All Writings
ديسمبر 12, 2013

الوقت هو الذي سيحكم على نوايا إيران

لقد طُرح العديد من الأسئلة من خلفيات مختلفة في صحوة الإتفاق النووي المرحلي مع إيران حول صلاحية وأهمية هذا الإتفاق، أكان ذلك من مسئولين حكوميين أم من وسائل الإعلام داخل وخارج الشرق الأوسط. ووصف هذا الإتفاق بالجيد أو السيء لا يقدّم إلاّ تقييماً ضحلاً لاتفاقٍ قد يكون له تداعيات إقليمية ودولية كبيرة. ويعتمد نجاحه أو فشله بدرجة كبيرة على مدى رغبة إيران في الواقع بالإلتزام بشروطه المتعددة. والسؤال الأهم من ذلك، هو: هل سيؤدي هذا الإتفاق إلى اتفاقية دائمة تمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية؟ هذا سؤال واحد لا يستطيع أحد الإجابة عليه حتى الآن بكلّ تأكيد.

إنني أعرض فيما يلي بعض الأسئلة العامة وأحاول الإجابة عليها بدون التحيّز لأي طرف، آملاً أن ألقي بعض الضوء على العناصر الغير واضحة تماماً من الإتفاق وكيف ُينظر له من قبل معارضيه ومؤيديه.

لماذا يعارض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الإتفاق؟

هناك أربعة أسباب رئيسية، أولها أن نتنياهو لا يثق بالإيرانيين ومقتنع تماماً بأن إيران، كما فعلت في الماضي، ستغش للتقدّم ببرنامجها النووي لتصنيع الأسلحة. ثانياً، إنه يخشى البند الذي يسمح لإيران بتخصيب اليورانيوم (والذي سيصبح بنداً راسخاً في أية اتفاقية لاحقة) وهو المفتاح لتطوير الأسلحة النووية في المستقبل.

ثالثاً، نتنياهو بكل بساطة لا يثق بالرئيس الأمريكي باراك أوباما في اتخاذ أي عملٍ عسكري في حالة القبض على إيران تغش، وهو كما يرى يستبعد الإتفاق واقعياً التهديد بضربة عسكرية أمريكية. ويعتقد نتنياهو بأن إيران تلعب لكسب الوقت وبأنها ستتابع برنامج تصنيع الأسلحة النووية على مهلها. وأخيراً، نتنياهو يعلم بأنه لا يستطيع تحدّي الولايات المتحدة واتخاذ أي إجراء عسكري خلال فترة تنفيذ الإتفاقية وفي الوقت الذي تجري فيه المفاوضات على اتفاقٍ دائم، الأمر الذي سيسمح لإيران بالغش والتّوصل على الأرجح قريباً لنقطة الاختراق أو اللارجوع.


لماذا يساند أوباما الإتفاق؟

أولاً، بالنظر إلى أن أمريكا قد سئمت من الحروب والعنف في منطقة الشرق الأوسط، يشعر الرئيس أوباما بأن عليه الإلتزام لتغيير الديناميات السياسية في المنطقة والسعي وراء حلّ دبلوماسي للصراع مع إيران. إنه يأمل البناء على هذا الإتفاق المرحلي والتوصل لاتفاقٍ شامل يمنع بشكلٍ دائم إيران من امتلاك الأسلحة النووية.

ويعتقد أوباما بأن إيران قوة إقليمية مهمة ولا يمكن إخضاعها حتى بالوسائل العسكرية التي من شأنها فقط أن تؤخّر إيران من حيازة الأسلحة النووية ولكن لا تستطيع منعها. وهو مقتنع أيضاً بأن الإتفاقية قد تساعد على استقرار المنطقة لأن إيران قد تصبح لاعباً سياسياً إيجابياً وتساعد في حل الأزمة في سوريا وتهدئة النزاعات المسلحة في العراق وحتى في أفغانستان ويكون لها تأثيراً إيجابياً على الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني.

أضف إلى ذلك، فإن نجاح الإتفاق من وجهة نظر الرئيس أوباما قد يغيّر العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران منهياً بذلك حقبة ثلاثة عقود ونصف من النفور بين البلدين.


ما هي خيارات إسرائيل الحقيقية في حالة انهيار الإتفاق مع إيران؟

أولاً، سيحاول نتنياهو شاعراً بأنه على حق (إن بقي في سدّة الحكم) على إقناع الولايات المتحدة لإصدار إنذار يطالب إيران بتفكيك العديد من منشآتها النووية المتطورة ضمن فترة محدودة من الزمن وفرض عقوبات كاسحة جديدة والتحضير علناً لعمليات عسكرية. وإذا فشلت مساعيه بهذا الخصوص، قد تقوم إسرائيل على الأرجح باستعدادات علنية لضرب إيران على عاتقها الخاصّ لزيادة الضغط على الولايات المتحدة لاتخاذ عملٍ حاسم. وإذا استنتج نتنياهو بأن أوباما غير مستعد لاستخدام القوة العسكرية بالرّغم من تقديم برهان دامغ لا جدال فيه بأن إيران تخدع وأنها على وشك الوصول إلى نقطة اللارجوع لامتلاك الأسلحة النووية، سيعلن نتنياهو حينئذٍ بأن إسرائيل ستستخدم أية وسيلة متاحة لها لحماية نفسها.


هل تستطيع الولايات المتحدة أن تضمن بأن الإتفاق المرحلي يمنع إيران من حيازة الأسلحة النووية؟

ليس هناك قطعياً أي ضمان بأن أوباما قادر على منع إيران من حيازة الأسلحة النووية، ليس فقط بسبب ميل إيران الطبيعي للغش بل لأن المرشد الروحي الإيراني الأعلى، آية الله خامئني، لم يتخلّى أبداً عن ذلك كهدف.

ومن وجهة النظر الإيرانية، أن تصبح إيران قوة نووية سيعزّز جذرياً مطمح أن تصبح القوة المهيمنة في المنطقة. وما زالت الزمرة الحاكمة من رجال الدين في إيران مرتعبة من أنّ هدف أمريكا النهائي هو تغيير النظام وتشعر فقط بأن امتلاكها للأسلحة النووية هو الذي سيحمي النظام من الهدف الأمريكي المزعوم.

وبما أن إيران تشنّ حرباً بالوكالة ما بين الشيعة والسّنة، فإن حيازة السلاح النووي سيمنحها نفوذاً سيكولوجياً قوياً في التعامل مع العالم العربي ذو الأغلبية السنية.

وأخيراً، وبالرّغم من أن لدى إيران تاريخ طويل ومتواصل يمتد لما يزيد عن 4000 سنة، غير أن بمقدور الأسلحة النووية أن ترسّخ هويتها المكتسبة حديثاً بكونها الجمهورية الإسلامية وتمنحها الإعتراف والشهرة اللذين تسعى لهما إقليمياً ودولياً.


في حالة نجاح الإتفاق مع إيران، كيف سيؤثر ذلك على الحرب الأهلية في سوريا؟

يعتقد العديد من المراقبين بأن بإمكان إيران أن تلعب دوراً فعّالاً في إخماد الحرب الأهلية في سوريا. وتصرّ إيران على أية حال في هذا السياق أن يكون الرئيس السوري بشار الأسد جزءاً من الحلّ. وتبحث حالياً الولايات المتحدة وروسيا انضمام إيران لمؤتمر جنيف الثاني القادم.

وعلى ضوء ذلك، فإن دور إيران في حلّ الأزمة في سوريا يدور حول رغبتها الوحيدة للإبقاء على نفوذها ومصالحها الاستراتيجية لأنها تنظر لسوريا كعامل أساسي لسيطرتها على المساحة الممتدة ما بين البحر الأبيض المتوسط والخليج. ولذا ستستمرّ إيران بهذا الخصوص في دعم حزب الله مادياً وسياسياً واستخدامه قناة توصيل للحفاظ على مصالحها في لبنان وامتداده لسوريا.


هل سيعزّز هذا الإتفاق مصداقية أوباما أم سيزيد من تقليصها؟

بصرف النظر عن نجاح أو فشل هذا الإتفاق فإن مصداقية أوباما قد بهتت في أعين حلفاء أمريكا العرب، وبالأخصّ بسبب تذبذباته وانتكاساته في التعامل مع الحرب الأهلية السورية. وتعارض الدول العربية ذات الأغلبية السنية الإتفاق بسبب كراهيتها للشيعة بشكلٍ عام وتخوفها بشكلٍ خاص من إيران الشيعية التي بحوزتها أسلحة نووية. هم يشعرون بشدة بأن أوباما متعطش لنجاح كبير في السياسة الخارجية ومستعد للتضحية بحلفاء أوفياء مقابل استراتيجية سياسية مضلّلة تحمل في طياتها بضع نتائج إيجابية. هم يقولون بأنه ساذج لوثوقه بخطابات إيران حول السلام والدبلوماسية في حين تقوم إيران بمساعدة الإرهابيين ودعم نظام الأسد الإجرامي. وفي نظر هذه الدول، نجح الإتفاق أم لم ينجح، إيران ستبرز منه كالطرف الرابح لأنها ستواصل سعيها للحصول على السلاح النووي بطريقة أو بأخرى. وفي الحقيقة ترى هذه الدول العربية العين بالعين مع إسرائيل وهي في اتصال متواصل مع الإسرائيليين. وما يدعو للسخرية أنهم يثقون بإسرائيل أكثر من الولايات المتحدة في التعامل باحتمال حيازة إيران الأسلحة النووية. هم ينظرون إلى نتنياهو وليس إلى أوباما كالقائد الذي باستطاعته أن يوقف إيران في حدودها.

وفي تقلّب غريب للأحداث، ولإظهار سخريتهم بأوباما، دُعي رئيس دولة إسرائيل، شمعون بيرس، عن طريق الأقمار الصناعية لتوجيه كلمة لمؤتمر أمن الخليج المنعقد حديثاً في أبو ظبي. وكان العديد من كبار المسئولين والخبراء من الدول العربية والإسلامية حاضرين أثناء إلقاء الكلمة، الأمر الذي – بكل بساطة – كان غير متصوراً قبل بضعة أشهر فقط.


ما هو احتمال أن تلتزم إيران بالإتفاق وتقوم بتنفيذه؟

يجادل العديد من المعارضين للإتفاق بقولهم أن بنود الإتفاق المختلفة لا تشير إلى أن إيران قد تخلّت عن طموحها في امتلاك السلاح النووي. ومنذ البداية، لقد أصرّت إيران على الإبقاء على تخصيب اليورانيوم في أراضيها ونجحت كما يبدو في ذلك ، الأمر الذي تعارضه إسرائيل وجميع الدول العربية تقريباً بشدة.

لقد رفضت إيران تفكيك أيّ من منشآتها النووية ووافقت فقط على تجميد تطوير منشآت الماء الثقيل التي تنتج البلوتونيوم وألاّ تشغّل وحدات طرد مركزي جديدة طيلة فترة الإتفاقية. وأولئك اللذين يعارضون الإتفاق يقولون أن بإمكان إيران عكس كل ذلك متى شاءت. رفضت إيران أيضاً شحن حوالي 500 رطل من اليورانيوم المخصّب بنسبة 20% للخارج ووافقت بدلاً من ذلك فقط على تخفيض النصف فقط لنسبة 5% وتحويل الباقي لأكسيد اليورانيوم الذي ممكن إيقافه إذا قررت إيران تغيير نهجها كما يجادل المعارضون للإتفاق.

وبالرّغم من أنّ إدارة الرئيس أوباما تصرّ على أن إيران قد قبلت بنظام تفتيش جديد إقتحامي لم يسبق له مثيل، غير أن المصادر الإيرانية تصرّ على أنها وافقت فقط على “دخول منظّم” وأنه ما زال عليها قبول عمليات التفتيش الغير معلنة لمنشآتها التحت أرضية الأكثر حساسية في موقع فوردر بالقرب من مدينة قم ومجمّع باراشين العسكري الذي يُشك أن يكونوا قد قاموا فيه بتجارب بمعدات وأجهزة نووية.

وأخيراً، فقد أعلن المتشدّدون وبالأخص الحرس الثوري بأن العلاقات مع الولايات المتحدة ستبقى عدائية وبأنهم ينتظرون أية إشارات لضعف الرئيس روحاني لتقويض الإتفاق. ويصرون على أن إيران قد أظهرت مرونة كبيرة وبالمقابل يجب إلغاء جميع العقوبات بشكل دائم.

وبالرّغم من أن هؤلاء المتشدّدين سيحجمون عن تحدي الإتفاق بشكلٍ علني ما دام آية الله خامئني مستمرّ في تأييده، فإنهم سيغيّرون المسار حالما يقرّر خامئني بأن هذا الإتفاق لم يعد في مصلحة إيران العليا للتقيّد به. إنّ لديهم الوسائل والقدرة والشبكة لتجنيد مئات الآلاف من الناس في وقت قصير وهذا ما لا يستطيع روحاني أن يفعله.

إذن، هل هو اتفاق جيد أم سيء؟ الوقت وحده سيخبر بذلك.

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE