All Writings
أكتوبر 10, 2007

تغيير المسار مع سوريا

10 أكتوبر (تشرين أول)2007

بقلم: أ.د. ألون بن مئيـــــــــــــــــــر
أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية
بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط
بمعهد السياسة الدوليـــــــــــــــــة

الفكرة القائلة بأن مركز اهتمام مؤتمر الشرق الأوسط هو التوصل إلى اتفاقية من حيث المبدأ ما بين إسرائيل والفلسطينيين وبأن أطراف النزاع الأخرى, مثل سوريا, هامشية لاتستحق التأمل بها, هي فكرة خاطئة من أساسها. وعلى إدارة الرئيس بوش أن تعيد على وجه السرعة تخمين موقفها بخصوص سوريا إذا أرادت أن تتوصل حتى إلى الحد القليل من النجاح في المؤتمر. وهناك عدّة أسباب تدعم هذه الحجة.

أوّلاً, إن أي اتفاق يتم التوصل إليه بين فتح وإسرائيل هو نصف اتفاق فقط حتى إذا تم التقيد به تماماً, وهذا بحد ذاته أمر مشكوك فيه للغاية. لا يمكن تنفيذ أي اتفاقية بالكامل بدون قطاع غزة الذي يأوي 1.5 مليون فلسطيني, وهو منطقة تحت السيطرة الكاملة لحماس. ليس هناك إلاّ الشيء القليل الذي بإمكان إسرائيل والسلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس فعله للفت انتباه حماس. وحيث أن دعم سوريا المباشر والغير مباشر لحماس شيء مهم جداً بالنسبة للحركة, بإمكان دمشق أن تؤثر تأثيراً جوهرياً على موقف حماس من حيث إمّا أن تتخلّى علناً عن مقاومتها لأية اتفاقية تبرم ما بين إسرائيل والحكومة التي تقودها حالياً فتح أو أن تمارس مقاومة أكبر.

ثانيا ً, وبالرّغم من أنه لا يوجد الآن وقت لإسرائيل وسوريا للتوصل إلى اتفاقية قبل انعقاد مؤتمر السلام, غير أن الحضور السوري في المؤتمر يعطي فرصة ذهبية للتوصل إلى إعلان متبادل للنوايا مع إسرائيل في التوصل إلى سلام من خلال المفاوضات. لقد صرّحتا إسرائيل وسوريا علناً عن إرادتهما في الدخول في مفاوضات غير مشروطة. ولذا على إدارة بوش أن تلتزم باحتضان ما تريده الدولتان وألاّ تدع الفكرة المستحوذة عليها لتغيير النظام في دمشق تنسف فرصة زخمة لإحداث تغيير جوهري في الشرق الأوسط. من دواعي السخرية أنه في الوقت الذي تريدان فيه إسرائيل وسوريا السلام وتحتاجان إليه، ترى الإدارة الأمريكية هي التي تمنع إسرائيل من الدخول في أية مفاوضات حقيقية مع سوريا.

ثالثا ً، من المسلّم به أنّه إذا كتب للمؤتمر أن يحقق ولو نجاحا ً متواضعاً، فإن مشاركة دول عربية أخرى وتجنيد الإرادة العربية الجماعية خلف أية اتفاقية تلوح في الأفق أمر في غاية الأهمية. وبالرغم أن الإدارة مدركة تماماً لهذه الحقيقة، فانها بالكاد تلطّفت بتقديم مجاملة عابرة للمبادرة العربية علما ً بأنها
الوثيقة الوحيدة التي تعبّر عن الإرادة الجماعية السياسية للدول العربية لإحلال سلام عربي – إسرائيلي شامل والذي يجب أن يتضمّن سوريا. يستطيع فقط موقف عربي موحّد تعديل اتجاه حماس وغيرها من المجموعات المتطرفة. وفقط المشاركة الكاملة للمملكة العربية السعودية ( بصفتها محررة المبادرة العربية) وسوريا ( بصفتها أكثر طرف حرج في النزاع إلى جانب الإسرائيليين والفلسطينيين) من شأنها أن تحسّن وبصورة جذرية الأمال المعقودة على نجاح المؤتمر الذي يعتبر بدوره ضروري جداً لبناء تقدم في المستقبل.

رابعا ً، سورية كدولة عربية رئيسية وخصم عنيد لإسرائيل لا يجوز أن تعامل كطرف ثانوي ملحق بالمؤتمر الذي سيناقَش فيه جوهر الصراع العربي – الإسرائيلي. وبالرغم من أن سوريا قد دعيت للمؤتمر كجزء من وفد الجامعة العربية، فليس من المرجّح أن تحضر المؤتمر إلاّ إذا دعيت للدفاع عن موقفها كطرف أساسي وأعطيت الفرصة للتعبير عن شكاويها. والدعوة الحالية من وجهة النظر السورية ليست إلاّ استمرار لجهود الإدارة الأمريكية لتهميش دمشق بوضعها في صورة غير ذي صلة أو أهمية بمستقبل المنطقة. قد ترغب الإدارة في ذلك، ولكن الواقع شيء آخر. إنّ سوريا كانت ولا تزال لاعبا ً رئيسيّا ً في الخير والشرّ، وذلك حسب الأوضاع الجغرافية – السياسية السائدة وإدراك دمشق الخطر المحدق بالنظام الحالي. لا شكّ أنه باستطاعة الإدارة الأمريكية التأثير على مسار التصرفات المستقبلية لسوريا, ولكن ليس بما يضر النظام نفسه. ومن الناحية الأخرى, فإن صراع أمريكا مع إيران حول برنامج أسلحتها النووية, والوضع المضطرب في لبنان, ومستوى عدم الاستقرار في العراق والتطرف الفلسطيني ونجاحات حزب الله, هذه كلها متأثرة بما تفعله سوريا وما لا تفعله.

هذا يؤدي بنا إلى السؤال الجوهري: بما أن سياسة تغيير النظام في دمشق التي سارت عليها الإدارة الأمريكية وبكل إصرار خلال الأعوام الستة الماضية قد فشلت في كل حساباتها, أفلم يحن الوقت لتغيير مثل هذه السياسة التي كان لها تأثيراً عكسياً؟ إن كل ما استطاعت الإدارة تحقيقه حتى الآن هو دفع النظام في دمشق أكثر فأكثر في حضن إيران وإجباره على شدّ قبضة سلطته داخلياً. سوريا ليست حمقاء لدرجة بألاّ تأخذ تهديدات أمريكا بصورة جدية, وعليه فقد أجبرت لاتخاذ إجراءات عديدة غير عادية لحماية نفسها مهما بدا أنّ بعض هذه الإجراءات قد تكون كريهة.

وبصرف النظر عن واقعية أو استحقاق الشكاوي الأمريكية ضد سوريا, لا يمكن تسوية أية من هذه الشكاوي بالاتهامات والاتهامات المضادة العلنية. يجب أن

تكون الإتفاقية التي أبرمت مع كوريا الشمالية بخصوص برنامج تسلحها النووي درساً تأخذ منه الإدارة الأمريكية عبرة. لقد تم التوصل أخيراً إلى اتفاقية مع بيونغ يانغ عندما أذعنت الإدارة فقط لمطلب كوريا الشمالية بإجراء مفاوضات وجهاً لوجه, وكان بالإمكان التوصل إلى هذه الاتفاقية قبل خمسة أعوام وبالتأكيد قبل أن تصل كوريا الشمالية إلى نقطة القيام باختبار نووي فعلي.

إنّ دعوة سوريا لمؤتمر السلام ليست مكافأة لدمشق لسلوكها المؤذي المزعوم, بل هي مسألة ضرورية حقيقية تمليها الأجواء المضطربة السائدة في الشرق الأوسط التي ساهمت إدارة بوش بدرجة كبيرة في خلقها. إن مؤتمر الشرق الأوسط للسلام يمنح إدارة بوش فرصة لتغيير مسارها نحو سوريا دون خسارة ماء وجهها, ناهيك عن الحديث حول منع خطأ فادح.

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE