All Writings
أكتوبر 24, 2007

إعادة بناء الثقة تبقى صلب المشكلة

24 أكتوبر ( تشرين أول) 2007

بقلم: أ.د. ألون بن مئيـــــــــــــــــــر
أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية
بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط
بمعهد السياسة الدوليـــــــــــــــــة

منذ أن أعلن الرئيس بوش عن نيته قبل بضعة أشهر لعقد مؤتمر سلام للشرق الأوسط, إقترح خبراء المنطقة وموظفو الحكومة بنود أجندة أعمال خاصة يجب الاستجابة إليها لضمان نجاح المؤتمر. وتتضمن الاقتراحات الرئيسية: إعلاناً للمبادىء وخلق عملية تفاوض مستمرة وتمثيل إقليمي عريض القاعدة والتصديق على الهيئات الدولية والاتفاق على عقد مؤتمرات مستقبلية وانضمام سوريا إلى المؤتمر. وحيث أن جميع هذه الأفكار ضرورية للتوصل إلى اتفاقية, غير أنني أعتقد على أية حال بأن المؤتمر سيكون فرصة ضائعة أخرى إلاّ إذا اتفق الإسرائيليون والفلسطينيون على ثلاثة عوامل رئيسية: اتفاقية من حيث المبدأ والدخول فوراً في المفاوضات لتحديد التفاصيل, والأكثر أهمية هو اتخاذ خطوات فورية ومستمرة ومتزامنة لإعادة بناء الثقة وذلك للإبقاء على الزخم ومنح أمل حقيقي لاتفاقية نهائية.

يمكن التوصل إلى اتفاقية مبادىء حول القضايا الجوهرية مثل الحدود, اللاجئين الفلسطينيين والقدس, ولكن يجب أن يكون لهذه الاتفاقية ميزتان, الأولى عامة والثانية مبهمة ولكن بناءة. ستسمح مثل هذه الاتفاقية لكلا الطرفين المرونة التي يحتاجونها مع مرور الوقت لتجنيد أنصارهم, وفي نفس الوقت معادلة الفصائل المعارضة في بلد كل منهما لتأييد التنازلات اللازمة التي على كل طرف القيام بها للوصول إلى اتفاقية. لا الرئيس محمود عباس ولا رئيس الوزراء إيهود أولمرت في وضع يسمح لهما القيام بمثل هذه التنازلات في هذه الفترة الحاسمة وفي نفس الوقت البقاء في السلطة لتقديم هذه التنازلات.

على الطرفين في حال التوصل إلى اتفاقية مبادىء أن يدخلا فوراً في المفاوضات للتوصل إلى اتفاقية نهائية. ستكون هذه المفاوضات صعبة ومؤلمة وستبدو من وقت لآخر بلا أملٍ أو جدوى. غير أنه على كلا الطرفين أن يبقيا محترسين, لا يلينا وأنظارهما للهدف مع التزام لا يهتز بالبقاء على المسار تحت أية ظروف, وإلاّ التجأت العناصر المتطرفة على كلا الجانبين – وهم اللذين لا يريدون التوصل إلى تسوية متبادلة – إلى شتى الوسائل والطرق لنسف المفاوضات. إضافة إلى ذلك, يجب على كلا الطرفين أن يتفقا – كجزء من تعهدهما

والتزامهما – بأن تكون جميع الطرق المستخدمة للتوصل إلى هذا الهدف سلمية. أية اتفاقية يتم التوصل إليها في أنابوليس لن تستحق الورق الذي كتبت عليه إذا لم تستبعد كلياً استخدام العنف من قبل أي من الطرفين لتحقيق أهدافهما السياسية.

أمّا العنصر الثالث ولربما يكون الأكثر أهمية فهو إعادة بناء الثقة بين الطرفين التي تبدّدت كلياً في صحوة الانتفاضة الثانية. ولا شيء يولّد ثقة مستديمة أكثر من اتخاذ الجانبين إجراءات فورية ومتواصلة ومتزامنة مع المفاوضات, وتكون هذه الإجراءات ذات مدى واسع وتعطي منافع فورية لكلا الشعبين. ولكن لكي تكون إجراءات إعادة بناء الثقة هذه فعّالة وتأتي بالنتيجة المرجوّة, يجب أن تستوفي ثلاثة معايير هي:

أولا ًُ، يجب أن تكون الإجراءات أحادية الجانب وألاّ تكون أسيرة برنامج زمني صارم. وللتوضيح: الخطأ الأساسي في التصرّف بإجراءات بناء الثقة هو جعلها مشروطة وارتكازها إلى فكرة أنه إذا قام أحد الطرفين بايماءة حسن نية، على الطرف الآخر أن يردّ بالمثل، وعادة ً بسرعة. ولكن أحيانا ً يكون هذا مستحيلا ً. فإذا كان هناك توقّع أن ذلك ممكن قد تنهار البنية التعاونية بأكملها. وللتغلّب على هذه المشكلة أقترح ألا ّ تكون الإجراءات التي يتخذها أحد الطرفين مشروطة بإجراء مباشر تبادليّ من قبل الطرف الآخر. ويستطيع بذلك كلّ طرف أن يقيس التزام الطرف الآخر على أساس طويل الأمد لا على أساس تبادليّ قصير الأمد. والأهمّ من ذلك هو ألا ّ تخضع أو تتأثر إجراءات بناء الثقة بعناصر خارجية هدفها تعطيل أو تقويض العملية.

أمّا المطلب الثاني لنجاح إجراءات إعادة بناء الثقة هو أن تقوم إسرائيل بإرسال رسالة واضحة للفلسطينيين تعبّر عن التزامها بإنهاء الإحتلال. ستجسّد مثل هذه الرسالة أول وأهم تعبير ملموس لتعهد إسرائيل بإقامة دولة فلسطينية وتزيد الثقة وتعزّزها بما يلي: (أ)- أن تتخذ خطوات تفسّر بوضوح بأن الحكومة الإسرائيلية لن تسمح بعد الآن بإقامة أية مراكز استيطانية غير شرعية وبأنها ستقوم بتفكيك ما هو قائم منها حالياً. (ب): إنهاء التوسّع في بناء المستوطنات القائمة حاليا ً ( باستثناء تلك المستوطنات التي انضمّت إلى إسرائيل باتفاقية متبادلة). (ج): تقديم الحوافز الإقتصادية والمشاريع التنموية القابلة للحياة للتجمعات الفلسطينية التي لا تشترك في أعمال العنف. (د): إزالة جميع حواجز الطرق التي ليس لها أهمية مطلقة لأمن إسرائيل. (ه): السماح للفلسطينيين بالبناء المشروع وزرع وتنمية أراضيهم بدون قيود غير ضرورية. (و): التخلّي عن جميع أشكال العقاب الجماعي، وأخيرا ً (ز): إطلاق سراح جميع السجناء الفلسطينيين باستثناء من قتل إسرائيليين عمدا ً.
على إسرائيل – أكان بدعم أو بدون دعم السلطة الفلسطينية وبغضّ النظر عن القناعات السياسية للسلطة – أن تفتح أبوابا ً لها داخل المجتمع الفلسطيني لخلق ثقة ثابتة بين الشعبين.

والمطلب الثالث لإعادة بناء الثقة هو أن يدرك الفلسطينيون بأن الثقة يجب أن تكون متبادلة ليكتب لها الحياة. ولهذا الغرض يجب على الفلسطينيين أن يبيّنوا جهاراً بأن الإعتراف بحق إسرائيل في الوجود يعني إنهاء جميع التحريضات ضد إسرائيل الآن وليس في وقت ما في المستقبل. وهذا يعني بدوره إنهاء جميع أعمال العنف ضد إسرائيل, ويعني تعليم الأطفال الفلسطينيين حقيقة إسرائيل وأهمية تطوير علاقات أخوية معها, وهذا يعني أيضاً استخدام وسائل الإعلام لتشجيع وتطوير أفكار مستقبل مشترك, وعلاقات ودية لائقة بالجيران ومصير مشترك مع الإسرائيليين.

ويجب ألاّ يترك الإلتزام بحل الدولتين لنزوات المتطرفين على كلا الجانبين, بل يجب أن يترجم بأعمال على أرض الواقع الآن. هذا ما يجب أن تتضمنه نتيجة هذا المؤتمر, وإلاّ فسيكون فرصة أخرى من تلك التي فُوِّتت والتي تزخم بها بصورة مأساوية سجلات تاريخ العلاقات الإسرائيلية – الفلسطينية.

 

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE