مواجهـة الهاويــة
في البحث عن حل للمأزق الحالي ما بين إسرائيل وحماس, على المرء أن يدرك أولاً ما الذي سبّب فعلاَ الأزمة. إنّ قتل جنديين إسرائيليين واختطاف الجندي العريف جلعاد شاليت في هجوم جريء على موقع عسكري إسرائيلي قد أصبح رمزاً للتحدي الفلسطيني للقوة العسكرية الإسرائيلية. وبالنسبة للإسرائيليين, كانت هذه عملية إرهابية تأتي على أعقاب هجمات صاروخية مقلقة تنطلق من قطاع غزة الذي أخلته إسرائيل بالكامل قبل حوالي سنة. وقد اختار الآن كلا الطرفين مساراً من شأنه أن يقودها حتماً للهاوية, هذا إلاّ إذا قام الطرفان بإنهاء الأعمال العدائية من حيث المبدأ. وبالرغم من أنّّ توغل إسرائيل في قطاع غزة قد أجري ظاهرياً لتحرير العريف شاليت, غير أن الهدف الحقيقي كان وضع حد لإطلاق صواريخ القسّام, وأثناء العملية خطف أو قتل أي إرهابي معروف يقع بين أيدي الإسرائيليين. كما وأرادت إسرائيل بذلك أيضا أن تدمّر البنية التحتية للمقاومة الفلسطينية المسلحة. وقد زاد الوضع تعقيداً أنّ إسرائيل أعطت حماس فترة زمنية بعد فوزها في الانتخابات التشريعية لتعديل موقفها بما يتماشى مع الواقع السياسي الراهن لكونها الآن تشكل الحكومة الفلسطينية, لتكتشف من خلال اختطاف العريف شاليت بأن جناح حماس السياسي ليس له سلطة على جناحها العسكري. ولذا تعتقد إسرائيل الآن بأن حماس, كحكومة, متورطة مباشرة بأعمال إرهابية. وتبعاً لذلك, فقد قررت إسرائيل تقويض حماس كسلطة حاكمة, الأمر الذي يجعل أية حلول وسط توفيقية, بما في ذلك مبادلة الأسرى, بعيدة الاحتمال إلى أقصى حد. علاوة على ذلك, فإن اكتشاف إسرائيل بأن المسلحين الفلسطينيين قد أطلقوا صاروخاً متطوراً بمحركين قادراً على وصول مراكز المدن الإسرائيلية قد زاد من حدّة التوتر, الأمر الذي جعل الاقتحامات الإسرائيلية للقطاع أمراً مؤكداً. إنّ توقع الإفراج غير المشروط عن الجندي شاليت والذي كما يبدو ظاهرياً على السطح قد يرضي الإسرائيليين, يبدو أنه قد أصبح الآن أقل احتمالاً بكثير مما قبل. وكلما طالت الأزمة, تتصلّب مواقف الطرفين أكثر فأكثر وتزداد صعوبة إيجاد مخرج يحافظ على ماء وجه الطرفين. ولإنهاء الأزمة التي من الممكن أن تتصاعد لغزو كامل لقطاع غزة بصرف النظر عن تردد إسرائيل لاتخاذ هذه الخطوة, فإن ما يحتاجه الطرفان الآن هو إيجاد ما يسمّى "انسحاب استراتيجي" دون أن يبدو ذلك بأنّه "خسارة أرضيّة". ولهذا السبب فإن التركيز على إطلاق سراح الجندي شاليت لن يقدم حلاًّ طويل الأمد يقبله الطرفان. لقد كانت المشكلة, وما زالت, الإطلاق المستمر للصواريخ من غزة على أهداف إسرائيلية وردود فعل إسرائيل الانتقامية على ذلك مقترنةً باغتيالات مسلحين فلسطينيين مطلوبين. واستناداً إلى مباحثاتي العديدة التي أجريتها مع أفراد منشغلين في البحث عن حلّ, فإنّ الاتفاق على وقف شامل لإطلاق النار يلتزم به الطرفان كليّاً ويقومان بتنفيذه فوراً هي الطريقة الوحيدة للخروج من هذا المأزق وقد تؤدي أيضا إلى تسوية متبادلة للخلاف, شاملة إطلاق سراح شاليت وبعض السجناء الفلسطينيين. إنّ الإيقاف المتبادل للأعمال العدائية كخطوة أولى التي قد يوافق عليها الطرفان دون خسارة ماء الوجه بالضرورة, ستكون أسهل للقبول من توجيه مطالبات لا يستطيع أي من الطرفين تنفيذها دون أن يبدو بأنّه قد تنازل للطرف الآخر, أو, كما يقول الفلسطينيون "بأنه قد استسلم". وبسبب المخاوف من عمل إسرائيلي انتقامي، يبدو أن هناك شعور متنام في دمشق – التي استفادت حتى الآن إلى أبعد الحدود من المأزق الحالي والتي كانت تحبط حتى هذه الساعة آمال قيام أية مفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية – بأنه كلما اقتربت الأزمة من الاحتواء قلّ احتمال قيام إسرائيل بعمل عقابي ضد سوريا. وهذا يعلّل سبب قيام الرئيس السوري بشار الأسد – الذي تعهّد بمساندة القضية الفلسطينية ويأوي عنده حاليا رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل - بمحاولة تنصّل دمشق من أي تورط مباشر في الأزمة. والرسالة الإسرائيلية لدمشق كانت واضحة ومفادها: لا تستطيع سوريا أن تدفع بالعنف وعدم الاستقرار في المنطقة بدون عقاب. ومن الواضح أن دمشق لا ترغب في مواجهة عسكرية مع إسرائيل. وتركيا التي تستمر في لعب دور مهم وراء الكواليس والإحداث هي الآن في أفضل موقع لها للتوسّط في عقد هدنة، وليكن ذلك بانضمام مصر إليها. على تركيا أن تركز على حماس وعلى قيادتها السياسية داخل وخارج المناطق الفلسطينية، بينما تقوم مصر بالتركيز على محمود عباس وعلى منظمته فتــح. وبذلك تكمّل مصر وتركيا جهود كل منهما الآخر لترتيب هدنة شاملة بين أطراف النزاع. هناك من يقول بأن لا حماس ولا المجموعات الفلسطينية المسلحة الأخرى مثل جيش الإسلام والجهاد الإسلامي مهتمة في أي تسوية سلمية مع إسرائيل. وبالرغم من معاناة الشعب الفلسطيني، فان هذه المجموعات المسلحة ستستمر في معركتها ضد إسرائيل حتى انتهاء الاحتلال "ومحو إسرائيل من الوجود". أنا شخصيا لست من أتباع هذا الفكر الذي يؤمن بالقضاء والقدر، فالشعب الفلسطيني يريد العيش، والبديل هو سباق نحو حافة الهاويـــــــــــــــــة.