All Writings
أغسطس 13, 2010

هل العرب والسّلام على طرفيّ نقيض ؟

 بقلم: : أ.د. ألون بن مئيـــــــــــــــــــر

      أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية

بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط

بمعهد السياسة الدوليـــــــــــــــــة

 

كنت في فترة ٍ مبكّرة من هذا الصيف في القدس ألتقي بمختلف المسئولين وأناقش أصدقاء قدامى في أمور ٍ شتّى. وبعد دقائق من لقائي بصديق، وهو موظّف كبير سابقاً في وزارة الخارجيّة الإسرائيليّة،  عاد واتّصل بي هاتفيّا ً قائلا ً: "ألون، عُد لي، عليك أن تحدّث هذا الشخّص !". وبعد اجتماعي به ذهب إلى صيدليّة حيث كان الصيدلي ينظر بنوع ٍ من الفضول إلى الكتيّب الذي كان يحمله والذي قمت أنا بنشره تحت عنوان: " إسرائيل ومبادرة السّلام العربيّة". وذهبت إلى الصيدليّة لأكلّم الصيدلي وبعد أن أكّدت له بأنني أنا مؤلّف الكتيّب سألني:" هل تعتقد حقّا ً بأن السّلام مع العرب ممكن ؟  فالعرب والسّلام لفظان متناقضان. لا يوجد مثل هذا الشيء".

هذا الصيدلي، شأنه شأن العديد من الإسرائيليين، يجهل ببساطة فحوى مبادرة السّلام العربيّة والفرصة التاريخيّة التي تعرضها. لقد أظهر استطلاع للرأي أجراه حديثا ً معهد ترومان بالجامعة العبريّة بالإشتراك مع المركز الفلسطيني للبحوث السياسيّة والمسحيّة بأن (59 %) من الإسرائيليين يعارضون مبادرة السّلام العربيّة. إنّه بلا شكّ بيان إحصائي مزعج، ولكنه يعكس في نفس الوقت فشل الحكومات الإسرائيليّة المتعاقبة في احتضان وتسويق هذه المبادرة المهمّة لشعبها. وللإنصاف، فللإسرائيليين مبرّر في أن يكونوا متشكّكين تجاه هذه المبادرة. فالصراعات العنيفة الدمويّة مع العرب ورفض الدول العربية عروض السّلام الماضية قد جعلت الإسرائيليين يعتقدون بأنّ "مبادرة السّلام العربيّة" هي فعلا ً مفهوم يتناقض مع نفسه. فبعد حرب عام 1967 رفض العالم العربي إمكانية التفاوض مع إسرائيل لانسحاب ٍ من الأراضي التي احتلتها إسرائيل في حرب الأيام الستّة. وقد أتوا بدلاً من ذلك بإعلانهم المشئوم في مؤتمر القمّة المنعقد في الخرطوم عام 1967 بلاءاته الثلاث:" لا سلام، لا اعتراف ولا مفاوضات مع إسرائيل" التي ترسّخت في أذهان وعقول الإسرائيليين منذ ذلك الحين.

 

ومما زاد الطين بلّة أن يتزامن تبنّي مبادرة السّلام العربيّة لأول مرّة من قبل الجامعة العربيّة في مؤتمر القمّة المنعقد في بيروت يوم 27 آذار (مارس) عام 2002 مع وقوع انفجار انتحاري مروّع قُتل فيه (30) إسرائيليّا ً وجرح (140 ) آخرون في احتفال ٍ لعيد الفصح اليهودي أقيم في فندق المنتزه في مدينة نتانيا السياحيّة الإسرائيليّة وذلك في أوج الإنتفاضة الثانية الدامية. وبذلك أصبحت الأفكار الجيدة التي عُرضت على ما يبدو في وقت ٍ غير مناسب أفكارا ً سيّئة. هذا ما كان بالتأكيد الحال مع مبادرة السلام العربيّة في شهر آذار (مارس) عام 2002. وبالفعل، فلو عُرضت مبادرة السّلام العربيّة في عام 1967 م بدلا ً من إعلان الخرطوم، لكانت المنطقة الآن تشهد وضعا ً مختلف كليّا ً. ولكننا الآن لسنا في ربيع عام 2002 ولا في عام 1967. ولذا على إسرائيل أن تتصرّف حسب متطلبات الساعة. لا تستطيع إسرائيل أن تسمح لنفسها بأن تقوم جراح الماضي بتحويل انتباهها عن التزامها تجاه شعبها في البحث دوما ً عن طرق لحماية وأمن الدولة اليهوديّة والذي لا يمكن التوصّل لهما إلاّ عن طريق السّلام. وفي حين أنّ هناك جوانب في المبادرة تقلق إسرائيل، غير أنّه عليها احتضان هذا المجهود كاملا ً كفرصة تاريخيّة ومعلم لرفض الرسالة التي أعلنتها الدول العربيّة في مؤتمر الخرطوم.

وبالفعل، فإن سكوت إسرائيل للردّ على ايماءة العالم العربي الجريئة في دعم سلام ٍ اقليمي شامل يعطي الرسالة التي مفادها بأن إسرائيل ترفض السّلام الآن، وهي فكرة تمّ تأكيدها لي خلال رحلتي الأخيرة لشتراسبورغ وفرنسا حيث قابلت العديد من أعضاء البرلمان الإتحادي الأوروبي الذين أصرّوا – بدون استثناء – على أنّ إسرائيل، وليس الفلسطينيين، هي العقبة أمام السّلام.  يجب على إسرائيل أن تدرك بأنّ الوقت والظروف قد تغيّرت وبأن الدول العربية تدرك أيضا ً بأن إسرائيل قد وجدت في المنطقة لتبقى، هذا ولو أنّ السّلام لا يُصنع إلاّ عن طريق مبادلة الأرض به. وهناك في الواقع ستة أسباب رئيسيّة تجعل الدّول العربيّة تدرك جيّدا ً الحاجة لصنع السّلام الآن والإبقاء على مبادرتهم على الطاولة رغم رفض إسرائيل لها ورغم التوقّف الحالي لعمليّة التفاوض:

أوّلاً، انتهاء قدرة الدول العربيّة على استغلال القضيّة الفلسطينيّة لصرف الأنظار عن مشاكلها الداخليّة. هذه الدّول أصبحت منزعجة وقلقة جدّا ً من التطرّف الطارىء داخل

 

مجتمعاتها. وهذا ا

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE