All Writings
يونيو 11, 2012

خطاب رئيس الوزراء

نتيجة مشاركتي الفعّالة في الصراع العربي – الإسرائيلي ودفاعي عن السّلام وكوني محاورا ً ومراقبا ً بكل اهتمام ومعلّقا ً لجزء ٍ كبير من حياتي، أقوم بين الحين والآخر بتصوّر نتائج سلام ٍ عربي – إسرائيلي ليس فقط على الساحة الإقليميّة، بل وعلى الساحة العالميّة أيضا ً. وأسمح لنفسي أن أحلم ما يبدو حلما ً مستحيلا ً لأنني أومن بديناميّة وثروة الموارد والإبداع الإنساني التي يتمتّع بها بوفرة وسخاء الشعبان الإسرائيلي والفلسطيني. سيؤدي السّلام ما بين إسرائيل والعالم العربي بأكمله إلى حقبة ٍ من النهضة والإنتعاش في الشرق الأوسط لم تسجّلها حتّى الآن صفحات التاريخ.

عندما أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو توسّع حكومته الإئتلافيّة لتشمل حزب كاديما (التقدّم)، الأمر الذي منحه أغلبيّة تاريخيّة في البرلمان الإسرائيلي، وجدت نفسي مرّة أخرى أتخيّل رؤية وآفاق مثل هذا السّلام الشامل. وبصدق، إذا كانت حكومة ائتلافيّة تمثّل ثلاثة أرباع الناخبين الإسرائيليين لا تستطيع حشد الإرادة والشجاعة لصنع السّلام، فمن يا ترى يستطيع فعل ذلك وتحت أيّة ظروف ؟ يجب على القادة الإسرائيليين والفلسطينيين، بصرف النظر عن توجهاتهم السياسيّة، أن يواجهوا اليوم قبل الغد وتحت أيّة ظروف حتميّة التعايش السلمي. وعلى إسرائيل بشكل ٍ خاصّ – التي تقف الآن في موقف دفاعي لاستمرار الإحتلال وتوسيع المستوطنات – أن تعمل جاهدة ً لإنهاء عزلتها المتزايدة.

هناك من يجادل – وهو أمر مفهوم – بأنّ الوقت الحالي ليس الوقت المناسب لإسرائيل لمدّ يدها للعالم العربي في حين يخوض الإسلاميّون حروبا ً كلاميّة ضارية ضدّ إسرائيل ويحضّرون حتّى لمواجهات مسلّحة معها. وحتّى ولو كان الأمر كذلك، فهل هناك وقت أفضل لنزع فتيل التوتّر وحلّ الصّراع مع الفلسطينيين الذي يبقى لبّ العداء العربي لإسرائيل ؟  فإذا كانت إسرائيل من تجارب سابقة لا تثق بالفلسطينيين، فلماذا لا تحوّل المسئوليّة عليهم وتضع الكرة في ملعبهم ليبرهنوا للمجتمع الدولي بأكمله صدق نواياهم وأين يقفون فعلا ً ؟ يجب على رئيس الوزراء الإسرائيلي أن يمدّ يده للعالم بأكمله، وبشكل ٍ خاصّ العالم العربي والإسلامي، والبدء في حوار ٍ بنّاء مع الفلسطينيين. يجب عليه أن يعرض رؤية مستقبليّة من منطلق القوّة والإيمان، وهذا سيكون له صدى ً في كلّ زاوية ٍ من هذا العالم.

ليست لديّ أوهام بأن بمقدور نتنياهو أو أيّ زعيم سياسي معاصر في إسرائيل توجيه مثل هذا الخطاب. أجل، سيكون صداه كالخيال وقد يبقى دون تحقيق دربا ً من عالم الخيال. ولكن قف وفكّر لحظة ! فليس من المحتمل أن يتغيّر الإطار العامّ للسلام بشكل جذري بين ليلة ٍ وضحاها، ولذا فالسؤال هو: هل ستحسّن إسرائيل موقفها مع مرور الأشهر والسنين، أم سيصبح ذلك الوقت أسوأ عدو ّ لها ؟  الحقائق الملحّة بالنسبة لإسرائيل التي لا سبيل لتجاهلها وكذلك الخيارات واضحة: على إسرائيل الآن أخذ زمام المبادرة والإختيار بحكمة. أجل، بإمكان إسرائيل أن تصبح "نورا ً يضيء على أمم ٍ أخرى" ما دامت تسير على أرض ٍ صلبة من الأخلاق والمعنويّات العالية بثقة ٍ وتصميم.

ولذا تراني أتخيّل خطابا ً رائعا ً من وحي الأحلام يلقيه نتنياهو أو خليفته أمام العالم حول الأفق السياسي الجديد لإسرائيل على درب تحقيق السّلام الذي لن تُقارن نتائجه – كما أعتقد – بأي تطوّر في تاريخ إسرائيل عدا ميلاد الدولة نفسها.

والآن يتكلّم رئيس وزراء إسرائيل:

"أقف أمامكم اليوم بكلّ فخر ٍ وتواضع، مواطنو إسرائيل، مواطنو العالم، أصدقاء وأعداء على حدّ ٍ سواء.

في هذه الساعة المفعمة بالزّخم في منطقتنا، في وقت ٍ تجتاح الثورات فيه بلداً تلو الآخر، ويموت الشباب والشابات من أجل الحريّة ويُذبح الأطفال على مذبح الطغيان والإستبداد، وفي وقت ٍ يُطاح فيه بالطغاة ويستغلّ الدّين لاقتراف الأعمال الشائنة، وفي وقت ٍ ما زال فيه التطرّف في صعود متواصل ويناضل فيه الإصلاحيّون للبقاء أحياء.

ولكن عندما تظهر فرص جديدة في الأفق يجب علينا أن نكون أهلا ً لها. الآن هو الوقت لكي نصحّح طرقنا. إنها الساعة لكي نصلح أخطاءنا واللحظة التي يجب أن نقول فيها: كفاية هي الكفاية !

كفاية للكرب والألم، كفاية للترحيل والإرهاب، كفاية لسفك الدّماء والمعاناة، كفاية لإلقاء اللوم على الآخر وللإلتهامات المضادّة، وكفاية للعنف والإرهاب الذي لا نهاية له.

علينا تغيير المسار.  وعلينا أن نبدأ الآن !

أوّلا ً، أريد أن نمدّ يدينا للشعب الفلسطيني.

إننا نتقاسم نفس الأرض، وعلينا الآن أن نتقاسم نفس المصير. أربعة وستّون عاما ً من العداء والإزدراء يجب أن تنتهي الآن. يجب أن نضع الآن نهاية للعنف الجائر الذي لا يرحم، أن نضع نهاية للكراهيّة والإرتياب، نهاية للترحيل والتمييز، نهاية للإحتجاز والإحتلال.

نحن نعيش جنبا ً إلى جنب، وسنستمرّ في ذلك. وعلينا الآن أن نقرّر نوعية تعايشنا. هل نريد الإستمرار في الحقد والتآمر والإرتياب والقتل، أم نريد أن نزدهر وننتعش سويّا ً ؟

حلّ الدولتين ليس حلا ً من خيارات عديدة، إنّه الخيار الوحيد القابل للحياة والذي سيحافظ على هوياتنا الوطنيّة.

علينا تجنّب فكّ الإرتباطات من جانب ٍ واحد وعلينا أن نكون مستعديّن للتفاوض على حلّ عادل، حلّ يتجاوب مع طموحات الشعبين، الإسرائيلي والفلسطيني على حدّ سواء: دولة يهوديّة ودولة فلسطينيّة تعيشان جنبا ً إلى جنب بسلام ٍ ووئام.

ليس لدينا شروطاً مسبقة ولا اشتراطات أخرى بل نبذ العنف بشكل ٍ دائم واعتراف ٍ لا رجعة فيه بحقنا في دولة ٍ لنا من قبل جميع الفصائل السياسيّة الفلسطينيّة التي تسعى إلى قيادة دولة فلسطينيّة.

سنبدأ بوقف جميع النشاطات الإستيطانيّة، بإطلاق سراح معظم الأسرى الفلسطينيين كايماءة حسن النيّة. وبالنظر إلى المفاوضات السابقة والإتفاقيّات المتبادلة بيننا فقد توقفنا عند حلّ العديد من قضايا الصراع الرئيسيّة بيننا. سنكون مستعديّن للشروع فورا ً في مفاوضات ٍ جديدة: بدءاً بالخلاف حول الحدود عن طريق مبدأ مبادلة الأراضي، وايجاد حلّ عادل للآجئين الفلسطينيين بدعم ٍ من المجتمع الدولي وذلك بإعادة توطينهم في أراضي دولتهم، في الضفة الغربيّة وقطاع غزّة  أو عن طريق إعادة تأهيل وتعويض من يرغب منهم البقاء في مكان إقامته الحالي.

دعونا نضع إطارا ً صلبا ً لترتيبات أمنية وطنيّة لجميع أفراد شعبينا وذلك لضمان السلام للأجيال القادمة. وأهمّ شيء: سنجعل من القدس رمزا ً للتعايش السلمي لشعبينا، عاصمة ً لحلّ الدولتين، والعالم الصغير للسّلام بين شعبينا.

أجل، كانت قضايا الخلاف هذه عسيرة الحلّ في الماضي، وجعلناها أكثر عسرا ً بانحيازاتنا ونزعاتنا ومفاهيمنا الإنتقائيّة المختلفة. أجل، مفاهيم غذّتها تجارب وخبرات تاريخيّة مرّة وأقرّها الإيمان العميق حول الأخطاء التي ارتكبها الطرف الآخر، حابسا ً بذلك الطرفين في مواقف جامدة غير متحرّكة.  وماذا كانت النتيجة ؟  كانت تنكّرا ً متبادلا ً ونزعا ً لشرعيّة حقوق الطرف الآخر.  ولكننا الآن، وقد أخذنا على أنفسنا إنهاء الصراع، علينا أن نبدأ بتخفيف التأثير السيكولوجي / النفسي لكلّ قضيّة خلاف. وبدلا ً من تصعيد خلافاتنا علنا ً والتأكيد على ما مضى من أعمال الظلم والخطأ التي اقترفها الطرف الآخر، علينا الآن أن نغيّر رواياتنا الشعبيّة عن بعضنا البعض. يجب علينا أن نتكلّم بصراحة عن حتميّة التعايش السلمي والتعبير عن التزامنا بالمصالحة.  وهذا يتطلّب القيام بتنازلات مؤلمة والسّماح لشعبينا، الإسرائيلي والفلسطيني، بالعيش والإزدهار معا ً بسلام.

إننا لا نمدّ يدينا للسّلام من واقع الضعف أو الخوف، بل على أساس ثقتنا بقدراتنا في الدفاع عن أنفسنا والفوز. وهؤلاء المتطرفون الذين سيستمرّون في إضمار نوايا سيئة ضدّنا وعازمون على تدميرنا يعملون قبل كلّ شيء على تدمير أنفسهم.    

إمسكوا أيادينا للسلامٍ الآن ! دعونا نصنع سلاما ً بكرامة، سلاما ً عادلا ً ودائما ً، سلاما ً على أرض الميعاد التي يرتبط بها شعبانا بانتماء ٍ وحبّ لا حدود لهما.

وللعالم العربي بأكمله نقول:  

لقد عاش اليهود والعرب آلاف السنين مع بعضهم البعض. نحن مستعدون أن نعيد بناء جسور السّلام معكم. مستعدون لاحتضان مبادىء مبادرة السلام العربيّة، وأن نعمل مع الحكومات الديمقراطيّة المنتخبة حديثا ً بصرف النظر عن ميولها السياسيّة أو الدينيّة. سنتمسّك بالتزامات معاهداتنا ما حيينا ونحترم جميع تعهداتنا السابقة ما دامت جميع الأطراف الأخرى المعنيّة مثلنا متمسكة بالمثل. نحن مستعدّون لصنع سلام ٍ مع جيراننا المتبقين في حالة قيام حكومات ينتخبها الشعب وتبيّن التزامها بسلام ٍ دائم.

نحن مستعدون للتعاون في وضع ترتيبات أمنيّة إقليميّة، مستعدّون لعلاقات تجاريّة توسّعية، مستعدّون لعمليات التبادل العلمي والتقني، ومستعدون للسياحة ولعلاقات ٍ دوبلماسيّة كاملة. نحن نعلم أنّ الكثير من ذلك عليه أن ينتظر أوّلا ً السّلام مع الفلسطينيين ومرور الوقت اللازم لبناء الثقة المتجددة. بإمكان العالم العربي بأكمله أن يساعد في تحقيق ذلك. نحن نطلب من الحكومات العربيّة الحاليّة والبارزة حديثا ً على الساحة أن تؤثّر على الفصائل الفلسطينيّة المتطرّفة لتغيير موقفها تجاه إسرائيل وقبول حقيقتنا التي لا يمكن أن تٌلغى كما أكّدت عليها مبادرة السّلام العربيّة.

نحن ندرك بأن السّلام قادم لا محالة. مدّوا أياديكم إلينا والسّلام سيكون في متناول أيادينا. الآن، في وقتنا هذا !

لقد حان الوقت أيضا ً لتجديد علاقاتنا مع تركيا.

اليهود في جميع أنحاء العالم مدينون للشعب التركي لتوفير الملجأ والحماية لهم عبر قرون، لكونهم البلد الإسلامي الأول الذي اعترف بدولتنا، وللصداقة والتحالف اللذين استمرّا بل وتطوّرا بين بلدينا وشعبينا عبر أوقات الهدوء والإضطرابات.

نأسف وبحرارة للتدهور الشديد الذي حلّ بعلاقاتنا. لقد ارتكبت أخطاء كثيرة على الجانبين، وكان لنا نصيبنا من هذه الأخطاء.

وفي الوقت الذي يمرّ فيه الشرق الأوسط بموجة من الثورات والإضطرابات، منها الأزمة المتفاقمة والمحفوفة بالمخاطر في سوريا، والمخاوف حول برنامج إيران النووي، على تركيا وإسرائيل أن يرتبطا معا ً من جديد. تبقى مصالحنا الوطنيّة الإستراتيجيّة مجدولة ً مع بعضها البعض في ضفيرة واحدة. علينا الآن أن نضع حادثة السفينة مرمرة وراءنا. نعتذر للأرواح التي زهقت. إنّ موت أي شخص ٍ بريء في أيّ وقت وفي أي مكان وتحت أية ظروف ٍ في هذا العالم هو في الواقع أمر يؤسف له. لذا علينا أن نتعلّم من هذه الحادثة المؤلمة ونتطلّع بأمل ٍ كبير لعلاقات ٍ ثنائيّة قويّة ومتجددة. واعتذارنا هذا ليس إشارة ضعف بل إشارة لقوّة الإيمان. ولن يكون انتصارا ً لتركيا بل انتصارا ً للروح الإنسانيّة التي تتفوّق على هذه الساعة وتضمّ الشعبين لبعضهما البعض.

لليهود والفرس تاريخا ً يتّسم منذ آلاف السنين بالصداقة والسّلام.      

إننا نرغب في التمتّع بنفس العلاقات لمئات السنين القادمة. ولكن لن نستطيع التفكير بما نرغب فيه إذا كان وجودنا مهدّد من نظام ٍ بغيض جُنّ جنونه. ففي الوقت الذي نمدّ فيه يدنا بسلام ٍ للشعب الإيراني، لن نتوقّف لحظة ً عن الدفاع عن شعبنا. يجب منع إيران من حيازة أسلحة نوويّة، لأنّ أيران بمخزون من الأسلحة النوويّة ستشكّل خطرا ً لحدوث "حريق ٍ نوويّ هائل" ستكون عواقبه أكثر دمارا ً وبشكل ٍ مرعب جدّا ً من محو منشآت إيران النوويّة. يجب على النظام الإيراني ألاّ يشكّ لحظة ً واحدة بعزمنا الذي لا يهتزّ بالعيش والبقاء من واقع معتقداتنا وايماننا المحصّنة بإرادتنا وقوتنا العسكريّة. ولكن السّلام هو ما نسعى اليه.

سنكون مستعديّن لمناقشة شرق أوسط كمنطقة منزوعة ً من أسلحة الدّمار الشامل في حالة التوصّل إلى سلام ٍ شامل ودائم ما بين إسرائيل والعالم العربي ومع إيران بشكل ٍ خاصّ.

ولأصدقائنا وحلفائنا في أوروبا أقول:

نحن نتفهّم قلقكم حول استقرار المنطقة ومخاوفكم من صراعات ٍ جديدة ومصالحكم الوطنيّة الكبيرة في منطقتنا. نحن صادقون جدّا ً في مساعينا لتخفيف حدّة أيّ صراع ٍ لنا كلمة ً أو ضلع ٍ فيه.  نحن نقدّر عاليا ً مساندتكم وتأييدكم لنا وشاكرين لكم لاهتمامكم الصادق بقضايانا ومخاوفنا الوطنية. وبالدرجة التي تندمج بها إسرائيل حاضرا ً ومستقبلا ً في نسيج الشرق الأوسط، ستبقى أيضا ً مدينة ً بالفضل للقيم الأوروبيّة. والآن بما أنكم تعلمون أين نقف، فإننا نرحّب باهتمامكم ومشاركتكم الفعّالة في العمليّة السلميّة ونثمّن عاليا ً مساعدتكم. إننا نتطلّع لتعاوننا الأمني المتواصل لتعزيز المزيد من التعاون الإقتصادي والتقني وجعل إسرائيل وأوروبا متحدتين في حلمهما لتحقيق سلام ٍ إقليمي وكرامة إنسانيّة لكل المواطنين.

وأخيرا ً ألتفت إلى حبيبتنا الولايات المتحدة الأمريكيّة فأقول:

أنت الصديق الذي نثق به والحليف الوفيّ. أمريكا وقفت معنا عبر تاريخنا القصير. إنها لم تتردّد أو توارب أو تراوغ أبدا ً في تزويدنا بالتأييد السياسي والوسائل اللازمة لحمايتنا وتحقيق ازدهارنا. نحن ننظر اليك أمريكا بالشكر والمديح والإحترام. ونحن نتطلّع إليك أمريكا لتوجيهنا من أجل مساعدتنا في اجتياز الطريق المحفوف بالمخاطر الذي يمتدّ أمامنا.

ليبارك الله أمريكا،

ليبارك الله شعب إسرائيل،

ليبارك الله جميع الساعين وراء السّلام ومن يحلمون بإخوّة البشر.

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE