All Writings
نوفمبر 7, 2006

حان الوقت للسعوديين أن يتحركوا

بقلم: أ.د. ألون بن مئيـــــر
أستاذ العلاقات الدولية بمركز الشئون الدولية بجامعة نيويورك
ويلقي محاضرات حول المفاوضات الدولية ودراسات الشرق الأوسط

بما أن حرب العراق لم تحقق أي من أهدافها المعلنة, فقد غيّرت الخارطة الجيوسياسية في الشرق الأوسط بصورة جذرية وبطريقة لا رجعة منها ومتسببة في صراعات جديدة قد تبقى محتدة عشرات السنين. لقد منحت الحرب إيران فرصةً ذهبية غير متوقّعةً وأظهرت طموحاتها التاريخية الكامنة منذ أمد طويل في السيطرة على المنطقة وترسيخ هيمنة فارسية في الوقت الذي تسعى فيه وراء امتلاك الأسلحة النووية لتثبيت طموحاتها. لهذا السبب قد تتشكل الآن تحالفات جديدة, وهي تبدو حتى هذه اللحظة ضرباً من المستحيل, وبالأخص ما بين دولة إسرائيل ودول الخليج الرئيسية سنية المذهب لمواجهة الخطر المتصاعد الذي يبدو ناذراً بالشؤم فوق المنطقة بأكملها.

إنّ المحور الشيعي الإيراني العراقي يشكل خطراً على البقاء السياسي لأغلبية الدول العربية السنية, وبالأخص المملكة العربية السعودية ومصر. وبالرّغم من أن هذه الدول تعتقد بأن أمريكا ستهب لنجدتهم في حال بروز خطر إيراني محدق, غير أنّ هذه الدول لا تعتقد بأن السياسة الأمريكية الحالية ستنجح في منع إيران من حيازة الأسلحة النووية. وفي حال امتلاك إيران لهذه الأسلحة, ستجرؤ هذه أكثر للعمل بفعالية لتقويض أي نظام عربي يرفض الانصياع لإملاءاتها. وإيران المسلحة نووياً ستستمر في توسيع ونشر نشاطاتها المدمّرة بتقديم المساعدات المالية والعسكرية, بما في ذلك التدريب, لأية مجموعة إسلامية متطرفة مثل حزب الله وحماس تكون مستعدة لمواجهة إسرائيل وتحدي الدول العربية. هذه الحقيقة تشرح سبب قيام السعوديين علناً بانتقاد هجوم حزب الله الغير مبرّر على إسرائيل والذي بدوره أشعل حرب لبنان وخيب أملهم لفشل إسرائيل في القضاء عليه. هذا يعني بأن الدول العربية السنية المذهب لا زالت تنظر إلى إسرائيل على أنها قوّة نووية توازن في النهاية إيران في المنطقة ولربّما هي الدولة الوحيدة التي بإمكانها أن تقوّض أو تردع مغامرة إيران.

تنظر إسرائيل أيضاً – التي قامت إيران بتهديدها بصراحة ولأكثر من مرّة –
إلى تقوية موقفها إقليمياً. ولكن بإمكانها أن تفعل ذلك فقط إذا كرّست نفسها أوّلاً للسلام العربي- الإسرائيلي وبذلك تقبل – على الأقل بالشروط العامة – للمبادرة السعودية التي طرحها السعوديون في شهر مارس/ آذار عام 2003 خلال مؤتمر قمة عربي عقد في بيروت / لبنان وعرضوا فيها على إسرائيل إقامة علاقات

طبيعية معها مقابل إعادة الأراضي المحتلة في حرب عام 1967. إن بروز عدو
مشترك لإسرائيل وللدول العربية السنية المذهب بشكل المحور الشيعي الذي تقوده إيران قد غيّر جذريّاً ديناميكية الصراع العربي – الإسرائيلي. وللملكة العربية السعودية من بين جميع الدول العربية الدور الأكبر في كيفيّة معالجة الصراع ما بين هذا المحور والدول العربية السنية المذهب خلال السنوات القليلة القادمة. وهناك ثلاث مبادرات مهمّة على السعوديين أن يقوموا بها:

أولاً, عليهم استخدام نفوذهم الكبير في واشنطن لإحداث تغيير في سياسة الإدارة الأمريكية تجاه سوريا, الأمر الذي سيشجّع أيضاً إسرائيل على استئناف مفاوضات السلام مع دمشق حول مرتفعات الجولان. الهدف هو إغراء سوريا للخروج من الفلك الشيعي وهذا قد يقلّل بفعالية من تدخل إيران في شئون المنطقة بدون تصعيد الصراع العربي- الإسرائيلي. علاوة على ذلك, فإن انتشال سوريا من جوف إيران وإعادة ضمّها لمجموعة الدول السنية المذهب هما أمران جوهريان بالنسبة للصراع ما بين المخيمين السني والشيعي. وبالمقابل, بإمكان السعوديين مساعدة إدارة بوش على إنهاء تهميش الدور الإقليمي لدمشق في حين تزويد سوريا بمساعدة اقتصادية سخية. يجب إظهار اعتدال سوريا ورغبتها في المشاركة بعملية السلام في المنطقة بالقيام ببعض الإجراءات مثل طرد الزعيم السياسي لحركة حماس خالد مشعل وإغلاق مكاتب المجموعات المتطرفة في دمشق مثل الجهاد الإسلامي.

ثانياً, على المملكة العربية السعودية أن تبدأ مباحثات سرية مباشرة مع إسرائيل لتحديد القضايا المشتركة بين الدولتين فيما يتعلق بالمبادرة السعودية وتحديد حجارة العثرة الرئيسية بينهما. بالإمكان التباحث في القضايا الهامّة مثل الحدود النهائية وقضية اللاجئين الفلسطينيين ومستقبل القدس وحتى المعالم العامّة لدولة فلسطينيّة في جو هادئ وبدون ضغط خارجي, وكلاهما سيعطي مجالاً لنتائج إيجابية. وبعد أن يتبيّن بأنه بالإمكان تضييق هوّة الخلافات بينهما قد تدخل دول عربية أخرى, وفي مقدمتها مصر والأردن، عملية التفاوض.

ثالثاً, قد تكشف المباحثات السرية بأن التطلعات للوصول إلى اتفاقية تعتبر جيدة بسبب الواقع السياسي الجديد الضاغط. وبعد ذلك على السعوديين استلام زمام المبادرة في الدعوة لمؤتمر سلام دولي للشرق الأوسط, ويفضّل أن يكون المؤتمر في العاصمة الرياض. وقيام وفد رسمي إسرائيلي بزيارة الرياض سيخلق بحد ذاته ديناميكية سياسية ستنعكس بالتأكيد إيجابيّاً على جميع أرجاء المنطقة. أمّا

اشتراك الدول العظمى, بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين وروسيا في المؤتمر سيضفي عليه لوناً من الاعتماد والشرعية, وقد يأتي بضغط للخروج بإطار عملي للسلام. أن إشراك الولايات المتحدة بصورة مباشرة أو غير مباشرة داخل وخارج المبادرات السعودية يبقى أمراً محورياً لأي تقدم.

لم يكن من المعقول تصور أية مبادرة من المبادرات السياسية المذكورة أعلاه قبل ستة أشهر فقط, غير أنّ حرب لبنان والعنف الإسرائيلي الفلسطيني المتأجج وتقوية حركة الجهاد إقليميّاً ودوليّاً وشدة الصراع السنّي – الشيعي والتهديدات النووية الإيرانية قد جعلتها ليس فقط معقولة ولكن أيضاً حتميّة.

 

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE