All Writings
أغسطس 25, 2014

درس على إسرائيل وحماس أن تتذكّراه

تعزّز فقط الحرب الدائرة الآن ما بين إسرائيل وحماس فكرة أنّه خلافاً لاتفاقيات سابقة لوقف إطلاق النار، يتطلّب منع تكرار مواجهات مسلّحة في المستقبل تغييرا ً جوهريّا ً على الوضع الراهن. فمطالبة حماس برفع ٍ كامل للحصار وإصرار إسرائيل على نزع سلاح قطاع غزّة يدلاّن على أنّ الخطوات التدريجيّة، بما فيها تخفيف الحصار من قبل إسرائيل وقيام حماس بالمقابل بالإلتزام تماما ً بوقف إطلاق النار، لم تعد تكفي أو تفي بالغرض.

ففي الوقت الذي ما زالت فيه حماس ملتزمة ً بعقيدة زائفة مسنودة دينيّا ً تدعو لتدمير إسرائيل، إسرائيل مقتنعة بأن حماس ممعنة في الضّلال ولا سبيل لتغييرها. وما يدعو للسخرية هو أن لا أحد من الطرفين يريد إعادة الوضع السابق، ولكن كلاهما متمسّك بمواقف تبدو متضاربة وهي في لبّ الصّراع. كلا الطرفين عالق ويبحث عن مخرج. وبالرّغم من ذلك، لا أحد منهما مستعدّ للقيام بالتنازلات البعيدة المدى الضروريّة لتجنّب مواجهات عنيفة في المستقبل ونتائجها المدمّرة.

بإمكان إسرائيل أن تعيد احتلال غزّة وتقضي على الجزء الأكبر من قيادة حماس، إن لم يكن كلّها، ولكنها ستتكبّد ثمنا ً باهظا ً في الدم والمال، وعليها بعد ذلك أن تتحمّل عبء إدارة ورعاية ما يزيد عن 1.8 مليون فلسطيني وتخاطر بأرواح عشرات الآلاف من الجنود وتحرّض على القيام بثورة قد ترهب القوات الإسرائيليّة في كلّ مرّة. وإبّان ذلك ستنمو وتتكاثر بسرعة مذهلة خلايا حمساويّة جديدة. وعندما تسحب إسرائيل قواتها من القطاع (حيث لا يمكنها الإبقاء على الإحتلال إلى الأبد ولا تريد أيضا ً ذلك) وتسلّم زمام الأمور إلى الأمم المتحدة أو إلى أية هيئة أو منظمة دوليّة، ستبرز حماس من جديد، ولكن هذه المرّة بعزيمة أصلب والتزام أقوى لتدمير إسرائيل مهما كان هذا الهدف مضلّلا ً أو مخادعا ً.

وفي ظلّ مثل هذا السيناريو هناك احتمال أيضا ً أن يتوافد على قطاع غزّة عدد كبير من الجهاديين أمثال تنظيم الدولة الإسلاميّة في العراق والشام (داعش) أو القاعدة وغيرها وينضمّون إلى مجموعات جهاديّة أخرى محليّة ويقيمون في القطاع حكم إرهاب يبهت له بالمقارنة حكم حماس.

ونتيجة هذه التطورات المحتملة أرى أنّ نتنياهو على صواب في رفضه الدّعوة لإعادة احتلال قطاع غزّة ومقاومته لإدخال قوات بريّة هامّة لتدمير مخزون صواريخ حماس لأنّ هذا سيكون غير ممكن دون إعادة احتلال القطاع.

أمّا الخيار الآخر فهو الإتفاق على هدنة أخرى تكتيكيّة تختلف عن سابقاتها وذلك للسّماح لكلا الطرفين ببعض الوقت لإلتقاط الأنفاس والتفكير. ولكن بحكم تعريف مثل هذه الهدنة، من المحتمل ألاّ تدوم طويلا ً لأنها ستخضع إسرائيل مرّة أخرى لإرهاب الصواريخ التي تمطر بدون تمييز محدثة الدّمار والفوضى ومجبرة ً آلاف المدنيين للهروب والإلتجاء إلى الملاجىء، وهو وضع الجمهور المتضرّر غير مستعدّ لتحمله بعد الآن.

وبالنسبة لحماس، مجرّد تخفيف الحصار فقط في الوقت الذي تستمرّ فيه إسرائيل بالإبقاء على القيود المشدّدة على حريّة حركة البضائع والناس من وإلى القطاع لن يلبّي بعد الآن حاجة الجمهور الماسّة لتغيير جذريّ على حياتهم اليوميّة البائسة.

وبالرّغم من أنّ حماس ما زالت تتمتّع بتأييد شعبي، غير أنّ الأغلبيّة العظمى من الفلسطينيين في قطاع غزّة تريد نهاية ً للصراع مع إسرائيل. إنّهم يرضخون منذ فترة ٍ طويلة من الزّمن للفقر المدقع والذلّ وعانوا بشدّة من الحروب المتكررة مع إسرائيل. أضف إلى ذلك، لم يعد لحماس أية رغبة في استفزاز إسرائيل بهدف الإستفزاز فقط لتعاني هي بدورها دمارا ً هائلا ً وزهق أرواح مدنيين أبرياء، الأمر الذي يفسّر سعي حماس للتوصّل لتغيير جذري في الوضع الراهن وتوقها لأن تكون في وضع ٍ يسمح لها بتقديم العون والإغاثة لشعبها واسترجاع الثقة في قيادتها.

قد يفكّر المرء بأن إسرائيل وحماس ميّالتان لقبول مطالب بعضهما البعض وإقامة هدنة دائمة بينهما يُبنى عليها مع مرور الزّمن تعايش سلمي. ولكن للأسف، الأمر ليس كذلك. ولكن لن تُستأنف المفاوضات تحت أية ظروف وبنتائج مثمرة لما يريده الطرفان في نهاية المطاف (أي رفع الحصار مقابل نزع السّلاح) ما دامت مواقفهما العلنيّة متضاربة. كلا الطرفين بحاجة لمخرج يحفظ ماء الوجه، ولكنهما ما زالا حبيسين للتشكّك وعدم الثقة العميقة بينهما، مما يزيد الأمر تعقيدا ً وصعوبة ً للتوصّل لاتفاق.

يجب أن يعتمد الحلّ الأمثل على أساس إقامة هدنة طويلة الأمد تكون الأساس أو تمهّد الطريق لنزع سلاح القطاع وإنهاء الحصار خلال إطار زمني محدّد وعلى مراحل ومع التطلّع للتوصّل إلى اتفاق ٍ أكثر شموليّة للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني.

نحن لا نعيش للأسف في عالم ٍ مثالي. ولكن ما هو الدّرس الذي تعلّمه الطرفان من هذا الوضع المزري المستمرّ ؟. لقد بيّنت هذه الحرب ومضاعفاتها مرّة أخرى حدود استعمال القوّة لوحدها، حيث لم يستطع أيّ من الطرفين أن يبرز سالما ً من استمرار إنزال الضربات عليه من الطرف الآخر. فإسرائيل بقوتها العسكريّة الرهيبة لم تستطع إخضاع حماس، فما زالت هذه الأخيرة قادرة على إنزال الرّعب والدّمار بالسكان الإسرائيليين. وبالعكس، لا تستطيع حماس نزع أيّ تنازل ذو أهميّة أو قيمة من إسرائيل بالقوّة أو عن طريق إحداث ضجّة احتجاجيّة عالميّة للمآسي الإنسانيّة الرهيبة والخسائر الماديّة التي تكبّدتها. وهذا درس قاس ٍ ومرّ يجدر بكلا الطرفين أن يتذكره.

فهل يبدأ الآن كلّ منهما بالتفكير واتخاذ خطوات جريئة وتغيير الإتجاه على الرّغم من أنّ هذا بعيد التصوّر في هذه المرحلة ؟ أعتقد بأنّ ليس لديهما أيّ خيار آخر على المدى البعيد. ولكن مهما بدا ذلك متناقضا ً في الوقت الحاضر، “فأن تكون مغفّلا ً وتجرّب خيرٌ من أن تكون حكيما ً ولا تجرؤ أبدا ً على شيء”.

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE