All Writings
سبتمبر 28, 2006

منطقة في دوامة من العنف والاضطرابات

بقلم: أ.د. ألون بن مئيـــــر
أستاذ العلاقات الدولية بمركز الشئون الدولية بجامعة نيويورك
ويلقي محاضرات حول المفاوضات الدولية ودراسات الشرق الأوسط

إنني منشغل منذ أكثر من عقدين بصورة مباشرة وغير مباشرة في مفاوضات الشرق الأوسط, غير أنني في نفس الوقت ومن خلال أبحاثي وتحليلاتي لمشاكل المنطقة لم أشهد مثل هذه الدوامة من العنف والاضطرابات. إنك تجد في الوقت الحاضر كل دولة من دول المنطقة تقريبا متورطة في صراع داخلي لا يهز فقط وبكل بساطة قواعد السلطة الحكومية بل وغالبا أساسات الدولة نفسها. لقد حدثت أمور كثيرة خارج قدرة الولايات المتحدة الأمريكية أوصلت الشرق الأوسط إلى هذه النقطة. ولكن ما لم تغير الولايات المتحدة الأمريكية سياساتها تجاه المنطقة بطريقة جذرية, ستجد نفسها في مستنقع لا قرار له أبداً ينخر طاقاتها ومواردها ويهدد بصورة خطيرة أمنها القومي في الوقت الذي تجلب فيه كوارث أكبر ذات أبعاد تاريخية على المنطقة.

لقد عدت تواً من رحلة مكثفة للشرق الأوسط هي السابعة من نوعها خلال اثني عشر شهراً, وأجد نفسي أكثر تشاؤماً من أي وقت مضى. لا غرابة أن ينسب معظم قادة المنطقة المستويات الحالية العالية من الحيرة والخوف إلى الحرب في العراق وسياسة الاحتلال وللصراع الإسرائيلي- الفلسطيني. إن حرب العراق والصراع السني- الشيعي الذي تأجج نتيجة لذلك قد اتخذ أشكالاً مأساوية بالنسبة لهم. إنهم ينظرون لتشجيع أمريكا على الديمقراطية في المنطقة بأنه يخدم المصلحة الأمريكية نفسها وبأنه فشل ذريع لأمريكا لأن هذا التشجيع قد تسبٌب بموجة من العنف والاضطرابات أكثر من ترسيخ الاستقرار في المنطقة. إنهم يتهمون واشنطن بتطبيق معايير مزدوجة خصوصاً في تعاملها مع إسرائيل، واعتقادهم بهذا قد هبٌط مصداقية أمريكا في المنطقة إلى مستوى لم يسبق له مثيل على مرٌ الزمن في الوقت الذي جعل كل مبادرة للولايات المتحدة مشكوكاً بأمرها.

في العراق يزداد الوضع الأمني سوءاً وارتفع معه عدد الضحايا الذين يقتلون بطريقة الإعدام بصورة مأساوية في الأسابيع الأخيرة من 100 إلى 200 شخص يوميٌاً. لم تأتِ الجهود في الماضي للتخفيف من وقوع المذابح بغمر مناطق الاضطرابات بآلاف من الجنود الأمريكيين والعراقيين والقيام بأعمال تفتيش من بيت لبيت إلاٌ بنتائج واهنة. والخطة الجديدة بغلق بغداد بإحاطتها بحزام من الخنادق وتنصيب العشرات من نقاط التفتيش لن يؤدي إلى أي تحسن ملحوظ في الوضع. هناك المئات من مخازن الأسلحة والمتفجرات مخبأة داخل بغداد نفسها ستقوم بتزويد الثوار والمتمردين لسنوات عدٌة. وقد زاد الوضع تدهوراً مساعي الشيعة
لتقسيم البلاد إلى مناطق بحكم ذاتي. فإذا نجحوا في ذلك، فإنٌ هذا سيحرم السنة من حصتهم الشرعية في نفط العراق لأنٌ المناطق الغربية والشمالية والوسطى من العراق ذات الأغلبية السنية تفتقر إلى النفط أو أنٌ بها مخزون ضئيل جداً منه. وللتأكيد، إنٌ العراق حالياً في خضم حرب أهلية. وبدلاً من تقديم أي حلٌ، فإنٌ سياسة الإدارة الأمريكية في "الإبقاء على المسار والوضع الحالي" سيسرع فقط في قطع أوصال العراق عن طريق العنف.

وبالعودة إلى إيران، فإنٌ الوضع هناك غير مشجٌع. قد تكون إيران عائشة في عالم وهم، ولكن الزمرة الدينية الحاكمة في إيران تؤمن قطعياً في قدرتها اللاهوتية ومصير سيطرتها على المنطقة بأكملها. وتستمر طهران في محاولة كسب الوقت الذي تقوم فيه بتخصيب اليورانيوم وتستغل أية إشارة للضعف يبديها الغرب. لقد نجح الإيرانيون حتٌى الآن في كسب روسيا والصين ضد الولايات المتحدة الأمريكية وفي منع الاتحاد الأوروبي من فرض عقوبات اقتصادية وتحدوا موعد الحادي والثلاثين من شهر أغسطس ( آب) الذي حددته الأمم المتحدة كآخر موعد لتوقيف تخصيب اليورانيوم. ويبدو أنه قد تم فعلا مكافأة إيران لهذا السلوك عندما تقوم واشنطن بتغيير موقفها وتعرض عليها إيقاف السعي وراء العقوبات إذا قامت طهران بتوقيف تخصيب اليورانيوم ـــ أي توقيف مقابل توقيف. وأثناء ذلك كانت إيران الداعم الرئيسي لحزب الله الذي جلب الحرب والدمار على لبنان.

لقد قامت الحكومة الإيرانية أيضاً بتشجيع حماس على تحدي إسرائيل، وهذا ما قامت به حماس فعلاً، الأمر الذي لم يجلب سوى الدمار على الفلسطينيين. وتستمر إيران علاوة على ذلك بتهديد وجود إسرائيل، الأمر الذي تأخذه القدس في غاية الجدية والخطورة. لقد سبٌب تصرف إيران في كل عاصمة عربية الخوف والقلق العميق فيما يتعلق بطموحات إيران لتطوير الأسلحة النووية وفشل الولايات المتحدة في فعل أي شيء حيال ذلك. لقد حان الوقت لوضع إيران أمام خيار لا مفر منه، فإمٌا الإذعان لقواعد السلوك الدولية أو مواجهة إجراءات كاسحة غير محددة.

لربما تكون المملكة العربية السعودية أكثر قلقاً من أية دولة أخرى في المنطقة حول الحرب في العراق وتبعياته. تشعر العائلة المالكة في السعودية بأنها مهددة بصورة خاصة من مخاوف أن يمتد الصراع الدموي ما بين الشيعة والسنة إلى داخل المملكة العربية السعودية. لقد أصيبت الرياض بإحباط شديد عندما لم تتمكن إسرائيل من كسر ظهر حزب الله في حرب لبنان وتضعف بذلك النفوذ الإقليمي لإيران. يعاني السعوديون من التهديدات الإرهابية المستمرة ولكن القاعدة تتمتع بتأييد شعبي عريض, في حين لا ترى الحكومة أي أمل في تغيير أي شيء

 

لتخفيف الوضع المتوتر الذي ستجد نفسها فيه في أي وقت في القريب العاجل. ترى الرياض أن تصدير الوهابيّة لعدد من الدول العربية والإسلامية هو بمثابة بوليصة تأمين توفر بعض الحماية, غير أن الحكومة تعلم أيضا أن هذا بحد ذاته لن يمنع العاصفة المتزايدة من أن تصبح إعصار قد يبتلع المملكة. بإمكان المملكة العربية السعودية أن تقوم بعمل أكثر فعالية من ذلك وهو ترسيخ العلاقات بين الدول العربية ليس فقط من أجلها هي بل من أجل استقرار المنطقة.

وبالنسبة للبنان, فإن الدمار الواسع الذي حدث فيه نتيجة الحرب ما بين حزب الله وإسرائيل قد فتح أعين اللبنانيين على النتائج المرة لسماحهم لحزب الله أن يتصرف كدولة داخل دولتهم. وينتقد اللبنانيون الآن علناً حزب الله لقيامه بأعمال نيابة عن إيران على حساب بلدهم. وفي الوقت الذي يعبّر فيه اللبنانيون عن غضبهم لما حل بهم من دمار, فإنهم يشعرون أيضاً بتعرضهم الشديد للأذى فيما يتعلق بتطورات وأحداث مستقبلية خارج نطاق إرادتهم. لقد عانى الاقتصاد اللبناني من خسائر فادحة ويبدو الحصول على تكاليف إعادة الإعمار التي تقدر بالمليارات أمراً مستحيلاً. أضف إلى ذلك أن وجود طائفة شيعية متنامية في لبنان لا يبشر بخير بالنسبة للسكان المسيحيين. إن لدى المسيحيين اللبنانيين شعور متزايد بأنهم مهمّشون وهذا ما يزيد من حدة التوتر الطائفي الموجود في كل مكان وزمان والمعرّض للانفجار. وما لم تقم الحكومة اللبنانية بنزع سلاح حزب الله بشكل أو بآخر وتسعى إلى عقد سلام مع إسرائيل في نهاية المطاف, فإن الحرب التي انتهت قبل أسابيع قليلة لن تكون الأخيرة.

سوريا تجد نفسها أيضاً في وضع صعب. إنها تريد إشراكها في قضايا إقليمية ولكن الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل منعتها من ذلك وأصبحت معزولة عن الجهود الغربية لإحلال السلام في المنطقة. ومما زاد من المشاكل التي سببها ضعف الاقتصاد السوري والتسليح العسكري المتهالك والتململ الشعبي المتزايد هي رغبة إدارة بوش في تغيير نظام الحكم في دمشق. لربما تكون دمشق قد لعبت بالنار بدعمها حزب الله, ولكن ما لم تؤخذ مصالح سوريا ذات الطابع الخاص في لبنان ورغبتها في استرجاع مرتفعات الجولان المحتلة وعدم بقاء الحكومة تحت غيمة تغيير الحكم,فإن القيادة السورية تشعر بأنها تحمي بحق المصالح الوطنية للبلاد. وقد يشمل هذا بالطبع دعم مجموعات تافهة تفعل كل ما يلزم نيابة عن دمشق للإبقاء على الأجندة السورية على قيد الحياة. يجب على سوريا وعلى إسرائيل والولايات المتحدة أن تعترف بأن سياستها تجاه بعضها البعض قد فشلت وعليها الآن أن تصيغ سياسة جديدة من شأنها أن تنهي إلى الأبد الصراع السوري الإسرائيلي وتمنع حرب أخرى لا معنى لها.

أما بالنسبة للأردن, فبحكم موقعه المحصور بين أكثر منطقتين اضطراباً في الشرق الأوسط وهي العراق شرقاً ومناطق السلطة الفلسطينية وإسرائيل غرباً, يشكل الوضع الحالي قلقاً جسيما له. ولكن بفضل المهارات الدبلوماسية التي يتمتع بها ملك الأردن عبدالله الثاني في الحفاظ على علاقات طيبة مع جيرانه العرب والتزامه بمعاهدة السلام مع إسرائيل وعلاقاته الوثيقة مع الولايات المتحدة الأمريكية حافظت هذه على ازدهار الأردن اقتصادياً واستقراره سياسياً. غير أن مهارات الملك الدبلوماسية قد لا تكفي مستقبلاً. فالحرب الأهلية المتأججة في العراق والتي قد تنتقل إلى الأردن والقوة المتنامية للإخوان المسلمين والصراع الدموي المستمر ما بين إسرائيل والفلسطينيين ( 65% من سكان الأردن من أصل فلسطيني) قد تغيّر جميعها الصورة بين ليلة وضحاها بصفة جذرية. وما لم تتم تسوية النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني ويعود العراق تحت حكم يسيطر عليه سيبقى الأردن على أرض مهتزة وفريسة للتطرف الإسلامي.

وماذا عن إسرائيل؟ لقد غيّرت الحرب في لبنان مرّة أخرى الخارطة السياسية في إسرائيل مع انتقال الكثير من الإسرائيليين باتجاه اليمين من الوسط. معظم الإسرائيليين يعانون من "دوخة" الحرب وغاضبون من الانتصار الغير جازم لجيشهم. إن تمكن حزب الله من إطلاق حوالي 200 صاروخاً إلى داخل مراكز المدن في إسرائيل حتى اليوم الأخير من الحرب ينظر إليه كنتيجة فشل ذريع لكلا القيادتين السياسية والعسكرية. إن حكومة أولمرت ما زالت تتمسك بأظافرها بالسلطة. وتبين استطلاعات الرأي بأنه لو أجريت انتخابات اليوم في إسرائيل, فإن حزب "كاديما" سيخسر. قد يتفكك الحزب حقيقة ككلّ وسيفوز الليكود بأغلبية نسبية كافية لتشكيل حكومة جديدة. لقد وضعت خطة أولمرت بشأن الانسحاب من معظم أراضي الضفة الغربية على الرف ويتنبأ معظم المطلعين السياسيين الإسرائيليين بأن حكومة أولمرت لن تدوم طويلاً خصوصاً عند تشكيل لجنة مستقلة للتحقيق في ملابسات الحرب. لن يستطيع أولمرت الحيلولة دون حدوث ذلك بعد أن يقوم مكتب المحاسبة العام بإصدار تقريره الأولي الذي يتوقع أن يدين الحكومة. ستؤدي نتائج هذا التقرير إلى تشكيل لجنة تحقيق وطنية من قبل المحكمة العليا. ومهما كان المصير الذي ستواجهه حكومة أولمرت, فإن هذه الحكومة أو أية حكومة إسرائيلية مستقبلية يجب أن تجد الشجاعة لإنهاء هذا الاحتلال الغير إنساني وزرع الأمل بدلاً من اليأس في قلوب وعقول الجيل القادم من الإسرائيليين والفلسطينيين.

وفيما يتعلق بالفلسطينيين, فإنهم يجدون أنفسهم كذلك في وضع أسوأ من ذي قبل. إن الصراع ما بين قوات الأمن التابعة لحماس وتلك التابعة لفتح يبدو جلياً

 

باستمرار الفلتان الأمني في قطاع غزة. وتبدو في هذه الأثناء المنطقة بكاملها على حافة انهيار اقتصادي كلي. تقوم عصابات مسلحة وعائلات ومليشيات بالاستيلاء على أراضي الغير وحتى قوات الأمن نفسها تخالف القانون ولا أحد منها يحاكم. وينحصر الأمل الآن في تشكيل حكومة وحدة وطنية لأنه يتضح وبصورة متزايدة بأن عودة الغرب إلى دعم السلطة الفلسطينية مالياً هي القوة الدافعة وراء تشكيل هذه الحكومة. وما زالت الولايات المتحدة وإسرائيل وإلى حد كبير الاتحاد الأوروبي مصرين على القبول الكامل للنقاط الرئيسية الثلاثة من قبل أية حكومة فلسطينية جديدة, وهي: الاعتراف بإسرائيل, ونبذ العنف وقبول الاتفاقيات الموقعة سابقا ما بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. وحماس, على أية حال, ما زالت مصرة بأنها لن تعترف بإسرائيل وبأن لها الحق في الاستمرار بكفاحها المسلح, الأمر الذي يضع جميع الآمال في استئناف مفاوضات ذات جدوى داخل حلقة كبيرة من الشك. لقد حان الوقت للشعب الفلسطيني أن يتوصل إلى إجماع وطني ويصرّ على حل الدولتين الذي سيقدم له الطريقة الوحيدة والمضمونة لإنهاء الصراع والعيش على الأقل في جو هادىء.

وأخيراً وليس آخراً مصر التي ترى نفسها بحق كقائدة العالم العربي تنتظر وقتها. وبالرغم من انشغالها كثيراً في محاولات الوساطة ما بين إسرائيل والفلسطينيين ونجحت في ذلك في أكثر من مناسبة, غير أن القاهرة تواجه تحديات داخليّة خطيرة مثل تنامي قوة الإخوان المسلمين وارتفاع نسبة الفقر والأمية والافتقار إلى الخدمات الاجتماعية. وبالرغم من الهدوء الظاهري وجو اللاعنف في الشوارع, إلاّ أن مصر قد تنفجر فعلاً, وإذا حدث هذا الأمر فإنها ستجر معها الجزء الأعظم من منطقة الشرق الأوسط. هناك الكثير من الحديث حول الإصلاحات السياسية ويرى الكثيرون من المثقفين والأكاديميين المصريين في هذه الإصلاحات الدواء الشافي لجميع أمراض الأمة, الاجتماعية منها والاقتصادية, غير أن هذه النظرة ساذجة جداً وتحتاج إلى فحص وتحليل جدي. إن مصر حالة لا نظير لها ولا يوجد حل سهل لمشاكلها. وإدخال إصلاحات سياسية بدون تطور اجتماعي واقتصادي يسير موازياً لها سيؤدي إلى اضطرابات سياسية وعدم استقرار. وإذا انهارت مصر تحت ثقل الإسلاميين فإن هذا سيكون له تأثير سريع الانتشار على المنطقة بأكملها وقد يكون على أثره استلام الإسلاميين للسلطة في عديد من الدول العربية احتمالاً وارداً بالفعل.

أود أن أنهي مقالتي هذه بالملاحظة أن قصدي هنا كان تقديم ملخصاً موجزاً عن المشاكل الحالية في الشرق الأوسط. وآمل في مقالاتي المستقبلية أن أعبئ
الفراغات في الصورة بلداً تلو الآخر بمزيد من التفصيل والعمق. ويكفي القول في هذه الفترة الحاسمة بأنه في حين لا تعتبر الولايات المتحد&#

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE