All Writings
ديسمبر 5, 2006

عام من التحدي المأساوي

بقلم: أ.د. ألون بن مئيـــــر
أستاذ العلاقات الدولية بمركز الشئون الدولية بجامعة نيويورك
ويلقي محاضرات حول المفاوضات الدولية ودراسات الشرق الأوسط

إنني أعترف بأنني أناضل من أجل إيجاد طريقة أو تعبير لتلخيص الوضع المؤسف الذي آلت إليه الأمور في الشرق الأوسط في عام 2006. تبدو أنّها لا تتحدّى فقط المنطق بل وأيضاً غريزة البقاء. كيف تصف منطقة أصابها الجنون وتضع نفسها على طريق الدمار الذاتي وتتسابق نحو شفا الكارثة؟ كيف ومتى ومن يستطيع إيقاف هذا الجنون؟ أين بإمكاننا أن نبدأ وما هو المطلوب فعله؟

بإمكاننا طلب الراحة أو المؤاساة بقبولنا إن للشرق الأوسط منطقه الخاص وأننا بكل بساطة لا نفهم الأشكال الغريبة للاحتدام والهيجان الاجتماعي والديني والسياسي الذي يحدث الآن هناك. هناك فقط أمر واحد واضح، وهو على أية حال أنٌ الغطرسة العمياء وعدالة صانعي السياسة المنهمكين في شئونهم الذاتية قد أوصلت المنطقة وجهاً لوجه مع حافة الهاوية. من السخافة إلى السموٌ، جميع أطياف السياسات المتناقضة متوفرة في المنطقة وأدٌت كلها مجتمعة إلى نفس النقطة وهي: استعمال البشر كرهائن أو دروع في لعبة قاتلة وعقيمة بدون جدوى تماماً. قادة فقدوا التبصٌر و "بوصلة التوجه"، ودجٌالون اغتصبوا الحلبة السياسية ورجال دين خانوا عقائدهم وبلطجيون مجرمون يفعلون ما يريدون. الموت ممجٌد، والأمل مبدٌد والجماهير محبطة وتستغرب لماذا تورطت بكل هذا باسم الله.

في لبنان نرى وقاحة بدون خجل تصل مستويات جديدة وهجوم حزب الله في هذا الصيف ضد إسرائيل قد جلب الدٌمار للشعب اللبناني، بما في ذلك خسارة مأساوية للعديد من الأرواح البريئة في حين يصبح زعيم حزب الله، الشيخ نصرالله، دمية إيران، بطلاً في أعين الكثير من العرب داخل وخارج لبنان، متعطشين لبصيص من الخلاص الذاتي مهما كان ذلك مكلفاً ومخادعاً. يا له من تفسير محزن للأحداث، وما يجعله محزناً أكثر هو محاولة نصرالله الإطاحة بحكومة لبنان الديمقراطية الناشئة دافعاً بذلك البلد إلى حافة حرب أهلية أخرى أكثر دماراً. وإبّان ذلك, فإن رفض السيد بوش إشراك سوريا لم يجلب شيئاً سوى المزيد من التصعيد الشامل للوضع في المنطقة. ما زال لسوريا نفوذاً كبيراً في لبنان وتأثيراً في حرب العراق وهي تسعى جادة لإعادة مرتفعات الجولان تحت سيادتها. وشعوراً منها بأنها مهمّشة, فإن سوريا تلعب دور المخرّب أو المساعد أيّهما يخدم أفضل مصالحها الوطنية.

وبالنسبة للفلسطينيين, فإن هذا العام موسوم بخسارة مأساوية للنظرة المستقبليّة المتفائلة. فبعد أن سئم من الفساد المتفشّي للسلطة الفلسطينية بقيادة فتح انتخب الشعب الفلسطيني حماس لكي تعالج أزمته ليدرك فقط بعد ذلك أن ما هو قادم أعظم سوءاً. الخزينة الفلسطينية مفلسة والعنف قد تجاوز الحدود والفوضى أصبحت سيدة الموقف اليومي. وما زال قادة حماس فوق ذلك كله متمسكين بأحلامهم الواهية في تدمير إسرائيل بدلاً من السعي بجدية لوحدة وطنية تفي بالغرض. لا يهمهم إذا بدأ الشعب الفلسطيني في التفكك بل ما زالوا متشبثين

بعقيدة عمياء فقدت جدواها منذ اليوم الأول الذي خلقت فيه إسرائيل. أجل, إنها حقيقة مفجعة للشعب الفلسطيني أن تبقى حماس متعنتة في عدم قبول الحقيقة, وهي أنّ إسرائيل خُلقت لتبقى.

وفي إسرائيل نفسها, إنّه العام الذي أصبح فيه العجز السياسي فضيلة والشّلل سيّد الموقف. سرعان ما اكتشف حزب كاديما – وهو الحزب السياسي المشكّل حديثاً والذي استلم السلطة تحت قيادة إيهود أولمرت – بأنّه في موقع الدفاع عن النفس بعد حرب لبنان. وبالرّغم من أنّ الانسحاب من معظم مناطق الضفة الغربية من جانب واحد أو من خلال المفاوضات كان العقيدة الأساسية للحزب, لم يعد الانسحاب الآن قيد التفكير, وبدلاً من ذلك يتصاعد العنف بين إسرائيل والفلسطينيين خصوصاً بعد اختطاف الجندي الإسرائيلي شاليت. وإبان ذلك يستمر الاحتلال في تجريد إنسانية كلا الطرفين مع غياب أية مبادرة جديدة أو نظرة مستقبلية متفائلة لأي اختراق جدي لهذه الأزمة لإنهاء هذا الصراع ألاستنزافي.

وفي العراق تؤدي سياسة فاشلة إلى ركوع البلد. لقد حقّق التمرد والقتل الطائفي أرقاماً قياسية جديدة مقترنة بعطش لا يرتوي للثأر الأعمى والعقاب الجنوني. لا يوجد حل عسكري لهذه الورطة والفشل المتكرر لإدارة بوش في تغيير إستراتيجية الحرب قد أغرق أخيراً البلد في حرب أهلية تحصد أرواح الآلاف كل شهر ويبدو أنه ليس هناك مخرج يحافظ على ماء الوجه. إنّ التمسك بحكومة ائتلافية ضعيفة ومفككة يجعل ببساطة الوضع أسوأ. إنّ الرفض المتشنج لإدارة بوش في إعطاء السنة فرصة لحكم ذاتي وإخفاقها في لجم المليشيات الشيعيّة سيؤدي في النهاية إلى قطع أوصال البلد. أضف إلى ذلك, فإن الصراع الدموي بين الشيعة والسنة يتجه نحو تخطي الحدود العراقية, الأمر الذي سيكون له تعقيدات عالمية تنذر بالشؤم.

أمّا بالنسبة لإيران, فإنه عام جميل مفعم بالتحدي المثمر تبرز منه إيران كالفائز الحقيقي الوحيد في المنطقة. تقدّم حرب العراق لإيران فرصة تاريخية لتحقيق الطموحات الفارسية القديمة في الهيمنة على المنطقة. ويعمل رجال الدين هناك بجد للسيطرة على تقنية تصنيع الأسلحة النووية لتثبيت سيطرة إيران الإقليمية. يا له من عمل باهر لبلد يخضع منذ فترة طويلة للعقوبات الأمريكية والتهديدات بتغيير النظام يبرز رغم كل ذلك كقوة إقليمية يجب أن يعتدٌٌّ بها, ليس فقط من قبل جيرانها بل وأمريكا أيضاً !! وفي الوقت الذي تستمر فيه إيران بدعم المجموعات الإرهابية والإسلامية المتطرفة لتقويض الجهود الأمريكية, تربح فيه ببراعة لعبة المجازفة السياسية ضد الولايات المتحدة, ولم يبقى لٌدارة سوى القليل جداً مما قد تفعله لإحباط الطموحات الإيرانية.

الشرق الأوسط يحتج بأكمله بشدّة لهذه الأحداث وهو محبط ينتظر جواباً من أمريكا على ذلك, ليدرك فقط بأن الإدارة الأمريكية ما زالت غارقة في حرب مهلكة وقد فقدت مقوماتها "والبوصلة" الأخلاقية لقيادة العالم.

 

 

 

 

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE