All Writings
ديسمبر 6, 2024

دولة فلسطينية أو تهيئة المسرح للحرب الكارثية القادمة

يتعيّن على ترامب الذي يريد إنهاء الحرب بين إسرائيل وحماس حتى قبل أن يستأنف رئاسته، أن يعلم أن إنكار حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم والسماح بضمّ المزيد من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة لإسرائيل هو وصفة للجحيم المروع القادم الذي سيطغى حتى على الحرب الكارثية الحالية بين إسرائيل وحماس.

لقد أدّى هجوم حماس المروّع في 7 أكتوبر والحرب الإنتقامية الضخمة التي شنتها إسرائيل إلى تغييّر ديناميكيات الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بشكل أساسي. وستكون العودة إلى الوضع الذي كان قائماً قبل 7 أكتوبر مستحيلاً. لقد تم خلق ظروف إقليمية، سياسية ونفسية وواقعية جديدة لا يمكن تجاهلها، حيث أثرت بشكل مباشر ليس فقط على العلاقات الإسرائيلية – الفلسطينية لجيل كامل ولكن أيضًا على الإستقرار الإقليمي الذي تغذيه ديناميكيات القوة والتنافسات بين الدول في المنطقة. وفي ضوء هذه الديناميكيات الإقليمية الجديدة، سيتعيّن على ترامب الإختيار بين تمهيد الطريق نحو إنشاء دولة فلسطينية أو تهيئة المسرح للحريق الكارثي التالي الذي سيقزّم الحرب الحالية بين إسرائيل وحماس.

يتعين على ترامب وفريقه أن يدرسوا بعناية التغييرات السبعة الحاسمة التالية في الديناميكيات الإقليمية إذا كان يريد منع حرب كارثية أخرى وإحياء “صفقة القرن”، مهما بدت بعيدة في هذه المرحلة بالذات.

مذبحة حماس وتداعياتها النفسية
من الصعب المبالغة في تقدير التداعيات النفسية لهجوم حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول على العقلية الإسرائيلية، حيث أعاد إلى الأذهان صور المحرقة. ومن نواح ٍعديدة، أكد الهجوم على الرواية العامة المضللة لنتنياهو والتي استمرت لعقدين من الزمان وعزز العقلية العامة الإسرائيلية السائدة بأن الفلسطينيين يشكلون تهديدًا دائمًا للأمن القومي الإسرائيلي. وبالتالي، وأكثر من أي وقت مضى، فإن أي جهد يبذله فريق ترامب قد يؤدي إلى حلّ الدولتين سيواجه مقاومة إسرائيلية عنيفة. إن هذا الأمر يمكن تخفيفه بمجرد أن يتقبل الإسرائيليون حقيقة مفادها أن أمنهم القومي النهائي يعتمد على إنشاء دولة فلسطينية، مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بترتيبات أمنية شاملة لتخفيف العوائق النفسية المتأصلة بين الإسرائيليين.

حرب الإنتقام الإسرائيلية
على الرغم من أن إسرائيل لديها الحق في الدفاع عن نفسها، فإن حربها ضد حماس كانت غير متناسبة حتى بالمقارنة بالهجوم المروع الذي شنته حماس. ووفقاً لجميع الروايات والحسابات، فإن الدمار غير المسبوق الذي لحق بغزة ومقتل أكثر من 43 ألف شخص، نصفهم تقريباً من النساء والأطفال، لا يشهد إلا على الرغبة في الإنتقام والثأر وعدم الإكتراث بأرواح البشر الأبرياء. ومنذ حرب الإستقلال الإسرائيلية في عام 1948، وخاصة في ظلّ الإحتلال الذي دام حتى الآن أكثر من 57 عاماً، لم تتصاعد الكراهية وانعدام الثقة والعنف بين الجانبين إلى هذا الحدّ حيث وصلت علاقة إسرائيل بالفلسطينيين إلى أدنى مستوياتها.

لقد ولد تسعون في المائة من جميع الفلسطينيين في ظل الإحتلال، ولم تؤد الحرب بين إسرائيل وحماس إلا إلى تسريع ظهور جيل ٍ جديد من الشباب الفلسطيني اليائس والقانظ الذي لا يعتبر الجهاد والإستشهاد مجرّد شعارات له. وسوف يكرس هؤلاء الشباب حياتهم للإنتقام لما حلّ بهم، وكلما زادت الإجراءات الإسرائيلية قسوة، كلما اشتدت مقاومتهم وزادت فتكاً حتى يحققوا طموحاتهم الوطنية.

الإدراك المتبادل بأن أياً منهما لا يستطيع تدمير الآخر
بعد 14 شهراً من الحرب الوحشية التي أودت بحياة وأموال فادحة، فشل الجانبان في تحقيق هدفهما المعلن. وحتى لو أسرت إسرائيل أو قتلت كل مقاتل من حماس، فلن تتمكن من تصفيتها كحركة وطنية وفكرة. ستنجو حماس من أي خسائر وستواصل إرهاب إسرائيل مهما استغرق الأمر وإن كانت تعلم أن إسرائيل قوة عسكرية هائلة بعيدة كل البعد عن متناول يدها لتدميرها، أكان الآن أو في أي وقت في المستقبل.

لقد غيّر هذا الإدراك المتبادل ديناميكية الصراع. فعلى الرغم من هزيمتها تقريبًا، حققت حماس هدفها إلى حدّ كبير. لقد هزّت الوضع الراهن بشكل أساسي وأصدرت بيانًا لا لبس فيه بأن القضية الفلسطينية لن يتم تجاهلها بعد الآن. لقد مهّدت الطريق لاختراق في الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني إذا اغتنم ترامب الفرصة.

دور المملكة العربية السعودية
قبل اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس، كانت الولايات المتحدة تتفاوض على تطبيع العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية. كان السعوديون في ذلك الوقت على استعداد للإكتفاء بالتزام غامض من جانب إسرائيل “بإحراز تقدم كبير نحو حلّ للصراع الفلسطيني”. ولكن مع تطوّر رعب الحرب في غزة، غيّر السعوديون موقفهم، ويرجع ذلك أساسًا إلى صرخة الجمهور بشأن ما تحمّله الفلسطينيون بشكل مأساوي.

صرّح وليّ العهد محمد بن سلمان علنًا، “لن تتوقف المملكة عن جهودها الدؤوبة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، ونؤكد أن المملكة لن تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل دون ذلك” [التأكيد مضاف]. وتجدر الإشارة إلى أن مثل هذا التصريح من محمد بن سلمان ليس موقفًا سياسيًا. المملكة العربية السعودية هي زعيمة الإسلام السنّي في جميع أنحاء العالم، مما يجعل من الصعب على محمد بن سلمان التراجع والإكتفاء بإشارة غامضة إلى حقّ الفلسطينيين في الدولة، مما يجعله يشعر بالإلتزام بلعب دور ٍ مركزي لتحقيق هذه الغاية.

الخوف الأردني المتزايد
إن آثار حرب غزة على الأردن عميقة ومتعددة الأوجه. تواجه المملكة تحديات كبيرة في الحفاظ على الإستقرار الداخلي وسط غضب شعبي متزايد تجاه إسرائيل. إن الأردن لابد وأن يوازن بين التزاماته التاريخية تجاه القضية الفلسطينية ومعاهدة السلام مع إسرائيل، في حين يتعامل مع الديناميكيات الإقليمية المعقدة. وهناك مخاوف من إندفاع اللاجئين من الضفة الغربية وغزة إلى الأردن، وهو ما قد يؤدي إلى زعزعة إستقرار الأردن، وخاصة إذا ضمّت إسرائيل المزيد من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية. ومؤخّراً أعلن وزير المالية الإسرائيلي اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش قبل اجتماع لحزبه الصهيونية الدينية أن “عام 2025 هو عام السيادة في يهودا والسامرة”، الأمر الذي أعاد إحياء فكرة أن “الأردن هو فلسطين”، وهو ما يرعب المملكة.

كما أن الصراعات الجارية قد تؤدي إلى زيادة النشاط المسلح وتفاقم نقاط الضعف القائمة، وخاصة بين الشباب الأردني. وعلاوة على ذلك، فإن الديناميكيات الإقليمية التي تشمل إيران وغيرها من الجهات الفاعلة تزيد من تعقيد موقف الأردن، الأمر الذي يرغم المملكة على التعامل مع التهديدات من وكلاء إيران في حين تواصل تدبير علاقاتها مع إسرائيل والحلفاء الغربيين والدول العربية المجاورة. ولا شيء من شأنه أن يخفّف المخاوف الأردنية ويمنع الضجة الإقليمية سوى إنشاء دولة فلسطينية.

الإعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية
لقد اعترفت مائة وستة وأربعون دولة بالدولة الفلسطينية، وهي خطوة مهمة لأنها تضفي الشرعية على حقّ الفلسطينيين في الدولة وتضع فلسطين على قدم المساواة مع الدول الأخرى. كما تسمح للدول بإقامة علاقات دبلوماسية وتسهيل العلاقات الإقتصادية المباشرة، مما يبعث برسالة واضحة إلى إسرائيل حول الدعم الدولي للدولة الفلسطينية.

ومن الأهمية بمكان أن ثلاث دول من أوروبا الغربية، أيرلندا والنرويج وإسبانيا، اعترفت بفلسطين هذا العام، الأمر الذي قد يشجع دولاً أوروبية أخرى على أن تحذو حذوها. ولا مفرّ من حقيقة مفادها أن الفلسطينيين حققوا تقدماً كبيراً في الساحة الدولية لدعم الدولة الفلسطينية.

الحكومة الإسرائيلية
إن الحكومة الإسرائيلية الحالية بقيادة نتنياهو لا مثيل لها باعتبارها الحكومة اليمينية الأكثر تطرفاً منذ إنشاء إسرائيل. وهي عازمة على ضمّ معظم الضفة الغربية وإعادة إنشاء المستوطنات الإسرائيلية في غزة. وقد صرح اثنان من أكثر وزرائها اليمينيين تطرفاً، وزير الأمن القومي بن غفير ووزير المالية سموتريتش، بأن الفلسطينيين، وليس إسرائيل، هم المحتلون للأرض اليهودية. قال سموتريتش مؤخرا: “إن النازيين الجدد بحاجة إلى دفع ثمن من خلال الأراضي التي سيتم انتزاعها منهم بشكل دائم، سواء في غزة أو في يهودا والسامرة… كنا على بعد خطوة واحدة فقط من تطبيق السيادة على المستوطنات في يهودا والسامرة، والآن حان الوقت للقيام بذلك”.

كان بن غفير وسموتريتش يسيل لعابهما عندما تذكرا تصريح مايك هاكابي، مرشح ترامب لمنصب السفير الأمريكي لدى إسرائيل، في عام 2019، والذي قال فيه إنه يعتقد أن لإسرائيل الحق في ضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية وأضاف أنه لا يوجد شيء مثل المستوطنات أو حتى الشعب الفلسطيني. كما أن ستيفن ويتكوف، الذي عينه ترامب مبعوثًا خاصًا له إلى الشرق الأوسط، هو أيضًا مؤيد قوي لإسرائيل. وبالنسبة لنتنياهو، فإن مواقف هؤلاء المعيّنين تتوافق أيديولوجيًا مع سياسات حكومته. لا يوجد شيء أكثر شؤمًا بالنسبة لإسرائيل إذا نفذت الحكومة بالفعل مثل هذه الخطة التي ستحطم آخر بصيص أمل للفلسطينيين، لأنها ستؤدي إلى عواقب مروّعة ما لم يمنع ترامب حدوثها.

ترامب يواجه فرصة تاريخية
قد يكون ترامب في أفضل وضع لبدء عملية سلام إسرائيلية – فلسطينية حقيقية تؤدي في النهاية إلى إقامة دولة فلسطينية. ونظرا لالتزامه بأمن إسرائيل ورفاهتها، فلا ينبغي له أن يسمح لإسرائيل بضمّ أي أراض أخرى في الضفة الغربية أو إعادة التوطين في غزة، لأن هذا لن يؤدي إلا إلى تمهيد الطريق لانفجار مروّع آخر وإلقاء المنطقة بأكملها في حالة من الإضطراب غير المسبوق.

وباعتباره مؤيدا متحمسا لإسرائيل، وبسبب التقارب الذي يشعر به معظم الإسرائيليين تجاهه، فإن ترامب في موقف أقوى بكثير من العديد من أسلافه، ليس فقط للدعوة إلى حلّ الدولتين، ولكن للعمل أيضاً على ذلك. وخلال فترة ولايته الأولى في منصبه، طرح ترامب اتفاق سلام يعترف بالدولة الفلسطينية، وهو ما كان خروجا حادا عن المقترحات السابقة؛ وهو لم يدعو إلى إخلاء المستوطنات الإسرائيلية، وهذا ما تدعمه الغالبية العظمى من الإسرائيليين.

إن العمل نحو إقامة الدولة الفلسطينية من شأنه أن يخفف بشكل كبير من القلق العميق الذي يشعر به الأردنيون بشأن استقرار بلادهم، ويلبي مطلب السعوديين بإنشاء دولة فلسطينية كشرط مسبق لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، ويعطي الأمل للفلسطينيين في أن يوم خلاصهم قريب، ويخفف من حدة التطرف والمشاعر المعادية لإسرائيل في حين يحرم إيران و”محور المقاومة” التابع لها من استغلال الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني لتعزيز أجنداتهم الإقليمية.

العقبة الأكبر التي سيواجهها ترامب هي الحكومة الإسرائيلية الحالية التي أقسمت على عدم السماح بإنشاء دولة فلسطينية. ويبدو أنهم لم يتعلموا شيئا من عقود من الإحتلال الذي أدى فقط إلى تكثيف النزعة النضالية الفلسطينية التي بلغت ذروتها في وحشية حماس والحرب الإنتقامية التي شنتها إسرائيل. والآن تريد هذه الحكومة المسيانية ضمّ جزء كبير من الضفة الغربية وإعادة التوطين في غزة، وإغراق إسرائيل في عنف لا نهاية له وتدمير لم تشهده من قبل. في الواقع، في حين أن إسرائيل قادرة على التغلب على أي عدوّ خارجي، فإن العدو من الداخل هو الحكومة الإسرائيلية الحالية التي يجب عزلها قبل التوصل إلى أي اتفاق.

ولكي يتمكن ترامب من إحياء “صفقة القرن”، فسوف يتعين عليه أن يتجاوز نتنياهو ويخاطب الجمهور الإسرائيلي مباشرة ويشير إلى الواقع الصارخ الذي يتجاهله الإسرائيليون ويستمرون في تجاهله ولكن يتعيّن عليهم التعايش معه. وينبغي له أن يؤكد على أن:

ما يقرب من سبعة ملايين فلسطيني يعيشون في الضفة الغربية وغزة وإسرائيل نفسها، وهو ما يعادل عدد اليهود الذين يعيشون في إسرائيل والضفة الغربية. فبأي وسيلة وإلى متى، يجب أن يسأل ترامب نفسه، تستطيع إسرائيل أن تهيمن وتضطهد الفلسطينيين من نفس عدد السكان دون نهاية في الأفق؟

لقد ولد تسعون في المائة من جميع الفلسطينيين تحت الإحتلال؛ وسوف يحرمون إسرائيل من أيّ يوم من السلام حتى يحرروا أنفسهم من قيود الإحتلال الذي أذلهم وسلبهم كرامتهم.

التعايش ليس أحد الخيارات العديدة؛ إنه الخيار الوحيد. يتعين على الإسرائيليين أن يختاروا العيش في سلام أو الإبقاء على حالة من العداء المستمر بينما يسمّمون جيلاً بعد جيل لتستهلكهم الكراهية والازدراء تجاه الفلسطينيين.

لقد فقدت إسرائيل الكثير من مكانتها الأخلاقية الدولية، والأمر الأكثر مأساوية هو أنها تفقد سبب وجودها. يشعر عدد متزايد من يهود الشتات بالخيانة من قبل الدولة التي اعتبروها ملاذًا لأي يهودي يريد العيش في سلام وأمن.

الخلاصة
من المستحيل المبالغة في تقدير القضايا المستعصية بين إسرائيل والفلسطينيين والتي يجب معالجتها للتوصل إلى اتفاق سلام. ولكن مهما كان ذلك مؤلمًا، فإنه سيتلاشى إذا قورن بالبديل المتمثل في استمرار الموت والدمار الذي سيدمر جيلًا بعد جيل.

يواجه ترامب فرصة تاريخية. يمكنه وضع الأساس لدولة فلسطينية أو تهيئة المسرح للحرب الكارثية القادمة. إن تعيينه لفريق داعم بشكل غير عادي لإسرائيل يمنحه المجال والمصداقية لإقناع الإسرائيليين بأن حلّ الدولتين فقط هو الذي يوفر لهم السلام والأمن، وتوفر “صفقة القرن” الإطار لتحقيق هذه الغاية.

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE