All Writings
مارس 31, 2015

انتصار الليكود هزيمة لإسرائيــل

من يراقب منّا بانتظام الجنون الذي يجتاح الشرق الأوسط ويحاول أن يجد تفسيرا ً له، يجد نفسه، لربّما من منطلق اليأس، منغمسا ً في التفكير الرّغبي، آملا ً أن يتغلّب في نهاية المطاف العقل على الجنون. نحن نحلّل أحداث تنكشّف ونقوم بفحص حقائق جليّة ونعيد تقييم افتراضاتنا ونحاول أن ندرك أين كنّا على صواب وأين على خطأ، غير أننّا غالبا ً ما نجد أنفسنا بالضبط في النقطة التي بدأنا منها.

وبالرّغم من ذلك، فإن هذا البحث عن المنطق والفهم المؤلم للنفس يكشف عن بعد ٍ آخر لضعفنا البشريّ. نحن نختار أن نعيش في الشرنقة التي اعتدنا عليها من منطلق الخوف أو الرّضا عن النفس مهما بدت هذه الشرنقة خانقة أو حتّى مميتة، هذا بدلا ً من الإندفاع للخارج والبحث عن آفاق ٍ جديدة بصرف النظر عن مدى كونها ضروريّة وواعدة.

إنّني أرثي لنتائج الإنتخابات الإسرائيليّة، ليس لأنني لا أحترم نتنياهو أو لا أثق به، ولكن لأنّ أغلبيّة نسبيّة من الإسرائيليين قد اختارت أن تستمرّ في العيش في فقّاعة من الوهم، خائفة من تغيير الوضع الراهن بالرّغم من أنّه سينفجر حتما ً.

إنّ العواقب الملعونة التي ستلحقها حكومة نتنياهو الجديدة بالبلد أكيدة كحقيقة الليل الذي يتبعه النهار. فإسرائيل التي قادها نتنياهو إلى الضّلال فترة طويلة من الزمن تقترب الآن بسرعة من شفا كارثة جديدة تختلف عن أية كارثة أخرى واجهتها إسرائيل في السنوات الماضية. فبعد الغضب الشديد الذي جلبه على رأسه من العالم لتصريحه بأنه لن تكون هناك دولة فلسطينيّة خلال فترة حكمه، قام نتنياهو مرّة أخرى بتغيير رأيه بعد يومين فقط من الإنتخابات قائلا ً في مقابلة أجرتها معه قناة ال “إن.بي.سي” بأنه يريد “حلّ دولتين دائم وسلمي”. وهذا التغيير في موقفه الحقيقي هو تغيير تكتيكي هدفه كسب الوقت وهو لا يتعدّى كونه حيلة سياسيّة رخيصة أخرى.

الأوروبيّون والأمريكان والفلسطينيّون الذين لديهم خبرة طويلة معه خلال العمليّة السلميّة يدركون تماما ً نفاقه وخداعه. لقد فقد نتنياهو كلّ ذرة من المصداقيّة ولن تجد أحدا ً يثق بأنه سيفاوض بنيّة سليمة في المستقبل. أضف إلى ذلك، فإن حكومة إئتلافه التي سيشكلها ستضمّ بالتأكيد شركاءه الطبيعيين، وهي الأحزاب السياسية من يمين الوسط، التي تعارض قيام دولة فلسطينيّة تحت أي ظرف ٍ كان ولن تنضمّ لحكومته يوما ً واحدا ً إذا كانت تعتقد بأن تحوّله حقيقي بالفعل.

فماذا يعتقد نتنياهو بما على الفلسطينيين أن يفعلوه بعد أن كشف عن تعصّبه الأعمى ؟ أيّ خيار يتركه لهم سوى اللجوء لمجلس الأمن الدولي مطالبين بالإعتراف بدولة فلسطينيّة في الوقت الذي يسعون فيه لمعاقبة إسرائيل في محكمة الجنايات الدوليّة ؟

والرئيس أوباما، بعد أن ضلّله وكذّب عليه وحقّره نتنياهو، وهو الرئيس الأمريكي الذي ضحّى بوقت ٍ ثمين وبموارد ورأس مال سياسي ضخم في العمليّة السلميّة، لم يبق لديه أيّ خيار سوى السعي وراء قرار يصدره مجلس الأمن الدّولي يدعو لحلّ دولتين على أساس حدود عام 1967.

وبالرّغم من أنّ مثل هذا الإجراء سيكون أكثر خطوة إيجابيّة قد تتخذها الولايات المتحدة للحفاظ على مستقبل إسرائيل كدولة ديمقراطيّة ويهوديّة، غير أنه سيشكّل هزيمة ساحقة لنتنياهو الذي كان يسعى يائسا ً لعرقلة قيام دولة فلسطينيّة بالإعتماد على الولايات المتحدة لتحمي مخططه المنحرف.

والإتحاد الأوروبي، الذي كان ينظر منذ فترة ٍ طويلة للمستوطنات الإسرائيليّة على أنها غير شرعيّة، سيقتنع الآن تماما ً بأن ليس لنتنياهو أية نيّة لإنهاء الإحتلال. ومتشجّعة ً من تغيير موقف أوباما، ستشرع دول الإتحاد الأوروبي بمقاطعة السّلع الإسرائيليّة المنتجة في الأراضي الفلسطينيّة وبفرض عقوبات على إسرائيل وتعريتها. أضف إلى ذلك، ستحذو العديد من الدول الأروبيّة حذو السويد وتعترف بالدولة الفلسطينيّة، دامغة ً إسرائيل كقوّة محتلّة لشعب ٍ ذات سيادة وتخضعها لمزيد من الضغط السياسي، وعلى الأرجح أيضا ً لعقوبات اقتصاديّة.

والدّول العربيّة، وبالأخصّ مصر والأردن والمملكة العربيّة السعوديّة – التي تجد نفسها الآن وقد زُجّ بها في اضطرابات وثورات إقليميّة في صحوة الحرب الأهليّة في سوريا وبروز تنظيم “داعش” والتهديد الإيراني – تنظر لاتفاقيّة سلام إسرائيليّة – فلسطينيّة كقضيّة مركزيّة لاستقرار المنطقة. هذا مع العلم بأنّ هذه الدول حتّى الآن تعمل من وراء الكواليس لكبح الفلسطينيين من الإنتفاضة بعنف مجدّدا ً ضد إسرائيل، وهي تشعر الآن بحيرة وعاجزة عن السيطرة على نشوب انتفاضة ثالثة محتملة، حيث أنّ الفلسطينيين الآن مصمّمون أكثر من أيّ وقت ٍ مضى على تحرير أنفسهم من قيود الإحتلال.

وأخيرا ً، وعبر الأعوام الستّة الماضية من حكم نتنياهو، وبالأخصّ خلال حملة الإنتخابات الأخيرة، خرق نتنياهو مرارا ً وتكرارا ً خطّ الكياسة السياسيّة. لقد كشف عن عنصريته عندما ناشد أتباعه للخروج في أفواج والتصويت لحزبه لمعادلة تدفّق الناخبين العرب الإسرائيليين على صناديق الإقتراع.

وبالرّغم من أنّه اعتذر مؤخرا ً لتصريحه الشوفيني، غير أنّه ليس من الممكن قبول اعتذاره لأنّه كان يعلم بالضبط ما كان يقول ويعنيه أيضا ً. ويذكّرني نتنياهو في هذا السياق بقول الفيلسوف الإغريقي أريستوفانس:”أنت لن تقنعني حتّى ولو أقنعتني”.

أضف إلى ذلك، فقد قسم نتنياهو المجتمع الإسرائيلي إلى قطبين، هذا في حين أنه أنفر شريحة كبيرة من اليهود الأمريكيين والحزب الديمقراطي الأمريكي بالتنكّر للعلاقات الأمريكية – الإسرائيليّة.

أين سيؤدي كلّ ذلك ؟ ألن يبدأ نتنياهو بعمر الخامسة والستين بالتفكير في تركته ؟ وأي نوع من إسرائيل يريد أن يترك خلفه ؟

أنا شخصيّا ً أعتقد بأن نتنياهو سيبقى وفيّا ً لنشأته العقائديّة ويمنع قيام دولة فلسطينيّة معتقدا ً بأنها ستسلب اليهود حقهم التاريخي / التوراتي في “كامل أرض إسرائيل”، ممتدّة ً من البحر الأبيض المتوسط حتّى نهر الأردن. سيقوم بالإستيلاء على المزيد من الأراضي الفلسطينيّة وبتوسيع المستوطنات واللعب من أجل كسب الوقت معتقدا ً بأنه سيصمد أكثر من أوباما وآملا ً بأن يكون الرئيس الأمريكي القادم جمهوريّا ً محافظا ً يدعه يبتلع ما يتبقى من الضفّة الغربيّة.

لن تسمح عشرات آلاف الإسرائيليين الذين تظاهروا قبل بضعة أيام من الإنتخابات وفي مقدمتهم مئير داغان ومسؤولون أمنيّون سابقون غيره لهذا بأن يحدث بإعطاء نتنياهو العنان ليفعل ما يريد. هؤلاء ومئات الآلاف غيرهم من الإسرائيليين يجب أن ينخرطوا الآن بكلّ ثبات في المظاهرات والعصيان المدني، مجبرينه إمّا على تغيير سياساته والسعي وراء سلام ٍ حقيقي، أو التنحّي عن منصبه. فقط جماهير الشعب، مدعومة ً بضغط ٍ خارجي – وبالأخصّ أمريكي – من شأنها أن تجعل نتنياهو يدرك بأن مصير إسرائيل مرتبط إرتباطا ً وثيقا ً لا مفرّ منه بدولة فلسطينيّة مستقلّة وبأنّه لن يتمكّن أيّ منهما من العيش بسلام ٍ وأمان بدون الآخر.

ولكن كإيديولوجي متعصّب، سيرمي نتنياهو الواقع والحقائق عرض الحائط ويختار التشبّث بتفكيره الرّغبي، وبالأخصّ لأنّ إسرائيل كانت ناجحة حتّى الآن في التغلّب على الصّعاب، الأمر الذي قد يعطيه مبرّرا ً لمساره المختار.

نتنياهو، على أية حال، يتجاهل حقيقة أنّ الأوقات قد تغيّرت. فبصرف النظر عن مدى نجاحه في الماضي، فإن ذلك ينبغي ألاّ يعميه من إدراك بأن خير ورفاهية إسرائيل مستقبلا ً يعتمد على حلّ الدولتين. ولكن كما قال تي.إس. إليوت يوما ً:”لا يستطيع النوع البشري أن يتحمّل كثيرا ً من الواقع”. وبالنسبة لنتنياهو تبدو دولة فلسطينيّة بكلّ بساطة شيئا ً كثيرا ً من الواقع لا يستطيع تحمّله. فبعد الكثير من التخبّط في الماضي، قد تضربه موجة من وضوح الرؤية ويقوم بتغيير رأيه مرّة أخرى ويدرك بأن السلام مع الفلسطينيين هو الذي سيوفّر وحده لإسرائيل الأمن النهائي. فإذا كان نتنياهو مهتمّا ً فعلا ً بأمن إسرائيل المستقبلي، ينبغي أن يكون السّلام الإرث الذي من المفروض أن يتركه خلفه.

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE