All Writings
سبتمبر 28, 2006

انقلاب سوريا على إيران إستراتيجية ملحّة

بقلم: أ.د. ألون بن مئيـــــر
أستاذ العلاقات الدولية بمركز الشئون الدولية بجامعة نيويورك
ويلقي محاضرات حول المفاوضات الدولية ودراسات الشرق الأوسط

إن إستراتيجية إدارة بوش في معاملة سوريا وإيران كما لو كانتا توأمين شريرين أمر مغلوط من الأساس. فبالرغم من أن لدى دمشق وطهران مصالح مشتركة كثيرة علاوة على عدائهما للولايات المتحدة الأمريكية، إلا أنهما يختلفان جذريا عن بعضهما البعض في تقدير كل منهما لأدواره الإقليمية وأهدافه الإستراتيجية. ولخلق شرق أوسط أكثر سلما، على واشنطن أخذ هذه الحقائق بعين الاعتبار وإتباع إستراتيجية مختلفة تهدف إلى زيادة عزل مصالح سوريا عن مصالح إيران.

يعتمد التحالف السوري – الإيراني البعيد الأمد على الظروف الراهنة أكثر منه على مصالح إستراتيجية مشتركة. فبالرغم من أن كلاهما يخشى السياسة الأمريكية الهادفة إلى تغيير نظام حكمهما، فان عداء واشنطن المعلن لهما يخلق حافزا أكبر للتعاون بينهما. ففي حين احتضنت سوريا إيران لتجنب العزلة الدولية، استعملت إيران سوريا "كمساعد" لها في تحويل حزب الله إلى أداة لتعزيز الثورة الإسلامية. وقد قادت مصالحهما المشتركة في لبنان إلى قيام إيران أيضا باحتضان النخبة الحاكمة من العلويين السوريين الذين ينظر لهم السنّة نظرة استعلاء وازدراء. أضف إلى ذلك، فان كلا البلدين الذين اعتبرا سابقا صدام حسين خطرا يهدد المنطقة يعيشان الآن في قلق لاحتمال أن تجتاز الاضطرابات ومشاكل العنف في العراق حدودهما. وأخيرا، وبما أنهما ينظران لإسرائيل على أنها عدوّ مشترك وليس لديهما ما يزهوان به في داخل وخارج المنطقة سوى القليل من الأصدقاء، تعتبر مساندتهما لبعضهما البعض أمر حيوي في غاية الأهمية.

إن نظرة سريعة على ما تتقاسمه كلا الدولتين من مصالح ستبيّن لنا بأن تحالفهما الذي يبدو متينا قويّ الاحتمال يفتقر في الواقع إلى الأهداف الإستراتيجية. فإيران التي تؤيد الإسلام الثوري وتدافع عنه تجد نفسها كبلد شيعيّ المذهب وفي معظم الأحيان على طرفي نقيض مع العالم العربي، وهي في الواقع تنتقد الزعماء العرب لابتعادهم عن الإسلام على حدّ زعمها. علاوة على ذلك، فان طموحات إيران النووية لم تبرز فقط بسبب رغبة إيران في أن تعادل قوة إسرائيل النووية، بل لأنها تريد الهيمنة على المنطقة، شاملة أيضا سوريا. وبوصول حماس للسلطة، وهو أمر لم يكن ممكنا إلا بمساندة إيران المباشر لها، فان إيران مصممة على

تبني الأجندة الفلسطينية منتزعة إياها من أيدي الدول العربية. والآن وبانتخاب الشيعة في العراق لصدارة الحكم ترى إيران فرصة تاريخية لضم وتعزيز الهلال الشيعي بمدّه وتوسيعه تحت قيادتها من الخليج الفارسي إلى لبنان وبذلك تحقّق مطلبا تاريخيا في السيطرة على كامل منطقة الشرق الأوسط. وأخيرا، فان اهتمام إيران في الحوافز المالية الغربية قد تقلّص بصورة جذرية بسبب ارتفاع أسعار النفط التي ضاعفت إيرادات إيران أربعة أضعاف تقريبا في السنوات القليلة الماضية ليصبح ما لدى طهران من مدّخرات العملة الصعبة ما يقارب 100 مليار دولار أمريكي.

وبالمقابل، فان لدى سوريا بدورها دولة عربية قومية وعلمانية أجندة مختلفة كليا عن تلك الإيرانية. وتعتمد هذه الأجندة على أربعة مبادئ أو أهداف رئيسية. الهدف الأول أن تجعل الولايات المتحدة الأمريكية تتخلّى عن رغبتها في تغيير نظام الحكم في دمشق، والثاني هو التأكيد على أن هضبة الجولان يجب أن تعود للسيادة السورية مقابل سلام مع إسرائيل. أما الهدف الثالث فهو ضرورة أن تدرك الولايات المتحدة بأن لسوريا علاقة خاصة ومميّزة مع لبنان. والهدف الرابع والأخير هو تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية لان هذا سيعود بفائدة كبيرة على سوريا منها إمكانية تطوير الاقتصاد السوري الذي يعتبر حاجة ماسة لسوريا.

مما لا شكّ فيه أن للولايات المتحدة الأمريكية عدّة مآخذ أو شكاوي على سوريا من ضمنها بأن سوريا تأوي لديها عدّة منظمات إرهابية متطرفة، معظمها فلسطينية، أخذت على نفسها تقويض المصالح الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة. ومن بين النقاط الأخرى الملحّة هو تأييد سوريا المزعوم للتمرّد والثورة في العراق، الأمر الذي يساهم في زعزعة الاستقرار وسفك الدماء هناك، وأنها تقف خلف اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق المرحوم رفيق الحريري، وبأنها متواطئة أيضا مع إيران على تزويد حزب الله بالأسلحة لإثارة المشاكل والمتاعب ضد إسرائيل. وهذه مجتمعة أدّت إلى نشوب الحرب الأخيرة في لبنان. هذه تبدو جميعها اتهامات جدية، لا بل خطيرة، وعلى دمشق أن تواجهها أو تردّ عليها بطريقة أو بأخرى. غير أنها تفقد خطورتها و"يشحب لونها" إذا قورنت بسلوكيات وسياسات إيران العدوانية والضارة تجاه الغرب بصورة عامة وإسرائيل بصورة خاصة والتي، إن لم يتم ضبطها، قد تحدث حربا إقليمية مروّعة تستخدم فيها أسلحة الدمار الشامل.

لا شيء سيقوّض مصالح إيران الإستراتيجية ويعيد طهران إلى حجمها الطبيعي أكثر من كسر ما يسمّى الآن " محور إيران – سوريا – حزب الله ". فبالرغم من أن فصل المصالح التكتيكية لإيران وسوريا عن بعضهما البعض بحدّ ذاته أمر مهم، إلا أنّ أشراك سوريا الآن قد يؤدي إلى كثير من الفوائد الأخرى. ومن ضمن هذه الفوائد تغيير ديناميكية العملية السلمية بين العرب وإسرائيل، نزع سلاح حزب الله، تثبيت الاستقرار في لبنان، تقوية المخيم السنّي ضد قوّة الشيعة المتنامية وبذلك تقليص نفوذ إيران في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط، إضعاف عزم حركة حماس وإبطاء المدّ الأصولي الإسلامي المتزايد في كلّ مكان. إن إجراء تغيير في السياسة الأمريكية تجاه سوريا يعتبر عند هذه المرحلة بالذات أمر حيوي لان كل مبادرة تقريبا لإدارة بوش تبدو وكأنها قد أتت بنتائج عكسية محدثة رد فعل عربي وإسلامي لم يسبق له مثيل. لقد أخفق تعزيز الإصلاح الديمقراطي في الشرق الأوسط. والعراق غارق الآن في حرب أهلية. والصراع بين إسرائيل والفلسطينيين زاد حدّة. والحرب في لبنان قد تركت نصف هذا البلد في دمار. وغضب وكراهية العرب والمسلمين تجاه الولايات المتحدة الأمريكية قد وصلت إلى ارتفاعات جديدة. الخطر في المستقبل على المنطقة سيأتي من إيران، لا من سوريا. أجل، قد تكون سوريا قد لعبت لعبة خطرة بدعمها استفزاز حزب الله الطائش لإسرائيل. لا أحد يقول بأن لسوريا الحق في معاملة خاصة، غير أن المنطق يقول بأن الخطر الإقليمي المتنامي يتطلّب على وجه السرعة إستراتيجية جديدة تجاه سوريا تراعي متطلبات واحتياجات دمشق الوطنية الخاصة وبذلك تبعد حكومة الأسد عن حكومة إيران بأجندتها المختلفة كليا. ستنهر مثل هذه الإستراتيجية سوريا عن الاستمرار بسياستها من ناحية، وفي نفس الوقت تعرض عليها حوافز مغرية لعزلها عن إيران. إن تهديد دمشق باستخدام القوّة لن يؤدي إلى رضوخها. لا بل عكس ذلك تماما، سيجبر بكلّ بساطة دمشق للبحث عن علاقات أوثق مع إيران. وهنا يكمن الخطر الأكبــــــــــــــــــــــــر.

 

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE