All Writings
أغسطس 22, 2006

الحلقة المفقودة

بقلم: أ.د. ألون بن مئير
أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية
بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط
بمعهد السياسة الدوليــــــــة

ليس هناك أدنى شك بضرورة التفاوض حول وقف إطلاق نار ما بين إسرائيل ولبنان. ولكن في الوقت الذي تلح فيه المطالبات الدولية لوقف إطلاق النار يتضح أن القضية ليست مسألة وقف إطلاق نار في أقرب فرصة ممكنة ولكن مسألة ضمان بقائه باستمرار لمنع تكرار حدوث الدمار الحالي. وفي الوقت الذي يجب فيه توفر بعض الشروط الأساسية التي لا مفر منها لضمان استقرار وقف إطلاق النار, فإن إقحام سوريا مباشرة في هذه القضية وتعاونها أمر ضروري للتوصل إلى تهدئة دائمة.

الطريقة المثلى هي أن يقوم كلا الطرفين بوقف القتال فوراَ وثم البدء بالبحث جدياَ عن طرق وإمكانيات لتسوية خلافاتهم وبذلك إزالة جميع الدوافع وأسباب استئناف الأعمال العدائية, غير أن هذا "الحل" وللأسف الشديد غير عملي لأن إسرائيل تتعامل مع منظمة إرهابية والتي, من حيث التعريف بها, تتجاهل أية أعراف للسلوك الدولي. علاوة على ذلك فإن حزب الله كونه لاعب سياسي بدون دولة ملتزم بالحفاظ على قوّة سلطته ويعمل بإيعاز من إيران التي قد كرّست نفسها لتدمير إسرائيل. وعليه فإن الالتجاء إلى هذا الحل سيبقى مستحيلاَ لغاية تقليص نفوذ إيران في لبنان بصورة جسيمة. وهناك أيضاَ عوامل أخرى تقف في الطريق. لن يكون هناك جدوى من وقف إطلاق نار يعطي الفرصة لمفاوضات حقيقيّة بعد إبرامه ما دام يسمح لحزب الله أن يستمر في نشاطه كدولة داخل دولة والحكومة اللبنانية عاجزة عن ممارسة سيطرتها الفعلية على كامل أرض لبنان. وأخيراَ, لن يكون هناك بالتأكيد خيار لحل سياسي قابل للحياة إذا لم يقم جميع اللاعبين السياسيين في المنطقة ممن لهم ضلع أو مصلحة معينة في النزاع, وبالأخص سوريا, بالدّعم الكامل لحل هذا النزاع. ويبيّن تأمل هذه النقاط الشائكة ليس فقط مقدار صعوبة وتعقيد المشاكل, ولكن أيضاَ بالتحديد دور سوريا المحوري لأية هدنة قابلة للحياة. ولكن دعونا أولاَ نلقي نظرة على مطلبين رئيسيين آخرين وهما:

أوّلاَ, أعتقد أنه من الضروري جداَــ كما ترى الكثير من الدول العربية السنية المذهب وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل ــ إضعاف حزب الله بصورة جوهرية ونزع سلاحه أخيراَ والحيلولة دون تواجد أية ميليشيات مسلحة في دولة لبنانية ديمقراطية. فإذا تردّد المجتمع الدولي في هذه المتطلبات الرئيسية سيكون استئناف العنف مسألة وقت فقط ولكن هذه المرّة بقوة تدميرية أعظم بكثير

من السابق. وعلى أية حال لقد قال مجلس الأمن الدولي كلمته بهذا الخصوص عندما أصدر القرار رقم (1559) الذي عليه الآن تنفيذه.

ثانياَ, إنّ تشكيل قوّة دولية قوية مدرّبة تدريباَ تاماَ ومجهزّة حسب الأصول لصدّ أية انتهاكات مستقبلية لهذا القرار هو مطلب آخر يجب التمسك به والاتفاق عليه قبل إدخال وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ. ويجب إعطاء قوّة حفظ السلام هذه صلاحيات واضحة لتنفيذ وقف إطلاق النار وتكون مسئولة فقط أمام مجلس الأمن الدولي. هذا ويجب أن يكون قوام هذه القوة الدولية كافياَ (ما بين 25000 إلى 30000) لتنفيذ وقف إطلاق النار بالفعل. إضافة إلى ذلك, من الضروري أن تعمل هذه القوة يداَ بيد مع قوات الأمن اللبنانية الداخلية لضمان عدم رجوع أية عناصر مسلحة لحزب الله, بأي شكل من الأشكال, إلى جنوب لبنان. فبدون التزام دولي بتوفير موارد عسكرية هامّة ويحسب لها ألف حساب ستصبح القوة الدولية هدفاَ وبذلك ستكون بالنسبة للمجتمع الدولي إحدى المخاطر بدلاَ من أن تكون دعامة يعتمد عليها.

وبالرغم من أن إدارة بوش محقّة في مطالبتها بشدّة بهذين المطلبين, إلاّ أنها حتى الآن تجاهلت مطلباَ ثالثاَ ضرورياَ وهو أن سوريا يجب أن تكون جزءاَ من الحل. لقد كانت دمشق, وستبقى, مفتاحاَ للاستقرار السياسي في لبنان ولأي سلام مستقبلاَ بين إسرائيل ولبنان وإسرائيل والفلسطينيين. وما دامت سوريا متروكة خارج العملية السياسية السلمية في المنطقة, علينا أن نحسب حساب قدرتها التي لا تنضب في زعزعة المنطقة مباشرة أو بتفويض غيرها, فإن لم يكن ذلك عن طريق حزب الله, فإنه سيكون عن طريق مجموعات مسلحة أخرى, أغلبها فلسطينية من التي توفر لها ملجأ. وبالرغم من روابط سوريا العسكرية وعلاقاتها الوثيقة مع إيران, إلاّ أن ما بينهما هو زواج مصلحة, خصوصاَ بالنظر لسوريا, وهو أمر استلزمته حاجة دمشق لتعويض عزلتها المتنامية. إن رغبة سوريا في الواقع في استعادة مرتفعات الجولان وتطبيع علاقتها مع واشنطن يخدم مصالحها الوطنية العليا. وفي هذا السياق تنظر سوريا إلى حزب الله كونه لا يتعدى آلة لتنفيذ أجندتها في لبنان وإسرائيل, ولذا لن تذرف دمشق دموعاَ ساخنة على انتهاء حزب الله في حالة تحقيق هدفها الوطني, وهو بالدرجة الأولى استعادة مرتفعات الجولان. أضف إلى ذلك, سوريا رأس الجسر ما بين إيران وحزب الله وأحد الأسباب المهمة وراء نفوذ إيران المتنامي في المنطقة. ولتقليص نفوذ إيران, على إدارة بوش قطع تلك العلاقة التي تربط سوريا بإيران وذلك باستمالة سوريا إلى الانضمام ثانية لمعسكر الدول العربية السنة المذهب. ستعادل مثل هذه الإستراتيجية أيضاَ ميزان

 

قوى المعسكر الشيعي الذي يتألف من إيران والعراق وحزب الله وتقف في وجه المد المتصاعد للشيعة, وهو قضية تسبّب قلقا شديدا لكثير من الدول العربية السنيّة المذهب، وبالأخص المملكة العربية السعودية ومصر والأردن. هذا ويجب تحميل إيران مسئولية مباشرة للنكبة التي حلّت بالشعب اللبناني ويجب أن تدفع ثمن أعمالها وسياساتها الطائشة التي اقترفتها في زيّ حزب الله.

ولكسر محور سوريا – حزب الله – إيران وضمان تعاون سوريا، على إدارة الرئيس بوش أن توجه اهتمامها إلى مصالح دمشق ومخاوفها المتمثلة في أربع مجالات مختلفة والتي تحتاج سوريا ضمانات بشأنها وهي: 1) أن تتوقف الإدارة الأمريكية عن السعي وراء تغيير نظام الحكم في دمشق، 2) إقناع إسرائيل لحدّ معيّن في المستقبل الغير بعيد نسبيا على التفاوض مع سوريا حول ترجيع هضبة الجولان مقابل إبرام اتفاقية سلام معها، 3) أن تقوم الولايات المتحدة بالاعتراف بمصالح سوريا الخاصة في لبنان، وأخيرا 4) إزالة سوريا من قائمة الدول الراعية للإرهاب حسب تصنيف وزارة الخارجية الأمريكية وبذلك ضمان تطبيع العلاقات بين واشنطن ودمشق.

سيجادل البعض وبحق بقولهم: إن هذا كلّه لا يتعدى أن يكون هدية مقابل تهدئة سوريا. والحقيقة من المفروض ألا تكافأ أية دولة على سلوك مؤذ اقترفته مرارا وتكرارا، وقد ينطبق هذا القول بالفعل على سوريا. ولكن هل من الحكمة والواقع أيضا أن نعتقد بأن الصراع الإسرائيلي – اللبناني بحزب الله أو بدونه قد يحلّ سلميا وبصورة دائمة بدون التعاون الكامل من طرف سوريا ؟ وبما أنني قد تعاملت مع سوريا سنين طويلة، أعتقد أن الجواب سيكون قطعا "لا". يجب على إدارة بوش أن تتكلّم مباشرة مع سوريا. أنها ليست بحاجة إلى وسطاء أمثال المملكة العربية السعودية أو مصر لتطلب ما تستطيع واشنطن فقط أن تلفظه أو تعبّر عنه بكلّ وضوح. ومقابل قيام الولايات المتحدة الأمريكية بالاستجابة لمتطلبات سوريا الوطنية، على دمشق أن تتخذ خطوات واضحة لا غموض فيها في أربعة مجالات مختلفة هي: 1) ضرورة إنهاء دمشق دعمها لجميع المنظمات المسلّحة والإرهابية، وخصوصا حركة حماس التي تجد الآن في دمشق ملجأ لها.
2) يجب أن تتعاون بالكامل لمنع أية أعمال تسلّل لثوار أو متمردين أو تهريب أسلحة عبر حدودها لداخل العراق، 3) أن تدعم وبإخلاص جهود السلام الإسرائيلية – الفلسطينية، وأخيرا 4) أن تحترم الاستقلال السياسي للبنان ووحدة

أراضيه. هذا ويجب أن تفهم سوريا بوضوح أنه إذا اختارت أن تبقى باعثا للمشاكل والاضطرابات وعدم الاستقرار في المنطقة، فإنها ستتلقّى ضربة عقابية من المجتمع الدولي سيكون لها تأثير مدمّر.

وأخيرا، وبالنظر إلى خيبة الأمل في السلام والديمقراطية في العراق، قد تكون هذه آخر فرصة للرئيس بوش للقيام بعمل يغيّر فعلا الخارطة السياسية في الشرق الأوسط إلى الأفضل. الأمر سيحتاج إلى بعد نظر وشجاعة لتقوم الإدارة الأمريكية الحالية بتغيير إستراتيجيتها تجاه دمشق، ولكن إذا أخفقت هذه الإدارة في ذلك، ستواجه الإدارة القادمة النزاع الذي لا مفرّ منه.

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE