All Writings
يونيو 8, 2018

رسالة مفتوحة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو

عزيزي رئيس الوزراء نتنياهو:
لم تكن المظاهرة الأخيرة للفلسطينيين على طول حدود غزة مع إسرائيل التي تحولت إلى العنف مفاجئة لي أو ربما إلى العديد من الإسرائيليين والفلسطينيين كذلك. هذه المواجهة المأساوية التي أسفرت عن مقتل 120 فلسطينياً لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة. لقد خاضت إسرائيل ثلاث حروب ضد حماس وضربات إنتقامية لا حصر لها ، ومع ذلك لم يتغير شيء جوهرياً.

الشيء المحزن هو أن لا شيء سيتغير حتّى تقبل إسرائيل حقيقة أن حماس هي السلطة الحاكمة في غزة والتي يجب أن تتفق معها لوضع حد لهذا الخراب بلا هوادة. إن سياستك تجاه غزة ما زالت إحتوائية، ولكن إلى أي حد ؟ حماس حقيقة لا يمكنك تغييرها – نعم ، يمكنك قطع رأس قادتها، لكن قادة جدد من نفس النوعية سوف ينهضون بدلا ً منهم. قد يكون هؤلاء القادة متطرفين أكثر بكثير ، ومستعدين لتقديم المزيد من التضحيات وهم يعلمون أنه بغض النظر عن مقدار القوة التي تستخدمها ، فلن تنجح أبداً في إخضاع مليوني فلسطيني إلى أجل غير مسمى. سوف ينهضون مراراً وتكراراً ويموتون لأنّ الموت بالنسبة لهم بشرف أفضل من العيش في العبودية تحت رحمة ما يرونه قوة مقيتة فقدت ما تبقى لها من المساءلة الأخلاقية.

متى كانت آخر مرة تخيلت فيها البؤس المطلق الذي يختبره الفلسطينيون يوما بعد يوم؟ متى كانت آخر مرة حاولت فيها فهم التصرف النفسي والعاطفي للفلسطينيين؟ أكثر من 80 في المائة من الفلسطينيين هم دون سن الخمسين من المواليد تحت الاحتلال ولم يعايشوا يوماً واحدا ًمن الحرية.

أجل، خمسون عاما ً من اليأس والقنوط. خمسون عاما ً من الذل والخضوع. خمسون عاما من الخوف وعدم اليقين. خمسون عاما ً من الحرمان، خمسون عاما ً من التجريد من الإنسانية و الذلّ والإهانة. نعم ، خمسون عاما ً من الإستياء والكراهية والبغض.

عندما يستيقظون يشعرون بالإحباط. وعندما يخلدون إلى النوم يبدأ اليأس يستقرّ في نفوسهم. إنهم يعيشون في خوف وفزع دون أن يلوح لهم يوم أفضل في الأفق. الحريّة بالنسبة لهم هي مجرد كلمة. إنهم لا يرون أنفسهم كمسلحين أو إرهابيين ، بل ضحايا – ضحايا لليوم الذي ولدوا فيه. أسرى الزمان، أسرى مصير مرير، لا يهتمون كثيراً بمن هو على حق أو من هو على خطأ. إنهم يتوقون إلى حياة طبيعية – حياة بكرامة وعزّة.

يا سيد رئيس الوزراء، لقد قمت وبمهارة بغسل أدمغة معظم الإسرائيليين للإعتقاد بأن كل فلسطيني إرهابي وأن حماس هي تجسيد للشر وهدفها الوحيد هو تدمير إسرائيل. وأن حماس غير قابلة للإصلاح أو التغيير، وأنها لا تفهم سوى لغة القوة. أنت تريد عن قصد أن تبقي الظروف في غزة تغلي على نار ٍ هادئة لتبرير سياساتك المتطرفة لإبقاء حماس في وضع مكبّل حرج ويعيش الجمهور الإسرائيلي في خوف.

أنت تتاجر بالخوف ، متعطش للسلطة ، ومن المؤسف أن معظم الإسرائيليين سقطوا في شركك. أصبحوا متهاونين ، غير مبالين ، وغير متأثرين بالرعب المتصاعد أمام أعينهم ، ولكن في حيرة كيف سيشرحون لأطفالهم خمسين عاما ً من الإحتلال والحرمان بدون نهاية في الأفق. إن مقتل ممرضة فلسطينية تبلغ من العمر 21 عاماً يرمز إلى الجانب المظلم من الصراع الدائر. وعلى الرغم من إرتدائها سترتها الطبية ، إلا أنها لم تكن لقناص إسرائيلي سوى هدف آخر للقتل، وقُتلت وهي تحاول إنقاذ حياة أحد المتظاهرين الذين سقطوا.

لقد آن الأوان للحساب ، وحان الوقت لمواجهة الواقع المرير، واقع حماس ومليوني فلسطيني موجودون هناك ولا يذهبون إلى أي مكان. سياساتكم تجاه حماس وقتل الفلسطينيين الذي لا معنى له لم يجلب عليكم سوى الإدانة الدولية. أنت تجعل إسرائيل دولة منبوذة لا تعرف الرحمة ومدمرة لذاتها، وغير أخلاقية.

لقد حان الوقت لأن نكون واقعيين ونواجه الحقيقة ، ووقت للتفكير في مستقبل إسرائيل. حان الوقت لتغيير ديناميكية هذا الصراع. لقد حان الوقت لرسم مسار يمكن أن يضع نهاية للصراع الإستهلاكي والمنهك الذي يقوض أمن إسرائيل ويضعف نسيجها الإجتماعي وأساسها الأخلاقي.

لقد حان الوقت للتعامل مع غزة ككيان فلسطيني منفصل – كيان يمكن لإسرائيل ، بل يجب عليها ، أن تعيش معه بسلام كجيران جيدين ، متعاونين ومزدهرين ويتقدمون معاً. لا ، هذا ليس حلما ً مستحيلا ً. لا يوجد فلسطيني واحد في غزة يعتقد أنه يمكن تدمير إسرائيل. كل عضو من أعضاء حركة حماس يعرف جيداً أن إسرائيل هي هنا لتبقى وأن نوعية حياتهم ورخائهم على المدى الطويل وأمنهم تعتمد على إسرائيل.

لقد آن الأوان لكي يدرك كل إسرائيلي أيضا ً أنه ما دام الفلسطينيون يعيشون تحت الحصار ومحرومين من الضروريات الأساسية ويعيشون على الهامش في آلام وخوف مع احتمال ضئيل لأيام أفضل قادمة ، لن تعرف إسرائيل يوماً سلاماً حقيقياً.

لقد حان الوقت للتعامل مع حماس ليس كمنظمة إرهابية وإنما كهيئة حاكمة تسيطر على مليوني فلسطيني. لقد قلت مراراً وتكراراً إن إسرائيل لا تتفاوض مع الإرهابيين ، لكنك تتفاوض مع حماس بشكل مباشر وغير مباشر. أنت تزّود غزة بالكهرباء والوقود ومواد البناء والمعدات الطبية وتسمح للقوى الأجنبية بتزويد حماس بمجموعة من السلع والمساعدات المالية.

لقد قبلت بسرعة عرض حماس بوقف إطلاق النار لأنك أردت التركيز على التهديد الإيراني. تذكّر هذا ، طالما أن الظروف في غزة لا تتحسن ، فهي مسألة وقت فقط حتّى يحدث الثوران العنيف التالي. يشكل التهديد الإيراني تهديدًا طويل الأمد ، الأمر الذي يتطلب معالجة الوضع المزعج القابل للاحتراق في غزة – وبهذا تقوم بإبعاد حماس عن إيران بدلاً من تقريبهما من بعضهما البعض.

لقد طلبت من حماس أولاً التخلي عن مخزونها من الأسلحة قبل أن ترفع إسرائيل الحصار. رفضت حماس هذا المطلب لأنه يعادل الإستسلام قبل أن تبدأ المفاوضات. والمطلب الصحيح والضروري هو أنه يجب على حماس أولاً أن تنبذ العنف وأن توقف جميع الأعمال العدائية (بإقامة هدنة) ، الأمر الذي سيتطور لمصلحة راسخة سيتمّ الحفاظ عليها طالما أنها تجني فوائد فورية ومستمرة ، وتخلق جواً من الهدوء والثقة المتبادلة يمكن أن يؤدي إلى السلام.

يجب القيام بعملية مقايضة ، حيث سيقابل قيام حركة حماس بتخفيض أو تدمير الأسلحة المزيد من تخفيف الحصار من طرف إسرائيل. يحتاج الطرفان للإتفاق على عملية تفاوضية الغرض منها أولاً إقامة وقف دائم لإطلاق النار وبناء الثقة وإحداث رفع تدريجي وكامل للحصار. وسيوفر ذلك ، على مدى بضع سنوات، الأساس الذي يمكن عليه بناء هيكل دائم للسلام حيث يمكن من خلاله تسوية جميع القضايا الأخرى المتنازع عليها.

هذا هو النهج الأكثر واقعية ، لأنه على عكس الضفة الغربية لا تريد إسرائيل أي جزء من غزة ولا تريد إنشاء جهاز أمني في غزة مثل ذلك الموجود في الضفة الغربية. في الواقع ، من مصلحة إسرائيل التعامل مع غزة ككيان منفصل عن الضفة الغربية. وعلى أي حال ، حماس والسلطة الفلسطينية لا تشتركان في شيء. إنهما لا يتفقان في وجهات النظر إتفاقا ً تامّا ً لا أيديولوجياً ولا سياسياً ، ومن خلال فصلهما بالسعي نحو السلام ، فإنك أيضاً ستسهل المفاوضات مع السلطة الفلسطينية.

إنك ، كما هو الحال مع قادة حماس ، واقع في شرك روايتك القديمة والمتعبة ، تلقون باللوم على بعضكم البعض بسبب المأزق الذي أنتم فيه وترفضون التمسك بالواقع. بالحقيقة ، لا يمكن محاكمة الماضي حيث لا يمكن لإسرائيل ولا لحماس تصحيح أخطاء الأمس ويجب أن يقبلوا حقيقة بعضهم البعض ، حيث لا يمكن لأي منهما أن ينهي وجود الآخر.

تقع على عاتقك أنت ، يا سيد نتنياهو ، مسؤولية مقدسة لإنهاء هذا النزاع لأنه لا يجب أن يموت أي إسرائيلي أو فلسطيني في صراع دموي لم ينجح ولن يحقق أي مكسب ملموس أو دائم لأي من الطرفين.

سوف يتذكرك التاريخ إما كرئيس الوزراء الذي جعل من إسرائيل دولة قوية ومزدهرة في سلام مع جيرانها الفلسطينيين ، أو قوة تعيش بواسطة البندقية وتعاني من الإنحطاط الأخلاقي مع مستقبل غامض. أي تركة ستتركها خلفك، هذا ما تقرره أنت.

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE