All Writings
أبريل 28, 2010

مبادرة السلام العربية: الآن أو أبداً

مرّ الآن حوالي عام كامل على خطاب الرئيس باراك أوباما في القاهرة الذي يعتبر من أكبر محاولات التّقرب التي أعلنتها الولايات المتحدة الأمريكية لإشراك نفسها بمحاولات السلام في الشرق الأوسط. ولكن للأسف، وبالرّغم من الآمال الكبيرة التث حشدتهاهذه الإدارة الجديدة والجهود المتواصلة للمسئولين الأمريكيين الساميين لوضع حدّ لهذه الأزمة، غير أنّ هناك ثمار قليلة على أرض الواقع. وفي معظم الأحيان تصدّرت الخروقات والعقبات الدبلوماسية للوصول حتى إلى طاولة المفاوضات العناوين الرئيسية في الأخبار، وبدت بعد سنة العلاقات متعدّدة الجوانب في المنطقة فاترة ً في أحسن الأحوال. وقد تُنسب الإخفاقات المتكررة للمفاوضات الثنائية الجانب ما بين إسرائيل والفلسطينيين من ناحية وإسرائيل وسوريا من الناحية الأخرى إلى عدد من العوامل، شاملة عدم الثقة المتأصّل بين الأطراف الذي لم ُيعالج حتى الآن، إضافة إلى المخاوف فيما يتعلّق بالأمن على المدى البعيد والقيود المحلية السياسية التي تحول دون القيام بالتنازلات اللازمة للوصول إلى اتفاقية. وفي الوقت الذي ساهمت فيه جميع هذه العناصر للتوصل إلى هذا الوضع الحالي المحبط، فإن العنصر الأساسي الذي نفتقده هو عدم وجود إطار شامل للسلام يمثّل الإرادة الجماعية للدول العربية، إذ تقدّم مبادرة السلام العربية أكثر من أي وقت مضى أفضل فرصة ممكنة لتحقيق سلام شامل بشرط أن تدرك جميع الأطراف المشمولة في الصراع النتائج المهمّة والتاريخية التي أُفلتت من هذه الأطراف لفترة تزيد عن ستة عقود من الزمن. واحتمال استمرار الهدوء الحالي لأعمال العنف هو احتمال هزيل إن لم يكن هناك تقدّم على الجبهة السياسية. فإذا أرادت الدول العربية أن تظهر للعالم جبهة موحّدة، وبالأخصّ لأنّ تقدّم البرنامج النووي الإيراني يهدّد ميزان القوى الإقليمية، على هذه الدول إذاً أن تصمّم نهائياً وعلنياً على الدّفع قدماً بمبادرة السلام العربية وبكل جدية.


الأهمية التاريخية مقابل واقع غامض

تمثّل مبادرة السلام العربية تحوّلاً تاريخياً في موقف الدول العربية، خصوصاً إذا قورنت بقرارات مؤتمر قمة الخرطوم الذي انعقد في عام 1967 والمعروف بلاءاته الثلاث: لا للسلام، لا للتفاوض ولا للإعتراف بإسرائيل. ولكن مع هذه الأهمية القصوى لمبادرة السلام العربية، يتسائل المرء: لماذا أخفقت الدول العربية حتى الآن بالدّفع قدماً بعملية السلام العربي – الإسرائيلي بطريقة ملموسة؟ الجواب نجده في أربعة أسباب مرتبطة بعضها ببعض. أولاً: يجب الأخذ بعين الاعتبار بأن المبادرة قد أطلقت في منتصف الانتفاضة الثانية أي في الوقت الذي كانت فيه أعمال العنف على أشدّها وعشرات الإسرائيليين والفلسطينيين يسقطون قتلى كل يوم. وعليه قرّرت الحكومة الإسرائيلية التي كان يقودها آنذاك رئيس الوزراء آرئيل شارون أن تطبّق سياسة القبضة الحديدية في التعامل مع العنف الذي يضرب بدون تمييز، هذا في وقتٍ كانت الحكومات العربية تواجه غضباً شعبياً عارماً تحرّضه صور الموت والدمار التي كانت تبثّها المحطات الفضائية. ونتيجة لذلك قد يقدّر المرء بأن أي تقدم فعّال لسلامٍ شامل مع إسرائيل تحت راية مبادرة السلام العربية من شأنه أن يُشعل حتى غضباً شعبياً أكبر. وقد قضت إعادة الاحتلال الفوري لجميع الأراضي التي أخلتها إسرائيل قبل الانتفاضة في الضفة الغربية على الأقلية المتبقية من الثقة بين الطرفين. لم يعد الهدوء النسبي للمنطقة إلاّ في عام 2005، وفي هذا الوقت فقدت مبادرة السلام العربية كلّ زخمٍ متبقٍ في أشرعتها. وفي حين أن الإسرائيليين بالكاد انتبهوا لوجودها، لم تقم الدول العربية بأي جهد ملموس للرّفع من شأن مبادرتهم خلال السنوات الخمسة من 2000 إلى 2005.

وبقي الأمر كذلك حتىمؤتمر القمة العربية الذي انعقد في الرياض في شهر آذار (مارس) 2007 حينما قرّرت الدول العربية الترويج للمبادرة في الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وإسرائيل وذلك لإقناع حكومات هذه الدول وشعوبها بأهمية الأبعاد التاريخية لهذه المبادرة. وللأسف، فبصرف النظر عن زيارات خاطفة لوزيري خارجية الأردن ومصر لإسرائيل في عام 2007، لم تُبذل أية جهود أخرى ملموسة للرّفع من شأن ميزاتها في أي مكان آخر، بل أنه صدرت في الاجتماعات اللاحقة لجامعة الدول العربية تهديدات من العديد من الدول الأعضاء بإلغاء هذه المبادرة، لربّما بسبب رفض إسرائيل تبنيها. ومن السخرية هنا الملاحظة بأنه في حين أنّ مبادرة السلام العربية قابلة للتحول بطبيعتها، كان يُنظر إليها حتّى من قبل العدد المحدود من الإسرائيليين الذين عرفوا مضمونها على أنها مصيدة وذلك بالنظر إلى اللغة المستخدمة لحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين. فبدلاً من تنوير المجتمع الإسرائيلي بأهمية المبادرة بعيدة المدى بالنسبة لتطبيع العلاقات في المنطقة، انسحب المسئولون العرب ووضعوا اللوم على الإسرائيليين لموقفهم السلبي. وعدم قيام المملكة العربية السعودية أو أية دولة عربية قيادية أخرى بأي مجهود متفق عليه لترويج هذه المبادرة للشعب الإسرائيلي، سهّل كثيراً على قيادة إسرائيل رفضها بأكملها.

ومن اللحظة التي انطلقت منها مبادرة السلام العربية في بيروت/لبنان عام 2002، لم يطرأ أي تعديل أو تغيير على طريقة سرد الأخبار السياسية من قبل المسئولين العرب يظهرون من خلالها بأن إسرائيل أصبحت حقيقة واقعة وأنه يجب الآن إيجاد طريقة ما للتوافق ما بين مطلب إسرائيل الشرعي للسلام ومبادرة السلام العربية. وذكر قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة رقم (194) في الوثيقة الرسمية – الذي ينص على حق عودة أي لاجىء فلسطيني إلى بيته الأصلي في إسرائيل – لم ُيفسّر أبداً في سياق جميع المفاوضات السابقة وما تعلمه جميع الحكومات عن حلّ ممكن لهذه المشكلة بطريقة أكثر واقعية. والسّماح لإسرائيل برفض مبادرة السلام العربية على أساس قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة رقم (194) بالرّغم من أن المبادرة تدعو “لحلّ عادل” للاجئين قد أظهر نوعاً من السّمسرة السياسية القذرة للشارع العربي الذي غالباً ما يستعمل نكبة اللاجئين ليرمز إلى إحباطه بإسرائيل. أضف إلى ذلك، لقد وافق الممثلون الفلسطينيون في كل جولة حديثة من المفاوضات ما بين إسرائيل والمفاوضين الفلسطينيين على عودة فقط عدد بسيط من اللاجئين لديارهم في إسرائيل بموجب لمّ الشمل العائلي في حالة قبول إسرائيل مبدأ حق العودة.لقد مثّل هذا البند بالذات في المبادرة بالنسبة لإسرائيل أكبر شرطاً مثيراً للاعتراض، لا بل للرّفض الحتمي، هذا إضافة إلى أن لغة القرار رقم (194) قد دمغت هذا المطلب للأسف على أنه حلّ عادل ولذا لم تستطع إسرائيل القبول به.

وأخيراً، فإن إخفاق الدول العربية في إقناع الولايات المتحدة بصورة خاصة لاحتضان مبادرة السلام العربية بشكل رسمي قد قوّض بشدة رواجها. هذا وقد جعل عدم تسوية العلاقات بشكل عام – ما بين واشنطن وعواصم بعض الدول العربية مثل دمشق خلال فترة رئاسة الرئيس جورج بوش – تبنّي المبادرة أمراً محرجاً نوعاً ما من الناحية السياسية لإدارة بوش، التي اختارت بدلاً من ذلك الرباعية الدولية مسرحاً مختلفاً للدفع بعملية السلام الإسرائيلية – الفلسطينية إلى الأمام. وبالتأكيد حوّل الانشغال الكامل للولايات المتحدة بحروبها في العراق وأفغانستان قدراً كبيراً بؤرة الاهتمام عن الصراع eالفلسطيني – الإسرائيلي تاركاً مبادرة السلام العربية بدون دعم وفي نفس الوقت أيضاً الإسرائيليين والفلسطينيين على هواهم. وبالرّغم من أن الرئيس أوباما قد أظهر مساندةً بشكل عام لمبادرة السلام العربية، غير أنه ما زال عليه تبنيها كمرجعية للإطار الأساسي لجميع مفاوضات السلام العربية – الإسرائيلية مستقبلاً.


الرباعية الدولية – بديلٌ هزيل

لقد أثبتت الرباعية الدولية – المكونة من الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وروسيا – إضافة إلى مؤتمر أنابوليس الذي انعقد في شهر تشرين ثاني (نوفمبر) 2007 والذي كان المقصود منه خلق آلية معقولة وجديرة بالثقة لتحفيز عملية السلام، فشلها في فرض أي تنفيذٍ فعلي من قبل الأطراف المعنية. لم يسمح الوقت أو الالتزام لإدارة بوش – التي لم يبق لها سوى عام واحد في المنصب – أن تسوّي جميع التفاصيل التي وضعتها إدارة كلينتون بشكل حسّاس جداً خلال فترتين من الرئاسة. أهم إنجاز للرباعية كان على أية حال الإجماع حول إقامة دولة فلسطينية تعيش بسلام جنباً إلى جنب مع إسرائيل. وحيث أنه في نهاية المطاف لم يكن بالمستطاع تنفيذ خارطة الطريق بالقوة لا بالنسبة لإسرائيل ولا للدول العربية لإحراز سلام في الشرق الأوسط، فقد فشلت هي الأخرى في دعم الزّخم السياسي. وعلى خلاف الرّباعية الدولية المؤلفة من مراكز قوى مختلفة من خارج المنطقة، فإن مبادرة السلام العربية تمثل الإرادة العربية الجماعية. إنها تمثل إجماع الحكومات العربية ولذا لها بطبيعتها صدىً أفضل بين الشعوب العربية. أضف إلى ذلك، تركز الرباعية الدولية بصورة أساسية على حلّ الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي من خلال تنفيذ حلّ الدولتين في حين تقدّم مبادرة السلام العربية سلاماً عربياً إسرائيلياً على نطاقٍ أوسع من شأنه أيضاً إيجاد حلولاً أخرى لجميع الصراعات القائمة، بما فيها تلك العالقة مع لبنان وسوريا. علاوة على ذلك، فإن المبادرة تعد بمعاهدة سلام رسميّة بين إسرائيل وجميع الدول العربية بضمانات أمنية وتطبيع العلاقات وجميعها مطالب جوهرية لأي حكومة إسرائيلية توافق على التنازل عن الأغلبية العظمى للمناطق المحتلة. وعنصر آخر مهم جداً في المبادرة هو أنه في حالة تبنيها رسميّاً بصورة خاصة من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل، فإن هذا الأمر سيمارس ضغطاً هائلاً على المجموعات العربية المتطرفة، بما فيها حماس وحزب الله، لكي تنضم إلى الحظيرة العربية. وبالمقابل، يبقى أعضاء اللجنة الرباعية عاجزين عن الحركة والتقدم حيال المطلب الداعي حماس للإعتراف بإسرائيل وقبول جميع الاتفاقيات السابقة المبرمة بين إسرائيل والفلسطينيين، وهو مطلب يُعتبر في هذه المرحلة بالذات غير واقعي بدرجة عالية. وحيث أن هناك جهوداً متنامية من قبل مصر ودول أخرى على الساحة لإدخال حماس في العملية السياسية، إضافة إلى تلطيف الأجواء الإعلامية على الناحية الأمريكية، فإن الوقت مثالي الآن لشمل هؤلاء اللاعبين السياسيين في استراتيجية السلام الشاملة.


لماذا الآن ألحّ من أي وقت مضى

إنّ الوقت، للتأكيد، عامل مهم ومقلق فالأحوال السائدة الآن على الأرض تدعم بشدة الحاجة لاتخاذ إجراءات عاجلة لتحريك عملية السلام إلى الأمام باتجاه سلامٍ شامل ضمن إطار مبادرة السلام العربية. دعنا نبدأ القول بأن هناك جوّ من الهدوء العام خالٍ من العنف لفترة تزيد عن ستة عشر شهراً. لا يستطيع أحد أن يضمن هذا الوضع إلى مالا نهاية. وبالفعل، فبصرف النظر عن أسباب تخلّي حماس وحزب الله عن إطلاق الصواريخ، يجب البناء على هذا الهدوء القائم وذلك لبيان بأن الشرط الأساسي للتقدم بالعملية السلمية، ألا وهو جوّ خالٍ من العنف، قد أخذ بمنتهى الجدية. ولذا من أفضل ما يخدم مصالح إسرائيل في الوقت الحاضر هو تخفيف أوضاع الفلسطينيين التي لا تحتمل – وخصوصاً في غزة – لإظهار للعالم بأن الإسرائيليين يكافئون السلوك الخالي من العنف، وإلاّ فإن التقدّم الملحوظ والإزدهار والأمان الذي يتمتع به الإسرائيليون في الوقت الحاضر ستكون جميعها في خطر إذا لم يظهروا تحركاً إيجابياً عندما يكون هناك اعتدال. فالدعوات المستمرة لحلّ الدولة الواحدة، أكانت من طرف الإسرائيليين اللذين ما زالوا يعتقدون بِ “إسرائيل الكبرى” وتهجير الفلسطينيين للأردن، أم من طرف الفلسطينيين اللذين يشعرون بأنهم إذا انتظروا طويلاً يستطيعون أن يهيمنوا ديموغرافياً على الأغلبية اليهودية، ليست إلاّ أساطير أو أحلام يتمناها بكل بساطة كلّ من الطرفين للتخلص من الطرف الآخر عن طريق عامل الزمن. على حكومات إسرائيل والدول العربية نزع مثل هذه الأفكار كلّما اكتسبوا زخماً حيث أنها تخدم فقط إلهاء شعوبهم عن الحقائق والوقائع على الأرض.

إن لدى إسرائيل مخاوف أمنيّة وطنية بعيدة الأمد على رأس أجندتها المحليّة، وبالإمكان إزالة العديد من هذه المخاوف فقط في سياق مبادرة السلام العربية لأن الفلسطينيين أنفسهم لا يستطيعون تقديم إطار ثابت ودائم للأمن الإقليمي. أضف إلى ذلك، وحيث أن لدى ممثلين إقليميين آخرين على الساحة السياسية الإقليمية مصلحة في نتيجة أية اتفاقية للسلام، يودّ هؤلاء أن يضمنوا بأن مثل هذه الاتفاقية تلبّي احتياجاتهم ومتطلباتهم الإقليمية. وبما أن إيران، على سبيل المثال، ستعمل كلّ ما بوسعها لتقويض إسرائيل، سيكون من الصعب العمل أو التصريح جهاراً بشيء ضد الإرادة العربية الجماعية في حالة قيام الفلسطينيين بعقد اتفاقية مع إسرائيل بمقتضى أسس مبادرة السلام العربية. سيسمح عدم وجود مرجعيّة إطار شامل للمجموعات السياسية الأخرى مثل حزب الله لمتابعة أجندتهم الخاصة عاملة بأمر أو وصية دول غيرعربية مثل إيران. لكل من هذه المجموعات رأي مختلف حول كيفية تحقيق هدفها، الأمر الذي يسير غالباً بعكس المصلحة الجماعية للدول العربية. وهذا ينطبق أيضاً على غيرها من مجموعات الرفض مثل الجهاد الإسلامي التي ما زالت ترغب في رؤية دمار إسرائيل ولكن سيتم الضغط عليها كي لا تخرب الترتيبات الأمنيّة العربية مع إسرائيل. وبالفعل، تبقى النوايا النهائية لمجموعات المتطرفين في قلب مناقشات إسرائيل المحلية. وتستطيع فقط الدول العربية مجتمعة ومتحدثة بصوت واحد، تدعمها جميع الدول الإسلامية التي احتضنت المبادرة، أن توفّر لها الشرعية الدولية الضرورية للتعمير طويلاُ. وأخيراً، فإن أكبر فائدة لمبادرة السلام العربية هي قبول إسرائيل كجزء لا يتجزأ من الشرق الأوسط. فإذا كان هناك حالياً عقبة رئيسية أمام السلام، فإنها الفكرة المسيطرة بين الجمهور الإسرائيلي والجماهير العربية عن بعضهم البعض. ويبقى تشجيع المبادرة بشكلٍ مباشر وفعّال أمراً لا يستغنى عنه أبداً لتغيير آراء الجماهير التي بدونها لن يكون هناك إلاّ تقدّم ضئيل جداً. لا يستطيع تقارب تدريجي أن يخفف من عدم الثقة المتأصل وكذلك السخرية والشك التي تطغى على إسرائيل والدول العربية. فالمبادرة هي الإطار الوحيد الذي بمقدوره أن يغيّر ديناميكية الصراع ويخلق أجواء جديدة ومناسبة أكثر على الأرض تظهر ما هو ممكن.


الدفع بمبادرة السلام العربية إلى الأمام

دفع مبادرة السلام العربية إلى الأمام على أساس “إمّا تأخذها كما هي أو تتركها” لن يحقّق الغرض المقصود منها. وحيث أن الدول العربية لا تستطيع أن تبلّغ بأن كل فقرة في المبادرة خاضعة لتفاوض مفتوح، بإمكان المسئولين العرب استخدام قنوات دبلوماسية للتعبير على أنه في الوقت الذي تؤيّد فيه المبادرة أركان معيّنة مثل إقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، هناك حيّز ضمن هذه الأسس للتوفيق ما بين متطلبات إسرائيل للسلام ومبادرة السلام العربية. ونظرا ً أنه لدى الإسرائيليين خاصّة ً مخاوف أمنيّة مشروعة وطويلة الأمد، يجب تهدئة هذه المخاوف بلغة واضحة لا غموض فيها. ولذا يجب على الجامعة العربية أن تؤكد بأنه من الضروري النظر إلى مبادرة السلام العربية على أنها المرجعية الوحيدة لسلامٍ عربي – إسرائيلي شامل وبأنه سيتم ضمان أمن إسرائيل القومي بإرادة جماعية وأن أية اتفاقية يقبلها الطرفان ستكون نهائية ودائمة. وعلى الدول العربية أن تذكر بصورة قاطعة دون قيد أو شرط بأنها ستنفذ مثل هذا الاتفاق بالقوة وبجميع الوسائل الضروريةعلى أية جماعات راديكالية ما دامت هذه تشكّل جزءاً أو رزمةً من الكيان السياسي العربي وتشغل أرضاً عربية. هذا لن يخفف فقط ولو على الأقل جزئياً من المخاوف الإسرائيلية حول قضايا الأمن القومي، بل سيحثّ الشعب الإسرائيلي لممارسة ضغط أكبر على حكوماتهم للتعامل بجدية مع الدول العربية على أساس مبادرة السلام العربية.

لقد تمّ الحديث والتداول حول موضوع الإطار العام لسلامٍ شامل للنزاع العربي – الإسرائيلي مراراً وتكراراً حتى الغثيان. فالحلّ الوحيد القابل للحياة هو حلّ الدولتين وحلّ عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين من خلال إعادة توطينهم و/أو تعويضهم وإعادة مرتفعات الجولان لسوريا، والمبادرة في جميع هذه القضايا واضحة جداً. فما على الدول العربية فعله الآن هو الدّفع بهذه الحلول إلى الأمام بنشاط وبدون هوادة أو لين. ولكن للقيام بذلك بنجاح، عليهم البدء في تغيير لغتهم السياسية تجاه إسرائيل ومخاطبة الجماهير العربية جهاراً بأن السلام مع إسرائيل هو من أفضل المصالح القوميّة الجماعية للدول العربية. ويجب على المجتمع الأكاديمي العربي ووسائل الإعلام العربية بصورة خاصة أن تكتب حول أهمية المبادرة وتحلّلها ولماذا من الضروري السعي وراء السلام مع إسرائيل ضمن إطارها.

ليست الأراضي بحد ذاتها أكبر عقبة أمام السلام ما بين العرب والإسرائيليين، فعلى إسرائيل، عاجلاً أم آجلاً، أن تتخلّى بشكلٍ أو بآخر عن الجزء الأعظم من الأراضي التي احتلتها في عام 1967 مع مقايضة محدودة لجزء منها. غير أن العقبة الحقيقية هي الرضى الذاتي عن الوضع الحالي والحواجزالنفسية القائمة أمام اتخاذ أية مخاطر لتغيير هذا الوضع. يجب على الشعبين العربي والإسرائيلي أن يدركا يوماً ما حتمية التعايش السلمي فلو كان هناك أية فائدة من إطالة عمر هذا الصراع، فقد عمّر أكثر من فائدته، ولا يستطيع أي من الطرفين تحسين موقفه بصرف النظر عن مدّة استمرار الصراع بينهما. لا بل بالعكس، كلّما طال استمرار الصراع، تقلّص العائد الناتج عنه.

لقد تغيّرت الظروف الجيوسياسية في الشرق الأوسط بصورة جذرية منذ انطلاقة مبادرة السلام العربية لأول مرّة في عام 2002. لقد غيّرت الحروب في العراق وأفغانستان بشدّة معادلة القوى الإقليمية. فإيران التي استفادت أكثر من أي طرف آخر من الإطاحة بنظام صدام حسين تشكل تهديداً جاداً لكلا الطرفين على حدّ سواء، لإسرائيل وللدول العربية السنيّة. ومن المستحسن أن تخرج الآن إدارة أوباما خطتها الذاتية للسلام في الشرق الأوسط في السنة القادمة، والتي قد تشمل أيضا ً المسارين السوري واللبناني إضافة إلى المسار الفلسطيني. وما لم تنفّذه هذه الخطة ضمن إطار مبادرة السّلام العربيّة مع دعم ٍ من الدول العربيّة البارزة مثل المملكة العربيّة السعودية ومصر والأردن وسوريا، لن تنفّذه للتطبيع الطويل الأمد والسّلام في المنطقة. فإذا كان هناك أية مرحلة ٍ حرجة تتطلّب تنفيذ هذه المبادرة لإنهاء الصراع العربي – الإسرائيلي، فهي حتما ً الآن. وعلى جامعة الدول العربيّة انتهاز الفرصة للدفع بالمبادرة إلى الأمام والترويج لها والبقاء مثابرة ً لا تلين حتّى تنفيذها بالكامل.

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE