All Writings
نوفمبر 24, 2015

هل الإحتلال فعلا ً وراء موجة العنف الحالية ؟

لقد فصلت حكومة نتنياهو وباستمرار بشكل ٍ يريحها احتلال الضفة الغربية عن أعمال اندلاع العنف المتكررة، مصرّة على أن إضطرابات الفلسطينيين هي نتيجة التحريض الذي يقوم به رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، في حين انه كان في الواقع يحاول الحد من التوتر . لم يصرّح أي مسؤول اسرائيلي ولو مرة واحدة أن ما يقارب الخمسين عاماً من الإحتلال قد تكون السبب في توصيل الفلسطينيين إلى نقطة الغليان. ويمكن أن يشعل أي حادث أعمال عنف جديدة، وقدم الصراع حول جبل الهيكل / الحرم الشريف الشرارة التي أدت إلى اشتعال النار الحاليّة، بغض النظر عن الجانب الذي ارتكب الخطأ.

القضية الأكثر إثارة للقلق هي أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة ظلت عمياء ورفضت ربط الكثير من العنف الفلسطيني بالاحتلال. وما هو الأسوأ هو أن الجمهور الإسرائيلي قد وقع إلى حد كبير في مغالطة هذه الحجة وأقتنع بالرواية الرسمية المتفشية والمضللة ومفادها أنه حتى لو قامت إسرائيل بإخلاء الضفة الغربية، فإن الفلسطينيين لن ينهوا المقاومة العنيفة ضد وجود إسرائيل.

إنهم يصرون على أن الفلسطينيين مصممون على السيطرة على كل فلسطين الإنتدابية بدلاً من اقامة دولة فلسطينية محدودة في الضفة الغربية وقطاع غزة تعيش بسلام جنباً إلى جنب مع إسرائيل.

ومن المفارقات أنه في حين أن هذه التهمة ضد الفلسطينيين متأصلة بعمق بين اليمينيين الإسرائيليين، فهؤلاء مسرورون بحقيقة أن العديد من أعضاء الحكومة الإسرائيلية ترفض بشكل قاطع إقامة دولة فلسطينية على أي جزء من “وطن اليهود التوراتي” المقدس.

ولعمل قضية ضد الإنسحاب من الضفة الغربية، يشير المسؤولون الإسرائيليون إلى إنسحاب إسرائيل من قطاع غزة في عام 2005، ثم الإستيلاء عليه لاحقا من قبل حركة حماس، والعنف المنبثق عنه.

نتنياهو وزملاؤه من المحافظين المتشددين يقولون إن إسرائيل يجب أن تتعلم من هذه التجربة، وبالتالي يجب ألاّ تنسحب من الضفة الغربية التي هي أقرب بكثير من غزة إلى مراكز إسرائيل الحضرية. ويقولون أيضا أنه في حالة إضطرار إسرائيل إلى إخلاء الضفة الغربية، فإنّ حماس بالتأكيد سوف تستلمها وتحولها إلى نقطة انطلاق أخرى يمكن من خلالها شن هجمات صاروخية، وقطع إسرائيل في النصف، وإلحاق خسائر لا تحصى في الأرواح والممتلكات.

ومن المفارقات أنّ هذا يشير إلى أن التطرف الفلسطيني يمكن احتواؤه في ظل الإحتلال في حين أن الإحتلال في حد ذاته هو السبب الرئيسي وراء التطرف الفلسطيني الشديد.

وذكر العميد غاي غولدشتاين، نائب مدير الأنشطة الحكومية في الأراضي، منذ فترة قصيرة جدّا ً: “إنها ثورة الإرهاب التي تنبع من الألم والإحباط”. ولكن بعد ذلك ترك الأمر للمنافقين في حكومة نتنياهو لتبرير استمرار الإحتلال، ولصدّ واحتواء صعود التطرف العنيف على حدّ زعمهم.

وبالفعل، إذا كانت إسرائيل ستنسحب بشكل ٍ عاجل وأحادي الجانب من الضفة الغربية كما فعلت في غزة، يمكن أن تتكرّر نتيجة مماثلة من الناحية النظرية. وعلى هذا النحو، يعطي الإنسحاب من غزة نوعاً مختلفاً من الدرس الذي يجب على إسرائيل أن تتعلم منه.

على عكس الظروف التي كانت سائدة في قطاع غزة، بدأت السلطة الفلسطينية بشكل جدي في بناء أسس الدولة بإنشاء المدارس والعيادات وشبكة الطرق والمؤسسات الخاصة والحكومية، حتى أنّ كبار مسؤولي الأمن الإسرائيليين أشادوا بالفلسطينيين على تعاونهم الكامل مع إسرائيل بشأن جميع المسائل الأمنية، وبالذات في أوقات زيادة التوتر بين الجانبين، كما هو الحال في الوقت الراهن. ولكن ما هو الأكثر إثارة للقلق، على أية حال، هو أنه لا نتنياهو ولا أي من شركائه في الإئتلاف يعلمون أين ستكون إسرائيل إذا استمر الإحتلال لمدة خمس إلى عشر سنوات أخرى، وكم من إنتفاضة فلسطينيّة ستحدث، وماذا سيكون عدد القتلى والدمار على كلا الجانبين ؟

وأعتقد أن الإسرائيليين الذين تعرضوا للصدمة بسبب الأحداث العنيفة التي شهدتها الأسابيع القليلة الماضية يجب أن يسألوا أنفسهم سؤالا بسيطا: إذا كانت حفنة من الفلسطينيين قد تمكنت من تسبب مثل هذه الفوضى بجهاز الأمن الإسرائيلي كله في المكان والآلاف من القوات الإسرائيلية المتمركزة في جميع أنحاء الضفة الغربية، إذن بأي منطق يمكن لأي شخص نزيه أن يقول بأن الإحتلال يعزز الأمن القومي الإسرائيلي؟

إذا كان أي شيء، فالإحتلال كان وسيظل الشر بعينه الذي على اسرائيل التخلص منه، وأنها يجب أن تفعل ذلك لمصلحتها الخاصة وليس للفلسطينيين، حيث أن الإحتلال يشكل أكبر تهديد لمستقبل خير وازدهار إسرائيل.

ولإزالة هذا التهديد الدائم، يجب على الإسرائيليين دراسة هذه الحالة الكارثية والمطالبة بالإنسحاب من الضفة الغربية بموجب أحكام وشروط تتفق مع متطلبات إسرائيل لضمان سلامة مواطنيها.

كانت تجربة غزة بطريقة ما إيجابية ومفيدة حيث أظهرت الأخطاء التي إرتكبها رئيس الوزراء الراحل آرئيل شارون وكيفية تجنب أخطاء مماثلة في أي فك إرتباط في المستقبل من الأراضي في الضفة الغربية.

الفلسطينيون، بدعم من الدول العربية والمجتمع الدولي، لن يتخلوا أبدا ً عن تطلعهم إلى إقامة دولة خاصة بهم. ويجب على إسرائيل عاجلاً لا آجلاً تقبل هذه الحقيقة، ولا سيما أنّ براعتها وقوّتها العسكرية بلا منازع وأنها في موقف مثالي للإنسحاب من الضفة الغربية مع بعض عمليات تبادل الأراضي، دون المخاطرة بأي جانب من جوانب القضايا الأمنية الوطنية المشروعة.

ينبغي أن يستند الإنسحاب الإسرائيلي على عدد يتفق عليه من المراحل التي سيتم تنفيذها على مدى عشر سنوات أو أكثر، ويترتب عليها تدابير متبادلة محددة جيداً من قبل الجانبين ليتم تنفيذها في إطار جدول زمني مع آليات الرصد لضمان الإمتثال الكامل بالتنفيذ.

في الواقع، الإنسحاب على أساس خطط أمنية مسبقة وتطورات اقتصادية تعاونية يدفع الفلسطينيين بلا ريب لتطوير المصالح الخاصة ومنحهم الحافز للحفاظ عليها، وفي المقابل، من شأنه أن يعزز بشكل جذري أمن إسرائيل بدلاً من تقويضه.

والأهم من ذلك أن الفلسطينيين يدركون جيدا أنّهم في حالة تهديد إسرائيل عن طريق انتهاك هذا الإتفاق، فإن إسرائيل ما زالت وستبقى في وضع يمكنها من إعادة احتلال الأرض متى شاءت، إلا أنّ هذه المرة سيكون لإسرائيل أرض معنوية ومادية صلبة تقفف عليها، الأمر الذي سيولد دعما ً من المجتمع الدولي.

هل هذه مجازفة جديرة بأن تخاض من قبل أية حكومة إسرائيلية؟ أعتقد أن الإجابة واضحة. فالإحتلال غير قابل للإستمرار. إنه مكلف، سواء كان ذلك في الدم أوالمال، وسيظل الأمن القومي الإسرائيلي معرّضا ً للخطر، وسوف تصبح البلد دوليّا ً أكثر فأكثر عزلة ً بينما تخاطر بهويتها كدولة يهودية.

أنا لست ساذجاً بما يكفي لأعتقد أن حكومة نتنياهو الحالية سوف تكون مستعدّة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الإحتلال. الأمر متروك الآن للإسرائيليين للبحث عن قادة جدد لأنهم هم الذين سيدفعون الثمن في نهاية المطاف…ذلك الثمن الذي سينتزعه شرّ الإحتلال.

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE