All Writings
مايو 17, 2018

إسرائيل في عامها السبعين: هناك وقت للإحتفال ووقت للرثاء

لإسرائيل في عامها السبعين كل الأسباب للإحتفال بإنجازاتها الرائعة التي يمكن لجميع الإسرائيليين أن يفتخروا بها ، حيث شهدوا فداء اليهود الذي كانوا يحلمون به ، ولكنهم لم يستطيعوا تحقيقه على الإطلاق. إن إنجازات إسرائيل في مختلف نواحي الحياة جعلت من البلد قوة عالمية ؛ وقد فعلت ذلك بيد ٍ كانت مربوطة خلف ظهرها لأنّ البلد خاضت حروبًا وقاتلت التطرف العنيف وناضلت اقتصاديًا في حين كانت تصارع كل الصعاب من أجل البقاء.

لكن حتى مع هذه الإنجازات غير العادية تظل إسرائيل مشوبة بالصراعات المستمرة مع الفلسطينيين ، تعاني محليا من الإستقطاب السياسي والإجتماعي والتفاوت الإقتصادي وهي مهددة بفقدان هويتها الوطنية اليهودية. فالبلد يستنزف بالنزاع الداخلي ويحاصره نظام سياسي مختل بينما يعيش مواطنوه بشعور متعاظم من انعدام الأمن والقلق بشأن مستقبل غير مضمون.

إنجازات إسرائيل واسعة في نطاقها ومجالاتها. لم يستطع أي بلد في الواقع تحقيق ما هو أكثر مما حققته إسرائيل في العديد من مجالات الأبحاث في فترة زمنية قصيرة. في العلوم والتكنولوجيا سجلت إسرائيل اختراقات ملحوظة تنافس كل الدول تقريبًا باستثناء الولايات المتحدة. حصل الإسرائيليون على 12 جائزة نوبل في العديد من المجالات ، خاصة في الكيمياء.

ومن الناحية الإقتصادية انتقلت إسرائيل من الإعتماد على المساعدات الخارجية إلى الإستقلال ، مما رفع الناتج المحلي الإجمالي ستة أضعاف منذ إقامتها.

ولتسليط الضوء على إنجازات إسرائيل الإقتصادية ، بلغ الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل في عام 2016 مبلغ 348 مليار دولار ، مقابل 333 مليار دولار لمصر التي يبلغ عدد سكانها ما يزيد عن 100 مليون نسمة.

وفي مجال الطب ، إسرائيل هي موطن لواحدة من أكبر شركات الأدوية في العالم، فقد حقق العلماء الإسرائيليون تقدمًا كبيرًا في الأبحاث الطبية ، بما في ذلك تطوير أدوية لعلاج التصلب المتعدد ومرض باركنسون.

طوّرت إسرائيل صناعات مدنية وعسكرية كبيرة تنافس العديد من الدول الأوروبية ، بينما أصبحت قوة نووية (سرّ معروف) بأقوى جيش في الشرق الأوسط.

قدم الباحثون الأكاديميون الإسرائيليون مساهمات رائدة في عدد من الميادين ، ويعد عدد خريجي الجامعات من بين أعلى النسب في الدول المتقدمة. ففي الزراعة وتحلية المياه وحفظها والتشجير سجلت إسرائيل اختراقات رئيسية.

وبالرغم من هذه النجاحات التي لا نظير لها ، هناك الكثير من الرثاء إزاء إخفاقات إسرائيل في معالجة أزماتها الداخلية والخارجية المتعددة. إسرائيل مهددة في الوجود بينما تعاني من الأزمات الإجتماعية والسياسية مما يؤدي إلى تآكل نسيجها الإجتماعي وتعريض سلامتها للخطر بشدّة كدولة مستقلة آمنة وبسلام.

تتآكل ديمقراطية إسرائيل مع تعرض حرية الصحافة بشكل متزايد للرقابة العسكرية وأوامر منع النشر. وكثيراً ما يواجه الصحفيون قيوداً على السفر ويتم التأثير على وسائل الإعلام التي تمولها الحكومة لكي تنشر أخبار تؤيد سياسات الحكومة.

الفساد على أعلى مستويات الحكومة والأعمال التجارية متفشية. لقد تم التحقيق مع رئيس الوزراء نتنياهو وأسلافه إيهود أولمرت وآرييل شارون وإيهود باراك في عمليات اختلاس مع عدد من الوزراء. وانتهى الأمر بأولمرت بقضاء بعض الوقت في السجن.

التمييز ضد العرب الإسرائيليين واليهود من البشرة الداكنة منتشر. أصبح السكان الإسرائيليون مستقطبين بشكل متزايد ، وأصبح الإنقسام السياسي في صميم الديمقراطية الإسرائيلية ، حيث أصبح شعار “نحن في مواجهتهم” الشعار الشعبي.

تكتسب المؤسسات الدينية نفوذاً سياسياً أكثر فأكثر وتنفر اليهود الأمريكيين والأوروبيين ذوي العقلية الإصلاحية بسبب تعصبهم. ينتقل السكان إلى يمين الوسط ، تاركين الليبراليين في حيّز يتقلص لتوضيح إيديولوجيتهم السياسية. وبدلاً من ذلك ، يجدون أنفسهم يتبنون الكثير من سياسات أحزاب يمين الوسط فقط ليظلوا على صلة بالسياسة.

لقد نسيت إسرائيل تاريخها كشعب هُجّر من دياره وكان يواجه التمييز والطرد والموت. وبإبعاد معظم المهاجرين الأفارقة الهاربين من المجاعة والحرب في بلدانهم الأصلية ، تتخلّى إسرائيل عن التزاماتها الأخلاقية.

وديموغرافياً ، تواجه إسرائيل خطرًا وشيكًا بفقدان أغلبيتها اليهودية لا سيما بسبب انخفاض الهجرة إلى إسرائيل وزيادة الهجرة منها وانخفاض معدل المواليد مقارنة بالفلسطينيين. يغادر العديد من الإسرائيليين الشباب البلد بسبب سياسات الحكومة فيما يتعلق بالصراع الذي لا ينتهي مع الفلسطينيين. فبين عامي 1990 و 2014 هاجر أكثر من 526.000 من إسرائيل فيما عاد إليها 229.000 فقط.

غير أن ما يبعث على الأسف الشديد هو أنه بعد سبعة عقود من الوجود ما زالت إسرائيل تطاردها الصراعات المستمرة. لقد فازت بالعديد من الحروب والمعارك ضد الفلسطينيين لكنها فشلت في تحقيق السلام.

وبينما احتفل الإسرائيليون يوم الاثنين بافتتاح السفارة الأمريكية في القدس ، شهدت الإحتفالات مقتل أكثر من 60 فلسطينيا في غزة. لقد جاءوا للتظاهر على طول الحدود مع إسرائيل ليس بسبب افتتاح السفارة، ولكن بسبب الظروف غير الإنسانية التي ظلوا يعيشون فيها طيلة السنوات الإحدى عشرة الماضية.

غزة عبارة عن سجن مفتوح ولا يستطيع سوى عدد قليل الدخول أو المغادرة. فنقص الكهرباء ومياه الشرب ووجود موارد شحيحة والبطالة تملأ الجو باليأس والقنوط. جاء الكثيرون إلى الحدود مستعدين للموت لأنه لم يتبق لهم إلا القليل.

والوضع في الضفة الغربية ليس أفضل بكثير. حرية تنقل الفلسطينيين مقيدة والغارات الليلية شائعة والبطالة متفشية والطرد والحبس في البيوت وهدم المنازل أمر شائع. وغالباً ما تصبح انتهاكات حقوق الإنسان التي تهزل في ظل الإحتلال العسكري لعبة عادلة. لقد جعلت الكراهية المتبادلة والعداء وعدم الثقة أيام المصالحة حلما ً أبعد من أي وقت ٍ مضى.

وكون هذه الأوضاع المرعبة موجودة بعد مرور سبعين عاما هو أمر مأساوي، هي سخرية ذات أبعاد تاريخية.

الفلسطينيون ليسوا بلا لوم لظروفهم البائسة. لقد فوّتوا عليهم فرص متكررة لحل الصراع ، لكنهم فشلوا مراراً وتكراراً وذلك لتمسكهم بروايتهم القديمة والمتعبة وتقديم مطالب لا يمكن الدفاع عنها، هذا في حين يلتجئون إلى المقاومة العنيفة وتهديد وجود إسرائيل، الأمر الذي لم يستفد منه سوى الإسرائيليون اليمينيون.

يجب على كل إسرائيلي أن يتذكر أن حل الدولتين ليس هبة للفلسطينيين. إنه الطريقة الوحيدة التي تستطيع إسرائيل من خلالها الحفاظ على استقلالها وديمقراطيتها وعلى طابعها القومي اليهودي. لكن للأسف بالنسبة للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة ، فإن الحفاظ على الإحتلال وبناء مستوطنات جديدة وتوسيع أخرى لها الأولوية قبل السلام.

إذا كان نتنياهو وحكومته قلقين حقا من تهديد إيران الوجودي ، فعليه التركيز على الجبهة الداخلية وتسوية الصراع مع الفلسطينيين. لماذا لا يتعامل مع حتمية التعايش السلمي الآن وايجاد حلّ، هذا في الوقت الذي كل يوم، أسبوع، شهر أوسنة تمر يجعل الصراع أكثر من أي وقت ٍ مضى أشدّ عنفا واستعصاءا ً ؟

نعم ، لدى إسرائيل كل الأسباب لكي تفخر بإنجازاتها المذهلة ، ولكن طالما بقيت مكبلة من قبل الإحتلال فإن كل إنجازاتها لا تعني الكثير. الوضع الحالي في إسرائيل يتحدى رؤية الآباء المؤسسين – رؤية وطن يهودي يعيش بسلام مع نفسه ومع جيرانه، وطن مزدهر وتقدمي وآمن يوفر ملجأ لليهود، بينما يلتزم بأعلى المعايير الأخلاقية.

لن توفر أي قوة عسكرية أو أسوار أو حواجز لإسرائيل الأمن والأمان الذي تسعى إليه. إن السلام الذي يتم التوصل إليه من موقع قوة فقط هو الذي يضمن بقاء إسرائيل ويجعل أيام الإستقلال المستقبلية يومًا للإحتفال بفرح وكبرياء.

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE