All Writings
يونيو 19, 2012

لماذا أصبحت مهاجمة إيران أكثر احتمالا ً الآن

لم تسفر المفاوضات حول برنامج إيران النووي خلال الأشهر القليلة الماضية سوى عن رقص ٍ دوبلماسي في وجه خدع ٍ إيرانية متواصلة لكسب الوقت مقترنة ً بعناد ٍ في القضايا الرئيسية. وعند هذا الفشل في التوصّل لتسوية يتمّ التفاوض عليها، يتّجه الصراع مع طهران أقرب فأقرب نحو نقطة اللارجوع بحيث قد تقرّر إسرائيل حيال ذلك بأن الظروف ملائمة لهجوم أحادي الجانب ضد منشآت إيران النوويّة. وبالرغم من أنّ هناك سيناريوهات أخرى قد تقرّر إسرائيل أيضا ً مهاجمة إيران على أساسها، وأهمها خوف إسرائيل من أن تكون إيران قريبة من الوصول إلى ما يسميّه وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك "منطقة المناعة". وتحت هذه الظروف وبمنحها المزيد من الوقت قد تصبح إيران في وضع ٍ يسمح لها بتخزين كميّة من اليورانيوم المخصّب في الماضي وكذلك آلات الطرد المركزي ذات الكفاءة العالية في عمق أسفل جبل فوردو فتصبح بذلك محصّنة ً تماما ً ضدّ أي قصف جويّ بالقنابل.

هذا الهدف الذي تسعى إيران جاهدة ً للوصول إليه سيحدّد كم من الوقت تبقّى لإسرائيل قبل أن تقوم بعمل ٍ عسكري. وهذا القلق الإسرائيلي يجعل من الجهود الدوبلماسيّة المستمرّة – مقترنة ً بعقوبات تفضّلها إدارة الرئيس أوباما – خيارات غير قابلة للتطبيق وقد يصبح في الواقع العمل من أجل تحقيقها أمرا ً في منتهى الخطورة. حكومة نتنياهو مقتنعة  تماما ً بأن إيران ستستمرّ في اللعب من أجل كسب الوقت كما فعلت لعدّة أعوام مضت قامت خلالها بتطوير برنامجها النووي إلى حدّ كبير رغم العقوبات الصارمة ومتحدّية الوكالة الدوليّة للطاقة الذريّة.

نتنياهو وبشكل ٍ خاصّ وزير دفاعه، إيهود باراك، غير مقتنعين بأنّ أية مفاوضات مستقبليّة ستقنع إيران بالتخلي عن برنامجها لتخصيب اليورانيوم. ولذا فقد أصبح الوقت من ألدّ أعداء إسرائيل حيث أنّ إيران تعمل بأقصى سرعة ممكنة لإخفاء منشآتها النووية الرئيسية وجعلها محصّنة ضد الضربات الجويّة. وعدا ضمان "منطقة المناعة" التي يعتقد الإسرائيليون بأن طهران ستتوصّل إليها خلال بضعة أشهر، هناك سيناريوهات أخرى محتملة منها: قيام إيران بحشد جميع إمكانيات التكنولوجيا لإنتاج أسلحة نووية، وعدم جدوى الضربات الجوية التقليدية لإبطاء البرنامج النووي، وبذلك حرمان إسرائيل من نعمة الوقت لاتخاذ موقف "انتظر وشاهد".

وبالرغم من أن هناك إجماع في الرأي ما بين وزارة الدفاع الإسرائيلية والمؤسسة الأمنية بأن ضربة جوية ضد إيران ستؤجل في أحسن الأحوال برنامجها النووي مدة سنتين إلى ثلاث سنوات وقد تدفع حتى إيران لتطوير إمكانياتها في تصنيع أسلحة نووية بطريقة أكثر تركيزا ً عمّا هي عليه الآن، فليس من البديهي أو المنطق أن تستأنف إيران بكل بساطة نشاطها النووي بعد هذه الضربة الجوية. ويقول بهذا الصدد بعض المسئولين الإسرائيليين بأن الديناميّات السياسية، الإقليمية والمحلية، المتغيرة قد تجبر طهران على إعادة النظر في برنامجها لتصنيع الأسلحة النووية. أضف إلى ذلك، وكما توقع باراك قبل شهرين تقريباً فإن ضربات إيران الانتقامية المحتملة ضد إسرائيل أو حلفائها، ويالأخص الولايات المتحدة، قد يكون لها تأثيراً محدوداً والأصداء المأساوية الإقليمية التي يتوقف عندها العديد من المراقبين الغربيين لن تحدث بالضرورة. وبالرغم من أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بدوافع سياسية محلية متلهف لإنجاز في السياسة الخارجية وقد يميل إلى ممارسة المزيد من الضغط على إيران، فلا أحد يفهم الديناميكيات الداخلية في إيران كان يتوقع أي اختراق في مفاوضات الاجتماع الذي انعقد في موسكو خلال الفترة من 18 – 19 حزيران الجاري ما بين الدول الخمسة دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي وألمانيا (P5 + 1) مع إيران. ونتيجة لذلك ستكون هناك مناورات دبلوماسية محمومة مع تشديد العقوبات الأمريكية والأوروبية المفروضة حالياً. إضافة إلى ذلك، فإن التحضير العسكري الهادىء في الوقت الحاضر لضرب إيران من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل قد يدخل مرحلة جديدة من الاستعداد ولو مع اختلافاتٍ في وجهات النظر بالنسبة للتوقيت الذي سيبقى قضية مثيرة للجدل ما بين الحليفين.

ومما لاشك فيه أن هناك تعاون مكثف ما بين الولايات المتحدة وإسرائيل فيما يتعلق ببرنامج إيران النووي، شاملاً تبادل الاستخبارات وتنسيق الضربات الجوية وإبقاء إسرائيل في كل الإوقات على علمٍ بتقدم المفاوضات مع إيران أو بالأحرى الافتقار إلى مثل هذا التقدم. وقد زار إسرائيل خلال الأسابيع الماضية عدد من المسئولين الأمريكيين السابقين والحاليين، بما فيهم: ميشيل فلورنلوي، وكيل سابق في وزارة الدفاع الأمريكية، وديفيد كوهين، وكيل وزارة الخزانة، مسئول دائرة مكافحة الإرهاب والاستخبارات المالية، وويندي شيرمان، وكيل وزارة الدولة للشئون السياسية. هؤلاء وغيرهم يحاولون التأكيد لإسرائيل بأن التزام الولايات المتحدة بمنع إيران من حيازة إمكانيات لتصنيع الأسلحة النووية هو التزام ثابت وراسخ وأنّ الولايات المتحدة على استعداد لاستخدام القوة العسكرية عند الضرورة.

تصرّ إدارة أوباما بأن إيران بعيدة على الأقل مسافة سنتين من التوصل إلى ما يسمى "نقطة اللارجوع"، الأمر الذي يوفر للإدارة مزيداً من الوقت للدبلوماسية والسماح للعقوبات الكاسحة أن تنجح. أضف إلى ذلك، بعد أن أنهت إمريكا للتوّ الحرب في العراق واستمرار القتال في أفغانستان، ليس لديها رغبة في الشروع بعمليات عسكرية جديدة قد تشعل "حريقاً هائلاً" في المنطقة. علاوة على ذلك، لا يريد الرئيس الأمريكي في سنة الانتخابات هذه أن يجازف بعملية عسكرية، خصوصاً وأن هناك بعض الوقت لإيجاد بدائل جديدة. وأخيراً، لا الولايات المتحدة نفسها ولا أي من حلفائها المقربين، وبصورة خاصة إسرائيل، تواجه مباشرة خطراً محدقاً أو وشيكاً من إيران، الأمر الذي تؤكده وكالات الاستخبارات الأمريكية مجتمعة في هذه المرحلة.

ولكن حكومة نتنياهو ترى التهديد الإيراني من وجهة نظر مختلفة، حيث تقول إسرائيل – مع بعض المبررات – بأن القيادة الإيرانية قد هدّدت وجود إسرائيل مراراً وتكراراً. وحتّى وإن لم تستعمل إيران سلاحاً نووياً ضد إسرائيل، غير أنها تشكل خطراً إقليمياً شديداً أكبر بكثير من العواقب المحتملة لضربة إسرائيلية. ستزيد إيران النووية من انتشار الأسلحة النووية في المنطقة (مثلاً هددت حكومة المملكة العربية السعودية بتطوير أسلحة نووية خاصة بها) الأمر الذي سيرفع حدّة خطورة أن تحصل مجموعات متطرفة على مواد نووية وسيشجع إيران على الإلقاء بثقلها حول المنطقة، محرّضة الجبهة الشيعية ضد إسرائيل. ومن ناحية أخرى يقول مسئولون إسرائيليون سابقون من مؤسسات استخباراتية وعسكرية بأن إيران تعي جيداً أن إسرائيل تحتفظ بإمكانيات الضربة الثانية التي قد تسبب أضراراً مأساوية لإيران وأن القيادة الإيرانية ليست غير منطقية أو لاعقلانية لكي تنتحر. وبالرغم من ذلك، يصرّ نتنياهو على أخذ قضايا الأمن القومي الإسرائيلي محمل الجد وأن إسرائيل – مهما كان التهديد الإيراني بعيداً – لا تستطيع أخذ هذا الخطر على عاتقها.

ومما زاد الموقف الإسرائيلي قوّة ً هو أنّ انعقاد وفضّ المفاوضات التي أجريت في السنتين الماضيتين ما بين الدول الخمس الدائمة العضويّة في مجلس الأمن الدولي + ألمانيا (P5 + 1 ) وإيران بوساطة تركيّة وبرازيليّة لم تسفر عن نتيجة ملموسة. وقد تعقّدت هذه المشكلة بالإتفاقيّة الأخيرة المزعومة ما بين الوكالة الدوليّة للطاقة الذريّة وإيران للسماح للمفتشين الدوليين بدخول قاعدة بارشين العسكريّة موضوع خلاف بين الطرفين، غير أنّ الإتفاقية فشلت في التنفيذ وبقيت حبرا ً على ورق. أضف إلى ذلك، فقد بيّنت آخر إثباتات بأنه كان في القاعدة العسكريّة المذكورة "عمليّة تنظيف" واسعة النطاق، الأمر الذي زاد من شكوك الوكالة الدوليّة للطاقة الذريّة والولايات المتحدة وإسرائيل. وأخيرا ً، تواصل إيران رفضها دخول مفتشي الوكالة بدون قيود منشآتها النوويّة المشبوهة بقصد التعتيم على أهدافها النوويّة الحقيقيّة، وتنظر إسرائيل إلى ذلك على أنّه مثال يدلّ على أنّ طهران كانت تسعى دائما ً لتحقيق هذه الأهداف بدون عقاب تقريبا ً في الوقت الذي تتحدّى فيه ليس فقط الوكالة الدولية للطاقة النووية بل أيضاً أربعة قرارات صادرة من مجلس الأمن الدولي تطالب فيها إيران بوقف تامّ لبرنامجها المتعلق بتخصيب اليورانيوم.

وبالرغم من أن الوقت ثمين جداً بالنسبة لإسرائيل، فإذا قاربت إيران على الوصول إلى "منطقة المناعة" التي ستجعل توجيه ضربة عسكرية لها أكثر احتمالاً، يجب على الاستخبارات الإسرائيلية تقديم بيّنات وإثباتات واضحة لا لبس فيها للعالم بأكمله للاطلاع عليها قبل أن تقوم إسرائيل على مثل هذه الضربة. لا مجال هنا للعواطف أو للأخطاء في التقديرات أوالتمييز، فقد تجلب ضربة إسرائيلية قبل أوانها ليس فقط عواقب كارثية على المنطقة بأكملها، بل قد تعرض إسرائيل لاستنكار واسع النطاق ولعقوبات كاسحة وضربات انتقامية من قبل إيران ووكلائها.

الولايات المتحدة ليست غافلة عن نوايا إيران أو مخاوف إسرائيل المشروعة. وبصرف النظر عن التقديرات المتفاوتة ما بين إسرائيل والولايات المتحدة، ننصح إسرائيل بأن تتعاون تماماً مع الإدارة الأمريكية وأن تعمل بالتنسيق معها لتجنب أية أخطاء في التقديرات قد تكلف إسرائيل ثمناً باهظاً وتقوّض بشدة نفوذ الولايات المتحدة وتخرج منطقة الشرق الأوسط عن السيطرة.            

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE