All Writings
سبتمبر 1, 2017

رسالة مفتوحة للرئيس ترامب

أجد أنه من الصعب جدا أن أخاطبك ب “الرئيس ترامب” لأنه للأسف بالنسبة لأمريكا لا أنت تتصرف كرئيس ولا تتكلم كواحد من الرؤساء. أنت ليس لديك السلطة الأخلاقية التي يحتاج الرئيس إلى إظهارها ولا شجاعة واحد من الرؤساء. ليس لديك رؤية لرئيس مستنير ولا الدهاء الدبلوماسي كرئيس. ليس لديك الكفاءة على قيادة الدولة كرئيس ولا القدرة كواحد من الرؤساء. وليس لديك المصداقية التي يجب أن يتمتع بها الرئيس ولا القدرة على إنجاز الأمور. ليس لديك لا الإستقرار الذي يجب على الرئيس أن يبرهن عليه ولا الثبات الذي يتمتّع به الرؤساء. مصلحة البلاد ليست في قلبك كرئيس وليس لديك أدنى فكرة عن  دور أمريكا في العالم. وفيما يلي الأسباب:

كان تصريحك عن الأحداث في شارلوتسفيل مروّعا. ليس هناك تساو ٍ أخلاقي بين المتفوقين البيض والنازيين و كو كلوكس كلان والمواطنين الملتزمين بالقانون الذين يرغبون في الحفاظ على القيم الأخلاقية الأمريكية، الحرية والإحتشام والتسامح. لقد ذكرت بإجحاف أن هناك “بعض الناس المحترمين جدا على كلا الجانبين”، الأمر الذي أغضب الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء. سيد ترامب، ليس هناك سوى جانب واحد: شديدو التعصّب والعنصريّون.

لقد سخرت من القضاء موبّخا ً القضاة لقيامهم بما هو مطلوب دستوريا منهم. إنك تشك في حكم القضاة واختصاصهم وكفاءتهم بسبب خلفياتهم العرقيّة، وأنت شكّكت في قرارات المحاكم القانونية لأنها لم تناسب النتائج التي ترغبها. ومن المؤكد أنك تريد وتعتقد أن لديك الحق في العمل فوق القانون، وتجد أنه من الغريب أن السلطة القضائية مستقلة وحتى الرئيس لا يمكن له  أن يخضع القانون لصالحه. وكان آخر ازدراء فاضح لسلطتنا القضائيّة هو العفو عن عنصري جهاري مثل جو أربيو، الشريف السابق لمقاطعة ماريكوبا في ولاية أريزونا، الذي ثبتت إدانته باقترافه مخالفة جنائية لانتهاكه الدستور باستخدام التمييز العنصري لسجن اللاتينيين.

لقد جعلت من الكذب شكلاً من أشكال الفن. فبين 21 كانون ثان ٍ / يناير و 19 تموز / يوليو من هذا العام كذبت 113 مرة معتقدا أنه إذا كنت تكرر هذه الأكاذيب مرارا وتكرارا فإنها سوف ترسخ في نهاية المطاف كحقيقة في ذهن الجمهور. ولكن مصداقيتك، على أية حال،  قد ذهبت أدراج الرياح و أحمق فقط من يثق بكلمة تتفوّه بها.

أنت تصنّف باستمرار أية أخبار لا ترضيك أو ليست على مزاجك على أنها “أخبار ملفّقة” ولكنك تنتعش على التغطية الصحفية لتلبية رغبتك التي لا تشبع في تبجيل ذاتك. إن اتهاماتك الفظّة التي لا ترحم ضد وسائل الإعلام متهماً إياها بنشر أخبار مزيفة، تفتح الباب أمام العنف ضد الصحفيين بينما تحاول التعتيم على بياناتك العلنية الزائفة.

أنت ديكتاتور نفسا ً وروحا ً. لا عجب أنك تحتضن الطغاة مثل بوتين روسيا وأردوغان تركيا و دوتيرت الفلبين. أنت تحسدهم لأنهم قادرون على تطهير وإثارة بلدانهم مع الإفلات من العقاب، وأنت ليس بمقدورك فعل ذلك. وعندما لا تسير الأمور كما تريد تثور غاضبا ً وتصبح إنتقاميّا ً و دنيئا ً.

إن جهودك للحد من الهجرة إلى الولايات المتحدة تتحدى تطلعات الملايين الذين يريدون تحقيق الحلم الأمريكي. هذه هي أرض المهاجرين، بوتقة الإنصهار التي تجعل أمريكا فريدة من نوعها. إنها ثروات الوافدين الجدد وتنوعهم الثقافي والإنجازات العلمية والخبرات والإبداع الجماعي التي جعلت أمريكا مجتمعة ً تعلو ولا يعلى عليها. أمريكا بالفعل كبيرة، وليس لديك ما تقدمه يجعلها أكبر.

أنت تقوض بشكل منهجي مؤسسة الإستخبارات التي أدت مهمتها بشكل مثير للإعجاب على مرّ السنين، فقط لأنها إستنتجت بأن روسيا تدخلت في انتخابات عام 2016 لصالحك. إنك تضعف، وما تزال، معنويات الرجال والنساء الأكثر ولاء الذين يكرسون حياتهم لخدمة الأمة، ويعتمد عليهم أمننا القومي.

وفي الوقت الذي تشيد فيه بالجنود الأمريكيين الذين يقاتلون من أجل حماية بلدنا والحفاظ على حريتنا وديمقراطيتنا، فإنك تقصي بشكل ٍ  تعسفي من شرف الخدمة العسكرية الجنود المتحولين جنسيا الذين ضحوا بما لا يقل عن أي جندي آخر، وربما أكثر من ذلك بسبب الصعوبات التي يواجهونها.

وخلافاً لوعودك بمساعدة الفقراء والمرضى والقانطين، فإنك اقترحت بشكل ٍ مخز ٍ ميزانية تستقطع على مدى العقد القادم أكثر من 800 مليار دولار من برنامج الرعاية الصحيّة – الطبيّة “ميديكيد”(Medicaid)، و 192 مليار دولار من المساعدات الغذائية (بما في ذلك الوجبات النقّالة) و 272 مليار دولار بشكل عام من برامج الرعاية الإجتماعية، هذا ناهيك عن اقتراحك الشائن لخفض أكثر من 72 مليار دولار من إعانة العجز التي يعتمد عليها الملايين من الأمريكيين، ولكنك تطلب المليارات لبناء جدار عديم الفائدة على طول الحدود المكسيكية.

أنت نرجسي، منهمك في شؤونك الذاتيّة، وأناني تسعى باستمرار للإفتنان والتملّق. أنت قادر على الذهاب لأيّ مدى لإظهار ثرواتك وغناك، ولكنك تخشى الإفصاح عن إقراراتك الضريبية خوفا من أن تكشف عن صفقات أعمالك الضبابيّة. أنت لا تريد أن تكشف الدولة عن المبالغ الضريبيّة القليلة التي دفعتها أو حتّى تلك المعدومة، وعن الصفقات التجاريّة الغير مشروعة التي قمت بها، وما هي في الواقع ثروتك الحقيقيّة.

فشلت بعد ثمانية أشهر من إستلامك المنصب في تمرير أي تشريع هام، وألقيت باللوم على الجميع، ولكن ليس على نفسك، لعدم قدرتك على تحقيق أي وعد من حملتك، بما في ذلك مشروع قانون البنية التحتية والإصلاح الضريبي وحتى إلغاء واستبدال برنامج أوباما للرعاية الصحية الذي جعلت له الأولوية القصوى.

أنت تطلب الولاء من جميع من حولك، ولكنك لست مخلصا لأحد. لقد وظّفت شخصيات مشكوك فيها والآن تطرد أي شخص يشكّك في إملاءاتك وأوامرك. أنت تتعامل مع الوكالات الحكومية كما لو كانت شركاتك الخاصة  ظنّا ً منك بأن الحكومة تعمل لك وحدك. ما زلت لا تفهم أن هناك شيئا يسمى الضوابط والتوازنات، ولا أحد، بما في ذلك أنت، فوق القانون.

أنت تستغلّ منصب الرئاسة بشكل مخز ٍ لإثراء نفسك وتستخدم دون إرتباك ٍ أو خجل سلطة منصبك لتعزيز وتوسيع منتجعاتك وفنادقك ، بما في ذلك نادي ترامب الوطني للغولف في نيو جيرسي ومار- لاغو في فلوريدا وفندق ترامب الدولي في العاصمة. ولم يسبق لأي رئيس للولايات المتحدة قبلك أن قام  بإفساد هيبة مكتب الرئاسة لإرضاء جشعه بشكل ٍ دائم مستمرّ مثلك.

وفي حين تدعو بين حين ٍ وآخر للوحدة، فأنت الشخص الأكثر إثارة للإنقسام من أي شخص آخر تقلّد منصب رئيس الولايات المتحدة. أنت تزرع الخلافات والإنقسامات بين الشعب الأمريكي في حين تخدم هذه قاعدتك المتقلصة وترعى عقلية عبادة الأشخاص وتقسّم البلاد إلى فريقين “نحن والمناهضين لنا”.

أنت تحطّ من قدر النساء كما لو أنهن ببساطة أدوات أو أشياء  للّعب مع المتعة الشخصية. أنت تستمتع بإهانة النساء اللواتي لا تحبهنّ، وذلك باستخدام لغة مبتذلة لوصف وجوههنّ ومظهرهن، ولا تخجل أبدا ً من كونك وقحا ومسيئا لأي امرأة تجرؤ على تحدي سلوكك الجلف والمقيت.

أنت تنفر بشكل منهجي أصدقاء أمريكا وحلفائها الذين يدافعون عن شعار “أمريكا أولا”، الأمر الذي يثير شكوكا جدية حول التزام أمريكا بالمعاهدات الأمنية واتفاقيات التجارة الدولية. هل فكّرت في أيّ وقت ٍ مضى بأنه تتمّ خدمة المصالح الوطنية الأمريكية بأفضل صورة من خلال الحفاظ على علاقات وثيقة وتعاونية ودعم متبادل بين التحالفات التقليدية مثل حلف شمال الأطلسي (الناتو)، هذا فضلا عن أصدقاء وحلفاء جدد ؟

إنك سريع في الإستفادة من نموّ إقتصادنا  المطرد، هذا على الرغم من أنه استمرار للسياسة الإقتصادية السليمة لسلفك. فمنذ أن جئت إلى البيت الأبيض لم تفعل شيئا لتحفيز التنمية لإاقتصادية. في الواقع، سلوكك الشاذّ غريب الأطوار يخلق قلقا ماليا متزايدا في السوق، وهو ما لا يبشر بالخير في خلق إستثمارات أمريكية أو أجنبية كبرى في قطاعات مختلفة من الإقتصاد.

وفي الوقت الذي نحتاج فيه إلى دبلوماسية فعالة وسليمة أكثر من أي وقت مضى للتعامل مع الأزمات المتعددة في جميع أنحاء العالم التي تؤثر سلبا ً بشكل مباشر على الأمن القومي الأمريكي، اقترحت خفض ميزانية وزارة الخارجية من حوالي 55 مليار دولار للسنة المالية 2017 إلى 37.6 مليار دولار للعام 2018. إبّان ذلك، لا تزال هناك حاجة لشغل مئات من الشواغر في المناصب الرفيعة المستوى في وزارة الخارجية والسفارات في جميع أنحاء العالم لتنفيذ سياسة خارجية فعالة.

وفي حين اجتمع العالم كله واعترف بأن هناك تغيرا مناخيا خطيرا تدعمه أدلة علمية ساحقة وتوصلت دول العالم  إلى اتفاق في باريس للحد بشكل كبير من انبعاثات الكربون، اخترت أنت سحب الولايات المتحدة التي تعد ثاني أكبر ملوث بعد الصين من إتفاق باريس. وفي الآونة الأخيرة فقط، استنتجت 13 وكالة اتحادية مختلفة (برئاسة برنامج البحوث العالمي في الولايات المتحدة) أن تغير المناخ يحدث بالفعل وأنت تجاهلت ذلك فقط لاسترضاء قاعدتك على حساب الأجيال القادمة.

إن تصريحاتك المتهورة التي تطلقها ضدّ أعداء أميركا باستخدام عبارات مثل “نار وغضب لم يشهده العالم من قبل” ردا على تهديدات كوريا الشمالية تشكل خطرا كارثيا على الأمن القومي الأمريكي، خاصة بسبب إندفاعك وانعدام التفكير الإستراتيجي عندك. لقد شكّك مدير الإستخبارات الوطنية السابق، جيمس كلابر، صراحة بلياقتك لتكون القائد العام للقوات المسلحة الأمريكية، لكون إصبعك على الزر النووي.

وكرئيس، لم تفهم أبدا أنه مع شغل أقوى منصب في العالم كل كلمة تنطق بها، وكل إشارة أو بادرة تقوم بها، وكل خطوة أو تدبير تتخذه له أهمية  كبيرة وله آثار وتداعيات دوليّة. ووجود لسان فضفاض مع عدم القدرة على  فهم خطورة كلماتك يمكن أن يرسل إشارة خاطئة، مما قد يثير نزاعات كبيرة غير مقصودة مع بعض من أعداء أمريكا الألداء.

تكون أنت على ما يُرام عندما  تقرأ خطابات مكتوبة لك من ملقّن أو مؤلّف، ولكن عندما تترك الأمور لك وتتحدّث بارتجال، تظهر على حقيقتك وتتبيّن مواقفك. يصبح واضحا بشكل جليّ أنك تعاني من فراغ معنوي وفكري وأخلاقي، وتحاول تغطية قصورك عن طريق السخرية والإزدراء من كلّ شخص عدا أولئك الذين يغذّون أنانيتك.

من المؤكّد، سيد ترامب، أنّه حان الوقت بالنسبة لك للتخطيط للمكان الذي سوف تذهب إليه من هنا. فاحتماليّة أن تبقى في منصب الرئاسة حتى نهاية المدة المحدّدة تتناقص على نحو متزايد. ونسبة قبولك شعبيّا ً في هذه المرحلة من رئاستك هي أدنى من أية نسبة هبط لها أي من أسلافك. إن عددا متزايدا من الجمهوريين البارزين الذين يريدون إنقاذ الحزب أصبحوا مقتنعين الآن بأنك لا تملك المزاج والمعرفة والثبات والحنكة الدبلوماسية لهذا المنصب الرّفيع، هذا ناهيك عن السلطة الأخلاقية لقيادة البلاد.

أعتقد أن أمامك خياران: فإما الإستمرار في تحدي رغبات أغلبية الشعب الأمريكي ورفض الإستقالة، أو الإنتظار لإقالتك من قبل مجلس النواب ومجلس الشيوخ. إنها ليست سوى مسألة وقت، والوقت ينفذ بالنسبة لك.

إذا أنت، كما تدعي، وطني أمريكي يحب بلده ويهتم بمستقبله كقوة عالمية وبدوره القيادي الأخلاقي الذي لا غنىً عنه لجعل العالم مكانا أفضل وأكثر أمنا، إستقل الآن وافعل ذلك بكرامة من أجل البلد.

سوف يتذكّرك العالم – على الأقلّ- كالرئيس الذي اتخذ أخيرا القرار الصحيح من خلال وضع مصير البلد ورفاهيته وخيره في المستقبل قبل مصالحه الشخصيّة.

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE