All Writings
مارس 17, 2020

سياسة ترامب الداخليّة الكارثيّــة

للأسف ، لقد اعتدنا على أكاذيب ترامب وبياناته الخاطئة حول التقدم المزعوم الذي حققته الولايات المتحدة خلال ولايته. لقد حان الوقت لإلقاء نظرة فاحصة على سياسته الداخلية التي تتسبب في أضرار وألم رهيبين لغالبية الأميركيين. يعرف ترامب أنه يكذب فيما يتعلق بكل شيء ، لكنه يواصل بيع أكاذيبه بنجاح إلى قاعدته التي تمثّل 25 إلى 30 في المائة من الأميركيين الذين ما زالوا يؤمنون بكل كلمة يقولها. في مقالتي السابقة تناولت السياسة الخارجية الفوضوية لترامب وفي هذه المقالة أقدم مراجعة موجزة حول إخفاقات ترامب الداخلية الكئيبة وتداعياتها.

لقد أدت سياسة ترامب حول الهجرة إلى إلحاق الخزي والعار مرارًا وتكرارًا بهذا البلد الذي بناه المهاجرون وكان منارة الأمل لمن يبحثون عن حياة جديدة وفرص جديدة. بدأت الإساءة بـ “حظر المسلمين” ، حيث استهدف أولئك الذين ينتمون إلى بلدان ذات أغلبية مسلمة والتي اعتبرها ترامب تهديدًا وألحقها حتى بإعلانات وأوامر تنفيذية أكثر تمييزًا. وفي حظر آخر استهدف طالبي اللجوء على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة وأمر دون خجل بفصل الأطفال عن آبائهم ووضعهم في أقفاص غير صالحة حتى للحيوانات الضالة.

لقد رفض النظر في التشريعات التي ستمنح الجنسية لحوالي مليوني شخص ممّن يُطلق عليهم (Dreamers)، أي المهاجرين الشباب الذين يقيمون في الولايات المتحدة بشكل غير قانوني بعد أن أحضرهم آباؤهم إليها، بما في ذلك حوالي 700.000 مستفيد من (DACA) (ويعني الإجراء المؤجل للقادمين من مرحلة الطفولة الذي يسمح لبعض الأفراد الذين لديهم وجود غير قانوني في الولايات المتحدة بعد إحضارهم إلى البلاد كأطفال لمدة عامين قابلة للتجديد ويصبحون مؤهلين للحصول على تصريح عمل في الولايات المتحدة) وهؤلاء لا يعرفون أي دولة أخرى. إنهم يعملون بجد وإخلاص وليس لديهم مكان آخر يذهبون إليه. وهو يصر على بناء جدار عديم الفائدة على طول الحدود المكسيكية يكلف مليارات الدولارات والذي سيكون بكل المقاييس غير فعال ولن يمنع المهاجر المصمم من عبوره. وأخيرًا ، رفض منح طريقة المواطنة لحوالي 11 مليون مهاجر غير شرعي لا يشكلون فقط جزءًا لا يتجزأ من الصناعات الأمريكية، بل الثقافة الأمريكية أيضًا. لقد وضع مسؤولاً عن سياسة الهجرة مستشاره من “العرق الأبيض المتفوق” القاسي القلب والمتعجرف ، ستيفن ميلر ، الذي لا يتعدى أسلوبه الضيق الأفق للهجرة سوى تعصبه وروحه الجوفاء.

تشريع ترامب لخفض الضرائب بعيد كل البعد عن إستفادة جميع الأميركيين منه. تُظهر في الواقع جميع الدراسات أن الفاتورة الضريبية تعود بالنفع على الأغنياء بالدرجة الأولى وأنها في الواقع تضر بالأسر المتوسطة والعائلات ذات الدخل المنخفض. وفي حين أن معدل البطالة منخفض ، إلا أن الأجور لا تزال راكدة وغالباً ما يضطر عدد متزايد من الأسر إلى الاختيار بين الغذاء والدواء. إنه يربط بشكل غير أمين بين الأرقام القياسية لسوق الأوراق المالية (قبل اندلاع فيروس كورونا) بصحة الاقتصاد ، في حين أن الغالبية العظمى من الأمريكيين لا يتاجرون في سوق الأسهم ولا يستفيدون من مكاسب السوق المتكررة السابقة.

وبينما زعم ترامب أن “الأزواج المتزوجين لن يدفعوا شيئا ً من ضريبة الدخل على ال 24.000 دولار الأولى من دخلهم، غير أن الأسرة النموذجية المكونة من أربعة أفراد والتي تكسب 75.000 دولار في السنة ترى تخفيض فاتورة الضرائب الخاصة بهم إلى النصف … “، كما أدى التخفيض الضريبي إلى زيادة الدين الوطني بأكثر من 1 تريليون دولار ، في حين أن الفقر في ازدياد.

وفي حين أن ترامب حاول وفشل في إبطال “نظام أوباما للرعاية الصحية” المسمّى “أوباماكير” Obamacare، اختار بدلاً من ذلك تفريغه من مضمونه بقدر الإمكان ، مما تسبب في فقدان الملايين للتغطية. ترامب يكذب باستمرار فيما يتعلق بمواقفه ، خاصة حول الظروف السابقة. على سبيل المثال ، قام بتغريدة تقول: “كنت الشخص الذي أنقذ الشروط المسبقة في رعايتك الصحية التي تتمتّع بها الآن …”. والحقيقة هي أن الرعاية الصحية للأشخاص الذين يعانون من ظروف موجودة مسبقًا كانت مضمونة بموجب قانون الرعاية الميسرة لأوباما ؛ لا يغطي بديل ترامب المقترح الشروط الموجودة مسبقًا ، وادعائه بالعكس هو كذبة واضحة مصممة لتعزيز الدعم من قاعدته.

ولإثبات تصميمه على الحصول على الدعم الفيدرالي من برامج شبكة الأمان ، بما في ذلك الرعاية الصحية ، يقترح ترامب تخفيض مليارات الدولارات من هذه البرامج الحيوية من مقترح الميزانية الفيدرالية البالغة 4.8 تريليون دولار لعام 2021. ويشمل ذلك 1 تريليون دولار من التخفيضات لميديكايد وقانون الرعاية بأسعار معقولة لأكثر من عقد من الزمن ، وهو ما يتناقض بشدة مع تصريحاته العامة.

يقدر المركز الوطني للأطفال الفقراء أن 15 مليون طفل في الولايات المتحدة – أي ما يعادل 21 في المائة من جميع الأطفال الأمريكيين – يعيشون في أسر يقلّ دخلها عن عتبة الفقر الفيدرالية ، وهو قياس ثبت أنه يقلل من الاحتياجات الأساسية للأسر. وتشير التقديرات إلى أن 3.5 مليون أميركي – بما في ذلك 1.25 مليون طفل – سوف يعانون من واحدة أو أكثر من حلقات التشرد على مدار هذا العام.

في عام 2019 أنفقت الولايات المتحدة أكثر من 100 مليار دولار على الائتمان الضريبي للطفل ، وهو أكبر الإنفاقات الفيدرالية الفردية الذي يهدف إلى إفادة الأطفال. والمشكلة الوحيدة في ذلك هي أنه فشل في مساعدة أولئك الذين يحتاجون إلى الائتمان الضريبي أكثر من غيرهم. ثلاثة وعشرون مليون طفل غير مؤهلون للحصول على الائتمان الضريبي للطفل كاملاً لأن والديهم يكسبون القليل جدًا للتأهيل حيث أن هيكله الحالي يفيد الأسر ذات الدخل المرتفع. لا يحق لأكثر من 50 في المائة من الأطفال من أصل لاتيني وسود ومن غير الأصول الإسبانية الاستفادة بالكامل من نظام الإئتمان الضريبي ، وما يقرب من 1 من كل 5 أطفال من أصل أسود غير إسباني لا يستفيدون على الإطلاق منه.

وأحد أكبر إخفاقات ترامب المحلية هو عدم إقتراح أي تشريع مهم للتصدي للبنية التحتية المتهالكة في أمريكا والتي دافع عنها خلال حملته الإنتخابية للرئاسة في عام 2016. وتقول الجمعية الأمريكية للمهندسين المدنيين (ASCE) إن البنية التحتية لهذا البلد في حاجة ماسة للإستثمار. وفي تقرير البنية التحتية لعام 2017 الذي يتفحّص 16 فئة مختلفة ، حصلت البلاد على علامة D+ ، وهي نفس العلامة التي حصلت عليها في عام 2013.

تقدر الجمعية الأمريكية للمهندسين المدنيين (ASCE) أننا بحاجة إلى إنفاق 4.5 تريليون دولار تقريبًا على مدار السنوات الخمس القادمة لإصلاح طرق وجسور وسدود البلاد وغيرها من الهياكل الأساسية. في السنوات العشرين الماضية وحدها كان هناك عدد من الإخفاقات الكارثية في الجسور أدت إلى مقتل وإصابة المئات ، بما في ذلك انهيار مينيابوليس وجسر مينيسوتا في عام 2007 الذي أسفر عن مقتل 13 شخصًا وإصابة 145. والحالة السيئة للطرق والممرات المائية والمنتزهات والمدارس الأمريكية قد أثرت سلبا ً على المدن والبلدات الصغيرة في جميع أنحاء البلاد. ويُعزى العدد المتزايد للفيضانات – التي تُنسب جزئياً إلى تغير المناخ – إلى فشل البنية التحتية. وذكرت إدارة الموارد الطبيعية في نبراسكا في عام 2018 أن “أوجه القصور موجودة والتي من شأنها أن تؤدي إلى إنهيار السدود خلال أحداث نادرة “. حتى مياه الشرب في أمريكا حصلت على درجة D ، حيث أن أكثر من مليون أنبوب قيد الاستخدام عمرها 100 عام تقريبًا وفي حاجة ماسة للإصلاح.

إن رفض ترامب لتغيّر المناخ هو أحد أخطر المواقف التي اتخذها كرئيس. إن تصرفاته العديدة ، بما في ذلك الإنسحاب من اتفاق باريس بشأن تغيّر المناخ وزيادة إلغاء القيود البيئية وإدراج أسماء رافضي تغيّر المناخ في وكالة حماية البيئة ووزارة الداخلية ليست سوى صور خطرة. الدليل العلمي على تغيّر المناخ غالب ، ولكن ترامب يستمر في الإدعاء بأن تغيّر المناخ هو خيال ويصرخ “الإحتباس الحراري العالمي هو خدعة باهظة الثمن!” و “يجب أن نرفض الأنبياء الدائمي التنبؤ بالهلاك وبنهاية العالم”. وتشير الحرائق غير المسبوقة في الأمازون وأستراليا وكاليفورنيا وارتفاع درجات حرارة البحر وشدة الأعاصير إلى الخطر المشؤوم المتمثل في تغيّر المناخ الذي لا يمكن أن ينكره أحد سوى رجل أعمى مثل ترامب.

وضعت إدارة ترامب في أغسطس 2019 خططًا لخفض اللوائح الخاصة بانبعاثات الميثان المعروفة بأنها مساهم رئيسي في تغيّر المناخ. الولايات المتحدة هي ثاني أكبر ملوث في العالم بعد الصين وأكثر من أي دولة أخرى تتحمل مسؤولية خفض انبعاثات الغاز. بالإضافة إلى ذلك ، وفقا لصحيفة نيويورك تايمز ” سعى السيد ترامب إلى فتح ملايين الأفدنة من الأراضي والمياه العامة للحفر، بما في ذلك محمية الحياة البرية في القطب الشمالي، ورفع الحظر الذي فرض في عهد أوباما على عقود جديدة لتأجير الفحم على الأراضي العامة “.

تؤثر أزمة المواد الأفيونية الأمريكية على أناس من جميع مناحي الحياة والخلفيات الإقتصادية – صغارا وكبارا ، ذكورا وإناثا. ووفقا للمعهد الوطني لتعاطي المخدرات، ما بين 21 إلى 29 في المئة من المرضى الذين يتعاطون الأفيونيات يسيئون استعمالها ، 8 إلى 12 في المئة يصابون بإلإدمان و 4 إلى 6 في المئة الذين يسيئون استخدام أفيونيات الوصفات الطبية ينتقلون في نهاية المطاف إلى الهيروين. بالإضافة إلى ذلك ، يموت ما يقرب من 130 شخصًا كل يوم بعد تناول جرعة زائدة من المواد الأفيونية – والتي تشمل مسكنات الألم التي تصرف بوصفة طبية والهيروين والمواد التركيبية مثل الفنتانيل.

كانت استجابة ترامب للوباء سيئة جدّا ً على الرغم من أنه يحب أن يعزو لنفسه الفضل في الإنخفاض العام في وفيات الجرعات الزائدة من المخدرات في عام 2018. وحتى مع هذا الإنخفاض، لا يزال عام 2018 ثاني أعلى عام على الإطلاق من حيث عدد الوفيات بالجرعة الزائدة – الذي تمّ تجاوزه فقط من قبل عام 2017. وتشكل أزمة المواد الأفيونية في جوهرها أزمة للصحة العامة، ومع ذلك يواصل ترامب الدعوة إلى سحب التمويل لصالح المعونة الطبية وإلغاء قانون الرعاية بأسعار معقولة ، وهي البرامج التي مكّنت الأميركيين ذوي الدخل المنخفض على وجه الخصوص من الحصول على الرعاية الصحية وأظهرت تقليل الوفيات الناجمة عن جرعات زائدة من المواد الأفيونية.

إن عدم رغبة ترامب في سن قوانين التحكم في الأسلحة يجعله متواطئًا في مقتل أكثر من 100 أمريكي يقتلون يوميًا بالأسلحة النارية. ففي عام 2017 وصلت وفيات الأسلحة إلى أعلى مستوى لها منذ عام 1968 مع ما يقرب من 40.000 حالة وفاة بالأسلحة النارية. ومقابل كل شخص قتل في حادث بالأسلحة النارية هناك ستة آخرون أصيبوا في هجوم بالأسلحة النارية. بالإضافة إلى ذلك ، وكما يشير مركز جيفوردس للقانون، هناك معدل إطلاق نار جماعي واحد في المتوسط كل يوم في الولايات المتحدة.

حتى في عمليات التحقق من الخلفية والبنادق الهجومية، فقد قام ترامب بالتخبط لأنه لم يلتزم أبدًا بصدق لسن أي قوانين فعالة للتحكم بالأسلحة. علاوة على ذلك ، يربط ترامب بانتظام إطلاق النار الجماعي بالمرض العقلي وحده ويدعو إلى المزيد من مؤسسات الأمراض العقلية بدلاً من قوانين الأسلحة الأكثر صرامة. لم يفعل ترامب شيئًا تقريبًا لسن تشريع أسلحة الفطرة السليمة وبقي بالكامل في جيب مؤيدي حمل السلاح والجمعية الوطنية للبنادق.

وعلى الرغم من ادعاءات ترامب لعكس ذلك، فإن حروبه التجارية لم تفعل سوى القليل لتعويض الفجوة بين الواردات والصادرات الأمريكية إلى الصين التي تفضل الأخيرة. المزارعون الأمريكيون غاضبون من أكاذيب ترامب في حربه التجارية مع الصين. فوفقًا لصحيفة واشنطن بوست ، فإن التعريفات الصينية الجمركية تغلق أكبر سوق تصدير للمنتجات الزراعية الأمريكية في العالم.

تنطبق أكاذيب ترامب وبياناته الخاطئة حول التجارة بالتساوي على “نافتا” (إتفاقية التجارة الحرّة لأمريكا الشمالية NAFTA). مرة أخرى، قال في أحد تصريحاته المضللة: “نحن نتعامل مع نافتا – واحدة من أسوأ الصفقات التي تمت على الإطلاق في تاريخ التجارة – ونحن نعيدها … لقد فقدنا الآلاف من المصانع وملايين الوظائف بسبب نافتا … نحن نديرها. تعود كرايسلر الآن إلى مصانع السيارات … إننا نقوم بعقد صفقات تجارية لا تصدق “. في الواقع ، لا تختلف اتفاقية الولايات المتحدة التجارية مع المكسيك وكندا المعروفة بمصطلح USMCA والتي تم التفاوض عليها حديثًا عن اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (NAFTA) ، لكن اتركها لترامب للتفاخر بمدى جودة الصفقة التجارية الجديدة.

في المجمل، ستؤثر السياسات الداخلية الكارثية لترامب على حياة ورفاهية معظم الأميركيين لسنوات قادمة. يجب كشف إخفاقاته ليراها الجميع ويجب اتخاذ تدابير تصحيحية جذرية لمعالجتها بشكل منهجي. من المؤكد أن التكلفة ستكون فلكية، ولكن بعد ذلك، ومن خلال رؤية واضحة وتصميم ، وميزنة مسؤولة وفرض ضرائب عادلة على مدى فترة تتراوح من خمس إلى سبع سنوات يمكن معالجة الكثير من العلل المحلية في أمريكا على أساس متواصل.

إن أمن أمريكا القومي في المستقبل وقيادتها العالمية متشابكة كما كانت دائمًا بصحتها وحيويتها المحلية. أي رئيس جمهوري أو ديمقراطي يفشل في فهم هذه الحقيقة سيفعل ذلك على مسؤوليته.

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE