All Writings
يناير 24, 2007

الفرصــــة الأخيـــــــــــــــــــــ&#

بقلم: أ.د. ألون بن مئيـــــــــــــــــــر
أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية
بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط
بمعهد السياسة الدوليـــــــــــــــــة

بعد أكثر من ستة أعوام من الإهمال المأساوي قد يبقى لواشنطن الفرصة الأخيرة لوضع نهاية للمأزق الإسرائيلي – الفلسطيني. وبصرف النظر عمّا إذا كانت هناك علاقة مباشرة أو غير مباشرة ما بين هذا الصراع – الذي عمّر حتى الآن قرنا من الزمن – والعنف في المنطقة, فإن النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني يبقى دائماً بالنسبة للعرب أكثر القضايا المشحونة عاطفياً والتي تلهب مشاعر المتطرّفين في جميع أنحاء الشرق الأوسط. ومهما كان انشغال إدارة بوش بالعراق حاجة ملحّة, فهو ليس عذراً لما أصاب الجبهة الإسرائيلية – الفلسطينية من شلل تام تقريباً. وفي حين لا تستطيع الولايات المتحدة بمفردها حل هذا النزاع, غير أنه ما زال لديها النفوذ الأكبر في المنطقة, وهي تستطيع بذلك أن تجنّد الموارد الضرورية لتوجيه حملة متعدّدة الجوانب تؤدي في النهاية إلى اتفاقية سلام وذلك بتطبيق خمسة أسس في نفس الوقت:

أولاً, على هذه الإدارة أن تبرهن على جدّيتها فيما يتعلق بإيجاد حلّ للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني وذلك بتعيين مبعوث رئاسي دائم للمنطقة. لقد تمّ خلال الأعوام الستة الأخيرة إرسال أكثر من اثني عشر مبعوثاً, ابتداءً من الجنرال زيني لغاية السيناتور السابق روبرت ميشيل, وجميعهم عادوا من محاولاتهم السلمية صفر اليدين. وزار المنطقة مرّة في ظروف متوترة وزير الخارجية. ولكن ما نحتاجه فعلاً هو شخص مهني متمرس ذو كفاءة عالية وبتفويض رئاسي, شخص ملمّ جيدا بالوضع الفريد من نوعه والحسّاس لكلا الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني. أجل, مفاوض قاسٍ وحازم لا يلين، مخوّل لتنسيق عملية التفاوض كاملة لغاية توصّل الطرفين إلى اتفاقية سلام ثابت حتى ولو بالإكراه.

ثانياً, بما أن الإدارة كانت تساند دائماً بصورة عامّة وبثبات سياسات إسرائيل والولايات المتحدة تعتبر حليف إسرائيل الأساسي, تستطيع الإدارة إذن ممارسة نفوذ هائل على الإسرائيليين لتعديل سياساتهم في المناطق المحتلة. على إسرائيل أن تقوم بإجراءات أحادية الجانب لبناء الثقة تهدف إلى قيام الفلسطينيين بتغيير ديناميكية الصراع دون المساومة أو التساهل بأمنها الوطني. ستعكس هذه الإجراءات بوضوح التزام إسرائيل لإنهاء الاحتلال, بحيث تمثل إشارة يراها ويسمعها الفلسطينيون. ومن المفروض أن تشمل هذه الإجراءات: (أ) منع إنشاء مراكز خارجية غير قانونية قد تصبح نواة لمستوطنات وتفكيك كل ما هو قائم منها
حالياً, (ب) إنهاء التوسع في المستوطنات الحالية مع بعض الاستثناءات القليلة فقط, (ج) تقديم حوافز اقتصادية ومشاريع تنمية حيوية للمجتمعات الفلسطينية المسالمة, (د) إزالة جميع حواجز الطرق التي لا تشكل تهديداً لأمن إسرائيل, (هـ) السماح للفلسطينيين حسب القانون بالبناء وزراعة أراضيهم بدون قيود غير ضرورية, (و) التخلي عن أي شكل من أشكال العقاب الجماعي, (ز) إزاحة ذلك الجزء من الجدار المتعدي على الأراضي الفلسطينية, و(ح)إطلاق سراح جميع السجناء الذين ينبذون العنف, وبالأخص الأكثرهم شعبية وهو مروان البرغوثي الذي بإمكانه أن يعطي زخماً جديداً لحياة حركة فتح السياسية ويكون بديلاً للسيد محمود عباس إذا دعت الضرورة لذلك ويشكل تحدياً حقيقياً لحماس.

ثالثاً, وبالرغم من أن الإدارة ترفض وبحق ألتفاوض مع حماس إلاّ إذا قبلت بالشروط الرئيسية الثلاثة وهي الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود واحترام الاتفاقيات السابقة ونبذ العنف, غير أنّ على واشنطن في هذه المرحلة أن تعمل في نفس الوقت بعزيمة وثبات لدعم المخيم الفلسطيني الذي يؤيد حلّ الدولتين. وبصورة خاصة، يجب على الإدارة أن تقدم علناً للسيد محمود عبّاس الدّعم المالي لدفع رواتب موظفي حكومته ولإنشاء مشاريع تخلق فرص عمل وتوفّر المعدات العسكرية والتدريب اللازمين لقوات الأمن الموالية له بحيث يشكل هو و أنصاره تحديّاً فعلياً لحماس. هذا وعلى واشنطن أن تشجّع إسرائيل للقيام بتنازلات سياسية لتوسيع الدّعم الشعبي للرئيس الفلسطيني. وعلى السيد محمود عباس بدوره أن يكبح جماح كتائب شهداء الأقصى التابعة لفتح وأن يرسل قوات الأمن التابعة له إلى المناطق التي تعاني من اضطرابات ومشاكل للحفاظ على جوّ التهدئة مع إسرائيل. سيمنح تعزيز موقف السيد محمود عباس الفرصة له ولفصيله فتح بأن يسيطرا على الوضع في حالة حسم النزاع سياسيًّا، وقد يكون حتى بالقوة، مع حماس.

رابعاً، بغض النظر عن دور واشنطن المركزي في العملية السّلمية، عليها هنا أن تتبنّى مساراً متعدد الجوانب. يفترض من السيد بوش أن يدعو وبصورة رسمية الأعضاء الثلاثة الآخرين في اللجنة الرباعية (وهم روسيا والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي) وذلك لتشكيل دوراً أكبر في تنفيذ خارطة الطريق التي يدعمونها جميعاً. أضف إلى ذلك، بإمكان هذه الأطراف الثلاثة أن تقوم بتوطيد السّلام خصوصاً في مجال التنمية الاقتصادية وبتوفير أطقم للحفاظ على السّلام كمراقبين دوليين إذا دعت الحاجة لذلك. وفي ضوء الحرب الأهلية في العراق ومشاعر الكراهية والعداء لأمريكا في المنطقة تكتسب الحلول متعددة الجوانب أهمية كبرى، وبالأخص فيما يتعلّق بالسلام الإسرائيلي- الفلسطيني في المنطقة.

خامساً، لا يجوز أن تكون هذه الجهود محصورة على ما يطلق عليه أعداء أمريكا "النادي الغربي"، بل يجب على الإدارة الأمريكية أن تشجّع المملكة العربية السعودية ومصر والأردن لتقديم مزيداً من الدّعم للفلسطينيين المعتدلين. كما وعلى هذه الدول أن توضّح لحماس بأنه لا يمكنها تحدي إجماع الدول العربيّة بدون تحمّل العواقب الجسيمة الناتجة عن ذلك لأن استمرار الصراع يقوّض أسس هذه الدول. يجب على هذه الدول إذن ألاّ تسمح بأن يزيد هذا الجرح في تقرّحه. إضافة إلى ذلك, لم تسفر جهود الإدارة في تهميش سوريا إلاّ إلى تأزّم المشاكل الإقليمية, ولهذا السبب عليها أن تعيد النظر بموقفها تجاه سوريا. تبقى دمشق لاعبا سياسيا رئيسيا في أية محادثات سلام شاملة بين العرب وإسرائيل وتستطيع ممارسة ضغط كبير على حماس وعلى مجموعات فلسطينيّة متطرفة أخرى.

هذه كلّها تشكّل أجندة طويلة وأنا أشكّ بصورة جدية إذا كانت إدارة بوش قادرة أو راغبة في المخاطرة بالقدر القليل المتبقي لديها من رأس مالها السياسي. ولكن من يدري, فقد يقرر الرئيس بوش ألاّ يبدّد السنتين المتبقيتين من ولايته ويصمّم فعلا على حلّ هذا الصراع المشئوم في المنطقة حتى النهاية.

 

 

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE