All Writings
مارس 16, 2017

هل تستطيع إسرائيل أن تخوض حرباً على ثلاث جبهات؟ سيناريو مروّع

على الرغم من أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو معروف بتركيزه على التهديدات الفلسطينية والإيرانية للأمن القومي الإسرائيلي، فهو قد بدا في الأشهر الأخيرة يدقّ بشكل متزايد ناقوس الخطر بشأن إيران بشكل خاص وليس الفلسطينيين. وحيث أن هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) باتت في كل من العراق وسوريا أمرا ً محتوما ً ، فإن القلق الرئيسي لنتنياهو الآن هو أن إيران سوف تصر على الحفاظ على موطئ قدم قوي لها في سوريا من خلال إقامة وجود عسكري كبير لها كتعويض عن دعمها المتواصل لنظام الأسد في جميع مراحل الحرب الأهلية. وهذا، بطبيعة الحال، لا ينبغي أن يشكل مفاجأة لنتنياهو أو لأي شخص آخر مطلع على طموحات إيران في أن تصبح القوة المهيمنة في المنطقة، كما أنها تعتبر سوريا المحور الذي من شأنه أن يحافظ على نفوذها من الخليج إلى البحر الأبيض المتوسط.

وبالنسبة لنتنياهو، على أية حال، أن يضع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على “الموقد الخلفي”، (بمعنى ألاّ يعطيه الأهمية التي يستحقها) هو خطأ فادح. في الواقع، يجب على نتنياهو بسبب التهديد الإيراني المتزايد أن  يبذل كل ما في وسعه للتفاوض على اتفاق سلام مع الفلسطينيين الآن في إطار سلام عربي إسرائيلي شامل. بقيامه بذلك، لن يقوم فقط بتحييد التهديد الفلسطيني، ولكن يمكن التخفيف من الخطر الإيراني على الأقل إلى حد ما. وخلافا ً لذلك، فإنه سيستمرّ في التصرّف بطريقة تعود على إيران بالفائدة وعليه بالضرر.

إنّ تورط إيران في سوريا ليس بجديد ويسبق نشوب الحرب الأهلية بعدة عقود. ولكن ما هو جديد، على أية حال، هو أن طهران أصبحت عازمة الآن على تأسيس جبهة ثالثة في سوريا ضد إسرائيل علاوة ً على حركة حماس في غزة وحزب الله في لبنان.

القيادة العسكرية العليا في اسرائيل قلقة بشكل خاص إزاء احتمال أنّه في حالة إندلاع أعمال عدائية بين إسرائيل وحماس، ُيحتمل أن ينضمّ لها حزب الله (أو العكس بالعكس)، وإيران قد تقرر الإنضمام إلى غزوة أو تحرض على القتال في المقام الأول وبذلك تجبر إسرائيل على القتال على ثلاث جبهات. وهذا من شأنه أيضا أن يوفر للفلسطينيين في الضفة الغربية الفرصة للقيام بانتفاضة ضد الإحتلال.

في خطاب ألقاه في وزارة الخارجية في ذكرى الإسرائيليين الذين قتلوا في تفجير السفارة عام 1992 في الأرجنتين ( المتورطة فيه إيران)، صرّح نتنياهو “بأن النظام في طهران يطمح لزرع علمه على أنقاض العالم الحرّ. إنه يواصل تهديده لللقضاء على اسرائيل “.

وعلى الرغم من أن نتنياهو يدرك أنه لا يستطيع اقناع إدارة ترامب لإلغاء الصفقة النووية مع إيران، إلاّ أنه يريد التأكد من أن واشنطن لا تزال مهتمّة بسلوك إيران المؤذي  والمزعزع للإستقرار في المنطقة ويستمر في تحميل إيران المسؤولية لالتزامها الكامل بالإتفاق .

وبالإضافة إلى ذلك، فإن نتنياهو يريد التأكد من أن واشنطن تدرك الخطر الذي ينبع من الوجود العسكري الإيراني في سوريا من خلال إنشاء قاعدة لا تبعد كثيرا عن مدينة القنيطرة، فقط على بعد بضعة أميال من الحدود في هضبة الجولان. ولهذا الغرض فإنه تباحث أيضا ًمع الرئيس الروسي بوتين، معرباً بعبارات لا لبس فيها أن إسرائيل لن تتسامح مع مثل هذه النتيجة بعد هزيمة “داعش”.

وتجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من هزيمة “داعش” المؤكدة،  سوف يستغرق الأمر – مع الأخذ بعين الإعتبار جميع الحسابات العسكرية – ستة أشهر على الأقل لتحقيق زواله. وفي غضون ذلك، ستقوم إيران بشكل ٍ منهجي بترسيخ وجودها في سوريا عن طريق زيادة عتادها العسكري، بما في ذلك الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى، هذا مع عدم وجود اعتراض من الأسد الذي يرى في وجود ايران المتواصل في المستقبل المنظور أمرا ً في غاية الأهمية للإبقاء على قبضته على السلطة.

وعلى الرغم من أن موسكو و / أو واشنطن قد تدعمان موقف نتنياهو، لا تستطيع أيّ منهما أن تفعل الكثير في هذا الخصوص الآن لأنّ الحرب ضد “داعش” مستمرة بمشاركة إيران. وبالإضافة إلى ذلك، طهران مستمرّة في نقل مجموعة من الأسلحة إلى حزب الله، بما في ذلك الصواريخ. و بالرغم من حقيقة أن إسرائيل قد اعترضت ودمّرت في الماضي العديد من شحنات هذه الأسلحة وما زالت تفعل ذلك ، غير أنّ كميات كبيرة منها ما زالت قادرة على الوصول إلى هدفها في لبنان.

ويقدّر الآن أن ما لدى حماس وحزب الله ما يقرب من 200.000 صاروخ قصير ومتوسط المدى. يُمكن للعديد منها أن يصل إلى أي هدف في إسرائيل من المطلة شمالا وحتى إيلات في أقصى الجنوب. وباستطاعتهما أن يمطرا معا ً أكثر من ألف صاروخ يومياً لمدة ما يقرب من سبعة أشهر.

ونظراً لتصاعد التوتر بين إسرائيل وحماس وحزب الله، لا يمكن إستبعاد اندلاع خطير من الأعمال العدائية بينها. وعلى الرغم من أن قوات الدفاع الإسرائيلية ليست غافلة عن مثل هذا الاحتمال، غير أنها تواجه سيناريو شبيه بالكابوس، بغض النظر عن كيف ومتى قد تندلع مثل هذه الحرب.

وعلى الرغم من أن نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي هو واحد من أكثر الأنظمة تطوراً في العالم، فإن إسرائيل ما زالت غير قادرة على اعتراض كل الصواريخ القادمة. فمن الألف صاروخ التي بإمكان حماس وحزب الله اطلاقها في اليوم الواحد، يمكن لبضع عشرات منها أن تسقط على العديد من المراكز الحضرية الإسرائيلية، مما سيتسبب في وقوع مئات الضحايا وأضرار هيكلية ضخمة، خاصة في المناطق التي تكون فيها الملاجئ إما محدودة أو غير موجودة.

وبالإضافة إلى ذلك، سيتم إغلاق الشركات ومراكز العمل والمشاريع لمدة أسابيع، وإمدادات الغذاء والدواء تصبح نادرة على نحو متزايد، وسيتم اغلاق المدارس، والمستشفيات ستعجّ بالجرحى والمصابين. وعلاوة على ذلك، سوف تكون الضغوط ضخمة على الجيش، خصوصا اذا قرّرت اسرائيل غزو  قطاع غزة ولبنان، هذا في حين يكون عليها قصف المنشآت الإيرانية في سوريا  والتغلب على الإنتفاضة الفلسطينية وحماية المستوطنين في الضفة الغربية.

ولمنع مثل هذا السيناريو الكابوسي الرّهيب، قد تشعر الحكومة الإسرائيلية بأنّ عندها المبرر للقيام بقصف واسع النطاق على جميع الجبهات الثلاث. ونظرا لحقيقة أن جزءا كبيرا ً من صواريخ حزب الله وحماس مخزّن في المجتمعات المدنية، من المحتمل أن يكون هناك عشرات الآلاف من الضحايا المدنيين. وعلاوة على ذلك، قد تجبر الهجمات ضد إسرائيل من قبل القوات الإيرانية في سوريا إلى قيام إسرائيل بقصف أهداف في إيران، مع التركيز بشكل رئيسي على المنشآت النووية في البلاد.

أما عن ردود فعل العالم العربي وأوروبا والولايات المتحدة وروسيا، فهذه سيكون من الصعب التنبؤ بها. ومع ذلك، أمر ٌ واحد سيكون واضحاً: جزء كبير من منطقة الشرق الأوسط سيشتعل، وسوف يكون من الصعب إدراك أو إستيعاب مدى المخاطر والمآسي الناتجة عن ذلك.

أجل، اسرائيل ستفوز بالحرب من الناحية الفنية ، ولكنه سيكون النصر الأكثر تدميراً في تاريخ الحروب في العصر الحديث.

قد يبدو هذا سيناريو غير محتمل، ولكن احتماله يزداد يوما ً بعد يوم.  فإذا كان  نتنياهو قلقاً حقا بشأن إقامة إيران قاعدة عسكرية دائمة في سوريا قد تشكّل تهديدا خطيرا لأمن إسرائيل القومي كما يصرّح باستمرار، فإنه لا يستطيع استبعاد مثل هذا الإحتمال المرعب.

يتم الآن اختبار جديته حول التهديد الإيراني من خلال نشاطه أو تراخيه في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. أرى أنه ليس هناك وقت أفضل للنظر بعناية فائقة إلى حل الدولتين على أن تسبقه عملية مصالحة في إطار سلام شامل بين إسرائيل والعرب، خصوصاً وانّ الدول العربية تشاطر نتنياهو قلقه إزاء التهديد الإيراني.

والدول العربية بقيادة مصر والسعودية والأردن والمغرب وقطر هي الآن أكثر من أي وقت مضى في وضع يمكنها من ممارسة نفوذ كبير على السلطة الفلسطينية وحركة حماس للدخول في مفاوضات جادة، شريطة أن تظهر إسرائيل رغبة حقيقية لسلام حقيقي.

ويمكن لنتنياهو وبعض وزرائه العنيدين أن يثبتوا ذلك أوّلا ً بتصريح أنّ ليس لإسرائيل أية نوايا لضم المزيد من الأراضي الفلسطينية، وثانيا ً بإعلان وقف توسيع المستوطنات لمدة سنة على الأقل.

وإذا لم يدعم شركاء نتنياهو في الائتلاف الحاكم مثل هذه المبادرة، فإنه يجب أن يكون لديه الشجاعة لإعفائهم من مناصبهم وتشكيل حكومة جديدة مع أحزاب اليسار والوسط التي تدعم السلام عن طريق التفاوض مع الفلسطينيين.

نتنياهو تشدّق فقط بالكلام عن فكرة قيام دولة فلسطينية، ولكن إذا أصبح وجود إسرائيل ذاته على المحكّ بسبب التهديد الإيراني كما يؤكد نتنياهو باستمرار، فإنّ لديه القدرة والدعم الشعبي لتحقيق هذا الهدف. لديه فرصة سانحة لتحقيق السلام والإنفتاح على مستقبل واعد وآمن يتوق له اليهود في إسرائيل وخارجها.

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE