All Writings
أغسطس 23, 2006

تصريحات الرئيس الإيراني: زلة لسان أم نذير ش&#

لم تأت دعوة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد الأسبوع الماضي "لمحو إسرائيل من الخارطة" كمفاجأة مذهلة،  ولكن قد تشكل تحولا خطيرا في سياسة إيران تجاه إسرائيل. على أية حال،  هذا الخروج الفظيع عن التصرف الدولي المألوف للسيد أحمدي نجاد يزيد بصورة جسيمة من حالة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط،  خصوصا وأن إيران مستمرة في السير بقوة ببرنامجها النووي متحدية بذلك المجتمع الدولي. وبالنسبة لإسرائيل،  فان لديها جميع الأسباب للاعتقاد بأن إيران تعني تماما ما تقول. فمخطط هتلر لمحو الشعب اليهودي بأكمله وكذلك مخطط الصربي ميلوسيفيتش لإبادة مسلمي كوزوفو كانا محفورين في ذاكرة كل من هذين الشخصين. ستأخذ إسرائيل الآن وبلا شك في سياق تصريحات السيد أحمدي نجاد برنامج إيران النووي بجدية أكثر بكثير عما مضى،  وعلى باقي دول العالم أن تفعل الشيء نفسه. ستشكل إيران – كدولة تملك السلاح النووي ومعلنة عن رغبتها في محو إسرائيل عن الخارطة – خطرا جسيما ليس فقط على إسرائيل فحسب،  بل على المنطقة بأكملها. وبالفعل،  فان نظرة بعض الإسرائيليين لدعوة الرئيس "لمحو إسرائيل من الخارطة" مقترنة بالتشجيع الشعبي الإيراني والدعم المباشر لاعتداءات المجموعات الإسلامية مثل حماس والجهاد الإسلامي على إسرائيل، هي بمثابة إعلان الحرب على إسرائيل. وبالمقابل،  فان تصريح وزير خارجية إسرائيل السيد سيلفان شالوم بأن إيران تشكل خطرا حقيقيا في الوقت الحاضر يرسل رسالة واضحة لطهران بأن إسرائيل لن تنتظر طويلا على طموحات إيران النووية.  وأثناء ذلك،  فان التصريح الخطير الطائش  للزعيم الإيراني يؤكد ببساطة لكثير من الدول الأخرى وليس فقط لإسرائيل طبيعة الوضع الخبيث الذي تمر فيه الأمة الإيرانية.  ويقول المسئولون الإسرائيليون اللذين تحدثت إليهم بأن قلقهم الرئيسي هو في شدة نبرة الرئيس أحمدي نجاد وتوقيت تصريحه الذي جاء مباشرة عقب هجوم انتحاري،  وهذا ما يجب أيضا أخذه بعين الاعتبار في ضوء إنذارات واتهامات إيران المتكررة لإسرائيل،  ومساندتها الفعالة للإرهاب وبالطبع سعيها الحثيث لحيازة الأسلحة النووية.  وانسجاما مع العوامل الأخرى،  لا يجوز أخذ التصريح باستخفاف أو إلقائه في سلة المهملات ونسيانه. ولذا من الضروري ألا تعطى إيران الانطباع بأنه وبعد صدور بعض تصريحات الاستنكار ضد ملاحظات الرئيس الإيراني ستعود معظم الدول لممارسة نشاطاتها التجارية والسياسية مع طهران كالمعتاد. فإذا كانت هذه هي فعلا المحصّلة النهائية،  فان الأمر سيكون في منتهى الخطورة.            وبالرغم من أن دولا كثيرة،  خصوصا المجموعة الأوروبية،  قد وجهت على الفور لإيران اللوم اللاذع على تصريحات رئيسها،  غير أنه لم يقم أحد منهم بتقديم اقتراح لأية عقوبة.  ولذا فليس لدى طهران الآن أي دافع لردع نفسها،  لا بل قد تشعر قيادتها في الواقع بأنها محفّـزة لتكثيف نشاطاتها الإرهابية المدمرة في جميع أنحاء المنطقة معتقدة بأنه بإمكانها فعل ذلك بدون عقاب.           وفي المنطقة نفسها،  باستثناء مصر والفلسطينيين،  بقيت معظم الدول العربية صامتة،  في حين كان من المفروض على جميع رؤساء الدول العربية أو جامعة الدول العربية أن يستنكروا تصريحات الرئيس أحمدي نجاد مؤكدين لإسرائيل التزامهم بحقها في الوجود وفي التوصل أخيرا لتسوية نهائية يتم التفاوض عليها على أساس حل دولتين.  ولكن هذا لم يحدث ! وكان من المفروض على دول الاتحاد الأوروبي أن تستدعي سفراءها من إيران،  حتى ولو لفترة قصيرة،  للبوح عن سخطها. وفي نفس الوقت إنذار طهران بإجراءات عقابية فعالة إذا هي لم تصحح مساراتها. غير أن شيء من هذا القبيل لم يحدث !           لقد أصدر مجلس الأمن الدولي كما يجب وبالإجماع قرارا يدين فيه تصريح الرئيس الإيراني. ولكن كان من المفروض على بعض الدول الأعضاء المؤثرة في الهيئة الدولية،  وعلى وجه الخصوص فرنسا وألمانيا،  أن توجه إنذارا لإيران بأنها ستؤيد طردها من منظمة الأمم المتحدة لخرق تعهدها كدولة عضو بأن "تمتنع عن التهديد أو استخدام القوة ضد سلامة أراضي أي بلد أو ضد استقلاله السياسي". ولكن شيء من هذا لم يحدث !           وأخيرا استنكر صائب عريقات،  كبير المفاوضين الفلسطينيين، تصريحات الرئيس أحمدي نجاد قائلا " إن الشعب الفلسطيني يعترف بحق دولة إسرائيل في الوجود وأنا أستنكر تصريحاته.  العالم بأسره قد قبل حل الدولتين وعلى إيران أن تقبل نفس المبدأ".  ولكن في حين أن هذه المشاعر مشكورة،  غير أنه كان من الأجدر أن يكون الرئيس الفلسطيني محمود عباس السبّاق إلى إدانة إيران والطلب من طهران أن توقف دعمها المباشر للمجموعات الفلسطينية المتطرفة التي تقوّض مساعيه للسلام.  ولكن هذا لم يحدث !           إذا كان من المطلوب اعتبار القضية الفلسطينية من " أهم القضايا المركزية للأمة الإسلامية وللمنطقة وللمجتمع الدولي إلى حد ما" كما ذكر السيد رفسنجاني، رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام القوي بايران،  كان على هذا الأخير أن يفكر هو الآخر عما إذا كان تهديد إسرائيل – كما فعل رئيسه – سيخدم حقا المصالح الفلسطينية.  الجواب في هذه اللحظة واضح: سياسة إيران تجاه إسرائيل قد عملت على إلحاق ضرر كبير بالفلسطينيين سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. وكل منتحر  تفتخر إيران بالمساعدة في إرساله ضد إسرائيل قد رجّع القضية الفلسطينية قدرا لا يستهان به إلى الوراء. وتهديد كيان إسرائيل علانية بهذا الشكل لن يفعل شيئا سوى تعزيز موقف المتصلبين في إسرائيل ودفع اليسار والوسط في نفس الوقت باتجاه اليمين. أضف إلى ذلك،  إن نية إسرائيل للقيام بإجراءات لتخفيف شدة ومعاناة الفلسطينيين ستضمحل خصوصا وأن هذه التصريحات قد تزامنت بساعات معدودة مع عمل تفجيري انتحاري أودى بحياة أناس أبرياء،  بما فيهم أطفال،  في إسرائيل.           إن الجهود التي يقوم بها بعض المسئولين الإيرانيين للتخفيف من وتيرة تصريحات رئيسهم لا تغير شيئا من خطورة ما قيل ولا من مفاهيمه. ففي محادثة لي في المدة الأخيرة حول هذا الموضوع مع السيد عماد رزق – وهو خبير في الشئون الإستراتيجية بجامعة طهران وغالبا ما يعكس صدى الموقف الحكومي الرسمي الإيراني – أصرّ  بأن هذا التصريح يتطرق فقط لضرورة تغيير النظام الصهيوني في إسرائيل، وهو أمر – كما قال – لا يختلف عن رغبة أمريكا في تغيير النظام في إيران.  على اليهود والعرب الفلسطينيين – حسب قوله – أن يعيشوا معا في دولة ديمقراطية تحكمها الأغلبية والتي ستكون – كما يتنبأ بها السيد عماد رزق- أغلبية فلسطينية. انه افتراض مضحك ومأساوي في نفس الوقت لان دولة ديمقراطية إسرائيلية بهوية وأغلبية يهودية حقيقة لا يمكن أن تكون موضوع تفاوض.           إن مثل هذه المحاولات لتقديم سبب منطقي لتصريحات السيد أحمدي نجاد قد تكون تمرينا في السخافة. أكان تصريحه المثير للمشاكل دليل عدم نضج سياسي أو محاولة لتعزيز قاعدته السياسية أو أكان المقصود منه حقن الرأي العام الإيراني بجرعة عالية من الهوس لصرف النظر عن مأساة شعبه الحقيقية أو أن هذا التصريح يشير فعلا إلى تحول واضح في سياسة إيران تجاه إسرائيل،  فرئيس إيران يلعب في أي من هذه الحالات بالنار. ففي الواقع إيران وليست إسرائيل من عليها أن تشعر بأنها اليوم عرضة للهجوم والعطب أكثر من أي وقت مضى نتيجة هذه التهديدات المتهورة.          وعلى دول الاتحاد الأوروبي وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية بوجه الخصوص أن تعي وتحترس بصورة خاصة لما قيل وليس لما تم فعله وعليهم أن يفعلوا ما يجب فعله إذا أرادوا أن يجنبوا المنطقة كارثة عظيمة.

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE