All Writings
أكتوبر 16, 2023

على إسرائيل أن تتذكر قيمها الأخلاقية في سعيها لسحق حماس

سوف تتعافى إسرائيل بمرور الوقت من فشلها الاستخباري الهائل وتأخرها في الرد عسكرياً على المذبحة التي ارتكبتها حماس. ولكنها لا تستطيع أن تفعل ذلك ما لم تتمسك بقيمها الأخلاقية وتبذل كل جهد ممكن لإنقاذ حياة الفلسطينيين الأبرياء في سعيها لتدمير حماس.
كانت المذبحة التي لا يمكن تصورها والتي ارتكبتها حماس ضد اليهود الإسرائيليين وتعطشها الذي لا يشبع للدماء اليهودية سبباً في إثارة أشد الإدانات شراسة في العديد من أنحاء العالم، بما في ذلك العديد من الدول العربية. وكانت الدعوة إلى الانتقام والأخذ بالثأر من جانب العديد من الإسرائيليين بمثابة رد فعل إنساني غريزي يمكن تبريره في لحظة من الغضب والدمار التي لا مثيل لها. إن القرار الإسرائيلي بسحق حماس وقطع رؤوس قادتها لابد وأن يتابعه الجيش الإسرائيلي بكل عزيمة وقوة. ومع ذلك، فإن السعي إلى تدمير حماس ومنع إعادة تشكيلها حتى لا تتمكن من تهديد إسرائيل مرة أخرى لا ينبغي بأي حال من الأحوال أن يبرر أي أعمال انتقامية ضد الرجال والنساء والأطفال الفلسطينيين الأبرياء الذين لا علاقة لهم بعمل حماس الشرير.
في الواقع، وقع معظم الفلسطينيين في غزة ضحية لحماس نفسها التي عرضتهم لحياة العوز واليأس بينما يتعرضون في كثير من الأحيان للخطر بسبب نقص الضروريات الأساسية مثل الوقود والكهرباء والأدوية ومياه الشرب. ومن ناحية أخرى، كانت حماس تركز على محاربة إسرائيل واستخدام أهل غزة كدروع بشرية، في حين استثمرت قدراً كبيراً من مواردها المالية في شراء وتصنيع الأسلحة، وتدريب مقاتليها وبناء الأنفاق والاستعداد لشن معركة مدمرة أخرى ضد إسرائيل. وتحمّل حماس إسرائيل محنة شعبها مستخدمة الحصار المستمر منذ 17 عامًا كمبرر، مما يسمح لها بزرع الكراهية والعداء المستمر بين الشعب والدولة اليهودية.
ومع ذلك، فإن القصف الإسرائيلي العشوائي على غزة الذي أدى بالفعل إلى تسوية أحياء بأكملها بالأرض، أدى، حتى كتابة هذه السطور، إلى مقتل ما يزيد عن 2300 من سكان غزة، ربعهم من الأطفال، وإصابة ما يقرب من 10000 مع عدم توفر سوى القليل من الرعاية الطبية أو عدم حصولهم على أي رعاية طبية، يؤكد فقط على ادعاءات حماس ضد إسرائيل لا على ضحضها. لم يسأل قادة حماس أياً من القتلى أو الجرحى ما إذا كان ينبغي لهم أن يذهبوا ويذبحوا الإسرائيليين الأبرياء على نطاق غير مسبوق، ولكن حماس كانت تعلم تمام العلم الثمن الذي لا يمكن تصوره والذي قد يدفعه هؤلاء الفلسطينيون العاديون الذين يريدون فقط أن يعيشوا.
إن الهجوم غير المسبوق الذي تشنه حماس ضد المدنيين والجنود الإسرائيليين كان له أثر كبير على قدرة إسرائيل العسكرية التي لا تُقهر، وهو ما لم يكن من الممكن أن نتصوره قبل أسبوعين فقط. ورغم أن الفشل الذريع من جانب الاستخبارات الإسرائيلية في الكشف عمّا كانت حماس تخطط له قد يتم تصحيحه بمرور الوقت، فإن المذبحة التي تلحقها إسرائيل بأهل غزة تلحق ضرراً شديداً بالأرضية الأخلاقية العالية التي يفتخر بها الجيش الإسرائيلي.
ومع ارتفاع عدد القتلى والدمار في غزة كل دقيقة، فإن التعاطف الساحق الأولي تجاه الخسائر المأساوية التي تكبدتها إسرائيل يتضاءل حتى بين العديد من أصدقائها. أجل، بمجرد أن تفقد إسرائيل بوصلتها الأخلاقية في التعامل مع الأزمة، فلن يُنظر إليها بعد الآن على أنها الضحية التي نهضت من رماد المحرقة ولديها كل الحق في الدفاع عن نفسها، بل المضحّي الذي يعتمد بقاؤه على رماد أعداءه الحقيقيين أو المتصورين.
إن رئيس الوزراء نتنياهو الذي كان مشغولاً بمحاولة تفكيك الديمقراطية الإسرائيلية لن يتردد في محاولة تخليص نفسه من خلال استغلال هذه الأحداث المأساوية، على أمل أن يظهر كـ “بطل حرب” وينقذ جلده السياسي. وبصرف النظر عن تأثير سلبية دعوته العلنية إلى الانتقام على مكانة إسرائيل، فهولا يهمه مستقبل علاقتها بالفلسطينيين. إن فرض حصار كامل على غزة وحرمان أكثر من مليوني فلسطيني من الحصول على الضروريات الأساسية ومطالبة أكثر من مليون من سكان غزة بإخلاء منازلهم والذهاب إلى الجنوب بينما يتم قصفهم وتحويلهم إلى أشلاء أثناء نزوحهم، هو عقاب جماعي يتحدى الأخلاق (والشرعية) بكل المقاييس.
ويبرر نتنياهو هذا العقاب الجماعي بتجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم، واعتبارهم غير جديرين بالمعاملة الإنسانية. فبينما أدان بحق العمل الشرير الذي لا يمكن تصوره الذي ارتكبته حماس والذي أدى إلى مقتل أكثر من 1400 إسرائيلي بريء، فإنه يشن حملة بلا رحمة ضد الفلسطينيين الأبرياء الذين لا علاقة لهم بأعمال حماس الإرهابية. بالنسبة لنتنياهو، ببساطة لا يوجد تكافؤ أخلاقي. وبالنسبة له وللعديد من أتباعه، يعتبر الفلسطينيون بشرًا دون المستوى وحياتهم لا تتساوى مع حياة اليهود الإسرائيليين.
إن تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم سوف يعود ليطارد الإسرائيليين، وذلك ببساطة لأن الفلسطينيين ليس لديهم مكان آخر يذهبون إليه. وسواء كانوا بشراً عاديين لديهم آمال وتطلعات، أو كانوا دون البشر، فإن إسرائيل عالقة معهم. وبغض النظر عن الكيفية التي ستنتهي بها الحرب، سيكون على إسرائيل أن تعالج الصراع مع الفلسطينيين. إن عمق ندوب الحرب سيحدد العلاقة لسنوات قادمة.
يتعين على وزير الدفاع السابق ورئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس، الذي انضم للتو إلى الحكومة إلى جانب وزير الدفاع الحالي يوآف جالانت، أن يقاوم دعوة نتنياهو للانتقام. صحيح أنهم سوف يقاتلون بقوتهم العسكرية لسحق حماس، ولكن يتعين عليهم أيضاً أن يقاتلوا من أجل حماية ديمقراطية إسرائيل وقيمها اليهودية التي تحرم القتل العشوائي للأبرياء.
إسرائيل ستنتصر في هذه الحرب. والسؤال هو: هل ستفوز بها مع تمسكها بهذه القيم الأخلاقية، أم أنها ستفوز بها من خلال ترك وراءها جروحاً أخلاقية عميقة ستظل محفورة في الذاكرة وكتب التاريخ باعتبارها واحدة من أحلك فصول إسرائيل ؟ يجب أن يتذكروا أن كل دولة عربية تقريباً سوف تنتصر ويهتف البعض بهدوء (وحتى علانية) بزوال حماس، ولكنهم سوف يكونون بصوت عالٍ وواضح بشأن اعتراضهم على قتل الفلسطينيين الأبرياء، وخاصة النساء والأطفال، وسيعملون على إحباط أي احتمال لتطبيع العلاقات مع الدول العربية الأخرى.
سيؤدي الغزو الوشيك لغزة إلى تدمير هذا الجيب، وهو ما لم نشهد مثله من قبل. ومع ذلك، طالما أن الغزو لا يكون مدفوعًا بالانتقام والأخذ بالثأر، بل يسعى بدلاً من ذلك – مع اقتراب الحرب من نهايتها – لخلق نموذج جديد لإنهاء الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، فإن كل التضحيات التي قدمتها جميع الأطراف لن تذهب سدى.
إن هذا الانهيار غير المسبوق في الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني قد يؤدي إلى انفراجة تاريخية، إذا أدرك الزعماء الإسرائيليون والعرب والفلسطينيون المعتدلون اللحظة غير المسبوقة التي تمثلها هذه الأزمة.
وسأقدم في مقالتي التالية خطة مفصلة توضح كيفية تحقيق ذلك.
TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE