All Writings
يونيو 5, 2007

أربعون عاما من الأوهام القاتلـــــــــة

5 حزيران (يونيو) 2007

بقلم: أ.د. ألون بن مئيـــــــــــــــــــر
أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية
بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط
بمعهد السياسة الدوليـــــــــــــــــة

لقد سلّطت الذكرى الأربعون لحرب الأيام الستة عام 1967 – ولربّما أكثر من أي شيء آخر – الضوء على أزمة القيادة الحالية في الشرق الأوسط. فإسرائيل تقودها في الوقت الحاضر حكومة مشلولة من جراء الطعنات التي سدّدتها هي بنفسها على جسدها، حكومة فقدت بوصلة التوجّه في صحوة حرب لبنان الأخيرة مع حزب الله وفقدت معها الشجاعة أيضا لانتهاز المبادرة واتخاذ خطوات حقيقية نحو السلام. ويستمرّ الفلسطينيون إبّان ذلك بدفع الغالي والنفيس من أجل قادتهم اللذين يفتقرون إلى الكفاءة والحنكة السياسية ويركضون وراء الأوهام. أجل، قادة أفلتوا من أياديهم كل الفرص لإعطاء شعبهم أي أمل للمستقبل.

لا ننكر بأنه قد حدثت منذ عام 1967 بعض التطورات الهامة والايجابية: فقد وقّعت إسرائيل معاهدات سلام مع مصر والأردن في عامي 1979 و 1995 على التوالي. وتبنّى مؤتمر القمة العربية في شهر آذار ( مارس ) 2002 مبادرة – أعيد طرحها مرة أخرى في شهر آذار ( مارس ) 2007 – عارضةً على إسرائيل سلاماً شاملاً وحقيقياً مقابل الأراضي التي تمّ احتلالها في عام 1967. وهذه المبادرة تختلف كليّاً عن القرار الذي تبناه مؤتمر القمة المنعقد في الخرطوم قبل أكثر من 30 عاماً والمعروف بلاءاته الثلاث: لا للاعتراف، لا للتفاوض ولا للسلام. واليوم تقبل على أية حال أغلبية من الإسرائيليين والفلسطينيين مبدأ حلّ الدولتين. ولكن بالرغم من هذه التحركات إلى الأمام، فإن العنف المتواصل لحلّ النزاع ما بين إسرائيل والفلسطينيين ووجود حالة حرب ما بين إسرائيل وسوريا قد أضرّت بصورة جوهرية بالعلاقات العربية الإسرائيلية. هذا وقد قوّى استمرار الاحتلال التطرّف الإسلامي في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وزادت حرب العراق بصورة جسيمة من المشاعر العدائية تجاه إسرائيل وأمريكا في العالم العربي. وفي ظلّ الفوضى والقتال الداخلي بين الفلسطينيين أنفسهم والسَّعر السياسي الداخلي في إسرائيل المقترن بغياب أي إجماع وطني حول طبيعة السلام، فإن الأجواء السياسية والأمنية في تدهور سريع جداً وصل حديثاً مستويات خطرة، الأمر الذي يكسب المتطرفين على كلا الجانبين قوّةً وزخماً بالرغم من كونهم أقلية ويسعون وراء مصالح مختلفة. وبعد أن حوّلوا الوضع الراهن لصالحهم قاموا باغتصاب الأجندة السياسية دافعين الآن بالأغلبية باتجاه شفا الكارثة من جراء أعمالهم وتعنّتهم في الوصول إلى أهدافهم.

يبدو أن أكثر الأسئلة عقلانيّة ما تطرح نفسها الآن أكثر من أيّ وقت مضى بعد أربعين عاماً من حرب الأيام الستة وهي: ماذا ينتظر الإسرائيليون والعرب، خصوصا الفلسطينيون ؟ كيف وبأية إجراءات يمكن لأيّ من الطرفين تحسين موقفه لو منح الوقت لذلك ؟ لم تقدّم أربعون عاما من الاحتلال لإسرائيل أي شيء من الأمن أو " وصفة " واحدة لسلام دائم وشامل. لقد استهلكت أربعون عاماً من المقاومة العمياء قوى المجتمع الفلسطيني من الداخل وهي تدمّر الآن البقية المتبقّية من المجتمع المدني.

ما زال السلام العربي – الإسرائيلي الشامل ممكناً. ولكن كم من الدمار سيعاني كلا الجانبين قبل أن يدركا هذه الحقيقة الحلوة المرّة ؟ فبالرغم من أن الشقاقات الحزبية والفصائلية والصراعات الداخلية المسلحة على الساحة الفلسطينية تمنع إسرائيل لدرجة كبيرة من إجراء مفاوضات مفتوحة مع الفلسطينيين، غير أنّه على القيادة الإسرائيلية أن تستيقظ بعض الشيء من "سباتها العميق" وتتحلّى بالعزم والتصميم لتطوير إستراتيجية متماسكة في التعامل مع الصراع الفلسطيني. وتحتاج إسرائيل في نفس الوقت إلى التحرّك بعزيمة أكبر على المسار السوري وسبر إمكانية السلام مع سوريا بجديّة. يجب على إسرائيل ألاّ ترفض دعوة سوريا لإجراء مباحثات سلام معها دون فحص نوايا دمشق الفعلية بهذا الخصوص. عدم القيام بذلك سيعزّز على الأقلّ استمرار السياسات الفاشلة التي أدّت إلى حرب الصيف الماضي. ومن الواضح أنّ التشبّث بهذه السياسات سيؤدي فقط إلى حروب في المستقبل تنتزع أثماناً أكبر بكثير عما انتزعته حتى الآن. ليس لأنّ بإمكان سوريا حسب رغبتها إثارة حروب بدون المخاطرة الجادة على نفسها، بل لأن القوى المتنامية للتطرف الإسلامي والإرهابيين والحركات الجهادية ستخلق أوضاعاً تتخطى قدرة أي كان على التحكّم بها، بما في ذلك سوريا. ولأنّ المخاطر عالية إلى هذه الدرجة، يجب على سوريا أن تبيّن بأنّ دعوتها للسلام دعوةً حقيقية مخلصة.

سيعزل بلا شكّ التوصّل إلى اختراق سياسي مع سوريا المنظمات الفلسطينية المتطرفة مثل حماس والجهاد الإسلامي ويعزّز موقف المعسكر المعتدل. ويجب على إسرائيل أثناء مفاوضاتها مع سوريا أن تقوم بكلّ ما بوسعها لتشجيع المعتدلين الفلسطينيين وذلك باتخاذ بعض الإجراءات الأحادية الجانب على الأرض لتسهيل حياة الفلسطينيين العاديين، أي إجراءات من شأنها – بدون مخاطر كبيرة على قضايا الأمن الوطني الإسرائيلي – أن تحدث تسهيلات لحياة الفلسطينيين العاديين، مثل إطلاق سراح السجناء الذي طال انتظاره وطال الحديث حوله والعمل على تسهيل حركة الناس والبضائع. علاوةً على ذلك، على إسرائيل

أن تكافئ التجمعات السكانية الفلسطينية والمناطق التي لا ينطلق منها العنف بحوافز اقتصادية وأن تعطي إشارة عمليّة جادّة لنهاية التوسّع في بناء المستوطنات، وأن تمرّر عشرات الملايين من الدولارات التي جمعتها من الضرائب الفلسطينية للفلسطينيين المعتدلين. والأمر الأكبر أهمية هو ألاّ تنتظر إسرائيل قيام الفلسطينيين باتخاذ قرار موحّد، بل عليها أن تتخلّى عن سياستها "ضربة بضربة" وتتبنّى إستراتيجية تؤدي في النهاية إلى إنهاء الصراع. إبان ذلك، على الدول العربية وبعد إعادة طرحها مبادرة السلام الشامل مع إسرائيل أن تبقى متشبّثة في السعي وراء أجندة للسلام. على هذه الدول أن تبيّن القدرة والإرادة السياسية في التعامل مع العناصر المتطرّفة التي تقوّض الإرادة العربية الجماعية.

لقد قال يوماً الرئيس الأمريكي الراحل جون ف. كينيدي:" الزعامة والتعلّم أمران متلازمان، لا غنىً للواحد منهما عن الآخر". لقد كانت الأربعون عاماً الماضية طويلة ومؤلمة بما فيه الكفاية ومتطلبات السلام للأعوام الأربعين القادمة لن تتغيّر بصورة جوهريّة. غير أن ثمن السلام، كما تبيَّن من تأثير التأخير فيه على الأرواح البشرية والموارد الماديّة، سيكون باهظاً للغاية. فهل يستجمع القادة العرب والإسرائيليين شجاعتهم وينتبهون لهذا الأمر، أم أنهم بلامبالاتهم وتراخيهم سيدخلون مرحلة أربعين سنة أخرى من الأوهام القاتلة ؟

 

 

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE