياً ووضعت الهيئة القضائية التي يسيطر عليها الإخوان المسلمون مسودّة قرار يعيد هيكلة المحكمة الدستورية العليا بطريقة تمنح البرلمان صلاحية رقابة أكبرعلى شئونه. ولكون الإخوان المسلمون أفضل الأحزاب من الناحية التنظيميّة والتمويلية، فإنه من المحتمل أن يقوم هذا الحزب وبنجاح باحتكار العملية السياسية. قد يظن البعض بأن مجموعة عقلانية مثل "الإخوان المسلمون" قد تقوم ببعض التنازلات وتتخذ مساراً سياسياً حذراً، غير أن هذا يقيّد مجموعة الإخوان المسلمين في إدخال الحريات السياسية الفعلية لعاملين رئيسيين: 1) تردّد الحرس القديم للإخوان المسلمين في دمقرطة المجتمع خشية من ضياع فرصة تاريخية لتحويل مصر إلى الدولة الإسلامية النموذجية و   2) التنافس مع السلفيين المحافظين الذين يشكلون بصورة مفاجئة المجموعة الثانية في البرلمان واللذين أجبر تنافسهم مع الإخوان التكلم حول كيفية ومتى سيقومون بتنفيذ قوانين الشريعة الإسلامية.

من الناحية الأخرى، أعطى الربيع العربي الأقليات العربية الشيعية الفرصة للنهوض والمطالبة بالحريات السياسية والحقوق المدنية التي حرموا منها بشكلٍ عام في إمارات وممالك الخليج العربي الذي تسيطر عليه الأغلبية السنية. وإيران – من جانبها – لا تضيّع فرصة لإثارة الاحتجاجات والاضطرابات الشيعية في المناطق التي فشلت طوال ثلاثة عقود لتصدير الثورة الإسلامية إليها. ومن باب السخرية أن إيران تفعل ذلك في وقتٍ تقدّم فيه دعماً كاملاً وغير مشروط للقمع الذي تمارسه الأنظمة الشيعية المجاورة في سوريا ولبنان والعراق على حساب حقوق وأرواح السنيين في هذه البلدان. وتقوم المملكة العربية السعودية وبحذرٍ بصفتها معقل الإسلام السني ببناء تحالفات مع دول تشاركها نظرتها في إنشاء محور سني لمحاربة الهلال الشيعي، بما في ذلك دول الخليج لدرجة أنها تأخذ بعين الاعتبار القيام بوحدة سياسية مع البحرين وتوسيع تعاونها التام مع مصر والأردن وتركيا.

ولكن المعضلة هي أن المملكة العربية السعودية نفسها يُنظر إليها – بحكم مركزها كحارسة للإسلام السني – على أن تفاعلها مع الربيع العربي محدود بإدخال فقط إصلاحات متواضعة. ولهذا السبب يُقال بأن المملكة مشغولة الآن بجهود لثني ملك البحرين عن إجراء إصلاحات جوهرية. والأهم من ذلك أيضاً أنه لربما تقدّم للإخوان المسلمين في مصر الدعم الاقتصادي الذي تحتاجه البلاد بشدة مقابل الالتزام الكامل بالمحور السني. هذا بدوره قد يهبّط من عزيمة الإخوان المسلمين في إدخال إصلاحات ديمقراطية حقيقية – كما يشهد على ذلك الكثير من العلماء المصريين – ويالأخصّ في وقتٍ يعتقد بأن المملكة العربية السعودية هي المصدر الرئيسي لتمويل السلفيين الذين يتبنّون عقيدة مشابهة للمذهب الوهابي واللذين يأتي كرههم للشيعة في المرتبة الثانية بعد كرههم للكفّار. والنتيجة النهائية – للأسف الشديد – هي أنّ الربيع العربي الذي ساهم في صعود المخيم القوي للإسلاميين السنيين قد تقوّض بهذا الانشقاق السني – الشيعي الذي يركّز على إبقاء الصّراع الديني فوق شئون وقضايا الدولة بصرف النظر عن رغبات الشعب.

ولتجنب سيناريو مأساوي يصطدم فيه ركنا الإسلام معاً في صراعٍ طويلٍ ودموي لتحقيق طموحاتهما السياسية، فإن رسالة العالم العربي السني ذات شطرين  . أولاً، على حكومتي المملكة العربية السعودية ومصر القيام بكلّ ما بوسعهما لتقديم نموذج من الحكم الإسلامي لا يقصي قوى سياسية أخرى في مجتمعاتهما. فوجود نظام شمولي مقترناً بمشاريع تنمية متواصلة لتخفيف الفقر لن يمنع فقط عاجلاً أم آجلاً انفجار مضاد للثورة، بل وسيقدّم أيضاً مثالاً للشعب الإيراني لمواجهة الزمرة الدينية الحاكمة في طهران.

وثانياً، دور الشباب في العالم العربي السني هو استعادة الدعائم الأساسية لثورتهم. فقد بدأ الكثير من المصريين في مصر – التي تعتبر نموذجاً لعالم جديد قد يطبّق في بقية العالم العربي – يعبّرون عن أسفهم لتصويتهم للإخوان المسلمين وغيرهم من الأحزاب الإسلامية في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، لسبب ٍ وجيه، وهو أنّ الإسلاميين لم يقدّموا ما وعدوا به: حياة كريمة للمواطن المصري العادي في الوقت الذي تتصاعد فيه حدّة الفساد ودرجة الجريمة بشكلٍ ينذر بالخطر. يجب على الشباب التعلّم من أخطائهم التي ارتكبوها في الانتخابات الأخيرة وذلك برصّ الصفوف، وتوحيد قوائمهم الانتخابية والقيام بحملة مكثفة لحماية الطبيعة الديمقراطية والمدنية لمصر الجديدة بإشراك الأغلبية العظمى من الشعب المصري. فقط الضغط الثابت من الشعب سيجبر الإخوان المسلمين ومرشحهم الرئاسي، د. محمد مرسي، في حالة فوزه الشهر القادم، للاستجابة لمطالب الشعب للقيام بإصلاحات حقيقية واختيار مسار معتدل يربط الإسلام بالديمقراطية.

ودور الشباب العربي الشيعي ليس بأقل من ذلك أهمية. يجب على أولئك الشباب في البحرين والمملكة العربية السعودية وفي أيّ مكان آخر في دول الخليج ألاّ يسمحوا باستغلال أنفسهم من قبل القيادة الإيرانية الخادعة. عليهم، بدلاً من ذلك، المطالبة بحقوقهم السياسية والمدنية من داخل النظام وعدم السماح لقوى خارجية محرّضة لتقويض أمنهم الوطني وسيادتهم على أراضيهم.

وتماشياً مع مصالح إسرائيل الوطنية، يجب منع بروز دولة إيرانية مهيمنة. وعلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن يستفيد من التفويض الغير مسبوق الذي يتمتع به حالياً من البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) لكي يتخذ موقفاً جاداً من السلام مع الفلسطينيين – خصوصاً الآن مع اشتداد حدة الصراع السني – الشيعي – بدلاً من الاستمرار في أسلوبه العقيم، "انتظر ورى". لن يقوّي السلام – الذي يعتمد على أساس حلّ الدولتين – المحور السني فقط ويسمح بتوسيع التعاون مع دول الخليج العربي ودول شمال إفريقيا، بل وسيحافظ أيضاً على هوية إسرائيل الوطنية كدولة يهودية ديمقراطية لا يهدّدها بصورة جدية سوى إطالة الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني.

بهذا البرنامج المزدوج يستطيع العالم العربي السني الحفاظ على تماسكه وتقديم بديلاً لمجتمعاته وشعوبه بتطبيق القيم الإسلامية: الحرية والعدالة وحقوق الإنسان التي سحقتها إلى حد بعيد الأصولية الإسلامية العمياء، السنية والشيعية، التي تلفظ بالتأكيد الآن أنفاسها الأخيرة.

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE