ما بعد الانسحاب من غزة – اختبار إرادة
بقلم أ.د. ألون بن مئير 19 أيلول (سبتمبر) 2005
لقد غيّر الانسحاب من غزة الخارطة السياسية في إسرائيل والمناطق الفلسطينية. فالنجاحات السياسية لرئيس الوزراء الإسرائيلي شارون ومسيرة التطور الاقتصادي والسياسي في غزة، وتوقعات اشتراك حماس في الانتخابات الفلسطينية ونتائج هذه الانتخابات، وبصورة خاصة أيضا استمرار وقف إطلاق النار، هذه كلها ستختبر إرادة المشاركين في اللعبة السياسية إما للاستمرار في البناء على هذا التطور الجديد أم تفويت فرصة أخرى عظيمة الشأن. لقد وضع شارون جميع آماله وتطلعاته السياسية على الانسحاب، فمنافسه في قيادة حزب الليكود، بنيامين نتنياهو، مصمم على الإطاحة به. ولقد اعتبر خطاب شارون الأسبوع الماضي أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة من قبل الجناح المتطرف في حزبه بمثابة إعلان الطلاق. فإذا نجح نتنياهو في انتزاع قيادة الحزب من شارون، فانه سيدعو لإجراء انتخابات مبكرة وسيكون هناك حينئذ عدد من السيناريوهات المحتملة: فمثلا من المحتمل أن ينقسم حزب الليكود على نفسه إلى شطرين، فصيل بقيادة شارون والآخر بقيادة نتنياهو. أما حزب العمل بقيادة شمعون بيريس فقد يحاول القيام بلعبة سياسية جديدة لتقوية قاعدته السياسية المحطمة، وقد يفعل ذلك دون جدوى. ولربما تتحد أيضا أحزاب أخرى صغيرة من يمين الوسط مع بعضها البعض وتشكل كتلة قوية مع الشطر اليميني المتطرف من حزب الليكود لإيقاف مسيرة شارون. ولكن حتى في حالة حدوث أي من هذه التشكيلات السياسية سيبقى شارون القائد الأكثر شعبية وقد يفوز في إعادة انتخابه عن طريق تحالف سياسي جديد بتشكيل حزب وسط مكوّن بصورة أساسية من حزب العمل وحزب شنوي وغيره من الأحزاب الإسرائيلية الوسط تكون لها الأغلبية البرلمانية. وبالتزامه بخارطة الطريق فان شارون القائد الإسرائيلي الوحيد الذي بإمكانه القيام بتنازلات إقليمية أخرى في الضفة الغربية والرفع في الواقع من تأييده الشعبي. استئناف العنف فقط هو الذي سيتمكن من تقويض مركز شارون في الوقت الحاضر أو من إضعاف فرص إعادة انتخابه. ولمنع حدوث أعمال العنف هذه، على الفلسطينيين، وبالأخص حماس، أن يتذكروا بأن الإسرائيليين تقليديا، وبالأخص منذ عقد اتفاقية أوسلو عام 1993، قد انتخبوا قياداتهم حسب تصرف الفلسطينيين، وبالأخص مستوى العنف. سيقدم العنف في عالم ما بعد الانسحاب من غزة لخصوم شارون السياسيين، وبوجه الخصوص نتنياهو، الذخيرة التي يحتاجونها لحبك قضية مقنعة ضده بهدف دفع الإسرائيليين باتجاه اليمين. ولن يكون العنف مضرا فقط لشارون سياسيا، بل وأيضا للفلسطينيين. وكما قلت مرارا، فان نتنياهو كرئيس وزراء سيكون كارثة على الجانبين. الفلسطينيون فقط هم القادرون على كبح جماحه.
وبالنسبة للإسرائيليين، من المهم لهم أن يدركوا الديناميكية السياسية والاجتماعية للفلسطينيين. فمما لا شك فيه أن حماس منظمة إرهابية وهي بذلك قد أضرت بالشعب الفلسطيني والعملية السلمية أكثر من أي عامل آخر في الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني المرير والطويل الأمد. ومن الصحيح أيضا أنه من المفروض في أية ديمقراطية في العالم أن تمثل سلطة واحدة أغلبية الشعب. لا يجوز أن يكون هناك ميليشيات مسلحة منفصلة عن السلطة الشرعية، وذلك بصرف النظر عن الحاجة والأوضاع الراهنة. ومن الناحية الأخرى، حماس اليوم ليست ببساطة حفنة من القتلة واللصوص، بل أن أعضاءها يشكلون بنية قوية في المجتمع الفلسطيني، أي أكثر من ثلث الشعب الفلسطيني في المناطق. لديهم مدارسهم الخاصة، وعياداتهم الصحية ومؤسسات أخرى كثيرة تقدم خدمات اجتماعية لم تتمكن السلطة الفلسطينية من أدائها خلال فترة رئاسة عرفات. لقد التزموا إلى حد كبير بوقف إطلاق النار وشاركوا بالكامل في الانتخابات البلدية واختاروا وأعلنوا لأول مرة عن نيتهم في المشاركة في انتخابات المجلس التشريعي الوطني في شهر كانون ثان القادم. نعم، ولربما ينتهي المطاف بتشكيلهم ثلث الهيئة التشريعية أو أكثر، ولذا بأية طريقة أخرى يمكن لشارون أن يلطف حقا من سلوك حماس عدا عن إقحامهم في العملية السياسية ؟ نعم، بإقحامها في العملية السياسية ستقبل حماس ضمنا بإطار دولتين. وليس إسرائيل من تطلب من أعضاء حماس إلقاء سلاحهم أولا والعدول عن هدفهم تدمير إسرائيل كشرط أولي مسبق لمشاركتهم في الانتخابات. سيكون هذا ليس فقط تدخلا في الشؤون السياسية الفلسطينية، بل وأنه أيضا مطلب غير عملي وسيكون له بالتأكيد نتائج عكسية في الجو السياسي الراهن في المناطق الفلسطينية. إن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس على صواب في محاولته لاحتضان حماس في العملية السياسية، ليس فقط لأنه لا يستطيع نزع سلاح أعضائها خوفا من اندلاع حرب أهلية، بل لان عليه أولا استنفاذ جميع الخيارات السياسية لكسب أرضية سياسية ومعنوية عالية إذا دعت الحاجة بعد ذلك لدخول المعركة. ولهذه الأسباب، ما يجب أن يطالب به شارون الآن هو أن تستمر حماس باحترام وقف إطلاق النار وتقوية مطلبه هذا بإظهار أنه بدون هذا التعاون لن يكون هناك انسحابات أخرى أو تقدم في تسهيل حركة الفلسطينيين، وهي حقائق يجب أن تكون ظاهرة للعيان، آخذين بعين الاعتبار صراعات شارون السياسية الداخلية مع حزبه. دعونا أيضا نتذكر أنه بالرغم من ازدراء شارون بحماس، فان اعتراضاته لاشتراكها في الانتخابات الفلسطينية هو أيضا للاستهلاك المحلي. إذا لم يعد هناك أعمال عنف، سيصبح شارون تحت ضغط دولي هائل لإجراء تسهيلات للفلسطينيين في انتخاب من يرونه
مناسبا. وإذا أصبحت حماس جزءا من السلطة الفلسطينية الحاكمة، فسيكون سهلا على شارون المطالبة بنزع سلاحها وقبولها حل الدولتين كشرط أولي للقيام بالنشاطات السياسية والمفاوضات المستقبلية.
من الحكمة أن يقوم رجال السلطة الفلسطينية بتخفيف انتقاداتهم لشارون. يجب أن يكون تركيز السلطة الآن على إعادة تعمير غزة وعلى توفير فرص عمل وخدمات اجتماعية للفلسطينيين وخلق مجتمع مدني وفي نفس الوقت تعزيز الأمن الداخلي وبسط سيطرتها على المعبر الحدودي مع مصر والقيام بجهود فعلية لمحاربة الفساد. هذا كله سيعزز مكانة السلطة في استطلاعات الرأي العام ولربما سيمكنهم من ضمان الحصول على أغلبية صلبة في المجلس التشريعي الفلسطيني. وقبل كل شيء، على السلطة الفلسطينية ألا تظهر أي تسامح أبدا مع العنف، وإلا سيجبرون الحكومة الإسرائيلية الحالية أو الحكومات القادمة أن تستمر في فك الارتباط من جانب واحد سياسيا وإقليميا وبذلك تنحسر الآمال إلى الحد الأدنى في قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة في المستقبل المنظور.
بقلم أ.د / ألون بن مئير، أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط بمعهد السياسة الدولية.