All Writings
أكتوبر 10, 2023

كان من الممكن تجنب هجوم حماس الوحشي

عمّان – أضم صوتي بالتأكيد إلى أصوات العديد من القادة الذين أدانوا هجوم حماس بأشد العبارات. لست مندهشًا مثل كثيرين من أن هذا الهجوم قد وقع بالفعل وأودى بحياة العديد من الإسرائيليين الأبرياء، كما أنني لن أتفاجأ من الانتقام الإسرائيلي المستمر الذي سيودي بالتأكيد بحياة المئات، إن لم يكن الآلاف من الفلسطينيين، ومن بينهم العديد من المدنيين الأبرياء. أنا لست مندهشا لأنني، مثل كثيرين منا الذين تابعوا تطور الأحداث بين إسرائيل والفلسطينيين في السنوات القليلة الماضية، وخاصة في الأشهر القليلة الماضية، توصلت بسهولة إلى هذه النتيجة، وذكرت ذلك عدة مرات في كتاباتي بأنها لن تكون سوى مسألة وقت فقط حتى يحدث مثل هذا الإنفجار.

لقد كتبت الفقرة التالية منذ ما يزيد قليلاً عن عام (نُشرت في الأصل في 2 أكتوبر 2022)، والتي حدثت بشكل مأساوي في اليومين الماضيين.

“الخطر الذي يبدو أن جميع الأطراف المعنية تتجاهله هو أنه على الرغم من أن الوضع الراهن بين إسرائيل والفلسطينيين قد يسود على السطح لفترة أطول قليلاً، ولنقل ثلاث إلى أربع سنوات، إلا أنه من غير الممكن أن يستمر لفترة أطول من ذلك بكثير. ولا بد أن ينفجر الوضع في وجه كل من لا يدرك خطورته وعواقبه الوخيمة في غياب حل. والحقيقة أن الأمر لا يتعلق بما إذا كان الفلسطينيون سينهضون ويلجأون إلى العنف، بل متى، الأمر الذي سيجعل الانتفاضة الثانية التي اشتعلت في العام 2000 تبدو وكأنها مجرد بروفة. والإسرائيليون الذين يعيشون في حالة إنكار سوف يضطرون عاجلاً وليس آجلاً إلى مواجهة الحقيقة المرّة. إن المشكلة الفلسطينية لن تنتهي وسوف تستمر في مطاردتهم ولن تقدم لهم أي راحة. علاوة على ذلك، فإن الصراع مع الفلسطينيين سوف يستمر في تقديم ألد أعداء إسرائيل، إيران ووكيلها حزب الله في لبنان، الوصفة المثالية التي يحتاجون إليها لزعزعة استقرار المنطقة وتهديد أمن إسرائيل القومي بشكل مستمر. وبينما تستطيع إسرائيل أن تنتصر عسكرياً على أي من أعدائها، ولو بتكلفة متزايدة من الدماء والمال، فإنها لا تستطيع أن توقف التهديد الأكثر خطورة على الإطلاق – ألا وهو التآكل المميت الناتج عن احتلالها الوحشي المستمر للأساس الأخلاقي الذي قامت عليه إسرائيل”.

لا بد أن هذا الهجوم غير المسبوق الذي قامت به حركة حماس والذي لا يمكن تصوره من البر والجو والبحر قد استغرق أشهراً للتخطيط والتدريب والتحضير للتنفيذ. ومع ذلك، فإن وكالات الاستخبارات “الأكثر تطوراً” في إسرائيل لم تكتشف حتى أي تلميح لمثل هذه الخطة المدمرة. فماذا يقول لنا  هذا عن الحكومة الإسرائيليةالتي يقودها رئيس الوزراء المتغطرس والمغرور نتنياهو الذي يتفاخر بقدرات إسرائيل العسكرية واستعدادها الذي لا مثيل له ؟

وبينما كان نتنياهو مشغولاً بالتخطيط لسحق الديمقراطية الإسرائيلية من خلال ما يسمى بإصلاحاته القضائية، وتعزيز أمن إسرائيل في الضفة الغربية عن طريق إرسال آلاف القوات لحماية المستوطنين الذين يهاجمون الفلسطينيين، كانت حماس تستعد لهذا الهجوم المميت على الإسرائيليين على نطاق غير مسبوق أودى بحياة 700 إسرائيلي، حتى كتابة هذه السطور، واختطف أكثر من 100، بينما كشف ضعف إسرائيل في أعين أقوى أعدائها، بما في ذلك حزب الله وإيران
من الواضح أن توقيت هجوم حماس لم يكن عرضياً. كان من المخطط له أن يتم ذلك بالضبط في الذكرى الخمسين لحرب يوم الغفران عام 1973. وكان المقصود منها تذكير الإسرائيليين بشكل فظ بأن حقوق الفلسطينيين وتطلعاتهم ليست صندوقًا يمكن إلغاؤه ، كما وصفها نتنياهو مؤخرًا عندما سُئل عن التطبيع المحتمل للعلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية.
لم يكن من الممكن لأي إسرائيلي أن يصدق أن ما يسمى بـ “مجموعة متناثرة” تحمل “مفرقعات نارية”، كما وصف بعض المسؤولين الإسرائيليين حماس التي تتواجد تحت الحصار منذ 18 عاماً، ستكون في وضع يمكنها من شن هجوم بهذا الحجم، مجبرة عشرات الآلاف من الإسرائيليين للهروب إلى الملاجئ وهم يرتعدون من الخوف. فعلى مدى عقود من الزمن دفعت الحكومة الإسرائيلية الجمهور إلى الاعتقاد بأن الفلسطينيين لن يتوقفوا عن كفاحهم من أجل الاستقلال ما لم تستخدم إسرائيل القوة الوحشية ضدهم. وقد أثبت هذا الهجوم خطأ هذا الادعاء؛ وأنه حتى في ظل أقسى الظروف لن يتخلى الفلسطينيون أبدًا عن كفاحهم من أجل الحرية والاستقلال من خلال الرد على العنف بالعنف، ولن يستسلموا أبدًا للقوات الإسرائيلية.
إن الحكومة الإسرائيلية الحالية، التي دعا وزيرها المسؤول عن الشؤون المدنية في الضفة الغربية، بتسلئيل سموتريش، في وقت سابق من هذا العام إلى محو قرية حوارة الفلسطينية، وأطلقت العنان للمستوطنين لمضايقة الفلسطينيين في كل منعطف، لم تفعل شيئا سوى اغتصاب آخر بقايا للأمل لدى لفلسطينيين في أن يتحرروا مرة أخرى. إن معاملة الفلسطينيين وكأنهم قوة إحتلال بدلاً من كونهم محتلين، كما ادعى سموتريش، ليس أمراً شائناً فحسب، بل هو هزيمة ذاتية كما ثبت على مدى السنوات الخمس والسبعين الماضية. إن وقوع الهجوم الوحشي الذي شنته حماس يوم السبت تحت أنظار الحكومة الأكثر تشدداً في تاريخ إسرائيل لا يثبت إلا عدم كفاءتها وأن تجاهل المشكلة الفلسطينية سوف يكون على حساب إسرائيل.
كانت حماس تعلم جيداً أن سكان غزة سوف يتكبدون خسائر فادحة في الأرواح والدمار إذا هاجموا إسرائيل على هذا النطاق غير المسبوق وحجم الخسائر البشرية والدمار الذي أحدثته إسرائيل يشهد بالفعل على ذلك. ومع ذلك، فقد أقدموا على مثل هذه المخاطرة القاتلة ولكن المحسوبة لأنهم كانوا مصممين على تغيير ديناميكية الصراع مع إسرائيل وخلق نموذج جديد وإجبار إسرائيل على إعادة تقييم موقفها تجاه الفلسطينيين. لقد وجدت أنه من المثير للاهتمام أن المتحدث باسم حماس لم يدعو إلى تدمير إسرائيل، بل دعا إلى وضع حد للإنتهاكات ضد الفلسطينيين، قائلاً: “نريد من المجتمع الدولي أن يوقف الفظائع في غزة ضد الشعب الفلسطيني وأماكننا المقدسة مثل المسجد الأقصى . كل هذه الأمور هي السبب وراء بدء هذه المعركة” يأتي ذلك ردًا على المحرض إيتمار بن غفيرالذي قام منذ توليه منصب وزير الأمن القومي  بزيارة جبل الهيكل عمدًا، والذي مُنع اليهود من زيارته بموجب اتفاقية عام 1967 بين الأردن وإسرائيل.
وبينما لم يتصالح جناح حماس العسكري، كتائب القسام، مع وجود إسرائيل قط ويجب تدميره، ينبغي لإسرائيل أن ترسل رسالة واضحة مفادها أنها مستعدة لبدء مفاوضات سلام مع القادة الفلسطينيين المعتدلين لخلق عملية مصالحة طويلة الأمد التي ستؤدي إلى حل دائم. لقد حان الوقت لكي تدرك إسرائيل أن سياسة الذهاب إلى غزة “لجز العشب” كل بضع سنوات قد فشلت فشلاً ذريعًا ولم تحقق شيئًا سوى تعميق مقاومة الفلسطينيين. ويشهد الهجوم المروع الأخير على هذه السياسة الإسرائيلية المضللة بشكل خطير.
ورغم أن لإسرائيل كل الحق في الدفاع عن نفسها وسحق إرهابيي حماس والجهاد الإسلامي الذين تدعمهم إيران وحزب الله ولن يقبلوا بالواقع الإسرائيلي، يجب على إسرائيل أن تتذكر أيضا أن الغالبية العظمى من الشعب الفلسطيني تريد العيش في سلام وقبول حق إسرائيل في الوجود. لكن من المؤسف أن الحكومات المتطرفة، مثل الحكومة الحالية بقيادة نتنياهو، تصور الفلسطينيين وكأنهم جميعاً إرهابيون ولا يمكن الوثوق بهم أبداً؛ ومن ثم يجب التعامل معهم بقبضة من حديد.
فإلى متى ستستمر إسرائيل في التمسك بهذه الفكرة التي لا أساس لها من الصحة والتي تؤدي إلى نتائج عكسية قبل أن تدرك أن الفلسطينيين هم أناس عاديون إلى حد كبير يريدون أن يعيشوا حياة طبيعية، تمامًا مثل أي إسرائيلي؟ على قادة إسرائيل أن يتذكروا أن اليأس يولد اليأس، واليأس يولد الغضب والاستياء، الأمر الذي يترك بدوره الشعب الفلسطيني بلا خيار سوى اللجوء إلى العنف والمجازفة بالموت مفضلين ذلك على عيش حياة يأس لا نهاية له.
وهذا يذكرني بالموقف السخيف الذي اتخذه الجمهوريون الذين يعارضون السيطرة على الأسلحة في الولايات المتحدة في أعقاب حوادث إطلاق النار الجماعية. بعد مثل هذه الحوادث مباشرة يستقر الرأي بهم على إرسال الصلوات والتعازي للعائلات الثكلى، مصرين على أن “هذا ليس الوقت المناسب” للحديث عن قوانين مهمة للسيطرة على الأسلحة، كما لو أن صلواتهم وتعازيهم ستوقف حوادث إطلاق النار الجماعي التالية. ولكن من الواضح أن هذا لم يحدث قط، حيث أن عمليات إطلاق النار الجماعية تستمرّ حاصدة أرواح أكثر من خمسين ألف أميركي كل عام، وحتى الآن لم يتم تفعيل أي قوانين سيطرة فعّالة على الأسلحة. وهكذا هي الحال مع أي وقف إطلاق نار جديد بين إسرائيل وحماس، أو إسرائيل والفلسطينيين. لن يوقف وقف إطلاق النار أو الإدانات الصراع بين الجانبين. ينبغي على أولئك الذين يسعون إلى السلام والاستقرار والأمن والازدهار في الشرق الأوسط أن يتذكروا أنه إذا تم التطبيع الإسرائيلي – السعودي ولم يتضمن هذا التطبيع  مسارًا واضحًا لحل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، فهو ليس سوى وصفة من أجل زيادة العنف الإقليمي وزعزعة الاستقرار بما يتجاوز بكثير ما شهدناه حتى الآن.
لقد حان الوقت لإدارة بايدن التي كانت تتحدث فقط عن حل الدولتين مثل كل سابقاتها، أن تتصرف بناءً على موقفها الرسمي وتصر على أن الوقت قد حان لكي تأخذ إسرائيل هذا الصراع مع الفلسطينيين على محمل الجد. يجب على إدارة بايدن ألا تفترض للحظة أن وقف إطلاق نار آخر، بغض النظر عن نطاقه، سيوفر حلاً دائمًا. علاوة على ذلك، يتعين على السعوديين أن يوضحوا علناً أنه لن يكون هناك تطبيع للعلاقات مع إسرائيل ما لم يتم تحديد مسار واضح يؤدي إلى حل دائم للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني. إن قول ذلك علناً من شأنه أن يهدئ مخاوف الفلسطينيين من أنهم لن يُتركوا ليتدبروا أمورهم بأنفسهم، في حين يبعث برسالة واضحة إلى الجمهور الإسرائيلي مفادها أن حل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني يجب أن يكون جزءاً لا يتجزأ من أي اتفاق بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، وذلك بما يتفق مع مبادرة السلام العربية لعام 2002. وفي التحليل النهائي، لن تتمكن أي حكومة إسرائيلية من التصرف بجدية لتحقيق هذه الغاية إلا عندما يطالب الجمهور الإسرائيلي بشكل جماعي بمبادرة سلام جديدة.
وبالفعل، لا يكفي أن يتوحد الإسرائيليون في أوقات الأزمات. يجب عليهم الآن أن يتحدوا للمطالبة بحل للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني. يتعين عليهم الآن أن يتدفقوا إلى الشوارع بمئات الآلاف، على نحو أقرب إلى احتجاجاتهم ضد جهود نتنياهو الشريرة “لإصلاح” السلطة القضائية، وأن يبقوا مصرّين بلا هوادة إلى أن توافق حكومتهم على الدخول في مفاوضات ذات مصداقية مع الفلسطينيين. إن الفشل في القيام بذلك هو ببساطة انتظار، مرة أخرى، للحرب المروعة التالية التي قد تكون أكثر خطورة من هذا الهجوم، مسبّبة خسائر لا حصر لها في الأرواح لا يمكن لأي إسرائيلي أن يتخيلها في أعنف كوابيسه.
بمجرد أن تنتهي الحرب المروعة ويتم التوصل إلى نوع من وقف إطلاق النار بشكل مأساوي بعد مقتل الآلاف من الجانبين، فلابد من تشكيل لجنة تحقيق للبحث في الكيفية التي فوجئت بها حكومة نتنياهو. ليس هناك شك في أن هذه الحكومة اعتبرت المقاومة السلبية نسبيا للفلسطينيين أمرا مفروغا منه، ولم تفكر أبدا في أنهم سيكونون في وضع يسمح لهم بشن مثل هذا الهجوم غير المسبوق. ولابد من محاسبة المسؤولين في الحكومة ودفع الثمن.
وعلاوة على ذلك، ينبغي لزعماء المعارضة، بيني غانتس ويائير لابيد وأفيغدور ليبرمان وميراف ميخائيلي، أن يستجيبوا لدعوة نتنياهو لتشكيل حكومة وحدة بشرط أن يستقيل نتنياهو  بمجرد انتهاء الحرب وإجراء انتخابات جديدة.
وبدون ذلك، يجب على الجمهور الإسرائيلي أن يطالب بالاستقالة الفورية لرئيس الوزراء نتنياهو. فبدلاً من الاهتمام باحتياجات الأمن القومي لإسرائيل، كان مشغولاً بالتخطيط لتقويض السلطة القضائية بشدة والتضحية بالمصلحة الوطنية فقط من أجل إنقاذ نفسه. لقد خان قسم منصبه، ويتعين عليه الآن أن يخليه لاستعادة الكرامة والثقة إلى اللقب الذي يحمله دون استحقاق.
TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE