All Writings
أكتوبر 11, 2006

أزمة القيادة الفلسطينية

بقلم: أ.د. ألون بن مئيـــــر
أستاذ العلاقات الدولية بمركز الشئون الدولية بجامعة نيويورك
ويلقي محاضرات حول المفاوضات الدولية ودراسات الشرق الأوسط

إن إخفاق فتح وحماس في الوصول إلى اتفاقية حول حكومة وحدة وطنية تعترف بإسرائيل وتبدأ بمعالجة الاحتياجات الملحة للشعب الفلسطيني ليس سوى حلقة من سلسلة طويلة من الإخفاقات التي أصبحت تميز الوضع الفلسطيني الراهن. لقد سمح الفلسطينيون لمدة تقارب الستين عاما لقادتهم وقادة الدول العربية أن تستغلهم وتسيء معاملتهم لدرجة أصبحوا فيها وجها لوجه مع الهاوية. يجب على الشعب الفلسطيني أن ينهض ويقول "كفاية لما وصلنا إليه"! كم ستمرّ على الشعب الفلسطيني من عقود أخرى من المعاناة وحياة البؤس والشقاء قبل أن يواجه ما يسمى زعماؤهم الحقيقة المّرة وجها لوجه ويفعلوا أخيرا شيئا لإنهاء المعاناة والبؤس.

لقد تمكنت حماس كمنظمة من توفير الخدمات الاجتماعية, بما في ذلك الرعاية الصحية والتعليم ومشاريع داعمة للمجتمع وفرص عمل. ولكن كحكومة يأخذ قادتها لأنفسهم حق حكم البلاد في الوقت الذي يرفضون بعناد قبول الشروط التي تجعل الحكم ممكنا, خصوصا النقاط الدولية الرئيسية الثلاث وهي الاعتراف بإسرائيل وقبول الاتفاقيات السابقة ونبذ العنف. وبجرأة لا تعرف الخجل استمرت حماس في تحدي الغرب والدول العربية وإنكار حق إسرائيل في الوجود ثم تلتفت حولها وتطلب من الغرب استمرار الدعم والتعامل معها كحكومة عادية. لقد صّوتت أغلبية الفلسطينيين لحماس لأن الحركة كانت تتمتع بسمعة حسنة من حيث الأمانة والاهتمام بالشعب الفلسطيني والتزامها برفاهيته وخيره وليس لأن قادة حماس جعلوا من تدمير إسرائيل قضية مركزية . ولكن زعماء حماس بأفعالهم وغطرستهم وفشلهم المأساوي لإيقاف العنف ضد إسرائيل شجعوا المتطرفين الإسرائيليين الذين يعارضون أية تنازلات إقليمية أخرى لحكومة فلسطينية تنادي علناً بتدمير إسرائيل. لقد خيب رئيس الوزراء إسماعيل هنية – الذي كان ينسب إليه الاعتدال والبرغماتية – أكثر من أي زعيم آخر لحركة حماس آمال شعبه. وبتبديده انتداب شعبه له في أن يحكم البلاد, عليه الآن أن يرحل.

ومنذ رفض الشعب لهم في انتخابات المجلس التشريعي الأخيرة التي جرت في شهر كانون ثاني (يناير) بسبب فسادهم المتفشي والافتقار إلى قيادة حازمة. فقد ألقي بفتح وبرأسها السيد محمود عباس في الإهمال السياسي. فمع فقد المصداقية وعدم توفّر النظام بين قوات الأمن التابعة لها ووجود خزينة خاوية حاولت فتح أولا أن تركز على تقويض حماس, والنتيجة كانت تصاعد الأوضاع

الفوضوية الحالية وزيادة الفلتان الأمني. ولفشله في الإطاحة بحماس حاول السيد عباس بعد ذلك استعمال وثيقة الأسرى التي تدعو إلى اعتراف ضمني بإسرائيل لإجبار منافسيه على فعل ذلك وفي نفس الوقت هدّد بإجراء استفتاء شعبي. غير أن اختطاف الجندي الإسرائيلي شاليت وارتفاع نسبة أعمال العنف التي نشأت عن ذلك الاختطاف قد نسفت هذا المجهود. ولكن بصرف النظر عن مدى حسن نواياه وعن اعتدال آرائه والتزامه بفكرة حل الدولتين, فإن السيد محمود عباس ينقصه للأسف الشديد الحزم والجرأة والقدرة على الإلهام والقيادة. وعلى الرغم من درايته تماماً بأن العنف كان مصدر كل المصائب, فإنه لم يتمكن حتى من منع كتائب شهداء الأقصى ــ التي تشكل فصيلاً مسلحا تابعا لفتح ــ من وقف عملياتها ضد إسرائيل. وبالمقابل يأتي الرد الإسرائيلي على ذلك بدمار على المجتمع الفلسطيني. إن تعزيز سلطة السيد محمود عباس عن طريق التنازلات الإسرائيلية أو المساعدة الغربية لن يحوّلّه إلى ما هو عاجز عنه. إنه يفتقر بكل بساطة إلى ميزات القيادة الضرورية في هذه اللحظة الحاسمة من تاريخ الشعب الفلسطيني. لقد فوّت عليه الكثير من الفرص لاتخاذ الإجراءات اللازمة وإظهار القدرة على القيادة, غير أنه قد فعل الشيء القليل جداً قبل صعود حماس للسلطة وحتى أقل من ذلك بعدها. ولذا ترى اليوم فتح وحماس وقد أمسك كل منهما بخناق الآخر. إنهما لم يتفقا أبداً في الماضي سياسياً وأيديولوجياً وليس هناك احتمال على أنهما سيفعلان ذلك مستقبلاً. لقد وصلت المزاحمة بينهما إلى نقطة الغليان أكثر من أي وقت مضى, لا بل إنها تتصاعد كما تبيّن لنا من الصدامات الدموية وتزايد الإصابات بين الطرفين. ويواجه الشعب الفلسطيني إبان ذلك أزمة اجتماعية واقتصادية بأبعاد لا يمكن التنبؤ بها. لقد تجاوز السيد محمود عباس المرحلة التي جاء من أجلها وعليه هو الآخر أن يرحل الآن.

من حق الفلسطينيين أن يلوموا العالم كله على مصيبتهم, ولكن اللوم الحقيقي يقع أضعاف ذلك على قادتهم, ماضيا وحاضرا, الذين بخيانتهم لرسالتهم الحقيقية في أن يكونوا خدّام شعبهم قد قادوهم للتهلكة. على السيد عباس والسيد هنية أن يفعلا الآن الشيء الوحيد اللائق وهو الاستقالة من مناصبهما والدعوة لانتخابات جديدة والسماح لقادة جدد أن يكونوا في الطليعة. وعلى الفلسطينيين الآن اتخاذ قرار واضح بين فتح وحماس والتوصل إلى اتفاق وطني. عليهم أن يقرروا عما إذا كانوا يريدون العيش بسلام في دولة مستقلة جنباً إلى جنب مع إسرائيل ويبدءون بإعادة بناء حياتهم المشتتة ومجتمعهم المدمّر أو الاستمرار في اللهاث وراء الهدف الخادع والمدمر في النهاية لصاحبه وهو تحرير كل شبر من فلسطين.

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE