لتفادي هزيمة في العراق
بقلم: أ.د. ألون بن مئيـــــر
أستاذ العلاقات الدولية بمركز الشئون الدولية بجامعة نيويورك
ويلقي محاضرات حول المفاوضات الدولية ودراسات الشرق الأوسط
بالرغم من أنه قد قدّم للرئيس بوش في أحدث مؤتمر صحفي له تقريراً أكثر تشاؤماً حول الوضع المزري في العراق, إلاّ أنه ما زال مصرّاً بأن بمقدور الولايات المتحدة أن تربح الحرب في العراق ببقائها ملتزمة بالحفاظ على المسار الحالي ولو أنه سيجري عليه بعض التغييرات التكتيكية. ومع تصاعد مذابح المدنيين وتزايد الإصابات الأمريكية حان الوقت لهذه الإدارة أن تقبل بالحقيقة المرّة وهي أن القوات الأمريكية لا يمكن لها السيطرة على العنف وفرض استقرار في البلاد بصرف النظر عن التكتيكات المتبعة وعدد المرات التي تمّ خلالها تعديلها. ليس هناك حلاًّ عسكرياً. ما نحن بحاجة إليه هي إستراتيجية جديدة كليا تساند حلاًّ سياسيّاً يقدّم للولايات المتحدة مخرجاً يحفظ ماء وجهها وفي نفس الوقت يوفّر على العراقيين كارثة كاملة.
هناك أسباب عديدة جعلت من حرب العراق حرباً لا يمكن ربحها, وهي بالدرجة الأولى: أولاً: لقد خسرت إدارة بوش زمام المبادرة. إنّها لا تستطيع الآن السيطرة على الثوار والمتمردين ولا إنهاء القتل الطائفي. والإدارة, هنا في البلاد، لا تستطيع أن تجند بعد الآن التأييد الشعبي لزيادة حجم القوات الأمريكية لتصبح أكثر من 100.000 رجل وهو الحجم الضروري حسب التقدير لتغيير ديناميكية الوضع. حطّمت ثلاث سنوات ونصف من السّياسة المضلّلة بشكل مخيف العراق إلى أجزاء وأغرقت البلاد في حرب أهليّة. لقد جعلت الفوضى الحالية حكم العراقيين أنفسهم بأنفسهم أمراً مستحيلاً, وبالتأكيد أيضاً ليس من خلال الديمقراطية ذات الطابع الغربي, وهي فكرة غريبة عنهم بالدرجة الأولى. أضف إلى ذلك, فإن تدهور الثقة الشعبيّة في قيادة الرئيس, وخصوصاً وزير دفاعه دونالد رامسفيلد وإدارته للحملة العسكرية قد جعلت من هدف الرئيس في النصر أمراً لا يمكن الدفاع عنه.
ثانياً: ينظر لأمريكا الآن كقوة محتلّة لا كقوة محررة. العدد الأكبر من العراقيين يريد للقوات العسكرية الأمريكية أن تخرج وحصّنت جهود الإدارة الأمريكية لقمع المقاومة الوجود الأمريكي الذي بدوره استفزّ فقط المزيد من المقاومة من قبل الشيعيين الوطنيين والمتمردين الصداميين. وقد قامت إدارة بوش بزيادة الوضع سوءاً بقيامها بالمساعدة على خلق نظام انتخابي اعترف بقطاعات الشعب المعروفة بأنها طائفية وليس بوجهة النظر العامّة للهوية العراقية, وهذا بحد ذاته استقطب العراقيين للاتجاهات الدينية الأمر الذي وضع الأساس للحرب الأهلية المستعرة الآن.
وثالثاً, بصرف النظر عن مدى تدريب قوات الأمن الداخلي العراقية ومدى زيادة أعدادها, غير أننا لا نتوقع منها أن تحسم القتال الطائفي. لقد اخترقت المليشيات التي تشكل أساس القوة للأحزاب السياسية الرئيسية – بما في ذلك أحزاب الداوة والسكيري- وبشكل كامل أجهزة الأمن المختلفة. إنّ قوات الأمن, شاملة الجيش, يشكلون أنفسهم الأحزاب المتصارعة في الحرب الأهلية, أي بمعنى آخر, هم ليسوا حياديين. ولذا, ما دامت المليشيات مسلحة والحكومة العراقية لا راغبة ولا قادرة على نزع السلاح منها, لن يكون هناك عراقاً موحداً وسيستمر الدمار والفوضى, جاحدين بذلك على الولايات المتحدة حتى صورة النصر. ولهذا السبب ما نحتاجه اليوم ليس تكتيكات جديدة بل إستراتيجية جديدة التي بمعالجتها الأسباب الجذرية للعنف المتصاعد ستساعد على انتشال أمريكا من المستنقع العراقي.
والطريق إلى الأمام هي أولاً استبدال أولئك اللذين يرفضوا أن يغيروا بصورة جذرية سياستهم, وعلى رأسهم السيد رامسفيلد الذي لم يخبر الشعب الأمريكي ولو مرة واحدة بالحقيقة خشية من خسارة التأييد الشعبي للحرب. فبدون تغيير في القيادة في البنتاغون نفسه, بما في ذلك قائد القوات الأمريكية في العراق الجنرال أبي زيد الذي عليه أن يتحمل المسئولية لقبوله إستراتيجية عسكرية بها خلل, ستبقى التغييرات المستقبلية فقط ذات طابع تكتيكي وستؤدي بكل بساطة إلى المزيد من الإصابات الأمريكية.
على إدارة بوش أيضاً أن تتخلّى عن فكرة عراق ديمقراطي موحّد وتشجّع بدلاً من ذلك تقسيم العراق الذي يسمح به الدستور العراقي إلى ثلاثة كيانات مستقلة وذات حكم ذاتي وبالتحديد كيان سنّي وآخر شيعي والثالث كردي, وهذا الأخير موجود في الوقت الحاضر. ويضم هذه الكيانات أو الولايات الثلاثة نوع من النظام الاتحادي المرن الذي يسمح لكل من المجموعات الثلاث أن تدير شئونها الذاتية بنفسها. السّنة مثلاً بدون هذا التقسيم يخشون على وجودهم تحت حكم أغلبة شيعيّة وسيستمرون في تغذيتهم للثورة والتمرد اللذان لن ينتهيان إلاّ عندما تصبح السّنة قادرة على حكم نفسها وتحصل على حصّة مضمونة ومنصفة من ثروة البلاد النفطية.
ويجب على الإدارة أيضاً أن تغيّر سياستها جذريّاً تجاه إيران وسوريا لكونهما جارتان مهمتان للعراق وتعاونهما ضروري لأي حلّ طويل الأمد. لقد أثبتت الجهود المتحمسة لمعاقبة إيران وعزل سوريا والسعي وراء تغيير النظام في كلا
البلدين ليس فقط أنها قصيرة النظر بل ومضرّة جداً للمحاولات الأمريكية الرامية إلى تثبيت الاستقرار في العراق. إنّ تغيير السياسة تجاه إيران من شأنه أن يعبّد الطريق أيضاً نحو حلّ لبرنامج طهران النووي الذي يشكل قلقاً شديداً عبر أرجاء المنطقة.
وعلى إدارة بوش أيضاً إشراك المجتمع الدولي, وبصورة خاصّة الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وروسيا والصين ودول عربية أخرى وفي مقدّمتها المملكة العربية السعودية ومصر والأردن في أية خطة مستقبلية بالنسبة للعراق. من الغطرسة التفكير بأن إدارة بوش قادرة في هذه المرحلة على متابعة السير لوحدها. يجب أن تعتمد أية فرصة لإيجاد حلّ دائم على جهود متعددة الجوانب.
وأخيراً, لن تتمكن الإدارة من تطوير إستراتيجية تنهي الاحتلال إلاّ في سياق هذه المفاهيم والأفكار. ومن الضروري أن يكون الجدول الزمني للانسحاب الكامل بجميع القوات العسكرية الأمريكية منسجماً مع التقدم الذي يطرأ في هذه المجالات. وهذا لن يمثل نصراً لأمريكا, ولكنه لن يكون أيضاً هزيمة لها.