آخر حرب من أجل النفط ؟
بقلم: أ.د. ألون بن مئيـــــــــــــــــــــــــــر
أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية بجامعة نيويورك
ومدير مشروع الشرق الأوسط بمعهد السياسة الدولية.
يجب ألاّ يكون هناك شك بأن الولايات المتحدة قد خاضت حربيّ الخليج من أجل النفط إلى حدّ كبير, هذا إن لم يكن النفط هو السبب الوحيد. ولضمان بأن تكون حرب العراق هي الحرب الأخيرة في الخليج, يجب على الإدارة والأغلبية الديمقراطية في مجلس النواب الجديد (الكونغرس) أن يعملا معاً لسنّ مشروع قانون عدم الاعتماد على الطاقة الخارجية لمعالجة الأسباب الجذرية لهذه الحروب وتحرير أمريكا من قيود النفط الأجنبي.
ومهما كانت الأسباب التي قدّمتها إدارة بوش لتبرير الحرب في العراق, يجب ألاّ ننزلق في خطأ بأن النفط وتأمين مصادره كانا العوامل المساعدة الرئيسية لكلا الحربين, الحرب الحالية وسابقتها. وبالرّغم من أنّه على الولايات المتحدة أن تسحب قواتها من العراق بصورة مشرّفة وبدون ترك البلاد في فوضى عارمة, فما دامت أمريكا معتمدة على النفط المستورد لن تمنع حتى إستراتيجية ناجحة حربا خليجية ثالثة. سيبقى النفط سلعة ثمينة وسلاح تستعمله الأنظمة الديكتاتورية والمتسلطة مثل إيران ضد مصالح الغرب وهدفاً لعشرات المنظمات الإرهابية مثل القاعدة المصمّمين على تقويض ركائز الاقتصاد الغربي. سيستمر بالاعتماد على النفط أيضاً مساومة أمريكا على سياساتها, جاعلةً إيًّاها مضطرّة على التكيف مع مورّدي النفط أو مجاملتهم وعلى تمويل أنظمة مسيخة (تافهة) مثل فنزويلا وتمكينها بذلك من معارضة الولايات المتحدة بدون عقاب. علاوة على ذلك, فإن استيراد النفط سيستمر في لعب دور هدام في سياسات أمريكا التجارية، فعمليات استيراد النفط مسئولة في الوقت الحاضر عن أكثر من ثلث العجز التجاري في الميزانية الأمريكية، أي مبلغ وقدره 320 مليار دولار. زد على ذلك فان تدفق ثابت للنفط يبقى في أحسن الأحوال معرّضا للخطر ويفرض على الولايات المتحدة أن تبقى متيقظة عسكريا بتكلفة رهيبة إضافة إلى إرسال قوات عسكرية أمريكية إلى التهلكة لحماية مصالحها الإستراتيجية الوطنية. وسيناريو أكثر شؤما ولكنه محتمل جدا هو أنه مع ازدياد شحّ إمدادات النفط وارتفاع الأسعار إلى مستوى 200 دولارا للبرميل الواحد أو أعلى قد تنشب – مع نضوب النفط أو انتهاء النفط رخيص الثمن – نزاعات مسلّحة ولربما حروب تسبّب ارتباكات واهتزازات عنيفة داخل الاقتصاد العالمي ناهيك عن ويلاتها الأخرى.
ستكون بداية تنفيذ قانون طاقة جادّ يعالج احتياجات أمريكا ويحرّرها أخيرا من مصادر الطاقة الخارجية أمرا معقّدا للغاية ولكن بعد ذلك سيكلّل بالنجاح. يقدّر خبراء الطاقة بأن برنامج "الاستقلال بالطاقة"، أي عدم الاعتماد على الطاقة الخارجية، قد يستغرق عقدين من الزمن لتحقيق أهدافه ولذا فانه سيكون بحاجة إلى التزام سياسي صارم يمتدّ الى عدّة إدارات أمريكية وتخصيص مبالغ تفوق ال (200) مليار دولار على مدى (15) إلى (20) عاما. ولضمان الاستقرار الاقتصادي العالمي خلال هذه الفترة، ستكون واشنطن بحاجة أيضا إلى تعاون وثيق مع حلفائها الأوروبيين في تطوير مصادر جديدة للطاقة. هذا أمر حرج للغاية لآن اعتماد الدول الأوروبية على نفط الشرق الأوسط هو أكبر بكثير من اعتماد الولايات المتحدة عليه، الأمر الذي سيجعل هذه الدول سهلة جدا للتأثر بأي انقطاع في إمدادات النفط. حتما إن معالجة أية قضية من هذه القضايا تشكّل تحديا صعبا لأية إدارة أمريكية. ولكن على الرافضين وأولئك اللذين لهم مصالح معينة في الحفاظ على الوضع الحالي أن يتذكروا بأن خير ورخاء أمريكا في المستقبل وزعامتها الدولية هي الآن في خطر، هذا ناهيك عن مشكلة الالتجاء للقوة لحماية مصالح النفط. ويجب على أولئك اللذين يدّعون بأن الولايات المتحدة تفتقر إلى الموارد لتمويل مثل هذا المشروع الضخم أن يعيدوا النظر في معارضتهم له. عليهم قبل ذلك أن يتساءلوا :" كم من عشرات المليارات قد صرفت، إن لم يكن قد بدّدت، على حرب العراق وعلى الحضور العسكري الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط خلال السنوات الماضية من أجل حماية المصالح النفطية الإستراتيجية لأمريكا ؟".
ستنتهي الحرب في العراق مكلّفة دافع الضرائب الأمريكي ما يزيد عن تريليون دولار أمريكي ( أي ألف مليار ). خمس هذا المبلغ إذا استثمر في العقدين القادمين سينهي فعلا الاعتماد الأمريكي على النفط الأجنبي. هذا مع العلم أيضا بأن "استقلالية " الطاقة ستدعم وبصورة جوهرية فعالة واشنطن في تطوير سياساتها، بما في ذلك دعم الإصلاح الديمقراطي في العالم العربي الذي ينظر إليه حتى هذه الساعة على أنه ليس إلا سحابة دخان لتغطية مصالح أمريكا الذاتية. أضف إلى ذلك، سيتم خلق أكثر من مليون فرصة عمل خلال السنوات الثلاث الأولى وضعف هذا الرقم في غضون الخمس إلى السبع سنوات. ولهذه الأسباب مجتمعة، يجب أن تتصدّر " الاستقلالية بالطاقة " جميع القضايا والمشاكل الوطنية الأخرى، بما في ذلك الضرائب، دعم صناعات الأدوية، قوانين الهجرة والضمان الاجتماعي. وبعبارة أخرى يجب أن تتبوّأ مسودّة قانون " الاستقلالية بالطاقة" أجندة الكونغرس الديمقراطي المنتخب حديثا، وأن ينظر إليها كجزء متكامل من
خطة إنهاء الحرب في العراق. هذا يعتبر أكبر تحدي خطير من نوعه يواجه الأمة. ان لدى أمريكا المعرفة (Know-how) والتقنية والموارد المالية لكي تصبح مستقلة في مجال الطاقة، وعليها الآن حشد الإرادة السياسية للعمل. ليس من الضروري بعد الآن أن يموت جندي أمريكي واحد من أجل برميل من النفط.
على الكونغرس ( مجلس النواب الأمريكي ) الديمقراطي الجديد أن يتحمّل هذه المسئولية المقدّسة وأن يدعو الرئيس إلى الانضمام لهذا المجهود القومي الجبّار. ونظرا لأن الرئيس يفتقر إلى انجازات هامة أخرى، أظن أنه سيلبي الدعوة ويغادر البيت الأبيض وفي سجلّه انجاز هام يؤمن مستقبل أمريكا. وإذا رفض الرئيس الحالي التعاون، على الديمقراطيين الاستمرار في الضغط إلى الإمام وحشد ضغط شعبي يحقق نصرا آخرا لهم في عام 2008 لانجاز المهمة.
إذا أصبحت الحرب المأساوية في العراق عاملا مساعدا لتحرير أمريكا من تبعيّتها للنفط الأجنبي، فان التضحيات حينئذ التي قام بها أفضل رجال ونساء أمريكا تكون قد ذهبت ليس سدى تماما من أجل أمريكـــــــــــــــــا.
___________________________________________________