أخطاء كارثية في التقديـــــــــــــــــ
بقلم: أ.د. ألون بن مئيرأستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدوليةبجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسطبمعهد السياسة الدوليــــــــة في الوقت الذي يتصاعد فيه العنف في الشرق الأوسط, ليس من الصعب أن نستخلص بأن جميع اللاعبين السياسيين المتورطين في الأزمة بصورة مباشرة أو غير مباشرة قد أخطئوا بصورة جسيمة في التقدير. لن ينتهي هذا النزاع بعودة الوضع إلى ما كان عليه. سترفض إسرائيل السماح برجوع أحداث الأسبوعين الأخيرين, وهذا يعني أنه سيكون هناك تغيير جذري في لبنان والأراضي الفلسطينية بما يرضي شئون إسرائيل الأمنية ويدفع الإسرائيليين والفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات في جو دائم الهدوء. وبتأييده المعلن عن اختطاف وقتل جندي إسرائيلي وبذلك وقوفه بجانب الجناح العسكري لحماس, ولربّما ضد إرادته الشخصية, يكون رئيس الوزراء إسماعيل هنية قد خان ليس فقط غرائزه الذاتية وإنما أيضاً الشعب الفلسطيني الذي أيّده. لقد كشفت الأحداث الأخيرة عن مدى ضعفه وكم هو قاصر عن نزع فتيل النزاع. وفيما هو يبعثر فرصاً عديدة لإظهار شيئاً من الاعتدال في مواقفه السياسية, إلاّ أنه من المستحيل أن يعتقد بأنه تخيّل يوماً ما أنه بإمكانه تحدي إسرائيل والبقاء سالماً من الضرر. إنّ هذا الخطأ في التقدير هو أحد الأخطاء العديدة التي ستؤدي عاجلاً أم ﺁجلاً إلى تغييرات جذرية في السياسات الداخلية الفلسطينية, ويؤمل أن تحدث هذه بدون إراقة الكثير من الدماء. أمّا حزب الله, فقد تجرأ إلى أبعد مما تجرأ به الفلسطينيون من حيث اقترافه خطأ فادحاً في تقدير رد فعل إسرائيل وركونه إلى موافقة كل من إيران وسوريا الضمنية على ذلك وتأييدهما المفتوح له إضافة أيضاً إلى تأييد الجماهير والحكومات العربية لإنقاذ الوضع إذا لزم الأمر. ودراية منه بحساسية إسرائيل تجاه الضغط الدولي وتأثرها به, فقد افترض زعيم حزب الله, الشيخ حسن نصرالله, بأن رد فعل إسرائيل الانتقامي سيكون متناسباً كما طالب بذلك بالفعل وبطريقة مخزية الاتحاد الأوروبي. ولكن لماذا ستسمح إسرائيل لمنظمة إرهابية بإعادة تجميع صفوفها وبتسليحها من جديد خلال شهر أو شهرين لكي تعود مرّة أخرى بإمطار مدن إسرائيل بمزيد من الدمار ؟ مخدوع بفصاحة خطاباته حول قوة وقدرات حزب الله ومتحمس لإظهار التضامن مع حماس, فقد أفرط نصرالله في تقدير قوته الذاتية والآن سيدفع على الأرجح ثمناً باهظاً كاسحاً لعظمته. لم يبدأ حزب الله بالتأكيد هجومه على إسرائيل دون الموافقة الضمنيّة, إن لم يكن المساندة المطلقة لإيران وسوريا, فلكل من هذين البلدين أجندته في المنطقة. فسوريا تريد أن تبيّن للعالم بأنّها لاعب سياسي إقليمي ولا يمكن تهميشها في حين أن الأمر بالنسبة لإيران لا يتعدّى إلاّ أن يكون طريقة أخرى للتملص من الضغط الذي تمارسه الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي لوقف برنامجها النووي وفي نفس الوقت تجبر إسرائيل للقتال على جبهتين. وحزب الله, بمساندة وتسليح وتمويل من إيران وبمساعدة لوجستية ومساندة سياسية من سوريا, شعر نفسه أهلاً لهذه المهمة, غير أن سوريا وإيران استخفتا بتقدير رد إسرائيل على ذلك. لقد أعماهما إلى حد ما أن حزب الله قد اجتاز الخط المسحوب في الرمل بمهاجمة مناطق سكنية داخل إسرائيل. وبالنسبة للإسرائيليين كان هذا الأمر غير مقبولا كليّاً وقطعيّاً. وبناء عليه تحوّل الوضع بسرعة لحرب لن تخسرها إسرائيل ولا تستطيع أن تتركها معلقة أو غير منتهية بشكل تام. ويجب الآن, من وجهة نظر إسرائيل, إمّا نزع سلاح حزب الله وتفكيك بنيته التحتية, أو تدميره. وبالنسبة لسوريا وإيران, هناك خسارة أخرى في الأفق وهي عندما يجلو الجو من الغبار سيكون نفوذهما في لبنان قد تقلّص دراماتيّاً بشكل جذري. ولإسرائيل أيضا حصتها من الأخطاء في التقدير. لقد تجاهلت أهمية كسب قلوب وعقول الفلسطينيين العاديين وتمكينهم من عزل أنفسهم عاطفيا وذهنيا عن الإسلاميين المتطرفين. فبدلا من تبني إستراتيجية فرض عقوبات قاسية على المتطرفين وفي نفس الوقت "مكافأة" الفلسطينيين العاديين المعتدلين، التجأت إسرائيل بصورة عامة إلى سياسة رد الصاع بصاعين والى سياسات العقاب الجماعي، الأمر الذي شدّ من أزر التحام عامة الشعب الفلسطيني بالفئات المتطرفة. أضف إلى ذلك، فان رئيس الوزراء ايهود أولمرت قد أظهر في البداية انضباطا ورباطة جأش فيما يتعلق بالتعامل مع الهجمات المستمرة لصواريخ القسام، الأمر الذي قد أرسل للأسف إشارة خاطئة للفلسطينيين المتطرفين فأساءوا فهم الإشارة. وفي حين أن إسرائيل كانت تدرك تماما بأن حزب الله يتسلّح دون حساب، وبالأخص بالصواريخ الإيرانية الصنع، إلا أنها لم تضغط في الماضي بما فيه الكفاية لحمل لبنان، وبتدخل من الولايات المتحدة الأمريكية، للحيلولة دون الاستمرار في ذلك خصوصا وأن هناك قرارا من الأمم المتحدة يدعو لنزع سلاح حزب الله. وماذا عن أخطاء لبنان في التقدير ؟ كون الحكومة اللبنانية ضعيفة وغير قادرة على مواجهة حزب الله ليس عذرا يبرّر تقصيرها في فرض سيادتها على أراضيها. ففي محاولة منهم لاحتضان حزب الله سياسيا والسماح له بوضع يده على الجنوب مقيما على أرض الواقع دولة داخل دولة، حشر اللبنانيون أنفسهم في الزاوية. عاجز عن تحدي حزب الله لنزع سلاحه، اختار لبنان أن يختبئ وراء ما يسمى ب "الديمقراطية" كما لو كان ذلك سيوفّر له تلقائيا حصانة من تجاوزات شركائه في الائتلاف الحكومي. وإدانة لبنان لإسرائيل بدون انتقاد – في نفس الوقت – حزب الله لهجومه الغير مبرّر على إسرائيل يجعله شريكا له في الحرب التي يجني نتائجها مباشرة. وبالنسبة لإدارة بوش، فإنها بكونها منشغلة إلى أبعد الحدود بالرفع من شأن الديمقراطية في المنطقة، ولو أنها بالاسم فقط، وغاطسة في مستنقع حرب دامية في العراق، قد تركت الإسرائيليين والفلسطينيين وشأنهم في هذا الصراع الفظيع. فبدون وجود مبعوث دائم في منطقة الشرق الأوسط من الرئيس بوش نفسه ولديه السلطة لجرّ الطرفين على الاقتراب أكثر من بعضهما البعض، فليس هناك ما يوقف النزاع من التصعيد. علاوة على ذلك، فان رضا إدارة بوش بحكومة ضعيفة ومقطعة الأوصال في لبنان كان بمثابة قبولها ضمنا بمنظمة حزب الله الإرهابية لكي تصبح شريكا شرعيا في الحكومة اللبنانية. ومما زاد الطين بلة أنه في حين سوريا وإيران تتمتعان بالتأثير الوحيد والمباشر على حزب الله وتتدخلان في الشئون الداخلية اللبنانية، ليس لواشنطن علاقات مع إيران واتصال محدود فقط مع سوريا غالبا ما يكون من النوع التحذيري الفظّ. في هذا البحر من أخطاء التقدير يصبح من السهل تجاهل ردّ المملكة العربية السعودية وأهميته. إن استنكار الرياض الشديد اللهجة الذي لا غموض فيه لهجوم حزب الله عبر الحدود يدل على الغضب الذي تشعر به العديد من الدول العربية. أنهم يدركون حجم الكارثة التي قد تحلّ بأمنهم الاقتصادي واستقرارهم السياسي إن هم سمحوا لمجموعات "مرتدة" أن تغتصب الأجندة العربية وتجرهم إلى نزاع مدمر. لن تذرف هذه الدول سوى القليل من الدموع عند رؤيتها حزب الله وحماس وقد هزمتا كليا وتم تهميشهما بصورة دائمة في السياسات العربية. ما يجب فعله ؟ على إسرائيل استراتيجيا أن تركّز على لبنان مدركة أنه كيفما تنتهي المواجهة مع حزب الله فان ذلك سيكون له أصداء مهمة جدا على الجبهة الفلسطينية. وأخذا بعين الاعتبار أهمية وارتباطات الأمن الوطني الإسرائيلي بالنسبة للإسرائيليين أنفسهم، فليس للإسرائيليين خيار آخر سوى إنهاء حزب الله بتدمير بنيته التحتية و مخازن أسلحته. وخشية من الذراع العسكري الطويل والتأديبي لإسرائيل، لا سوريا ولا إيران ستجرؤان على مساعدة حزب الله. هذا وعلى الأرجح ألا تتوقف إسرائيل قبل وضع نهاية لحزب الله كما صممت بحيث تمكّن بذلك الحكومة اللبنانية من السيطرة على حدودها الجنوبية لخلق هدوء دائم في المنطقة. سترسل هذه النتيجة رسالة لا لبس فيها لحماس مفادها أن على قادتها أن يقرّروا فورا بين أمرين لا ثالث لهما. فإما أن يستمروا في الوجود أو يختفوا من الساحة السياسية. وعلى إسرائيل أيضا أن تعيد النظر في إستراتيجيتها الطويلة الأمد مع الفلسطينيين والعمل يد بيد مع المعتدلين منهم بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية لخلق مخرج من حطام هذا الانهيار الفظيع.