All Writings
مايو 8, 2012

ما العمل بمأساة سوريا المتفاقمة ؟

في الوقت الذي تستمرّ فيه المجزرة في سوريا، ترى القوى القادرة على اتخاذ إجراءات جديّة لوقفها مشغولة ً في البحث عن أعذار لتبرير تقصيرهم الجماعي. ويدفع أثناء ذلك الشعب السوري بدمه اليوم تلو الآخر في حين يختبىء المجتمع الدّولي بطريقة مخزية وراء خطّة مبعوث الأمم المتحدة كوفي عنان التي حُكم عليها بالفشل منذ اليوم الأول. ومنذ أن قبلت الحكومة السّوريّة الخطّة قُتل ما لا يقلّ عن ألف مواطن سوري وتمّ ترحيل الآلاف من ديارهم. وما زالت جامعة الدّول العربيّة والولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي وتركيا – اللذين بمقدورهم بشكل ٍ جماعيّ توقيف آلة القتل التي يديرها بشّار الأسد – يعلّقون آمالهم على خطّة قد حوّلها الأسد بدون عقاب إلى سخرية جديدة بالمجتمع الدّولي.

 قد يرغب كوفي عنان ولأسباب واضحة في الإعتقاد بأنّ خطّته ما زالت مجدية، ولكن هذا التفكير "الرّغبي" شبيه بمحاولة إعادة إحياء رجل ميّت أو أمل في حدوث معجزة. وإصراره على إعطاء الخطّة المزيد من الوقت لا يعمل سوى لصالح الأسد، وأثناء ذلك عدد الضحايا في ارتفاع ٍ متواصل، هذا في حين أنّ الخطّة أيضا ً تمنع اختبار خيارات أخرى أكثر احتمالا ً وجديّة، فجميع سيناريوهات خطّة عنان تؤدي إلى الفشل. وكما دلّت سابقا ً بعثة مراقبي الجامعة العربيّة عديمة الجدوى، يكرّر الأسد اللعبة التي تفوّق في ممارستها حتّى الآن وهي وقف العدوان ضدّ المتظاهرين السلميين عندما يكون المراقبون الدوليّون في الجوار واستئناف القتل حال مغادرتهم الموقع. وفي بلد ٍ مثل سوريا مساحتها 185 ألف كيلو متر مربّع ويسكنها 23 مليون مواطن يمكن الإبقاء بسهولة على هذا التكتيك حتّى ولو تضاعف عدد المراقبين لعشرة أضعاف ليصل إلى 300 مراقبا ً كما ترغب فرنسا.

تدرك زمرة الأسد في نفس الوقت وبشكل ٍ واضح قيود ونتائج تدخّل عسكريّ دوليّ. والأسد يعلم بأنّ الولايات المتحدة في خضمّ حملات الإنتخابات الرئاسيّة والإنتهاء توّا ً من حرب ٍ في العراق – وما زالت تخوض حربا ً أخرى في أفغانستان -  لن تخاطر بتدخّل عسكريّ في صراع ٍ دمويّ آخر في الشّرق الأوسط إلاّ إذا ارتكبت مجازر على نطاق ٍ واسع. ولهذا السبب يضبط نظام الأسد عدد القتلى اليومي، وهو عدد يتراوح ما بين 50 و 100 شخص حتّى لا يدع مجالا ً لتدخّل عسكريّ. أضف إلى ذلك، الأسد يفهم بأنه لا توجد دولة عربيّة واحدة لها ذراع عسكري طويل أو رغبة في التدخّل عسكريّا ً، حتّى مصر المنشغلة على أية حال بمشاكلها الخاصّة.  كما ويعلم الأسد بأنّ طبيعة المعارضة السوريّة المجزّأة تجعل من غير المحتمل للجامعة العربيّة والمجتمع الدولي أن يقوما بتسليح الثوّار خوفا ً من انقسام سوريا جغرافيّا ً ووقوعها في شرك صراع ٍ طائفي طويل الأمد تقوده القاعدة وقد ينتشر إلى لبنان وتركيا والأردن أو العراق. وللأسف، يبدو أنّ حسابات الأسد ناجحة حيث أنّه مستمرّ في تحدّي وخداع المجتمع الدولي بدون عقاب. وفي وسط كلّ هذه المذابح المتواصلة يستمرّ الأسد في الإنتخابات البرلمانيّة.

نظرا ً لجميع هذه الأسباب يجب البحث عن خيارات أخرى بشرط أن يتمّ تنفيذها بتوافق جميع الأطراف المعنيّة لكي يكون لها تأثير أكبر وأسرع. وهنا بمقدور العراق أن يكون قاعدة ً لتغيير ديناميكيّ وبالأخصّ لأنّ لبغداد مصلحة كبيرة في استقرار جارتها. ولو أخذنا أيضاً بعين الإعتبار تجمّع ظروف ٍ فريدة من نوعها لصالح العراق منها مثلا ً فترة رئاسته الحاليّة لمجلس الجامعة العربيّة والإحتفاظ بقدرة توفير مصادر ماديّة ضخمة واحتلال موقع جغرافي – استراتيجي فريد من نوعه ما بين سوريا وإيران، هذا إضافة ً إلى استضافة المباحثات القادمة حول برنامج إيران النووي ومل ْ الفراغ الذي تركته الزعامة المصريّة والعربيّة السعوديّة وقدرته على ممارسة نفوذ كبير على نظام الأسد أكثر من أيّ بلد ٍ عربيّ آخر، يستطيع العراق أن يلعب دورا ً محوريّا ً بالغ الأهميّة لنزع فتيل الأزمة في سوريا.

وأخيرا ً، على الدّول العربيّة أن تتذكّر بأنّ للعراق رغبة ً قويّة ً في العودة إلى الحظيرة العربيّة وقيامها باحتضانه. وبالفعل، ستتغلّب من أجل ذلك روح القوميّة العربيّة في العراق على تجزئته الطائفيّة وميوله الشيعيّة الحاليّة لإيران. ولهذه الأسباب، يجب تشجيع العراق للعب هذا الدّور الذي لا يستطيع أن يقوم به في الوقت الحاضر أيّ بلد ٍ عربيّ آخر. وعلى الدّول العربيّة أن تتذكّر بأنّه كلما كان اندماج العراق وعودته للحظيرة العربيّة أشمل وأسرع، كلّما زاد الإبتعاد بين العراق وسوريا من ناحية وإيران من الناحية الأخرى.

يستطيع العراق بصفته الآن رئيس الدورة الحاليّة لمجلس الجامعة العربيّة أن يدعو لاجتماع قمّة استثنائيّة ويقدّم حلاًّ يعرض على الأسد وزمرته رحيلا ً ولجوءا ً آمنين. وبقيامه بذلك سينظر الشّعب السّوري للعراق على أنّه دولة جوار ايجابيّة بدلا ً من صورته كبلد ٍ سمح للصراع الطائفي أن يستمرّ بكامل قوّته. وفي حالة موافقة الجامعة العربيّة على مثل هذه الخطّة، سيُعطى الأسد على الأقلّ فرصة مقبولة لإعادة النّظر في أعماله ومخطّطاته بالرّغم من أنّ ذلك قد لا يكون بصورة فوريّة. ولكن حتّى لو التزم الأسد بوقف إطلاق النار – وهو السيناريو المثالي البعيد الإحتمال -  وخلق الظروف المناسبة لإعادة قيام الإحتجاجات السلميّة، لن يكون هناك مخرجا ً لمحنته، فإطلاق النار على متظاهرين مسالمين الذي راح ضحيته أربعة طلبة في جامعة حلب يظهر بشدّة بأنّه لا نيّة لنظام الأسد للسماح بمظاهرات سلميّة على النحو الذي تنصّ عليه خطّة كوفي عنان. وبشّار الأسد وضبّاطه يدركون أنّه مهما كانت الإحتجاجات المستقبليّة سلميّة وخالية من العنف، لن يكفّ المحتجّون عن المطالبة بمحاسبة المسئولين عن آلاف السوريين الذين قتلتهم أو عذًبتهم قوّات الأسد. وإذا لم تأخذ العدالة مجراها سيكون هناك عمليّات قتل واغتيال للأخذ بالثأر. وهم يعلمون أيضا ً بأنّ الضغينة بينهم وبين الشعب قد تأصّلت وضربت جذورا ً في الأرض وأنّ عليهم لذلك القتال حتّى آخر رمق لأنهم يقاتلون للنجاة بحياتهم، الأمر الذي سيجعل يوما ً ما في المستقبل القريب رحيلهم بسلام خيارا ً جذّابا ً.

الأسد لن يرضى بهذا الخيار في المرحلة الراهنة إلاّ إذا احتشدت جميع الضغوط على نظامه. وبإمكان الولايات المتحدة أن تلعب دورا ً فعّالا ً في هذا المجال، غير أنها – رغما ً من إحباطها من خطة كوفي عنان وقيود الإنتخابات الرئاسيّة – تستبعد على الأرجح القيام بأي تدخّل عسكريّ مباشر. ومع ذلك، فالولايات المتحدة ما زالت مسئولة ً عن زيادة الضغط تدريجيّا ً باللجوء إلى عقوبات كاسحة فعلا ً وتشجيع الآخرين – وبالأخصّ الإتحاد الأوروبي والدّول العربيّة – للقيام بالمثل.  العقوبات الحاليّة، بما في ذلك فرض حظر السّفر للخارج على كبار المسئولين السوريين في الحكومة، مهمّة ولكنها ليست فعّالة بالقدر الذي يحدث تأثيرا ً فعليّا ً. ويجب – بدلا ً من ذلك – فرض عقوبات ماليّة على بشّار الأسد وحكومته والقادة العسكريين، فإضافة ً إلى مصرف سوريا المركزي، على الولايات المتحدة استهداف مصرف سوريا التجاري ومؤسسات ماليّة أخرى والإستمرار في نفس الوقت بتزويد المعارضة بأجهزة الإتصالات والدعم الإستخباراتي واللوجستي الضروري جدّا ً إضافة ً إلى المعدات الطبيّة والغير قتاليّة أخرى.

قد تغيّر روسيا والصّين – اللتان استخدمتا في وقت ٍ سابق حقّ النّقض لمنع تمرير قرارات مجلس الأمن الدّولي ضدّ سوريا -  مواقفهما الآن من النظام السّوري، فللرئيس الروسي المنتخب حديثا ً، فلاديمير بوتين، أسباب وجيهة لتغيير سياسة روسيا تجاه نظام بشّار الأسد. بفعل الإحباط من مناورات الأسد الخادعة والقلق المتنامي من موقف روسيا في أعين العالم العربي، مقرونا ً بطموحاته الشخصيّة للظهور أمام العالم كصانع سلام، قد ُيقدم بوتين على التضحية بالأسد ويحافظ في نفس الوقت على مصالح روسيا الإستراتيجيّة في سوريا. ولهذا السبب يجب على الولايات المتحدة الآن استكشاف هذه الإمكانيّة وفي نفس الوقت تشجيع المجلس الوطني السّوري على التوصّل لمذكرة تفاهم مع موسكو تُحترم بموجبها مصالح روسيا الإستراتيجيّة في "سوريا الجديدة" وبالأخصّ القاعدة البحريّة الروسيّة في ميناء طرطوس السوري المطلّ على البحر الأبيض المتوسّط. وبالمقابل، قد تقوم روسيا بتأييد قرار ٍ جديد يصدر عن مجلس الأمن الدولي يدين نظام بشّار الأسد ويطالب برحيله عن سوريا. أما الصّين – التي كما يبدو قد تخلّت عن موقفها المؤيّد لنظام الأسد بدعوة الحكومة السوريّة للإستجابة لخطّة كوفي عنان ومعبّرة عن قلقها الشديد من استمرار العنف والصراع -  قد تحذو هي الأخرى حذو روسيا.

في حالة فشل جميع هذه المحاولات يصبح اللجوء لحلّ بنغازي – كما حدث في ليبيا – أمرا ً لا بدّ منه. وما هو مهمّ في هذا السيّاق هي فكرة استقطاع جزء مُعتبر من الأراضي السوريّة على طول الحدود التركيّة لكي يخدم كملجأ آمن للآجئين وقاعدة ً للمنشقين العسكريين لإعادة تنظيم أنفسهم والقيام بعمليّات عسكريّة ضدّ قوات بشّار الأسد. ولتركيا بهذا الخصوص دور ٌ مركزي، فأنقرة قلقة لأبعد الحدود من الأوضاع المتردّية في سوريا. وقد تصل تركيا – بالدعم المعنوي والقانوني من الجامعة العربيّة والدّعم اللوجستي من طرف الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة -  إلى قرار ٍ مفاده أنّ هذا الخيار الأخير قد ينتج عنه مخاطر أقلّ بكثير من السّماح للوضع الحالي بالتفاقم إلى حالة ٍ من الفوضى والفلتان الأمني التي يتعذّر السيطرة عليها. والهدف هو فرض منطقة حظر جوّي فوق شمال سوريا على حدود تركيا. هذا مع الأخذ بعين الإعتبار عدم توجيه ضربات جويّة ضدّ أهداف سوريّة إلاّ إذا قامت القوات الجويّة السوريّة بتهديد منطقة " سوريا الحرّة" المحميّة. ويقيم المجلس الوطني السّوري قاعدته في هذه المنطقة مع إنشاء سلطة حاكمة جديدة ومعدّا ً نفسه لاستلام حكومة انتقاليّة.

ليس هناك حلاًّ سهلا ً للمعضلة السوريّة، وقد أصبحت خطّة كوفي عنان الآن عائقا ً بدلا ً من أن تكون خطّة تقدّم حلاًّ للصراع القائم. والتقصير في سبر ومعالجة هذه الخيارات فورا ً سيؤدي بالتأكيد إلى نشوب حرب ٍ أهليّة على نطاق ٍ واسع تاركة ً وراءها سيولا ً من الدماء بينما يستمرّ المجتمع الدولي في اختبائه بصورة مخزية وراء خطّة كوفي عنان التي كانت جثّة هامدة عند وصولها.    

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE