التصدي لانتهاكات طالبان لحقوق المرأة الأفغانية
انتهاكات طالبان لحقوق المرأة في أفغانستان فظيعة. لن يكفي فرض العقوبات الإقتصادية وحدها، بل يتطلب الأمر تغييرًا في الإستراتيجية وفهمًا أعمق لعقلية طالبان لإجبارها على احترام حقوق المرأة.
إن انتهاكات طالبان الصارخة لحقوق المرأة في أفغانستان، وخاصة منعها من التعليم وحتى التحدث علنًا، تجاوزت كل الحدود. ومع ذلك، فإن فرض العقوبات الإقتصادية وحدها لم يُحدث تغييرًا يُذكر في معاملة طالبان للمرأة. ومن خلال إظهار فهمها للتراث الثقافي والمعتقدات الدينية لطالبان، ستكون القوى الغربية في وضع أفضل يمكنها بدعم من عدة دول عربية من إقناع حركة طالبان بأن احترام حقوق المرأة يتوافق مع معتقداتها وسيكون مفيدًا للغاية لبلادها.
وعلى الرغم من أن حركة طالبان حظيت بالديمقراطية والحرية والمساواة لكل من الرجال والنساء لما يقرب من 20 عامًا خلال الوجود الأمريكي، إلا أنها تراجعت عن هذه الإصلاحات بمجرد عودتها إلى السلطة بعد الإنسحاب الأمريكي في أغسطس 2021، وذلك على الرغم من أن الأفغان تبنّوا هذه الحريات بكلّ إخلاص. ومن وجهة نظر طالبان، كانت هذه الإصلاحات تتعارض مع معتقداتهم وأسلوب حياتهم.
انتهاكات طالبان الصارخة لحقوق المرأة
حظرت طالبان في عام 2021 جميع أشكال التعليم للفتيات بعد الصف السادس، مما حرم ما مجموعه 2.2 مليون فتاة وامرأة من حقهن في التعليم. وصرّحت المديرة التنفيذية لليونيسف، كاثرين راسل، الشهر الماضي بأن الحظر لا يزال يضرّ بمستقبل ملايين الفتيات الأفغانيات، وأن أكثر من أربعة ملايين فتاة سيُحرمن من التعليم بعد المرحلة الابتدائية إذا استمر الحظر لخمس سنوات أخرى. وبناءً على ذلك، قالت: “إن العواقب على هؤلاء الفتيات – وعلى أفغانستان – كارثية”.
ومنذ عام 2021 واجهت النساء الأفغانيات قمعًا لا يمكن تصوره. فإلى جانب حظر التعليم، أجبرت طالبان النساء على تغطية أنفسهن بالكامل، مع فرض عقوبات جنائية على من يرفضن الإمتثال لذلك. وفي ديسمبر/كانون الأول 2024 أعلنت حركة طالبان عن خطتها لإغلاق جميع المنظمات غير الحكومية التي توظف النساء بسبب ما يُسمى بانتهاكات قواعد اللباس.
تمّ إسكات أصوات النساء حَرفيًا من خلال قانون صدر في أغسطس/آب 2024 يحظّر على النساء التحدث خارج المنزل. جُرّدت حقوقهن وقُوبلت مقاومتهن بوحشية. وفي ظل الحرب والصراع تتحمل النساء والفتيات معاناة لا تُصدق ويواجهن مستويات متزايدة من العنف القائم على نوع الجنس، ذكر أم أنثى، بما في ذلك القتل التعسفي والتعذيب والزواج القسري والعنف الجنسي، مما يترك ندوبًا جسدية ونفسية عميقة.
لا تغفل حركة طالبان عن هذه النتائج، حيث رفع بعض المسؤولين أصواتهم علنًا ضد بعض الحظر، لكنهم مع ذلك يواصلون انتهاك حقوق المرأة بذريعة أن حظرهم يتماشى مع دورهم الديني والتقليدي في المجتمع الأفغاني. ينتمي معظم أعضاء حركة طالبان إلى قبائل البشتون، وهي من السكان الأصليين للمنطقة ولها بنية قبلية قوية وتقاليد ثقافية أثرت على التوجّه الإجتماعي والسياسي لحركة طالبان.
المنظور التاريخي
من المهم لفهم عقلية حركة طالبان بشكل أفضل التي تعكس صمودها وتطرفها في مواجهة الهيمنة الأجنبية التأمل بإيجاز في تاريخ أفغانستان. لقد كانت المنطقة المعروفة الآن بأفغانستان هدفًا للغزاة منذ القرن السادس قبل الميلاد حيث واجهت عشرات الغزاة الأجانب حتى الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2001، إلا أنّ الأفغان أظهروا صمودًا كبيرًا في وجه الهيمنة الأجنبية، حيث واجه الغزاة مرارًا وتكرارًا مقاومة شرسة واضطروا في النهاية إلى الانسحاب. وعلى مرّ القرون تحدّت أفغانستان قوى أجنبية باستمرار واكتسبت سمعتها كـ”مقبرة الإمبراطوريات”. وكان ظهور طالبان كحركة، باحتمال ٍ كبير، هو ردّ على الفوضى وفراغ السلطة اللذين خلفهما الإنسحاب السوفيتي عام 1990. لقد صعدت الحركة إلى السلطة عام 1996 وأطاح بها الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2001.
ينبع التطرّف الديني الأفغاني من عدة عوامل. فقد موّلت وسلّحت الولايات المتحدة وحلفاؤها المجاهدين خلال الإحتلال السوفيتي لأفغانستان، الأمر الذي أدى إلى تعزيز الأيديولوجيات المتطرفة. ودرّست مدارسٌ ممولة سعوديًا في باكستان أيديولوجياتٍ ديوبندية ووهابية متطرفة للاجئين الأفغان الذين عادوا إلى أفغانستان للقتال في الحرب الأهلية الأفغانيّة. وبعد رحيل السوفييت، فرضت طالبان إسلامًا متزمتًا متجذرًا في أيديولوجية ديوبندية والتلاعب العرقي والسياسي. استُخدم التطرّف لترسيخ السلطة وقمع الأقليات ومقاومة النفوذ الأجنبي.
قطع المساعدات وحده ليس الحلّ
من الضروري أن تُحاسِب القوى العالمية حركة طالبان على اضطهادها الجنسي وأن تتخذ إجراءات عقابية، بما في ذلك قطع المساعدات المالية؛ إلا أن فرض العقوبات الإقتصادية وحده لم يُحقق النتائج المرجوة حتى الآن. لا تزال معاملة طالبان القاسية للنساء مستمرة. ولإحداث تغيير حقيقي، يجب على الغرب تغيير استراتيجيته. فبينما يظل التهديد بمزيد من العقوبات مُلحًّا على طالبان، ينبغي على الغرب، لإحداث التغييرات اللازمة لتحسين حقوق المرأة، اتخاذ تدابير منهجية تتوافق مع التعاليم الثقافية والدينية للجماعة.
يُعدّ العمل مع الدول ذات الأغلبية المسلمة المؤثرة، بما في ذلك إندونيسيا وقطر والمملكة العربية السعودية، زعيمة الإسلام السني، أمرًا أساسيًا لتحدي تفسير طالبان للشريعة الإسلامية، مع تسليط الضوء على مبادئ المساواة في القرآن الكريم والأمثلة التاريخية على إسهامات المرأة في العلوم الإسلامية.
تستند في أفغانستان القيود المفروضة على حقوق المرأة، بما في ذلك التعليم وقواعد اللباس، إلى تفسيرات الشريعة الإسلامية والممارسات الثقافية وليس إلى التعاليم والآيات القرآنية المباشرة. ولإثبات لقادة طالبان أن احترام حقوق المرأة الإنسانية يُكمّل معتقداتهم الثقافية والدينية لا أن يُمسّها، ينبغي على شركاء الغرب العرب والمسلمين الاستشهاد بآيات قرآنية لإثبات ذلك.
يبدأ الوحي الأول للنبي محمد صلى الله عليه وسلم بأمر “إقرأ”، وهو دعوة عالمية لتحصيل العلم والمعرفة. وتُؤكد سورة التوبة (71:9) على تساوي الرجال والنساء في المسؤولية في طلب العلم والتمسك بالقيم الأخلاقية. وتُشجع سورة الحديد (57:25) على التعليم كوسيلة لإرساء العدل والإنصاف في المجتمع.
علاوة على ذلك، لا ينص القرآن صراحةً على فصل النساء عن الرجال ولا على وجوب ارتداء الحجاب. تُوجّه سورة النور ( 24: 30-31) الرجال والنساء على حدّ سواء إلى الإحتشام وإخفاء عوراتهن، وبالتأكيد ليس رؤوسهن أو وجوههن، لكن طالبان تُفسّر ذلك على أنه يُؤيد ارتداء البرقع الذي يغطي النساء الأفغانيات من الرأس إلى أخمص القدمين. وفي هذا الصدد، ينبغي على الغرب تقديم الدعم لرجال الدين الأفغان الذين يدافعون عن تعليم الفتيات وحقوق المرأة في إطار التعاليم الإسلامية، والإشارة إلى محو أمية النساء في أفغانستان قبل صعود حركة طالبان لتشجيع هؤلاء الرجال.
بالإضافة إلى ذلك، ينبغي تقديم دعم اقتصادي مُحدد لمشاريع البنية التحتية والإستثمارات الزراعية مقابل إعادة فتح المدارس الثانوية للبنات أو السماح للنساء بالعمل في قطاعي الصحة والتعليم، مع التركيز على التكلفة الإقتصادية الناتجة عن إستبعاد النساء. وبالتزامن مع ذلك، ينبغي توفير شروط تجارية تفضيلية للمنتجات الأفغانية التي تنتجها النساء مع تسليط الضوء على كيفية قيام النساء المتعلمات بتحسين نتائج الصحة العامة للجميع.
كما ينبغي على الغرب دعم المدارس المجتمعية وتدريب النساء والفتيات على الحاسوب والعلوم والتي ينبغي أن تديرها منظمات غير حكومية محلية موثوقة، وتوفير قنوات آمنة للناشطات للتعبير عن مظالمهن. وثقافيًا، ينبغي على الغرب الإستثمار في برامج تُبرز الفنانات والشاعرات والمؤرخات كأوصياء على التراث الثقافي الأفغاني. وفي هذا الصدد، ينبغي استخدام وسائل الإعلام لنشر قصص نجاح الدول ذات الأغلبية المسلمة، مثل بنغلاديش والإمارات العربية المتحدة، حيث يتعايش تعليم المرأة وتوظيفها مع القيم الثقافية والدينية.
ومن خلال الجمع بين الحوار الديني والبراغماتية الإقتصادية والحركات الشعبية لتمكين المرأة، ينبغي على الغرب السعي لتحقيق تقدم تدريجي يكون أكثر استدامة من السّعي إلى تغيير فوري.
وإذ تستذكر حركة طالبان الطريقة التي عاملت بها القوى الأجنبية الشعب الأفغاني على مرّ القرون، فهذا بلا شكّ قد طوّر رد فعل عدائيً غريزيً تجاه أي شيء تقترحه أي قوة أجنبية. ولكن هذا بالتأكيد لا يبرّر معاملة الحركة للنساء بل ينبغي إقناعها، مع ذلك، بأن التغييرات المقترحة لا يمكن أن تفيد إلا الظروف الإجتماعية والإقتصادية لبلدها مع احترام حقوق المرأة دون المساس بمعتقداتها الثقافية والدينية.