هل سيصعد أولمرت أم سيسقط
بقلم: أ.د. ألون بن مئيـــــــــــــــــــر
أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية
بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط
بمعهد السياسة الدوليـــــــــــــــــة
مهما أدان تقرير القاضي إلياهو فينوغراد تصرف رئيس الوزراء خلال حرب لبنان الثانية, فإنه سيكون أكثر إدانة ودماراً لإسرائيل إذا فقد زعماء إسرائيل السياسيون – الذين يطمحون إلى إزاحة أولمرت عن السلطة – بصيرتهم فيما يتعلّق بمصالح إسرائيل الوطنية. إنّ الوضع في الشرق الأوسط يتدهور بدرجة خطيرة في الوقت الذي تتزايد فيه التهديدات ضد أمن إسرائيل القومي من قبل الجماعات الراديكالية المتطرفة. هذا ليس الوقت لقادة الأمّة لتسوية خلافات سياسية, بل عليهم البحث عن وفاق وطني ليس فقط للتعامل مع الأخطاء الحالية بل لانتهاز الفرصة لأن المبادرة العربية تقدّم عرضاً للتوصل إلى سلام شامل.
ومن المؤسف حقاً أن يقوم العديد من القادة السياسيين الإسرائيليين, ومن بينهم زعيم حزب الليكود بنيامين نتنياهو, بوضع طموحاتهم الشخصية فوق مصلحة وخير الأمّة. هؤلاء السياسيون الإسرائيليون الذين يشتمّون رائحة الدم ويحاولون طرد أولمرت يفترضون أن بإمكانهم القيام بالمهمة بشكل أفضل. لربما يستطيعون ذلك, غير أن نتنياهو كما يتذكره الناس خلال فترة منصبه كرئيس للوزراء ما بين 1996 و 1999 قام بتخريب عملية السلام بمساعدة رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات. ما تحتاجه إسرائيل الآن أكثر من أي وقت مضى هو ليس النفاق بل زعيماً برؤية واضحة وثبات يستطيع أن يضع إستراتيجية جديدة لأن إسرائيل على مفترق طرق تاريخي.
أنا لا أستطيع أن أتكهن بمن يأتي هذه الأيام ويدّعي بأنه يلبس رداء دافيد بن غوريون أو مناحيم بيغن, فقد يكون أولمرت لا أحسن ولا أسوأ من الكثير من السياسيين ممّن يودّون إلقاءه للكلاب. لا يجوز للمناقشة الحالية في البرلمان الإسرائيلي أن تركّز على خطاياه وخطايا عمير بيرتس, فأخطاؤهما وآثامهما موثقة بالكامل, ولكن السؤال هو أي مسار على إسرائيل أن تتخذه لمواجهة تحديات الحرب والسلام.
لقد مرّ الآن أكثر من شهر على إعادة عرض المبادرة العربية في اجتماع القمّة العربية في الرياض, وقد رأت حكومة أولمرت حتى الآن بعض النقاط الإيجابية في هذه المبادرة. والسؤال الذي يجب توجيهه لأولمرت ولغيره من الطامحين بمنصبه هو: كيف علينا أن نردّ على هذه المبادرة وكيف بإمكان إسرائيل أن تستفيد منها في تغيير الرياح السياسية في المنطقة؟ منذ حرب لبنان وحكومة أولمرت تعمل وكأنها مشلولة الحركة. فإذا كان السيد أولمرت عازماً على البقاء في منصبه, عليه مواجهة أمته والكفّ عن الدفاع عن نفسه والاعتراف بأخطائه بل والاستمرار في تسيير عمل الحكومة. إنّه يتمتع بأغلبية ساحقة في البرلمان وليس هناك شريك في الائتلاف الحكومي في عجلة من أمره لحلّ نفسه. وفي ظل هذا الوضع, بإمكان أولمرت أن يدافع عن نفسه ويبرّر موقفه بالعمل بوضوح وتصميم ورؤيا. وعليه أن يستشير أفضل الأدمغة العسكرية والسياسية في البلد ولا يسمح للفشل في لبنان أن يحقق فشلاً أكبر بتفويت الفرصة بالغة الأهمية المعروضة الآن لعمل سلام شامل. وهذا يعني أنّه بصرف النظر عن قدره السياسي, على أولمرت أن يحتضن المبادرة. إذا تقدّم في عملية السلام سيغفر له شعبه أخطاء الماضي لأنّ الشعب ملّ من نزف الدم الذي لا نهاية له وتوّاق للتقدم في طريق السلام. وإذا فشلت محادثات السلام رغم ذلك في تحقيق سلام مع أمن, حينئذ لن يلومه أحد لأنّه حاول ذلك.
ولكن إذا دعا رئيس الوزراء أولمرت لانتخابات مبكرة الآن, فإنّه وبدون قصد سيركّز حديث واهتمام الناس على الأخطاء التي ارتكبت في لبنان بدلاً من تركيزهم على ما يجب القيام به لتحريك عملية السلام إلى الأمام. أجل, الخبرات التي نكتسبها من الماضي تعطينا درساً, والأخطاء التي سبّبت الكارثة في لبنان يجب تصحيحها. ولكن يجب على إسرائيل على أية حال ألاّ تكون فقط مستعدّة بطريقة أفضل للحرب القادمة وسحق حزب الله إذا لزم الأمر, بل يجب أن يكون التركيز أيضاً على منع الحرب القادمة من الحدوث أصلاً. ومع أخذ جميع الحسابات العسكرية بعين الاعتبار, فقد خسر حزب الله الحرب في لبنان. وبعد أن اتضح مدى الدمار الناتج عن عمليات القصف الإسرائيلية, فقد خسر هذا الحزب أيضاً حتى إحساس الناس وإدراكهم بأنه خرج منتصراً من الحرب. يجب أن ندرك بأن لا حماس ولا حزب الله كانا موجودين قبل حرب الأيام الستة عام 1967 ولا أحد يستطيع بالتأكيد أن يقول جاداً بأنّ احتلال جنوب لبنان والضفة الغربية وغزة لم يساهم في خلق هذه المجموعات المتطرفة. لا يكمن حلّ الصراع مع لبنان في سحق حزب الله, بل في صنع سلام مع سوريا ولبنان وتهميش حزب الله كلياً نتيجة لذلك.
من الطبيعي والصحي في أية ديمقراطية حقيقية أن يكون هناك نقاش وجدال على نطاق شعبي واسع حول القضايا الوطنية الهامة, خصوصاً القضايا التي تمس شؤون الأمن القومي. ولكن عندما تكتمل حلقة هذا النقاش والجدل السياسي,يجب أن يكون السؤال لمعظم الإسرائيليين: إلى أين نذهب من هنا؟ إن آخر ما يحتاجه
الشعب الإسرائيلي هو خطابات التدجيل والتوقعات الكاذبة. على الإسرائيليين بالأحرى أن يطلبوا من أيّ كان زعيمهم وضوح الهدف وإستراتيجية واضحة لتحقيق سلام شامل. وأي شيء أقل من ذلك سيكون دعوة لبدء الحرب القادمة, وبذلك يصبح تقرير فينوغراد المرحلي وبكل بساطة فصلاً محزناً في سجلاّت تاريخ إسرائيل.