“ورقة الإقتراع أقوى من الرّصاصة”
قد تكون الإنتخابات الإسرائيليّة العامّة المقرّر إجراؤها في 17 شهر آذار (مارس) القادم مصيريّة بالنسبة للعرب الإسرائيليين لأنّ بإمكان تصويتهم بشكل ٍ جماعيّ أن يغيّر الخارطة السياسيّة وقد ينجحون في منع تنتنياهو من تشكيل الحكومة القادمة. بمقدورهم، لا بل عليهم في الواقع، تحدّي جميع الأحزاب من يمين الوسط التي لا ترغب ظاهريّا ً أن يكون لهم صوت أو دور لأنه لا يمكن الوثوق بالعرب الإسرائيليين في قضايا تتعلّق بالسّلام وبالأمن القومي على حدّ زعمهم . ولكن إذا أراد العرب الإسرائيليّون توزيعا ً متساويا ً للموارد لتحسين أوضاعهم الإجتماعيّة والإقتصاديّة والإندماج بالكامل في المجتمع الإسرائيلي والمساهمة بشكل ٍ بنّاء في عمليّة السّلام الإسرائيليّة – الفلسطينيّة، عليهم الآن ممارسة حقهم بالكامل في التصويت وعدم أهدار هذه الفرصة التاريخيّة.
لقد تضاءل عدد الناخبين العرب في الإنتخابات الماضية من (90 %) في عام 1955 إلى (18 %) في عام 2001، ليرتفع ثانية ً إلى ما فوق (50 %) في الإنتخابات الأخيرة. ويعود هذا التأرجح في التصويت إلى عوامل عديدة مهمّة، بما فيها إحباط العرب الإسرائيليين من النظام السياسي الإسرائيلي الذي لا يسمح للكثير من التغيير وكذلك للنسبة المتزايدة من قبولهم بالأمر الواقع نتيجة عدم ثقتهم وارتيابهم بشكل ٍ عام بالحكومات الإسرائيليّة وعدم مقدرتهم على التأثير على الأحداث.
أضف إلى ذلك، لقد كان العرب الإسرائيليّون “ممزّقين” دائما ً ما بين واجبهم كمواطنين إسرائيليين وشعورهم بالإنجذاب والصلة بإخوتهم في الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة ما دام الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني محتدما ً. وهذا مقترن أيضا ً بخيبة أملهم من زعمائهم، الأمر الذي ثبّط عزيمتهم من أن يكونوا نشطاء سياسيّين.
لقد خلق التقاء عدّة تطورات في هذه الإنتخابات فرصة ً لا مثيل لها للعرب الإسرائيليين للتصويت بشكل ٍ جماعي وإمكانيّة تغيير الخارطة السياسيّة في إسرائيل. ولتحقيق ذلك، فإن عبء حملة “اخرجوا وصوّتوا” يقع على أكتاف زعمائهم، أي رؤساء البلديات العرب الإسرائيليين والنشطاء السياسيين العرب المحليين.
ومهما يكن الأمر، فإن العرب الإسرائيليين أكثر تحفّزا ً الآن للتصويت في هذه الإنتخابات، وبالأخصّ بسبب الحدّة المتنامية لمشاكلهم الإجتماعيّة – الإقتصاديّة والتمييز العلني في فرص العمل والتعليم والقيود على تراخيص البناء وإهمال البنية التحتيّة، ورغبتهم القويّة لمنع نتنياهو من التقدّم في مشروع “قانون الجنسيّة” الذي يعتبرونه عنصريّا ً، هذا كلّه يوفّر مزيدا ً من الزّخم.
وبالرّغم من أن تشكيل قائمة موحّدة لجميع الأحزاب العربيّة – بلد، القائمة العربية الموحدة، تعال، حداش والرام – جاء من قبيل الحفاظ على الذات، غير أنها خلقت مع ذلك الآن زخما ً جديدا ً.
وتساند القائمة العربيّة أيضا ً المنظمات السياسيّة الإسرائيليّة من اليسار ويسار الوسط التي تريد وبشدّة منع نتنياهو من الفوز بفترة رئاسيّة أخرى لأنه كلّما زاد عدد أعضاء البرلمان العرب في الكنيست توسّعت القاعدة السياسيّة التي سيعوّلون عليها.
صحيح أنّه من غير المحتمل أن يصوّت العرب بأعداد ٍ كبيرة لصالح تكتّل حزب العمل وحزب “الحركة” (هاتنواه) لتسمية هذا الإئتلاف الجديد ب “المعسكر الصهيوني” من ناحية ولأنهم ليسوا جزءأ ً من الجهاز السياسي من الناحية الأخرى. وبالرّغم من ذلك، فإن إمكانيّة تحسّن أوضاعهم وأن يكون لهم كلمة في القضايا السياسيّة للبلد سيعتمد إلى حدّ كبير على ارتقاء حزب العمل للسلطة، الأمر الذي يفسّر تعاونهم الضمني.
وللتأكيد، بإمكان العرب الإسرائيليّين أن يكونوا عاملا ً حاسما ً إذا خسرت أحزاب اليمين (بقيادة الليكود) بضعة مقاعد من ناحية وفازت أحزاب اليسار (بقيادة حزب العمل) ببضعة مقاعد من الناحية الأخرى. ولذا في حالة تصويتهم بشكل ٍ جماعيّ بنسبة عالية لقائمتهم العربيّة، فإن لديهم الفرصة بالفوز حتّى ب (18) مقعدا ً والبروز كرابع أو حتّى كثالث أكبر حزب في إسرائيل وأن يصبحوا “الكتلة المعرقلة” التي ستمنع نتنياهو من تشكيل حكومة جديدة.
وحتّى ولو فاز الليكود بفارق ٍ بسيط على حزب العمل، من المهمّ أن نشير بأن رئيس إسرائيل غير ملزم بتعيين زعيم الحزب الذي يفوز بأغلب الأصوات بتشكيل الحكومة الجديدة إذا اتضح له بأن كتلة اليسار ويسار الوسط قد تحصل على أغلبيّة الأصوات في البرلمان. ولهذا السبب يهمّ كثيرا ً بشكل ٍ خاصّ كم سيكسب البرلمانيّون العرب من مقاعد في الكنيست.
ولتحقيق هدفهم، يجب على القائمة العربيّة أن تضع أوّلا ً وقبل كلّ شيء أجندة سياسيّة وخطة عمل فعّالة تناشد وبشكل ٍ خاصّ الشباب العرب الذين يحقّ لهم التصويت، الذين تحرّروا من وهمهم وهم قانطون من إمكانية التوصّل لتغيير جوهريّ. الوقت قصير وعليهم الإستفادة من كلّ لحظة لتعزيز ونشر أجندتهم السياسيّة.
أجل، على القائمة العربيّة الموحدة أن تركّز على كيفيّة تحسين أوضاع العرب الإسرائيليين في جميع المجالات بدلا ً من قيامها فقط بانتقاد أحزاب سياسيّة أخرى. وعليهم إشراك نظرائهم اليهود بشكل ٍ بنّاء في حوار حول مستقبل البلد وإبداء بوضوح الولاء للدولة لأنّ مصيرهم مرتبط ارتباطا ً وثيقا ً بمصير البلد. أضف إلى ذلك، يجب على القائمة العربية الموحدة ألاّ تخشى قادة أحزاب الوسط ويمين الوسط اللذين يشيرون إلى العرب الإسرائيليين كطابور خامس أجندتهم الرئيسيّة هي تدمير إسرائيل. وتجدر الإشارة إلى أنه بالرغم من التمييز ضدهم بشكل ٍ منهجيّ، غير أنّ (99 %) من العرب الإسرائيليين يفضّلون العيش في دولة إسرائيل الديمقراطيّة التي يتمتّعون فيها على الأقلّ بحقوق ٍ متساوية أمام القانون.
دورهم اليوم هو في ترجمة حقوقهم الدستوريّة في المساواة في المعاملة اليوميّة بينهم وبين نظرائهم اليهود وذلك عن طريق التصويت بدلا ً من التذمّر والتشكّي. ويُنسب في هذا السياق قول ٌ لأبراهام لينكولن يقول:”الإنتخابات تخصّ الشعب. هي قرارها. فإذا قرّر الشعب أن يدير ظهره للنار ويحرق قفاه، حينئذ ٍ عليهم أن يجلسوا على بثورهم (الناتجة عن تقرّحات الحريق)”.
أجل، ينتقد الإسرائيليّون من جميع نواحي الحياة التمييز ضدّ العرب ويشعرون بشدّة أنّه إذا أرادت إسرائيل أن تبقى ديمقراطيّة تقدميّة وحيويّة ويسودها الأمن، عليها أن تطبّق المساواة الفعليّة بين جميع مواطنيها. غير أنّ المساواة عمليّة بحدّ ذاتها ومهما استغرقت من وقت، فهي “تعتمد على ورقة الإقتراع وليس على الرّصاصة” على حدّ قول لينكولن.
والتعاون عن كثب مع حزب العمل الآن وبعد الإنتخابات، فنضال العرب الإسرائيليين سيستمرّ. وفي التحليل النهائي، بصرف النّظر عمّن سيقوم بتشكيل الحكومة الجديدة، عليهم أن يسلكوا طريقا ً بنّاءً وألاّ ينجرّوا إلى دوامة ٍ من تبادل الإتهامات.
الأمر يعتمد الآن على العرب الإسرائيليين للتصويت في هذه الإنتخابات والإمساك بالسلطة السياسيّة التي تعكس عددهم. إنّ لديهم الآن فرصة زخمة لإظهار التزامهم بالدولة كمواطنين مسؤولين مستعدين لتقديم حصتهم وتحدّي أولئك الإسرائيليين الذين يرغبون في اختفائهم لفترة ال (24) ساعة خلال يوم الإنتخابات.