All Writings
مايو 2, 2011

سياسة واقعية أم مُثُل سياسيـــة ؟

 

بقلم: : أ.د. ألون بن مئيـــــــــــــــــــر

أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية

بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط

    بمعهد السياسة الدوليـــــــــــــــــة

 

          أودّ في البداية أن أهنىء الرئيس باراك أوباما لأنّه وضع لأسامة بن لادن النهاية التي يستحقّها. هذا سيرسل رسالة واضحة لكلّ إرهابي مفادها بأن أمريكا ستبقى عديمة الشفقة لا تلين ولا ترحم حتّى اجتثاث بلاء الإرهاب من جذوره.

          بالّرغم من بطولة هذه العمليّة التي قامت بها قواتنا المسلّحة الشجاعة، فقد ظهرت إدارة أوباما مرتبكة وبطيئة في ردود فعلها وغير منسجمة في ردّها على صحوة الجماهير المحتجّة الثائرة في شوارع العالم العربي. لقد تعالت النداءات في المنطقة مطالبة ً ب " نظريّة أوباما" وملحّة على وضوح استراتيجيّة الولايات المتحدة وأهدافها في المنطقة. لا نستطيع في هذا السياق أن نقول بأن سياسة الولايات المتحدة مضلّلة، بل إنّ رسائل البيت الأبيض أصبحت بطيئة وغير فعّالة. ففي حين طالب البيت الأبيض بأنه يجب أن يكون الحقّ الإنساني الدّولي في الإحتجاج السّلمي مضمونا ً في جميع أرجاء العالم، يجب أيضا ً أن يكون واضحا ً أيضا ًبأن مبادرات وردود فعل أمريكا على ما يجري على الساحة العربيّة ستمليها أولويّات ومصالح أمريكا الإستراتيجيّة في المنطقة وكذلك أولويّات ومصالح حلفائها.

          في خطاب ٍ لها في الآونة الأخيرة أمام المنتدى العالمي الأمريكي – الإسلامي بدأت وزيرة الخارجيّة الأمريكيّة هيلاري كلينتون بتوضيح السياسة الأمريكيّة قائلة ً بأنها ترفض مبدأ "قالب واحد يناسب جميع أساليب التعامل". وبالفعل، فالسياسة الأمريكيّة تختلف في البحرين وفي سوريا عنها في ليبيا وذلك نظرا ً لأن المصالح الأمريكيّة تختلف كثيرا ً في كلّ منطقة. وأعلنت كلينتون من خلال ملاحظاتها بأن الرئيس باراك أوباما سيلقي عن قريب خطابا ً رئيسيّا ً حول التحديّات في الشرق الأوسط. وعندما يفعل ذلك، سيُطلب من الرئيس الردّ على نقّاده بطريقة تبيّن الفجوة ما بين المُثل السياسيّة الأمريكيّة والسياسة الواقعيّة للحفاظ

-2-

على مصالح أمريكا الوطنيّة الإستراتيجيّة، والأخذ في نفس الوقت بعين الإعتبار بطريقة حكيمة المصالح الحقيقيّة لحلفائها.  

          على الولايات المتحدة في البحرين ألاّ تقوم بتعتيم أو تشويش شيء بل تدع الأمور تسير هناك في مسارها الطبيعي . ُتعتبر البحرين ساحة معركة مركزيّة لحرب ٍ باردة تجري اليوم ما بين المملكة العربيّة السعوديّة التي تمثّل العالم العربي السنّي من ناحية، وإيران التي تمثّل الشيعة الفرس والعرب من الناحية الأخرى. ولدى أمريكا ومعها الأغلبيّة العظمى من الدول العربيّة والشعوب السنيّة المذهب مصلحة حيويّة واضحة في الحدّ من توسّع النفوذ الإيراني الذي يهدّد بصورة خطرة المنطقة بزعزعة استقرارها وتطرّف الإتجاهات الديمقراطيّة التي تجتاح المنطقة.  وفي الأثناء، ففي اليمن تساند الولايات المتحدة الخطّة التي تبنّاها مجلس التعاون الخليجي لنقل السلطة من الرئيس علي عبدالله صالح الذي ساندته الولايات المتحدة فترة ً طويلة من الزمن. مصالح أمريكا في اليمن واضحة وتتمثّل في تعاون مستمرّ ومعزّز مع الحكومة اليمنيّة لكبح جماح القاعدة التي عادت إلى اليمن باعتبارها قاعدتها المفضّلة للتجنيد والتدريب. وعلى الولايات المتحدة في كلتا منطقتي الخليج الساخنتين، في البحرين واليمن، أن تستمرّ في التعبير عن المساندة والدّعم للإحتجاجات السلميّة وسيادة القانون، ولكن عليها في نفس الوقت أن تكون واضحة ً مع الغير أنّ لديها خطوط حمراء تتمثّل في عدم السماح لنموّ نفوذ المتطرفين التابعين لإيران والقاعدة.

          لقد نشأت تساؤلات عديدة من عدم استجابة الولايات المتحدة للإضطرابات والإحتجاجات المتنامية في سوريا. على إدارة أوباما بالنظر لقتل ما يزيد عن 1000 معارض ومحتجّ حتى الآن وتزايد الإحتجاجات المناهضة للحكومة السوريّة كل يوم أن تردّ بقوّة أكثر من الإيماءات الكلاميّة التي تشير اليها أو تنطق بها على استخدام العنف ضد ً المتظاهرين، لا أن تتوانى حتّى في استدعاء السفير الأمريكي المعيّن حديثا ً في دمشق للتشاور معه. أجل، هنا نرى تردّد الولايات المتحدة الواضح في اتخاذ أيّ قرار بسبب الإستثمارات التي صبّتها في إشراك الرئيس السّوري بشّار الأسد على أمل ٍ منها أنّه عند تحويل حساباته الإستراتيجيّة قد تكون سوريا في وضع ٍ يؤدي إلى مرحلة ٍ جديدة من الإستقرار في المنطقة، وبالأخصّ فيما يتعلّق بلبنان وإسرائيل والعراق، غير أن سياسة الإشراك هذه قد أثبتت فشلها حتّى الآن. لم يعد بالإمكان الآن إنقاذ الرئيس الأسد ونظامه، وعلى الولايات المتحدة مع ازدياد العنف ضدّ المتظاهرين والمحتجين أن تكون مستعدّة الآن للعمل مع المجتمع الدّولي لزيادة الضغط على

-3-

نظام الأسد والعمل على انهياره. والرأي القائل بأن الفوضى ستعمّ البلاد في حالة ذهاب نظام الأسد لا أساس له من الصحّة. لقد حثّ أعضاء في مجلس الشيوخ الأمريكي من كلا الحزبين السياسيين البيت الأبيض على الشّروع في دعم مجموعات المعارضة السوريّة وأنّ على الإدارة الأمريكيّة أن تضاعف جهودها في هذا السياق، بل وحتّى على الولايات المتحدة أن تذهب أكثر من ذلك. على البيت ألأبيض أن يشجّع هيئات دوليّة مثل محكمة الجنايات الدوليّة التي صرّحت بأنّ الأسد قد يُحاكم على جرائم اقترفها ضدّ شعبه واتخاذ اجراءات ضدّه وضدّ نظامه وفرض عقوبات أكبر على أولئك المسئولين المتورطين في أعمال العنف، وذلك بمساندة مجلس الأمن الدّولي.

          وفي الوقت الذي يبدو فيه بأن طّلب المجتمع الدولي لممارسة ضغط ٍ على الأسد قد يساعد في تعزيز المصالح الأمريكيّة في سوريا، غير أنّ الوضع في ليبيا مختلف، إذ يجب على الولايات المتحدة الإحجام عن أخذ دور ٍ ثانوي في الناتو لتحقيق مصالحها الإستراتيجيّة ومصالح الشعب الليبي. كم يجب أن يموت أكثر من الشعب الليبي قبل أن نقول: كفاية ! ؟ معمّر القذافي انتهى ولن يحكم بعد الآن. وجهود حلف الشمال الأطلسي (الناتو) الغير منسّقة تشير إلى ضرورة أن تستلم الولايات المتحدة القيادة – ويجب ألاّ تدير ظهرها لهذه المسئولية.

          التقارير الأخيرة بأنّ الولايات المتحدة قد شرعت بضربات جويّة ضدّ قوات معمّر القذافي باستخدام طائرات بدون طيّار تشكّل إشارة ايجابية بأنّ الولايات المتحدة قد تدرك الآن الحاجة للعب دور ٍ أكبر في الجهد العسكري لحماية الشعب الليبي من مجزرة ٍ رهيبة على يد العقيد معمّر القذافي. هذا وعلى الولايات المتحدة الآن على أية حال أن تبدأ بالدعم السّريع للثوار بمساعدات عسكريّة وغير عسكريّة. والتقارير الأخيرة التي تشير إلى أنّ رزمة المساعدات الأمريكية التي كان من المفروض تسليمها للثوار الليبيين قد احتجزت لمدة أسبوع بانتظار الموافقة عليها من البيت الأبيض لهو أمر مخجل. وحيث أنّ الوضع في ليبيا في خطر الإنزلاق في مأزق طويل الأمد – الذي كان بالمقدور أصلا ً تجنّبه – يراقب الآن القادة الإقليميّون الرئيس أوباما ليروا إذا كان بإمكانه تسوية هذه الأزمة أم لا، فتعامله معها ورده قد يؤثّران على وزن نفوذ الولايات المتحدة عبر المنطقة الأوسع، أي من المغرب إلى أفغانستان. من الممكن أن يتفهم المرء من ناحية تردّد الرئيس أوباما في قيادة حملة عسكريّة أخرى في الشرق الأوسط، فقد أُختير هو نفسه كالمرشّح الرئاسي المناوىء لبوش والمعارض للحرب في العراق وعازم على إنهاء الحرب أيضا ً في أفغانستان، غير أننا لا نستطيع أن نسمح بأن

-4-

يملي علينا ارتكاب أخطاء سابقة طبيعة أسلوبنا في التعامل مع أولئك الذين يجب التعامل معهم بجديّة وحزم.  إنّ المأساة الليبيّة – عكس مغامرتنا في العراق – تضع تصميمنا الأخلاقي وأهليتنا للقيادة على المحكّ.

          وتقدّم المغرب في الحقيقة مثالا ً لبلد ٍ تستطيع فيه الولايات المتحدة استخدام روابطها الدبلوماسية لتشجيع عمليّة الإصلاحات السياسيّة التي بدأت تزهر. لقد عادت الإحتجاجات إلى المغرب ولكنها تبقى سلميّة، ويدرك المحتجون بأنّ هناك تقدّم لإصلاح دستور المغرب. وقد تتعزّز مصالح الولايات المتحدة إذا ساندت مساعي الملك محمّد فتظهر للعالم بأنه لا داعي للإطاحة بالزعماء والقادة الإقليميين بطريقة مخزيّة وبعد سفك دماء بل أنّه من الممكن تكييف حكم هؤلاء عن طريق إصلاحات تدريجيّة ولكن فعليّة.

          على الولايات المتحدة أيضا ً أن تكون مستعدة لدعم ملك الأردن عبدالله الثاني. لقد أظهر الملك عبدالله، شأنه في ذلك شأن ملك المغرب، نزعة ً للإصلاح. وكما هو الحال في المغرب أيضا ً بقيت الإحتجاجات في الأردن بالنسبة لحجمها ومداها محصورة ً حتّى الآن. يجب أن تكون سياسة الولايات المتحدة تجاه هذين البلدين دعم اصلاحاتهما السياسيّة عن طريق تعزيز النموّ الإقتصادي من خلال مشاريع تضمن للبلدين تنمية مستمرة ثابتة وقسط وافر من التعليم. قد تخلق بضع مئات من ملايين الدولارات – مع ما يماثلها من الدول العربيّة الغنيّة بالنفط  – مكرّسة ً للتنمية التشاركيّة الثابتة معجزات في بلدان مثل الأردن والمغرب. سيثبت ذلك بأن المشاركة مع الولايات المتحدة تؤدي لازدهار ٍ واستقرار ٍ كبيرين.

<p style="text-align: j

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE