التعاون مع الرئيس الإيراني المنتخب بيزشكيان سيفوق المخاطر بكثير
إن انتخاب الإصلاحي مسعود بيزشكيان رئيساً لإيران يبشر بالخير للشعب الإيراني وللعلاقات بين الغرب وإيران. ومع أفضل النوايا، قد لا يتمكن بيزشكيان من تنفيذ جميع أجندته الخارجية والمحلية؛ ومع ذلك، فمن مصلحة الولايات المتحدة وإسرائيل أن تمنحه كل فرصة للنجاح.
لا ينبغي لانتصار الإصلاحي مسعود بيزشكيان في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في إيران أن يفاجئ العديد من المراقبين للمشهد السياسي الإيراني، فالرئيس المنتخب بيزشكيان معروف بأفكاره التقدمية بشأن العلاقات الداخلية والخارجية. إنه يعلم أنه وصل إلى السلطة في فترة حرجة من الأوضاع الداخلية والخارجية لبلاده. ونظراً للسخرية الداخلية وانعدام الثقة في أي حكومة، ومعارضة المحافظين المتشددين لأي إصلاحي، فهو يدرك تمام الإدراك المعركة الشاقة التي سيتعين عليه خوضها، والتي يحتاج فيها إلى دعم خامنئي حتى ينجح. وأخيرا، فهو يدرك أن إصلاح الاقتصاد الذي يمر بضائقة شديدة ويرتبط بشكل مباشر بالعقوبات التي فرضها الغرب بسبب المأزق المتعلق ببرنامج إيران النووي ينبغي أن يكون على رأس جدول أعماله بسبب آثاره المباشرة على المستوى المحلي وفي العلاقات مع الغرب.
صحيح أن دور أي رئيس إيراني يتمثل في الأساس في تنفيذ أوامر آية الله خامنئي مع حرية محدودة في تنفيذ أجندة اجتماعية واقتصادية. لكن حقيقة أن بيزشكيان قد خضع لفحص دقيق من قبل مجلس صيانة الدستور، وأنه لا يزال مسموحاً له بالترشح على الرغم من مواقفه الإصلاحية، تشير إلى أن خامنئي سيمنحه مساحة أكبر للمناورة لسببين. فأولا، يحتاج خامنئي بشدة إلى تهدئة الغضب الشعبي بشأن الظروف الاجتماعية والاقتصادية القاسية في البلادوالتي وعد بيزشكيان بجعل تحسينها على رأس أولوياته. ثانياً، سيشير انتخاب بيزشكيان إلى أن إيران ستكون أكثر استعداداً لإصلاح علاقاتها مع الغرب ومنع وضع البلاد مرة أخرى على مسار تصادمي مع الولايات المتحدة وإسرائيل وتقليل التوتر الإقليمي وفتح الباب أمام حوار بناء يخدم في نهاية المطاف مصالح إيران الاقتصادية والسياسية.
ولو فاز منافس بيزشكيان المتشدد سعيد جليلي بالانتخابات، لكان من الممكن أن تصبح إيران بدلاً من ذلك أكثر تصميماً على تعزيز قدراتها العسكرية ووضعها العدواني مع مواصلة تعزيز قوات “محور المقاومة” التابع لها، حزب الله والحوثيين، وتجديد قدرة حماس العسكرية المشلولة إذا تمكنت من إعادة تشكيل نفسها في غزة. وكانت إيران ستواصل أيضاً سعيها بقوة أكبر إلى الهيمنة الإقليمية وتعزيز علاقاتها مع روسيا والصين ودفع عتبتها النووية لتصبح قوة نووية.
هناك العديد من الأسباب التي تبرر بعض التفاؤل بشأن فوز بيزشكيان، ليس فقط بسبب ما قاله ووعد بالقيام به، ولكن أيضًا لأن العديد من السياسيين الإيرانيين البارزين أعربوا علنًا عن هذا التفاؤل بناءً على معرفتهم وخبرتهم ببيزشكيان، سواء كعضو سابق في البرلمان أو وزير الصحة. قام وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف الذي خدم في ظل حكومة روحاني بحملة لصالحه وقال إن الاختيار هو بين “النهار والليل”. سياسي بارز آخر، علي أكبر بهمانيش، إصلاحي ورئيس حملة بيزشكيان في محافظة مازندران، نشر على موقع X، “نهاية حكم الأقلية على الأغلبية. هنيئاً لانتصار الحكمة على الجهل». إن قول ذلك علنًا يعزز الحجة القائلة بأن خامنئي يدعم ويوافق ضمنيًا على ما هو متوقع من بيزشكيان.
لا يزال من المشروع أن نشكك في قدرة بيزشكيان على التحرك بسرعة ومن دون عوائق لتنفيذ أجندته المحلية الهجومية وتحسين علاقات إيران مع الغرب، وفي المقام الأول الولايات المتحدة. ومع ذلك، تحتاج الولايات المتحدة إلى استراتيجية جديدة لتشجيع بيزيشكيان على التحرك في الاتجاه المطلوب. و يتعين على الولايات المتحدة من وراء الكواليس أن تنقل استعدادها للعمل مع الرئيس الجديد، مع التأكيد على أن أي إجراء للاعتدال يتخذه بيزشكيان سوف يقابل بالمثل بشكل كامل.
يستطيع بيزشكيان أن يثبت أن إيران مستعدة لتغيير مسارها والتحول بشكل بنّاء إلى لاعب أكثر اعتدالاً في ثلاثة مجالات.
أولاً، يتعين على بيزشكيان أن يشير إلى أن إيران مستعدة لاستئناف مفاوضاتها غير المباشرة مع الولايات المتحدة بشأن برنامجها النووي. وسوف يجد الرئيس الإيراني الجديد أن الولايات المتحدة أكثر تقبلاً لمثل هذه الانفتاحات، وهو ما يرجع في الأساس إلى عام الانتخابات في الولايات المتحدة. وأي تحسن في العلاقات الثنائية بين البلدين سيكون موضع ترحيب. كلا الجانبين معنيان بتحسين العلاقة. فبالنسبة للولايات المتحدة، يعد هذا مكسباً للجانبين، لأنه بغض النظر عن التقدم أو عدم إحرازه في المفاوضات، فإن الوضع بينهما لن يتفاقم. فبالنسبة لإيران، أي تقدم ملموس في المحادثات يمكن أن يترجم إلى رفع بعض العقوبات، وهو أمر ضروري. وينتظر الجمهور الإيراني بفارغ الصبر بعض الراحة من الصعوبات الاقتصادية الرهيبة التي يعانون منها منذ سنوات. إن أي تقدم ملموس في هذا المجال من شأنه أن يعزز مكانة بيزشكيان ويمكّنه من أن يكون أكثر مرونة في معالجة قضايا أخرى، مثل احتجاج النساء على ارتداء الحجاب الإلزامي، وهو القانون الذي يؤيد تخفيفه.
ثانياً، نظراً للتأثير الكبير الذي تمارسه إيران على حزب الله واحتمال التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين إسرائيل وحماس، فإن بيزشكيان في وضع أفضل للاعتماد بشدة على نصر الله، زعيم حزب الله، لخفض التوتر مع إسرائيل عن طريق الحد بشكل كبير من التوتر الناتج عن تبادل إطلاق النار عبر الحدود ومنع نشوب حرب شاملة مع إسرائيل التي تريد إيران تجنبها بأي وسيلة ممكنة. سوف ينتهي العنف تماماً بمجرد التوصل إلى اتفاق بشأن وقف إطلاق النار؛ على أية حال، فقد صرح نصر الله بالفعل أنه سيفعل ذلك. وهذا من شأنه أن يسمح لأكثر من 70 ألف إسرائيلي ممن تركوا قراهم وبلداتهم على طول الحدود اللبنانية بالعودة إلى ديارهم بعد ثمانية أشهر مؤلمة من النزوح.
ثالثا، لإظهار المزيد من الاستعداد لتهدئة التوترات في المنطقة، لا شك أن بيزشكيان في وضع يسمح له بمطالبة الحوثيين في اليمن بالكف عن إطلاق الصواريخ والطائرات بدون طيار لتعطيل الشحن التجاري في البحر الأحمر. إيران هي المورد الرئيسي لمثل هذه الأسلحة، ومن صلاحيات الرئيس وقف أي شحنات مستقبلية. وهذا من شأنه أن يقطع شوطا طويلا في تهدئة مخاوف إدارة بايدن، خاصة في هذا المنعطف الذي يحتاج فيه الرئيس بايدن إلى التركيز على الحملة وعدم تشتيت انتباهه باستمرار بسبب التوتر المتصاعد في الشرق الأوسط.
ينبغي على إدارة بايدن اتخاذ العديد من الخطوات الضرورية لتسهيل اتخاذ بيزيشكيان مثل هذه الإجراءات المعتدلة. بادئ ذي بدء، بمجرد استئناف المفاوضات بشأن البرنامج النووي الإيراني، ينبغي على بايدن أن يصدر تعليمات لفريقه المفاوض بإظهار بعض المرونة التي من شأنها أن تسمح لبيزيشكيان بالحصول على بعض الإمتياز في مبادرته وتطوير مواقف تفاوضية قائمة على المصالح من خلال تحديد مجالات محددة يمكن من خلالها أن يتمكّن الطرفان من الاستفادة بشكل متبادل ويمكنهما بناء المزيد من التقدم عليها.
رابعا، يجب على الرئيس بايدن أن يوضح لنتنياهو (عندما يلتقي به في 24 تموز/يوليو) أنه أ) لا ينبغي له تحت أي ظرف من الظروف أن ينتقد علناً استئناف المفاوضات النووية، و ب) يجب ألا يسمح بأي اغتيال مستهدف للعلماء النوويين الإيرانيين أو قادة عسكريين رفيعي المستوى، بغض النظر عن مدى إغراء الهدف. وفي الواقع، فإن أي استفزاز من جانب نتنياهو سيسبب ذعراً هائلاً في جميع أنحاء الجهاز العسكري والمدني الإيراني، مما يجعل من المستحيل على بيزشكيان إظهار أي مرونة أو اتخاذ أي مبادرة على غرار الخطوط المذكورة أعلاه.
لا أعتقد أن إيران قد تغير مسارها بين عشية وضحاها بسبب انتخاب الرئيس الإصلاحي المنتخب بيزشكيان. ولكنني أعتقد على أية حال بأن انتخابه يوفر فرصة جديدة للحد من التوترات الإقليمية بشكل جذري وتجنب حرب أخرى. وينبغي منح الرئيس المنتخب بيزشكيان كل فرصة للنجاح. إن المكاسب المحتملة للولايات المتحدة وإسرائيل سوف تفوق المخاطر بكثير.