All Writings
ديسمبر 3, 2025

يجب منع ترامب من تدمير ديمقراطيتنا

لقد اختار ترامب نهج الإستبداد الكارثي. ماذا يتطلب الأمر لإيقافه عن تدمير ديمقراطيتنا واستبدالها بدكتاتورية ؟

يجب على كل أمريكي أن يتذكر أن الولايات المتحدة ليست على وشك استيلاء استبدادي على السلطة؛ بل نحن من نشهده الآن. يتصرف ترامب بمنهجية في وضح النهار على ذلك في ظل صمت مطبق من الحزب الجمهوري، وكأن الصمت في وجه تدمير ديمقراطيتنا هو الوطنية. إنه يضع قواعد جديدة لترسيخ ديكتاتوريته مع حلفائه من الأوليغارشيين. يجب إيقاف ترامب بكل الوسائل القانونية الممكنة. لكن أولًا، لماذا تحتاج الديمقراطية إلى يقظة دائمة ؟

حماية الديمقراطية بغيرة
الديمقراطية هي النظام السياسي الأكثر هشاشة، ولا يمكن اعتبارها أمرًا مسلمًا به. يجب أن يحميها الشعب باستمرار وبحماسة لتصمد في وجه تهديدات وتلاعبات أولئك الذين يسعون للسيطرة على الجمهور وإخضاعه لأهوائهم، والذين لا يشبعون من جوعهم للسلطة، مثل ترامب. لذا، ولدعم الديمقراطية الليبرالية، لا بد من وجود مؤسسات غير سياسية تمنع السلطة التنفيذية من السيطرة على كل شيء: محاكم مستقلة ووسائل إعلام مستقلة وطبقة مستقلة من الأعمال ورجال الأعمال وخدمة مدنية مستقلة.

تتجلى علامات التحذير من الإستبداد في المجتمعات الديمقراطية أيضًا. فكثيرًا ما يُمجّد عدم الإكتراث واللامبالاة، ويُخفى الحقد في صورة سياسة ويُنظر إلى التوافق على أنه وطنية وتُختزل السياسات المعقدة في شعارات ويخشى الناس قول الحقيقة، لأنه في زمن الخداع الشامل، يُعدّ قول الحقيقة فعلًا ثوريًا. وحاليًا، يُجسّد الجمهوريون في مجلسي النواب والشيوخ ذلك بإتقان. لذلك، إذا لم يتمّ الدفاع عن الحقيقة، وإذا لم يُسترد الإهتمام بالقيم الأساسية للديمقراطية، فستُترك الحرية للراحة. وهكذا تُصبح الديمقراطية الوسيلة التي تُحرك صعود الديكتاتورية، والتي، وللمفارقة، تُحركها انتخابات حرة ونزيهة – وصعود هتلر خير مثال على ذلك. ولا يختلف الرئيس الصيني شي جين بينغ والرئيس الروسي بوتين عن الطامحين إلى الحكم المستبد مثل ترامب إلا في الإسم والشعارات، ولكن ليس في ازدرائهما للعقل الحر والحقيقة اللذين يخشيانهما أكثر من أي شيء آخر.

وهكذا، فإن جوهر الديمقراطية المُتجذّر في شبكة من الديناميكيات المتغيّرة باستمرار يتطلب اهتمامًا واجتهادًا مستمرين في البحث عن الحقيقة التي تدعم الديمقراطية في تطورها المستمر. وكما تقول مقولة شهيرة: “اليقظة الدائمة ثمن الحرية”. وهناك ثلاث قوى جبارة مجتمعةً يمكنها منع ترامب من تدمير ديمقراطيتنا، وهي: الإحتجاجات الشعبية السلمية المستدامة؛ والإستخدام غير المُقيد لوسائل الإعلام؛ وحماية استقلال القضاء.

الإحتجاجات الشعبية المُكثّفة
عندما تنتهك حكومة ما المبادئ الديمقراطية، يُمكن للمظاهرات السلمية واسعة النطاق أن تُرسل رسالة قوية. إنها وسيلةٌ للناس للتعبير جماعيًا عن التزامهم بالقيم الديمقراطية والدعوة إلى التغيير دون اللجوء إلى العنف.

إن استمرار المظاهرات السلمية المتواصلة التي يشارك فيها الملايين من الساحل إلى الساحل شرطٌ أساسيٌّ لحماية ديمقراطيتنا. يجب على ملايين الأمريكيين، بغض النظر عن توجهاتهم السياسية أو عرقهم أو دينهم، ممن يهتمون بمستقبل البلاد، أن يتدفقوا إلى الشوارع حاملين رسالةً واحدة: لن نتراجع أو نستسلم أو نُخاف أبدًا، وسنبقى ثابتين وصامدين، وسنلجأ إلى أي وسيلة سلمية أخرى، بما في ذلك العصيان المدني والإضرابات، حتى يتوقف ترامب عن انتهاكاته لمبادئنا الديمقراطية ويلتزم التزامًا كاملًا بقسمه الرئاسي بالدفاع عن الدستور وحمايته.

ومع ذلك، لا يقتصر التعبير عن المعارضة على الإحتجاجات السلمية؛ فتشجيع الحوار المفتوح وسيلةٌ أخرى للناس للتعبير عن المعارضة، ويمكن أن يشمل فئاتٍ مختلفة. ويمكن لقادة المجتمع والمعلمين ومنظمات المجتمع المدني، وحتى المواطنين العاديين، أن يلعبوا دورًا في قاعات البلديات أو المنتديات المجتمعية. يتعلق الأمر بتهيئة مساحات يشعر فيها الناس بالأمان لمشاركة آرائهم والإستماع إلى الآخرين. لذا، فإن الحفاظ على ديمقراطيتنا مسؤولية مشتركة بين مختلف شرائح المجتمع.

يجب على الجمهور الذي قد يتحمل وطأة الحكم الديكتاتوري أن يكون خط الدفاع الأول، مستعدًا لمواجهة أي تهديد أو ترهيب أو قوة، وأن يظل ثابتًا في التزامه بحماية ديمقراطيتنا ضد كل الصعاب.

حرية الصحافة لا تتزعزع
تُعدّ حرية الصحافة أحد الشرايين الرئيسية التي تغذي جميع أجهزة الديمقراطية. لقد حطم ترامب استقلال وسائل الإعلام الحكومية وتجنب جميع الشبكات باستثناء تلك التي من شأنها نشر روايته الكاذبة، وقمع النقد وخنق الصحافة الحرة التي هي نبض الديمقراطية.

في كتابه “رسالة لاهوتية سياسية”، يُجادل سبينوزا بأن حرية الفكر هي حجر الزاوية في حماية الديمقراطية، وأن الحوار المفتوح وحرية التفلسف هما مفتاح مجتمع ديمقراطي سليم وسلمي. ويؤكد أنه “في دولة حرة، لكل إنسان أن يفكر كما يشاء، وأن يقول ما يعتقده”، وهذا ما يجب على كل أمريكي أن يُناضل من أجله. يجب على كل وسيلة إعلامية، وكل مراسل، وكل صحفي أن يقاوم بكل قوته أي محاولة من ترامب وأتباعه لقمع حريتهم في إبقاء الجمهور على اطلاع والسعي إلى سبل انتصاف قانونية لحماية حقهم.

وأُشيد بهذا السياق بهيئة الصحافة في البنتاغون لعدم خضوعها لقواعد وزارة الدفاع الجديدة التي تمنعها من نشر مواد لم يوافق عليها وزير الدفاع مباشرةً. لقد اختاروا، بالإجماع تقريبًا، تسليم تصاريحهم الصحفية بدلًا من الموافقة على هذه القواعد الإستبدادية.

يجب على كل مؤسسة إخبارية ألا تستسلم أبدًا وتحرم ترامب من إحدى أهم أدواته لتعزيز مخططه الإستبدادي الشرير. ترامب لا يحتاج إلى محو الحقيقة؛ فهو بارع في إغراقها بأكاذيب متكررة. إنه يُرهب ويُهين ويزرع الخوف في أوساط الصحافة لمنعهم من طرح أسئلة لا يريد الإجابة عليها. ولكن ما دامت الصحافة ترفض الصمت، فنحن ما زلنا أحرارًا، وما دمنا أحرارًا، تزدهر الديمقراطية.

حماية نزاهة القضاء
للحفاظ على استقلال القضاء كركيزة من ركائز الديمقراطية، يُعدّ ضمان تعيين القضاة على أساس مؤهلاتهم ونزاهتهم، لا على ولائهم السياسي، أمرًا جوهريًا لإقامة العدل والإلتزام بسيادة القانون. وتُعد حماية المحاكم من التدخل السياسي وضمان تمتعها بالإستقلالية في اتخاذ القرارات أمرًا بالغ الأهمية. وتساعد هذه الضمانات في الحفاظ على نزاهة القضاء وحيادته.

أثبت معظم القضاة الفيدراليين في هذا البلد، بغض النظر عن توجهاتهم السياسية، أن العدالة تسود، حتى في مواجهة الضغوط السياسية الشديدة من ترامب. وقد سلّطت دراسة أجرتها منظمة “جاست سيكيوريتي” الضوء على مقاومة المحاكم لسلوك وزارة العدل المروع. لقد وجدت الدراسة، التي تناولت 400 دعوى قضائية مرفوعة ضد الإدارة، أنه في 35 قضية منها اتهمت المحكمة الحكومة بتقديم معلومات كاذبة أو إقرار كاذب تحت القسم. وفي أكثر من 50 قضية، تورطت الحكومة في سلوك تعسفي ومتقلب. وفي 15 قضية انتقدت المحكمة الحكومة لعدم امتثالها لأوامرها، وهو ما صرّح به الباحث الرئيسي، رايان غودمان، أستاذ القانون بجامعة نيويورك، لبرنامج 60 دقيقة، بأنه “وجده مُذهلاً”. الأمر المُرعب هنا هو أنه بمجرد تجاهل نظام الضوابط والتوازنات عمداً– وهي الركائز التي ترتكز عليها الديمقراطية – فإنه بذلك يتمّ تجاوز الخط الأحمر الذي يفصل الديمقراطية عن النظام الإستبدادي.

فشل للأسف قضاة المحكمة العليا الجمهوريون، الذين يشكلون الأغلبية، في الإرتقاء إلى المستوى العالي المتوقع منهم، وغالبًا ما حكموا لصالح ترامب، حتى عندما اعتبرت المحاكم الأدنى العديد من أوامره التنفيذية بأنها غير دستورية. فمن مايو إلى سبتمبر من هذا العام، حقق ترامب في قضايا مثل حجب الأموال وتعليق الإجراءات القانونية الواجبة سلسلة انتصارات في 16 قضية، وهو أمر مثير للسخرية لأنه خلال سنوات بايدن ركزت المحكمة العليا على كبح جماح السلطة الرئاسية. قضية أخرى أمام المحكمة الآن تتعلق بالرسوم الجمركية التي تصرف ترامب بشأنها من جانب واحد والتي ينص الدستور بوضوح على أن الكونجرس وحده هو من يملك فرضها.

من الصعب تصديق ذلك، لكنه صحيح. ديمقراطيتنا المستقبلية بين أيدي تسعة قضاة، ستة منهم جمهوريون. عليهم الآن أن يقرروا ما إذا كانوا سيواصلون استيعاب ترامب، النرجسي الخبيث والمجرم والكاذب الشهير، أم سينقذون أمريكا، أعظم تجربة ديمقراطية في التاريخ.

يجب على كل قاضٍ في المحكمة العليا أن يتذكر أن العالم أجمع يراقب، والتاريخ يسجل كل صوت يدلي به. هل سيضعون الحزبية جانبًا وينقذون البلاد، أم سيسمحون لرجل مريض بالتضحية بديمقراطيتنا على مذبح شر يجسده ؟ سيحكم عليهم التاريخ إلى الأبد إذا لم يلتزموا بقسمهم، “بدعم دستور الولايات المتحدة والدفاع عنه”.

نورٌ على الأمم الأخرى
تطمح دولٌ عديدةٌ حول العالم إلى محاكاة المُثل والقيم الديمقراطية التي نادت بها أمريكا، لأنها تُلبي المسعى الإنساني الأصيل للحرية والديمقراطية. ليس هذا وقت اليأس، بل وقت الشجاعة. علينا جميعًا أن نُواجه التحدي لحماية هذه الديمقراطية الفريدة، التي يبلغ عمرها 250 عامًا، وإنقاذها، وألاّ نتراجع أو نستسلم أبدًا.

لا يأتي حكم الإستبداد بالدبابات، بل يتسلل مع الصمت واللامبالاة وتطبيع الأكاذيب. لم يعد السؤال ما إذا كان ترامب يسعى إلى الحكم الإستبدادي، بل ما إذا كنّا، نحن الشعب الأمريكي، نمتلك الشجاعة لمقاومته قبل فوات الأوان.

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE