All Writings
يوليو 18, 2011

التصلّب في الوضع الراهن بين إسرائيل وحماس

 

          بقلم: : أ.د. ألون بن مئيـــــــــــــــــــر

أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية

بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط

بمعهد السياسة الدوليـــــــــــــــــة

 

            يبدو أن مواقف إسرائيل وحماس في الوقت الحاضر محكوم عليها بالجمود الأبدي. فحماس من ناحية قد تشجعت بفضل موجة الانتباه الدولي للوضع في غزة بالرّغم من تحسّن الأوضاع بعد تخفيف حصار إسرائيل عليها بعد حادثة الأسطول الأول وقيام مصر بفتح معبر رفح. وقد ساعدت مفاوضات الوحدة ما بين فتح وحماس – على الرّغم من أنها ما زالت جارية حتى الآن وتواجه خطر الانهيار – إلى تحويل نظرة المجتمع الدولي لحماس من منظمة إرهابية إلى حزب سياسي شرعي، هذا مع إمساك حماس عن ممارسة العنف ضد إسرائيل في الآونة الأخيرة. ولكن على أية حال بدون نبذ صريح للإرهاب والاعتراف أنه لا يمكن تدمير إسرائيل سيبقى نمو حماس بالنسبة للشعب الفلسطيني كقوة سياسيّة محدوداً وحماس نفسها معرّضة بدرجة عالية للفشل. وبالمقابل، بدون اعتراف إسرائيل بأن الأمن الدائم غير محتمل إلاّ إذا أُدمجت حماس في العملية السلمية ستبقى الجهود للتقدم بحلّ الدولتين بدون ثمار. والتّغلب على هذه العقبات بحاجة إلى تفكير جديد لإيجاد صيغة تسمح لكل طرف بالحفاظ على ماء وجهه في تغيير مواقفه للتحرك قدماً في عملية سياسية.

 

          لقد تقوّت حماس بفضل المجتمع الدولي الذي أخذ بصورة متزايدة يطرح عنه فكرة أنّها منظمة إرهابية ويدرك بأنه يجب إدخال حماس بالرّغم من ذلك كله في عملية سياسية إذا كتب النجاح لجهود التوصل إلى سلام وأمن في المنطقة. والمحاولة الأخيرة لتقديم المساعدة لغزة عن طريق أسطولٍ ثان ٍ يبحر لكسر الحصار (وفي حالة فشل هذا الأسطول البحري عن طريق أسطول جوي) لم تكن حول تقديم المساعدة بحد ذاتها بل بالأحرى لإظهار التضامن مع الشعب في غزة. وبالرّغم من إخفاقه لوصول غزة، يكفي فقط لفت أنظار العالم إلى نشطاء  

 

 

حقوق الإنسان الذي يعتبر نصراً بحد ذاته للصورة التي تعرضها حماس عن الشعب في غزة على أنه ضحية القمع الإسرائيلي الوحشي. لقد قفز اقتصاد غزة بنسبة 16% في نهاية عام 2010 بعد أن قامت إسرائيل بتخفيف حصارها الصيف الماضي، ولكن حوالي 70% من الشعب ما زال يعتمد على المعونات الخارجيّة وحوالي نصف القوى العاملة ما زالت عاطلة عن العمل. التركيز اليوم على غزة هو على الوضع الاقتصادي وليس على رفض حماس حق إسرائيل في الوجود أو رفضها إخلاء سراح الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط.

 

          ومما زاد مو قوة حماس في الأشهر الماضية هي مفاوضات الوحدة الفلسطينية المستمرّة التي دخلتها حماس بدون أن تتخلّى عن أي من مواقفها المعلنة لمعارضة السلام مع دولة إسرائيل. لقد قال زعيم حماس، خالد مشعل، في الماضي للصحفيين بأنه قد يرغب في قبول صيغة حلّ الدولتين على طول حدود عام 1967 ولكن بدون العمل على تنفيذه للوصول إلى حلّ الصراع. وفي الأثناء قام أعضاء حماس بتشويه سمعة الجهود الدولية الرامية للحصول على اعتراف للدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة وبقوا معارضين وبشراسة لوجود إسرائيل. لقد مكّنت هذه المواقف المتناقضة حماس من الإلتفاف حول الدوائر الدولية بإيحائها أنه من الممكن أن تكون شريكاً للسلام حتّى بدون تبني موقف موحّد وواضح أو التخفيف من حدّة تشدّدها "كحركة مقاومة" ضد إسرائيل. وهذا الموقف الغامض لحماس يجبر إسرائيل – كما هو الحال أيضاً بالنسبة لشريكها في السلاح حزب الله – أن تصرف على دفاعها ميزانية لا تنسجم مع اقتصادها وذلك للإبقاء على حالة الاستعداد.

 

          قد تصل مكاسب حماس الأخيرة – على أية حال – ذروتها. أولاً، اتفاقية الوحدة بين فتح وحماس هي الآن في خطر بسبب رفض حماس بقاء سلام فياض كرئيس للوزراء ورفض تبني حكومة تكنوقراطية تكون مقبولة للجهات المانحة الغربية. فلقد بيّن استطلاع حديث للمركز الفلسطيني للسياسة والبحث المسحي بأن 61% من الفلسطينيين يريدون " أن تتّبع حكومة المصالحة الجديدة سياسات السلام والأجندات التي يضعها الرئيس محمود عباس

 

 

ومنظمة التحرير الفلسطينية، لا حماس. ويبيّن استطلاع آخر أجراه نفس المركز بأن 45% من الشعب الفلسطيني يؤيد بقاء سلام فياض رئيساً للوزراء مقابل 22% فقط يؤيدون مرشح حماس، جمال خضري. وحيث أنّ حوالي 60% من الشعب الفلسطيني يتوقّع لإتفاقية الوحدة أن تنجح، فإن حماس تخاطر بأن تُلام إذا فشلت.

 

          زد على ذلك، فإن استخفاف حماس بالجهود الرامية إلى كسب إعلانٍ من جانبٍ واحد للدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة لا يتوافق مع الرأي العام الفلسطيني. لقد وصف إسماعيل هنية خطة إعلان الدولة "بسرابٍ لا أكثر"، بالرّغم من أن 65% من الشعب الفلسطيني يؤيّد هذه الخطوة. وحيث أنه كان يُنظر في البداية لمفاوضات الوحدة كآلية لتحسين فرص التحرك الدولي، فقد بدأ الفلسطينيون يدركون بصورة متزايدة بأن حماس قد تضع الجهد الدولي – والمساعدات الدولية المستقبلية – في خطر محدق. وأخيراً فقد أضعفت الثورة الشعبية في سوريا حماس بالضغط على نصيرها وحاميها بشار الأسد في قتاله اليائس للإبقاء على حكمه، وهو الذي كان يوفر وبصورة مستمرة وثابتة الدعم السياسي واللوجستي للمنظمة واللجوء لزعمائها.

 

          والأهم من ذلك بكثير هو أنّ نمو حماس عالق بين حقيقتين. الحقيقة الأولى أنه من المستحيل في أي حالٍ من الأحوال تدمير إسرائيل. والأكثر من ذلك فإن حماس تدرك أنه في حالة دخولها في حملة إرهاب ضد إسرائيل مشكّلة تهديداً جدّياً عليها، لن تتردّد إسرائيل في الرد على مثل هذه الحملة باغتيال قيادتها بالكامل في محاولةٍ للقضاء على بنية الحركة، وذلك بغض النظر عمّا سيثير ذلك من استنكار دولي. أضف إلى ذلك، فما دامت حماس ترتدي ثوب "مجموعة إرهاب" بمنظور العالم الغربي ستبقى قدرتها على تشكيل مستقبل فلسطين معاقةً. الحقيقة الثانية هي أنّ حماس تدرك أيضاً بأنه لا يمكن تدميرها. وبالفعل، فبالرغم من تقلّص التأييد الشعبي لحماس بصورة متواصلة خلال السنوات الأخيرة الماضية وقد لا تحصل الآن على أكثر من 25% من الأصوات في حالة انعقاد الانتخابات اليوم، غير أنها تبقى حركة

 

 

شعبية قوية. حماس وإيديولوجيتها في "المقاومة" ستستمر قائمة كقوّة فعّالة في الجسم السياسي الفلسطيني أكان ذلك عن طريق حكومة وحدة وطنية أو من خلال انتخابات حرّة ونزيهة. والسؤال الذي يواجه حماس اليوم هو كيف توافق ما بين هاتين الحقيقتين المتناقضتين: استمرار المنظمة من ناحية ولكن استحالة تحقيق هدفها النهائي وهو تدمير إسرائيل من ناحية أخرى.

 

          وإسرائيل هي الأخرى تواجه سؤالا ً مماثلا ً بخصوص حماس. ففي حين أنّ الحكومات الإسرائيليّة السابقة والحالية تدرك أنّ بإمكانها مسح قيادة حماس من الوجود، ولكنها لا تستطيع تدمير إيديولوجيتها. وما دامت حماس باقية خارج إطار العملية السياسية بإمكانها أن تفسد أية جهود أو محاولات إسرائيلية للتقدم بالمفاوضات مع منافستها فتح. لقد نجحت إسرائيل بفضل ما تمتلكه من قوّة ردع هائلة في احتواء نشاط حماس المسلّح، بما في ذلك الهجمات الصاروخية، ولكنها مقيّدة على الأقل جزئياً بالسلوك الدولي إثر فرضها الحصار على قطاع غزة الذي بدوره ساعد على تقوية موقف حماس في الساحة الدولية.

 

          ونتيجة هذه السياسة التي تشلّ حركة كلا الطرفين هي الوضع الراهن المتصلّد. كل طرف يبقى متنبهاً ومتخوفاً من الخطوات التي يقوم بها الطرف الآخر، ولكنه غير قادر على التخلص من خصمه ببساطة. وفي نفس الوقت لا إسرائيل ولا حماس مستعدة للاعتراف علناً بهذه الحقيقة وتعديل سياساتهما تبعاً لذلك. ولذا، فبدلاً من وضع سياساتهما وخبراتهما التاريخية والشعبية في إطارٍ جديد، يحاول كل منهما "تجنب الغرق" بالحفاظ على هذه المواقف المتناقضة. والمطلوب هو طريقة للخروج من هذا المأزق تحفظ ماء وجه الطرفين. لن يجلب الوضع الراهن لا السلام ولا الأمن. فإذا أرادت إسرائيل السلام مع الفلسطينيين على أساس حلّ الدولتين، الآن أم في المستقبل، لا تستطيع بكل بساطة صنع سلام مع نصف الفلسطينيين فقط وترك النصف الآخر في غزة خارج المعادلة. وحتى إن تمكنت السلطة الفلسطينية من كسب اعتراف الدولة بدون اتفاقية الوحدة، دولة فلسطينية منقسمة على نفسها لن تكون بديلاً قابلاً للحياة. وفي حالة التوصل إبّان ذلك إلى حكومة وحدة وطنية،

 

 

سيكون للولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية مبرراً لمعارضة المبادرة الدولية على أساس أنّ حماس لم تنفذ الشروط الثلاثة للرباعية الدولية وهي: نبذ العنف، الاعتراف بإسرائيل وقبول الاتفاقيات السابقة المبرمة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل.

 

          ونتيجة لذلك يبدو على السطح الوضع الراهن ما بين إسرائيل وحماس مستقرّاً على مدى المستقبل المنظور، غير أنّ التوقعات العالية الناتجة عن الذهاب إلى الجمعية العمومية وثورات الربيع العربي وتقلّص تهميش حماس دولياً قد تؤدي جميعها إلى تحطم هذا الوضع الراهن بحلول شهر أكتوبر القادم. فإذا خسرت حماس أية إمكانية لأن تصبح لاعباً في تشكيل القضية الوطنية الفلسطينية، فإنه من المحتمل أن تفسد العملية للحفاظ على دورها في اللعبة. وهذا هو السبب الذي يدعو إلى تفكير جديد لخلق معادلة تحفظ ماء وجه الطرفين وتمكّن كل طرف من تعديل مواقفه.

 

          وبهذا الخصوص، قد تخدم مبادرة السلام العربية كأساس لمثل هذه المعادلة أو الصيغة. قد تمكّن المبادرة حماس من تليين موقفها حول العملية السياسية مع إسرائيل بالانضمام إلى الموقف المعلن لجامعة الدول العربية ولكن بدون أن تتخلى عن معارضتها للشروط الثلاثة التي حدّدتها الرباعية الدولية. وبالمقابل، يجب أن يٌحث الشعب الإسرائيلي بالرّغم من معارضة حكومة نتنياهو على قبول مركزية، لا بل في الواقع حتمية، مبادرة السلام العربية من حيث المبدأ كأساس للمفاوضات المتجددة مع كل ما يدعمها كإطار للمفاوضات. قد تستطيع إسرائيل فعل ذلك مع تحفظاتها بأن بعض جوانب المبادرة، مثل الحل النهائي لقضية اللاجئين الفلسطينيين والحدود الآمنة، يجب التفاوض عليها كما كان الأمر في الماضي. والقيام بذلك قد يوفر لإسرائيل في الواقع صيغة أو معادلة أكثر شمولاً للمفاوضات من صيغة الأمن والحدود أولاً التي طرحها الرئيس أوباما. وقبول كلا الطرفين مبادرة السلام العربية سيشكّل تغييراً جذرياً في اللعبة السياسية يغذي الحركة الفلسطينية بالحياة من

 

 

ناحية ويمثّل من الناحية الأخرى مبادرة إسرائيلية يدعو الكثيرون لها. وخلق مثل هذا التغيير في اللعبة السياسية لن يحتاج فقط لقيادة سياسية ناضجة من طرف حماس وإسرائيل، بل أيضاً لضغط خارجي وتشجيع في آنٍ واحد.

 

          على الولايات المتحدة بمساندة الاتحاد الأوروبي أن تضغط على إسرائيل لتبني هذه المعادلة أو الصيغة. ومع الأخذ بعين الاعتبار أنه من غير المحتمل أن تقوم حكومة نتنياهو بأي تقدم تجاه حلّ الدولتين، يجب على هذه الجهود أن تبدأ الآن استعداداً للانتخابات الإسرائيلية القادمة المزمع عقدها في أواخر العام القادم 2012. وللتأكيد، فإن توعية المجتمع الإسرائيلي حول الأهمية البالغة لمبادرة السلام العربية والمأزق الخطر الذي خلقته حكومة نتنياهو قد تولّد نقاشاً حيوياً في إسرائيل حول الحاجة الماسة لتغيير في الاتجاه السياسي.

 

          وبنفس الوتيرة، على الدول العربية وبالأخصّ مصر والمملكة العربية السعودية (مصر لقربها ومركزيتها في القضايا العربية والأمنية، والمملكة العربية السعودية لكونها راعية الإسلام السنّي) أن تضغط على حماس للقيام بالمثل. فبالنظر إلى وضع حماس الذي يزداد خطورة في صحوة ما يحدث داخل وخارج المنظمة على مستوى إقليمي، فإنّ قيادة حماس تبحث بلا شك هي الأخرى عن طريق يحفظ ماء الوجه للخروج من هذا المأزق، وقد تضع مبادرة السلام العربية حماس على هذه الطريق بالذات، ليس لأنّها ستسمح للمنظمة للانضمام إلى الحظيرة العربي' ولكن أيضاً بسبب موقفها المتغيّر نحو حلّ صراعها مع إسرائيل الذي أصبح الآن أكثر قرباً للمبادرة. وكما أشرت في مقالات سابقة، قد تلعب تركيا أيضاً دوراً مهماً في إقناع حماس القيام بهذه الخطوة في هذه الفترة الحاسمة بالذات.

 

          إسرائيل وحماس تلعبان لعبة شطرنج منذ حرب غزة، وكل طرف منهما يحرز مكاسب هامشية فقط ويخسر قطعاً مهمّة للطرف الآخر. لقد توصّلا في الوقت الحاضر إلى طريقٍ

 

 

مسدود للعبة ولا يستطيع أي من الطرفين أن يهزم الآخر بحركة تميت شاه الخصم. لقد أظهرت حرب غزة بوضوح بأنّ إسرائيل لا تستطيع تدمير حماس، كما أظهرت تماماً بأن لعمليات حماس الإرهابية عواقب وخيمة على الشعب الفلسطيني. وفي حين يبدو موقفهما ظاهرياً ثابتاً، إلاّ أنّه ليس كذلك. وللبدء في انفراج بين الطرفين يحتاج الأمر إلى إيجاد قاسم مشترك يمكن استخدامه كمقاس أو عيار لحفظ ماء الوجه لتكييف ا

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE